''سيام 2024'': توزيع الجوائز على المربين للي ربحو في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    ميسي كيحطم الرقم القياسي ديال الدوري الأميركي بعد سحق نيو إنغلاند برباعية    توقعات أحوال الطقس غدا الإثنين    الملياردير ماسك يبدأ زيارة مفاجئة إلى بكين    بركة يدعو الاستقلاليين للابتعاد عن الحسابات الضيقة والعمل على نيل المراتب الأولى    تعيين حكم مثير للجدل لقيادة مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    ليفار: قرارات الرداد أثرت فخسارتنا لماتش الحسنية وغانشكيو به للجنة التحكيم باش ياخد الجزاء ديالو    بسبب خريطة المغرب.. إتحاد العاصمة الجزائري يتجه نحو تكرار سيناريو الذهاب    صحيفة "معاريف" الإسرائيلية: نتنياهو "متوتر جدا" من مذكرة اعتقال دولية محتملة ضده على خلفية ارتكابه "جرائم حرب"    الحبس النافذ للمعتدين على "فتيات القرآن" بشيشاوة    "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان "مالمو"    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    الحرب في غزة محور مناقشات قمة اقتصادية عالمية في المملكة السعودية    ساعة جيب لأغنى ركاب "تايتانيك" بيعت في مزاد لقاء 1,46 مليون دولار    محمد صلاح عن أزمته مع كلوب: إذا تحدثت سوف تشتعل النيران!    الحسنية يلحق الهزيمة الأولى بالجيش الملكي في البطولة    ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق "تيك توك"؟    مسؤولون في الخارجية الأمريكية يقولون إن إسرائيل قد تكون انتهكت القانون الإنساني الدولي    السلطات المغربية تتعقب صاحب صفحة "لفرشة"    الحصيلة المرحلية للحكومة في قطاع التعليم: من أجل أن تكتمل الصورة    محاولة الهجرة إلى سبتة تؤدي إلى مصرع شاب وظهور جثته في الحسيمة    حزب الاستقلال يجدد الثقة في نزار بركة أميناً عاماً    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    افتتاح مهرجان تطوان المتوسطي ب"بنات ألفة"    توقيف سارق ظهر في شريط فيديو يعتدي على شخص بالسلاح الأبيض في طنجة    مرصد الصحراء للسلم والديمقراطية وحقوق الإنسان يندد بالإعدامات التعسفية في حق شباب محتجزين بمخيمات تندوف    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    بمشاركة خطيب الأقصى.. باحثون يناقشون تحولات القضية الفلسطينية    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    عاجل.. مؤتمر "الاستقلال" يختار نزار بركة أمينا عاما لولاية ثانية    "دكاترة التربية الوطنية" يطالبون بتعويض المتضررين من عدم تنفيذ اتفاق 2010    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    ما هو صوت "الزنّانة" الذي لا يُفارق سماء غزة، وما علاقته بالحرب النفسية؟    قيادة الاستقلال تتوافق على لائحة الأسماء المرشحة لعضوية اللجنة التنفيذية    بدء أشغال المجلس الوطني لحزب "الميزان"    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    حزب "الاستقلال" يختتم مؤتمره.. في انتظار الحسم في اختيار أمينه العام واتجاه لتزكية بركة لولاية جديدة    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    صحيفة "النهار" الجزائرية: إتحاد العاصمة الجزائري يتجه إلى الإنسحاب من مواجهة نهضة بركان    وزان ..تحديد أفق إطلاق مشروع دار الاقتصاد الأخضر    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    انطلاقة مهرجان سينما المتوسط بتطوان    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    بفضل فوائده وجودته.. منتوج العسل المغربي يطرق أبواب السوق الأوروبية    الأمثال العامية بتطوان... (584)    اتحاد العاصمة باغيين يلعبو وخايفين من الكابرانات: هددو ما يلعبوش ويرجعو فالطيارة اليوم للجزائر وفاللخر مشاو يترينيو    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    نادية فتاح: المغرب يتيح الولوج إلى سوق تضم حوالي مليار مستهلك بإفريقيا    جاري القروض الصغرى المستحقة يصل إلى 8,4 مليار درهم في متم 2022    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالمغرب    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بائع أدوية الحشرات في الأسواق يتحول من مشعوذ مشهور إلى صحافي مهني
نشر في الوجدية يوم 13 - 08 - 2011


الشعوذة في مدينة الألفية:شؤون وفنون "مول الفوقية"
(الجزء الرابع)
-"حجابات" في كرسي المدير
-آثار شعوذة
-متعاون كان يبيع دواء البرغوث يتحول إلى فقيه
-ضحايا "مول الفوقية" من العذراوات و"المثقفين: وأصحاب: العكس"
-من مشعوذ إلى صحافي مهني
الشعوذة في مدينة الألفية:
شؤون وفنون "مول الفوقية"
(الجزء الرابع)
- سوق الوهم
- يتفوسخون ب"البوة" ويشربون ماء البحر !
- تفوسيخة تقضي على البطالة
- وصفات "فكاك لوحايل"
- تشرب من البحر لاستفراغ التوكال
- مواد سامة !
- ماذا يقول علم النفس؟
- عبد الله زيوزيو :يوظف المشعوذون أساليب "الحلاقية" لترويج خدماتهم
- أوهام "التوكال"
عندما يحول المشعوذون البطون إلى غرفة عمليات
- غاروا منها "... فسمموها"
- الذكاء نقمة
- مجيدة أبو الخيرات
الأفعى والحماة
- مجيدة أو الخيرات
حولتها "زرقة لعينين" إلى قردة
- شادية وغزو
مذيع يتحول إلى فقيه
"حجابات" في كرسي المدير
آثار شعوذة
بائع دواء البرغوث يتحول إلى فقيه ثم رجل إعلام
"حجابات" في كرسي المدير
كان مدير الجريدة الورقية الجهوية يحس بأريحية كبيرة كلما جلس على كرسيه، لكن هذه الراحة لم تدم طويلا فقد بدأ يحس بشيء ما يقلق راحته ونعومة الكرسي تحولت فجأة إلى صلابة ما جعل الشك يتسلل إلى دواخله.
لم يتردد المدير في نقل شكوكه إلى من حوله من الذين يثق بهم ليقترح عليه أحدهم إزالة غطاء الكرسي واكتشاف ما بداخله صدمة المدير كانت كبيرة جدا عندما أخرج مجموعة من "الحجابات" على شكل مربعات متوسطة الحجم مربوطة فيما بينها بخيط أبيض كتب عليه بسائل بني أشياء غير مفهومة تجمع بين كلمات من القرآن وطلاسم غير واضحة.
اندهش المدير مما وجده داخل كرسيه ولم يستطع تخمين الفاعل ولا المصلحة التي يتوخاها من وراء تلك الأعمال الشيطانية غير أنه رجح فرضية كون الفاعل يريد إزاحته من منصبه ليشغل مكانه.
آثار شعوذة
هذه الحادثة لم تكن الحالة الأولى التي تم فيها العثور على أشياء غريبة ففي قاعة التحرير والإخراج كان العاملون والعاملات والمتعاونون والمتعاونات يعثرون بشكل دوري على أشياء غريبة، كالتراب الممزوج بمسحوق غير معروف موضوع على شكل مجموعات صغيرة تربط بينها خطوط الشك في قلوب الأشخاص الذين وجدوه لاعتقادهم أن الأمر لا يتعلق بالحسر والشعوذة بل ربما يرتبط بعدم التنظيف الجيد للمكان، لكن بعدما وجد في كرسي المدير تسلل الشك إليهم، وبدأ كل واحد منهم يوجه أصابع الاتهام إلى الآخر بعد أن كان الانسجام يجمع بينهم.
استمر الوضع على هذا الشكل، فأصبح الجميع يحترسون في تعاملاتهم فلا يتناولون طعام بعضهم، وإذا ترك أحدهم فنجان قهوته أو قارورة الماء التي يشرب منها وذهب ألى أي مكان آخر، لا يعاود الشرب منها خوفا على نفسه مما بدأ يتداول عما تفعله المواد السامة بالجسم.
كثر الحديث داخل الجريدة عن أعمال الشعوذة التي يتم اكتشافها بشكل مستمر ففي أحد الايام قرر تقني الاخراج فتح كمبيوتر لكونه لم يعد يعمل بشكل جيد، ليرى إن كان مازال صالحا للعمل به أم لا لكنه سيفاجأ به مملوء غريبة لم يتمكن أحد من معرفة مكوناتها ولا حتى الغرض الذي وضعت من اجله داخله لتجدد الشكوك حول قيام أشخاص بعينهم بمثل هذه الأعمال.
قام المدير بإحراق "الحروز" التي وجدها وبدأ يحرص على إغلاق مكتبة كلما هم بالرحيل عنه، بعد أن كان يتركه مفتوحا في وجه كل العاملين.
متعاون كان يبيع دواء البرغوث يتحول إلى فقيه
مرت أشهر وكل واحد من المنتسبين للجريدة يراقب الآخر في صمت فبدؤوا يلاحظون ويسمعون عن قصص أحد المتعاونين الذي حول منزله لعيادة شعوذة وأعمال دجل،مع توصلهم بقصص غير أخلاقية حول شذوذه وقوادته وكذا رحلات تسوله إلى بعض الدول العربية،فشرعوا في التنقيب خلفه إلى أن تمكنوا من الحصول على معلومات أكيدة تفيد أن المنشط يقوم باستغلال الفتيات بادعاء إتقانه لأعمال فك "العكس" و"القبول".
كان المتعاون يعمل على جذب واستمالة النساء بربط الاتصال معهن داخل وخارج الجريدة حيث يقوم بعرض خدماته عليهن والاتفاق معهن على المجيئ إلى منزله أو منازله العديدة أين كان يقوم بكتابة "الحجابات" التي توهم ضحاياه بأنها فعالة في تقريب البعيد وفك السحر.
حضور إحدى ضحاياه إلى الجريدة كان "راس الخيط" الذي قاد العاملين بها، إلى كشف المستور واكتشاف صاحب أعمال السحر التي كانت منتشرة في كل مكان.
ضحايا "مول الفوقية" من العذراوات و"المثقفين: وأصحاب: العكس"
لن تنسى المترددات على " مول الفوقية " الخدمات الكثيرة التي قدمها لهن، فقد بزغ نجمه في سماء المدينة وما جاورها وذاع صيته، من خلال الخدمات التي دأب على تقديمها لزبوناته، هذه الشهرة دفعت الرجال إلى الانضمام لقائمة المقبلين عليها لكونه متخصصة في فك سحر العذراوات الباحثات عن الزواج والرجال "المثقفين" ومن يعانون من "العكس".
لا يتمتع " مول الفوقية " بطقوس خاصة تميزه عن غيره من "المشعوذين والدجالين" فكل من لجأ إليه، يجده يجلس في غرفة شبه مظلمة تخترق ظلمتها أضواء خافتة لمصابيح بألوان داكنة ممتلئة الجسم تخفي وجهه تحت لحاف أصفر اللون، كلما دخل عليه طالب لخدماته غرفته إلا وبدأ في "التكراع" (التجشؤ) بصوت عال وهو ينادي على أسياد الجن الذين يستوطنون جسده ويضع أمامه طاولة صغيرة مغطاة بثوب يحمل نفس لون اللحاف الموضوع على رأسه و"مبخرة صغيرة" تنبعث منها روائح البخور التي تعبق في الشارع بأكمله. يضع بجانبه "بوطة" من الحجم الصغير وآنية قديمة يستخدمه في أعماله المزعومة.
لم يبذل مشعوذنا كبير جهد في الدعاية لنفسه، فقد استطاع منذ وطأت قدماه الحي أن يربط علاقات مع كل نسائه من خلال الخدمات والنصائح التي كانت يقدمها لكل واحدة منهن على حدة.
" مول الفوقية " بدأ ينهل بالتدريج من عوالم الشعوذة ويتعلم أبجدياتها الأولى وكان يتزود من زاد أحد أكبر النصابين الذين عرفتهم المدينة ممن قاسمهم الشذوذ وأخذ الحرفة عنه بقواعدها ثم تفوق عليه.
فوجد " مول الفوقية " نفسه منغمس في عالم الشعوذة ، ليتحول بدوره إلى ساحر محترف وتصبح زوجته الأولى أول ضحية له، ومنفذة لأوامره فاقدة القدرة على الاستقلال بقراراتها بعيدا عنه.
من مشعوذ إلى صحافي مهني
تحول " مول الفوقية " في ظرف وجيز من مجرد موظف بسيط إلى "سحار" محترف، يسخر الجن لخدمة أغراضه الشيطانية وجمع الثورة من خلال شرائه للكثير من الأراضي والمنازل إضافة على رصيده البنكي والمجوهرات التي تزين زوجته الثانية جسدها، فلم يعد "باللي عطا الله" لأنه وضع تسعيرة تقدر ب 200 درهم مقابل الزيارة الواحدة إضافة إلى متطلبات فك السحر أو عمل "القبول".
لا يتوانى " مول الفوقية " طوال الوقت عن ترديد عبارة "أنا مكنديرش الخيوبة" مدعيا أمام الملأ أن كل ما يقوم به لا يعدو مجرد خدمات يقدمها "للمسحورين" أو "اللي عندهم العكس" ولا ينتظر منهم إلا "دعوة الخير".
فشبه الرجل الذي انتقل بسرعة البرق من الفقر إلى الغنى لا تفوت فرصة للتفاخر بأعماله البطولية في السحر تلبية لرغبات مريديه داخل البلاد وخارجها، لأنه تمكن من تطوير نفسه وتوسيع شبكة المستفيدين من خدماته باستقطاب رجال السلطة و"مالين الفلوس" وضمهم لقائمة أتباعه فمجاهرته بأعماله ناتج عن قوة يستنبطهه من الحماية التي توفرها له معرفته بهذا النوع من الناس،بل ومكنته من إصدار جريدة ورقية وموقع إلكتروني خاصين به في تحد سافر لكل القوانين رغم أميته،وهي نفس الحماية التي وفرت له كذلك بطائق الصحافة الرسمية المهنية له ولإحدى زوجاته وبناته...وباقي العاطي يعطي إلى يوم الحساب....
..........................................................................
(الجزء الثالث)
تتمدد خديجة طوال اليوم على السرير، لا تستطيع الحراك لقضاء حاجياتها إلا بمساعدة والدتها، بوجه شاحب وجسد نحيف أنهكه المرض تحاول الشابة العشرينية جاهدة الاعتماد على نفسها في التنقل داخل البيت.
غاروا منها "... فسمموها"
عرفت خديجة في وسطها العائلي وبين الجيران بجمالها وطيبوبتها اللامحدودة كيف لا وهي الفتاة البشوشة المحبوبة من طرف الجميع، تخلت مبكرا عن مقاعد الدراسة للظروف مادية ألمت بعائلتها فقررت التسجيل في إحدى مؤسسات التكوين المهني، حتى يتسنى لها الحصول على عمل تساعد به عائلتها على مصاريف الحياة الباهظة.
مر عاما التكوين المهني بسرعة، وجاء موعد رحلة البحث عن عمل، التي استقرت بها في أحد المعامل،استطاعت في مدة بسيطة أن تكسب حب رؤسائها في العمل، باحترامها لعملها وزملائها وحرصها على القيام بواجبها المهني.
لم تمض على خديجة ثلاث سنوات حتى أثبتت وجودها في الشركة حيث أصبحت مسؤولة العاملات داخل المعمل وهو الأمر الذي آثار حفيظة العديد من الفتيات اللواتي كانت تعتبرهن صديقات لها، وفي مقدمتهن صديقتها الحميمة وابنة الجيران التي جمعتها بها سنوات الطفولة والدراسة.
بالرغم من الترقية التي حصلت عليها خديجة في عملها فمعاملتها مع المحطين بها لم تتغير وحرصت على الحفاظ على الطقوس التي كانت تجمع بينهم، كالمشاركة في تناول وجبة الغذاء والقيام بنزهات بشكل جماعي.
غاب عن خديجة أن تكون في يوم من الأيام عرضة للتسمم من طرف صديقتها التي تتشارك معها الأسرار بالرغم من ملاحظتها لتغير معاملتها اتجاهها غير أنها لم تعط الأمر أي أهمية.
مرت الأيام دون أم تكترث خديجة للشرخ الذي اصاب علاقتها بمن كانت صديقتها،وجاء اليوم الذي كانت تنتظره من أجل القضاء عليها وإزاحتها عن طريقها حيث كانت خديجة منشغلة بإتمام عمل كان ينتظرها فقامت صديقتها التي سبقتها بتناول غذائها دون أن تنتظرها.
حضرت خديجة فوجدت صديقتها قد سبقتها في تناول الظعام وتركت لها نصيبها فتناولت دون أن تشك للحظة أنه يحتوي على مواد سامة وأن نهايتها ستكون على يد اقرب الناس إليها، بالتدريج بدأت تحس بصحتها في تراجع مستمر، حيث فقدت الشهية لتناول الطعام ولم تعد تستطيع القيام بمجهود كبير إلى أن فقدت القدرة على الحركة.
طرقت خديجة أبواب الكثير من الأطباء لكن دون جدوى، فلم يستطع أي أحد منهم تحديد نوع المرض الذي أصابها غير أنهم أجمعوا على كونها تناولت شيئا ساما، وهو الأمر الذي لم تستطع تصديقه فقد عشش في تفكيرها أنها ضحية كيد صديقتها التي غارت منها فدست لها "التوكال" في الأكل حتى تزيحها من طريقها لتبدأ مرحلة جديدة من العلاج على يد "العشابة" و"الشوافات"، وتوصد الباب أمام العلاج العلمي، الذي يمكن أن يخلصها من المرض الذي ألم بها.
الذكاء نقمة
تميز كريم منذ صغره بنباهته وذكائه حيث كان يحظى بحب أساتذته لأنه سريع البديهة محترما لنظام المؤسسة التي ينتمي إليها.
طوال سنوات الدراسة وكريم يقضي معظم وقته في غرفته يراجع دروسه ويطلع على كل ما يمكن أن يساعده على التفوق وتحقيق مناه بأن يصبح محاميا بعيدا عن تضييع الوقت في أشياء لا يستفيد منها.
كانت كل الظروف ملائمة له لتحقيق حلمه، فقد عمل والده على توفير الجو الذي يمكن أن يساعده على ذلك، وبدلا مجهودا كبيرا من أجل عدم تحسيسه بأي فرق بينه وبين أقرانه في المدرسة.
ذكاء كريم ونجاحه في دراسته ومحبة الناس له من الأسباب التي دفعت الكثير من المقربين منه إلى الشعور بالغيرة تجاهه لكن دون إظهار مشاعرهم نحوه.
بدأ الأصدقاء يبحثون عن الوسيلة المثلى التي تزيح كريم من طريقهم دون أن يتركوا أثرا يقود إلى تعقبهم واكتشاف فعلتهم.
خرج الأصدقاء كما العادة في إحدى الأمسيات إلى المقهى التي كانوا يترددون عليها وكما هو الشأن بالنسبة لجميع الأيام التي كانوا يلتقون فيها بالمقهى قام أحدهم بينما هم منشغلون بالدردشة مع بعضهم، واتجه صوب النادل ومد له شيئا وهو يتحاشى أن يراه أحد ثم عاد إلى مكانه وكأن شيئا لم يكن.
دفع الأصدقاء مالا كثيرا للنادل، كي ينفذ المهمة التي أنيطت به، لوضع المواد السامة لكريم في القهوة السوداء التي طلبها.
إدمان كريم على تناول القهوة السوداء، سهل المهمة على أصدقائه وعلى النادل أيضا، فقاموا بوضع مسحوق مكون من أظافر آدمية مطحونة وعشبة تباع عند "العشابة" تسمى "شدق الجمل" خليط هذه المواد يؤدي بأكلها إلى الجنون وهو ما حصل لكريم حيث ما فتئ يعود إلى منزله حتى انتابته نوبات عصبية غريبة.
بدأ كريم يحطم كل ما في طريقه من أواني وأثاث بل حتى والدته لم تسلم من الاعتداء حاول بعض أصدقائه من سكان الحي فقد "طار عقله" وفقد القدرة على التحكم في تصرفاته ليهيم على وجهه في ملكوت الله.
بحثت الأم طويلا عنه في الشوارع بعد خروجه في تلك الحالة الهستيرية إلى أن وجدته بعد مرور أسبوعين وهو في حالة يرثى لها أشعث الشعر متسخ الملابس.
حاولت الأم معالجة ابنها بعرضه على طبيب نفسي لكن العلاج النفسي لم يكن نافعا، لأن الوالدة سرعان ما كانت تقطع رحلاته العلاجية وتسافر به نحو أولياء الله الصالحين طلبا للعلاج مصدقة أن ما أصاب ابنها لا يمكن أن يكون بسبب ضغوط نفسية تعرض لها، أثرت عليه، ليبقى سجين المرض العقلي إلى أن تعرض لحادثة قطار سجين المرض العقلي إلى أن تعرض لحادثة قطار فقد بسببها حياته وذهب إلى غير رجعة.
الأفعى والحماة
تتداول الألسن في المجتمع المغربي الكثير من الحكايات الموغلة في الغرابة عن قدرة السحرة والمشعوذين على القيام بأعمال بطولية للتحكم في مصير الناس سواء بتحقيق أشياء مضرة أو أخرى نافعة حسب طلبات الوافدين عليهم.
ومن القصص التي تفنن الناس في إضفاء طابع الإثارة والغرابة عليها، حتى يتأثر الناس ويصدقوا كل ما يحكي عن المشعوذين من هذه الحكايات قصة زوجة الابن التي كبلت الأفعى للتخلص من حماتها.
الحماة كثيرة "النكير" لا تفوت فرصة للتعبير عن سخطها وعدم رضاها عن كل ما تفعله زوجة ابنها منذ استيقاظها في الصباح الباكر وحتى موعد نومها والحماة لا تفعل شيئا سوى مراقبة تصرفات كنتها.
تعيش المرأة الستينية رفقة ابنها وزوجته فمنذ وفاة زوجها حرص أكبر أبنائها على السكن معها، حتى يؤنس وحدتها "ويعمر عليها الدار" بعد أن تفرقت السبل بأبنائها الآخرين ولم يبق غيره وأخوه الأصغر لكن بالرغم من ذلك فزوجته كانت تقدر كون شيخوخة الحماة لعبت يعقلها وأفقدتها صوابها، فتعودت على الأمر وحاولت التعايش معه حتى تتمكن من الحفاظ على ما شمل أسرتها الصغيرة، والإبحار بحياتها الزوجية إلى شط النجاة .تزوج الابن الأصغر وفضل السكن رفقة أخيه ووالدته ظنا منه أن زوجته ستستطيع التأقلم مع جو الأسرة وحفاظا على الدفء العائلي،وهو الأمر الذي لم يحدث، حيث لعبت الوساوس برأسها، وشرعت في استخدام "كيد النساء" للتخلص من "صداع لعكوزة".
قامت زوجة الابن الأصغر بتحريض "مرات لوسها" بضرورة فعل شيء لإسكات الحماة، فأقنعتها أن لديها طريقة لفعل ذلك دون أن يحس أحد بأنهما الفاعلتان، حيث جلبت أفعى وقامت بتكبيلها بحبل، وإغلاق فمها عن طريق ربطه بخيط ثم وضعتها في صندوق صغير وأحكمت إغلاقه وحرصت على تقديم وجبة لها مكونة من البيض بين الفينة والأخرى.
القصة تصبح أكثر إثارة عندما تأتي نتيجة هذا العمل في صالح الزوجة.
تقول الحكاية منذ تكبيل الأفعى والحماة لا تستطيع تحريك أطرافها، فقد شلت حركتها بالكامل،؟ بل حتى فمها لم تعد تفتحه غلا في الوقت الذي تكون فيه الأفعى تتناول وجبتها عندما تستطيع تحريك شفتيها وتناول أكلها لتعود إلى حالتها الأولى بعد أن يتم ربط فم الأفعى ثانية.
استغرب الابنان للحالة التي آلت إليها صحة والدتهما، بعدما كانت لا تشتكي من شيء فكان أول ما فكرا فيه نقلها إلى الطبيب للتعرف على سبب هذه الأغراض الغريبة لكن الأطباء أجمعوا على خلوها من أي مرض يكون المسؤول عن حالتها.
يئس الابنان وحولا دفة البحث جهة الطب الشعبي و"الفقهاء" بإيعاز من أحد معارفهم الذي نصحهم بفقيه ضليع يستطيع فك لغز مرضها المحير إذا كانت مسحورة بعد تردد كبير ذهب الأخوان إلى الفقيه الذي رفض كشف الحقيقة إلا بعد إحضار كل من ألام والزوجتين رفقة الصندوق الذي دلهما على مكان تواجده.
عاد الابنان إلى المنزل ونفذا كلام الفقيه بالحرف، فكشف لهما المستور عندما أخرج الأفعى المكبلة من الصندوق وفكها فتمكنت الأم من تحريك أطرافها والتكلم من جديد
نهاية سعيدة ككل الحكايات التي ترويها الجدات لأحفادهن لكن هذه المرة على لسان زبناء المشعوذين .
حولتها "زرقة لعينين" إلى قردة
عرفت المشاكل الطريق إلى بيت لطيفة بعد مرور عشر سنوات على زواج هانئ كانت السعادة والانسجام عنوانهّّ، لتنقلب حياتها رأسا على عقب، وتعكر المشاحنات اليومية صفو علاقتها بزوجها الذي أصبح شديد التذمر ويسيء معاملتها بل ويمتنع حتى عن معاشرتها دون أن تجد المرأة الثلاثينية أسبابا مقنعة تقف وراء ذلك التحول المفاجئ.
"راجلي تبدل بزاف وولي كيتعصب عليا بلا سبب هادشي علاش مشيت عند واحد الشوافة، تقول لطيفة، فلم يمنعها مستواها التعليمي ولا مكانتها الاجتماعية من اللجوء إلى إحدى الشوافات بضريح سيدي عبد الرحمان لكي تضع حدا لحيرتها التي باتت تقض مضجعها بالليل وجعلتها مستباحة من الشكوك بوجود غريمة لها تحاول خطف زوجها.
تحينت لطيفة فرصة ذهاب زوجها إلى العمل وأبنائها إلى المدرسة لتخرج بدورها وتمتطي سيارة أجرة في اتجاه سيدي عبد الرحمان.
خرصت لطيفة أثناء قيامها بتلك المهمة السرية على التخفي بحيث ارتدت النقاب خوفا من أن تلتقي هناك بأحد معارفها فيكتشف أمرها عند الزوج.
مشت على كول الممر الرئيسي المؤدي إلى الضريح وهي تمعن النظر في وجود الشوافات اللواتي يعرضن خدماتهن باسم "بركة مول المجمر" قبل أن تقرر لطيفة الجلوس بجانب إحداهن للاستفادة من استشارتها.
اشترطت الشوافة الحصول على "الفتوح" قبل الشروع في قراءة الطالع وكشف المستور طلب لقي استجابة سريعة من قبل لطيفة التي منحتها مبلغ 50 درهما ووعدتها بالمزيد في حال قدمت لها الجواب الشافي على سؤالها.
رددت الشوافات عبارات غير مفهومة وهي "تضرب الكارطة" ثم قامت بإعطاء لطيفة 3 ورقات وطلبت منها وضعها على قلبها وترديد العبارة الشهيرة "ها قلبي ها تخمامي هاباش ياتيني الله ثلاث مرات"، واستعادت بعدها الورقات الثلاث.
التزمت الشوافة الصمت للحظات قبل أن تبدأ في فك رموز الأرقام والصور على الورقات.
"زرقة العينين سحرات لراجلك حتى ولى شايفك قردة" كان أول ما تفوهت به الشوافة قبل أن تتعمق في وصف الغريمة المزعومة وفضح مكائدها.
وحدها تلك العبارة كانت كافية لتأكيد شكوك الزوجة الملائمة لها منذ شهور، فالأوصاف المذكورة جعلت أوهام ومخيلة الزوجة تتجه نحو الكاتبة الخاصة لزوجها التي لاتزال عازمة رغم جمالها الصاخر، ما جعل لطيفة تكتوي بنار الغيرة والشك.
استشاطت لطيفة غضبا فغادرت المكان متجاهلة دعوة الشوافة لها إلى البقاء حتى تطلعها على كيفية فك السحر.
قادها غضبها بسرعة البرق إلى الشركة حيث يعمل زوجها وتحديدا إلى مكتب "زرقة العينين" التي بادرتها باستفسار باللغة الفرنسية عما إذا كان بإمكانها المساعدة لتتلقى الرد بلغة العنف النسائي بدء ب"النتيف" وانتهاء ب"التصرفيق" بحيث انقضت عليها لطيفة بشكل مفاجئ مغلقة كل أبواب الحوار ، لم يخلص الكاتبة من قبضتها سوى الزوج الذي انتفض من مكانه على صوت شتائم زوجته وصراخ عشيقته المزعومة.
حاول الزوج أن يهدأ من روع لطيفة لكن محاولاته لم تكن كافية لإخماد نار الغيرة المشتعله في قلب الزوجة، التي تمادت في اتهاماتها للكاتبة بممارسة السحر وتحويلها من امرأة جميلة إلى قردة في عيني زوجها قبل أن تصب جام غضبها على الأخير بسبب محاولته التدخل ب"خيط أبيض" متهمة إياه بالخيانة.
لم تتمثل لطيفة لأوامر زوجها لها بالرحيل ووقف تلك المهزلة التي جعلت منهما أضحوكة أمام الموظفين إلا بعد تهديده لها بأبغض الحلال، لتعود أدراجها في خضوع تام، يسيطر عليها الشعور بالإحباط لعجزها عن إقناع زوجها بطرد الكاتبة "السحارة" وتكون بذلك استشارتها للشوافة موضوع خلاف جديد بينها وبين زوجها الذي لم يستسغ فكرة لجوئها خفية عنه إلى الشوافات.
..........................................................................

(الجزء الثاني)

مواد سامة !
يعتبر "التوكال" عن طريق الشعوذة الأكثر شيوعا في إلحاق الأذى بالأشخاص والشكل البدائي في الانتقام بحيث تتعدد الوصفات التي يستعملها المقبلون على ممارسة طقوس السحر والشعوذة لتحقيق أغراضهم الشيطانية.
تنقسم المواد المستعملة في تحضير وصفات التسميم الشعبية في المغرب إلى ثلاثة أنواع، وهي سموم من أصل نباتي وثانية من اصل حيواني وأخرى من اصل معدني.
ويندرج ضمن النوع الأول، استعمال بيض بعض الزواحف، والحشرات ورأس الغراب المحروقة وغيرها، أما السموم ذات الأصل النباتي فتحضر من الأوراق أو الثمار السامة لبعض النباتات البرية مثل "تفاح الجن" أو "بيض الغول" المعروف بخطورته الشديدة على صحة الإنسان التسميم، إذ يكفي غرام واحد منه لقتل إنسان على الفور.
ومن اشهر المواد السامة المنتمية إلى الصنف الثالث ذات الأصل المعدني ، يوجد "الرهج" وهو عبارة عن حجر مستدير أصفر اللون في حجم حبة الحمص.
وتستعمل أغلب المواد المسمومة مذابة في الوجبات المحلية الشهيرة، مثل أطباق الكسكس والحريرة، كما تضاف إلى مشروب القهوة دون إضافة مادة الحليب.
هناك نوع رابع من المواد التي يعتقد العامة أنها تحتوي على عناصر سامة، وتتكون في أغلب الأحيان من أجزاء من جسم الإنسان مثل الأظافر ودم الحيض الذي يستعمل في وصفات التسميم طريا.
كما تستعمل أجزاء من جثة الميت وماء غسله قبل دفئه والأتربة المحطية بسبع مقابر، وما يوجد داخلها من عظام الموتى اعتقادا من المشعوذين أن الموت شيء معد.
تختلف درجة حدة تلك المواد حسب نوع العناصر والمقادير المستعملة من المادة السامة، أو حسب ما إذا كان الفاعل يهدف من وراء عملية التسميم إلى إصابة الشخص بمرض مزمن، أو قتله على وجه السرعة، أو تعذيبه من خلال الموت البطيء.
جميع تلك العناصر السامة تباع في محلات العطارة إلى جانب مستحضرات ومواد أخرى عادية ما يعرض صحة المستهلكين للخطر، دون أي نوع من تدخل السلطات الأمنية لمنع بيعه.
ماذا يقول علم النفس؟
يوظف المشعوذون أساليب "الحلاقية" لترويج خدماتهم
تتعدد الأسباب النفسية التي تدفع بالعديد من المغاربة إلى الإستعانة بخدمات المشعوذين لإيجاد حلول لمشاكلهم الصحية والنفسية بدلا من اللجوء إلى الأطباء ويمنحون بذلك لبعض الدجالين فرصة استغلالهم ماديا وإلحاق الضرر بهم فيما بعد. يقدم الدكتور زيوزيو المحلل والطبيب النفسي من خلال هاته الإضاءة تحليلا نفسيا لظاهرة إقبال الناس على الفضاءات التي تمارس بها طقوس السحر والشعوذة.
يرتبط لجوء الناس إلى الشوافة و"الفقيه" والمشعوذين بشكل عام بالثقافة السائدة داخل المجتمع المغربي والعادات المتوارثة عبر الأجيال كالتداوي بالأعشاب والتبرك بالأولياء الصالحين عندما يعاني الأشخاص من مشاكل صحية أو نفسية بدلا من الذهاب إلى الطبيب، وهو الأمر الذي يستغله المشعوذون من خلال ادعائهم الإلمام بكل طرق التداوي وتقديم وصفات تتكون من أنواع مختلفة من الأعشاب الطبيعية أغلبها يكون ساما، ويشكل خطرا على حياة المريض.
لا يجد المشعوذون أي صعوبة في إقناع المرضى بقدراتهم الخارقة في علاج جميع الأمراض لأنهم يوظفون أساليب مميزة في التواصل شبيهة بأساليب "الحلايقية" لترويج منتوجاتهم وخدماتهم كما يبرعون في العزف على الوثر الحساس للمريض الذي يعاني الألم النفسي والجسدي، لأن الألم والعذاب النفسي قد يدفعانه إلى تصديق كل الوعود الكاذبة التي يقدمها له أولئك الدجالون دون الخضوع للعقل والمنطق فالشعور باليأس والإحباط يكون مسيطرا عليه خاصة إن لم يتم شفاؤه عن طريق الأدوية الموصوفة من قبل الطبيب.
انعدام الثقة وضعف الإيمان لدى بعض الأشخاص يجعلهم يصدقون كل الروايات التي يرددها على مسامعهم "الفقهة" و"الشوافات" غذ تعلق الأمر بوجود أشخاص يكنون لهم الكراهية ويرغبون في إيذائهم وبالتالي تصبح لديهم القناعة التامة بأنهم كانوا ضحايا لأعمال السحر والشعوذة وليس لمرض قد يصيب أي شخص ويتطلب الشفاء منه لجوءهم على الأطباء وليس المشعوذين.
من بين الأسباب المساهمة في إقبال المغاربة على بعض الفضاءات التي يمارس بها السحر وتباع فيها كل مستلزماته يأتي الفهم الخاطئ فيما يخص الطب النفسي، إذ يعتقد العديد من الناس بأنه في مستشفيات الأمراض العقلية يتم إجبار المرضى الذين يعانون من اضطرابات وأمراض نفسية على تناول "المخدرات" ومعاملتهم بطرق غير إنسانية ما يجعلهم يخشون اللجوء إلى الأطباء المختصين وينقلون ذويهم إلى الأضرحة في نهاية المطاف، وتلك الأماكن يمكن اعتبارها "سجونا خاصة" تتم ممارسة بداخلها كل طقوس الشعوذة على أولئك المرضى بينما تقوم عائلاتهم بدفع الأموال الطائلة للمشعوذين الذين يجدون بذلك الفرصة المواتية لاستغلالهم ماديا والوسيلة السهلة لتحقيق الربح.
أوهام "التوكال"
عندما يحول المشعوذون البطون إلى غرفة عمليات
حكايات كثيرة يتداولها الناس عن "التوكال" الذي حسب رأيهم وصفة من وصفات "الانتقام"ويصبح الأمر أقرب للتصديق عندما يتوجه الشخص الذي ابتلع هذه الوصفة إلى المشعوذين الذين يدفعونه على التقيؤ للتأكيد له على أنه مريض ب"التوكال" وبأن شخصا ما قد يكون انتقم منه بهذه الطريقة وبالرغم من آن المريض يعرف جيدا أن أمراض الجهاز الهضمي كثيرة إلا أن الوهم الذي سيطر على أفكاره يجعله مقتنعا بتغليب رأي المشعوذ على رأي الطبيب لنتابع هذه الحكايات...
.........................................................................

(الجزء الأول)
سوق الوهم
هم أناس يعانون من مركب نقص تسيطر عليهم الأوهام وتظهر جليا على سلوكاتهم الغربية مع الناس، لا يستطعون تحقيق رغباتهم بالصبر والمثابرة وبذل المزيد من الجهد لإثبات ذواتهم والبرهنة على وجودهم سواء في ميادين العمل أو الدراسة أو العلاقات الإنسانية المعقدة يتوهمون أن الشعوذة تستطيع الإيجاز بهم في عوالم النجاح والنجومية بسرعة البرق، بدافع الغيرة والحقد في لحظة ضعف إنسانية يلجؤون إلى أساليب غريبة، توسوس لهم بها، أنفسهم يرتكبون جرائمهم في صمت. ويتفرجون على ضحاياهم وهم يعانون من التسممات التي يكون سببها المواد الغريبة المستعملة في الوصفات الانتقامية العجيبة التي يخطها "الفقها" و"الشوافات" "شدق الجل"، الأظافر، بيض الغول، وتفاح الجن.. مواد كثيرة يوظفها المتهافتون على خدمات المشعوذين و"السحارة" لتحقيق مآربهم ورغباتهم الشيطانية، في القضاء على منافس لهم في العمل أو الدراسة أو حتى رغبة في ربط الزوج أو الحبيب وضمان ولائه حتى لا "تزيغ" عيناه وينظر إلى غيرها.
بالمقابل تجد النصابين الذين يدعون امتلاكهم للحكمة، والقدرة على فك السحر، وعمل المعجزات بالتحكم في الجن وتسخيره في تحقيق كل ما يطلبونه منه. ينتشرون في كل مكان في الأحياء الهامشية وحتى الشقق الراقية، ويختبؤون وراء أي مهنة تساعدهم على استغلال ضحاياهم دون غثارة الانتباه "نقاشة، فرانكة، أو عشابة ولا فقيه" في الأسواق تجدهم يبيعون الأعشاب والحيوانات المحنطة ويستغلون المكان في "تشوافت". لا يتحرجون في المناداة على كل عابرة سبيل والوسوسة لها بقدراتهم العجيبة "كين شي مانقضيو" "آجي نكول ليك" "إلى عندك شي واحد بغيتي تسكتيه" عبارات كثيرة تتطاير في الهواء من كل محلات العشابة المنتشرة على طول سوق الجميعة أمام مرأى الجميع" أساليب عديدة ومختلفة يتفنن فيها المشعوذين ويلجؤون إليها لتصيد ضحاياهم والإيقاع بهم، أمام الملأ دون أن تتدخل السلطات الأمنية لوقف زحفهم وتأثيرهم على أصحاب النفوس الضعيفة.
يتفوسخون ب"البوة" ويشربون ماء البحر !
عندما يصبح "لعكس" و"السحور" الشماعة التي يعلق عليها العديد من الناس فشلهم في حل مشاكلهم وبلوغ أهدافهم يكون من السهل على "الشوافة" و"سي الفقيه" إقناعهم بقدراتهم الخارقة في فك السحر وجلب القبول وحتى إن تعلق الأمر بالحصول على وظيفة وإزاحة الخصوم. حقيقة يمكن اكتشافها بزيارة قصيرة لسوق (...).
إقبال يومي تعرفه زنقة "..." حيث تكتري الشوافات غرفا تتخفى داخلها بعضهن وراء امتهان نقش الحناء، فيما تعمل الأخريات علنا، أما "الشوافون" فأغلبهم من أصحاب محلات العطارة المصطفة على طول السوق.
لا تخلو الدكاكين من جميع مستحضرات ولوازم "السحور" والشعوذة فجميعها تضم أكياسا قديمة مملوءة بالأعشاب وبالمعادن الشموع مختلفة الألوان والحيوانات المحنطة، فهناك من يعلق على واجهة محله قنفذا محنطا والآخر الذي يعلق جلد أفعى، في حين أن محلا أو اثنين على الأكثر يعلقان في مكان بارز رأس ضبع محنط ، مظاهر غريبة ومخيفة لكنها مكنتهم من كسب ثقة وولاء الزبناء الباحثين عن حلول لمشاكلهم المستعصية.
تفوسيخة تقضي على البطالة
دخلت شابة جميلة، ممشوقة القوام ترتدي جلبابا وردي اللون، إلى منزل أحد الشوافين ممن يعرضون خدماتهم ب"تحت الدف" لم تجد حرجا في التحدث إليه بصوت مرتفع وهي تخبره عن سبب زيارتها قائلة "زبيدة هي اللي صيفطاتني عندك وقالتلي نتا اللي غتحيد ليا هاذ لعكس"، ابتسم "الشواف" وأجابها "ماغادي يكون غير الخير إن شاء الله" داعيا إياها إلى الجلوس، إجابة جعلت الشابة تطمئن لتجلس وتبدأ في سرد مشكلتها.
"كاع الناس اللي كنعرف خدموا فشركات بدبلومات قل مني وأنا لعكس تابعني"، بصوت مهزوز يحمل الكثير من الحسرة، عبرت الشابة عن شعورها بالإحباط لعدم حصولها على اليوم على عمل قار رغم كل محاولاتها مؤكدة على ‘ورها في كل مرة بأنها اقتربت من إدراك مرادها من خلال الفرص الكثيرة التي تتاح لها، وحرصها على استغلالها أحسن استغلال، لكن "داكشي ما كانش كيكمل" في آخر لحظة دون مبرر مقنع ومنطقي ما جعلها لا تستبعد فرضية أن تكون ضحية "سحور" مورس عليها من قبل إحدى منافساتها في العمل أو من إحدى قريباتها العاطلات والحاقدات عليها، اللاتي لا تيقبلن فكرة أن تحصل على فرصة عمل قبلهن !
قام الشواف من مكانه واتجه نحو صندوق خشبي مهترئ وأخرج منه حقيبة سوداء، ثم أخرج منها دفترا يتضمن أوراق بيضاء وأخرى تحمل خطوطا ورسوما وحده يعرف معناها.
لم يختلف أسلوبه كثيرا عن أساليب باقي الشوافين والشوافات بحيث طرح عليها الأسئلة التقليدية المتعلقة باسمها واسم والدتها، وشرع في الرسم والتخطيط قبل أن يلتزم الصمت للحظات، ومن ثم يخبرها متأسفا بأن "أبواب السعد مغلقة في وجهها بسبب سحر منثور أمام عتبة منزلها قامت بنثره امرأة مقربة منها".
اندهشت الفتاة لما سمعته وطلبت منه إخبارها عن اسمها أو إعطائها وصفا دقيقا لها حتى تتمكن من التعرف عليها، لكن "الشواف" اكتفى بتكرار نفس الإجابة بأنها امرأة مقربة منها، مؤكدا لها بأنه يمتلك الوصفة الملائمة لإبطال السحر وهي عن بخور عليها استخدامه لمدة أربعة أيام متتالية ليتم فك "لعكس".
طلب الشواف من ابنته إحضار عناصر البخور أو "التفوسيخة" من بعض الأحجار إضافة إلى حرباء "البوة" محنطة وطلب منها إحراق تلك العناصر على نار المجمر الموجود دائما بمكتبه والتخبر بها إلى أن يغمر دخانها كل أرجاء البيت حتى يتم فك "لعكس".
استلمت الشابة عناصر البخور مقابل 200 درهما دون أن تنسى دفع ثمن الاستشارة التي استغرقت 10 دقائق بألف درهم لتغادر والسعادة على محياها، بعد أن حصلت على الوصفة السحرية التي ستفتح لها أبواب العمل الموصودة.
وصفات "فكاك لوحايل"
بمجرد أن غادرت الزبونة التي استمد من لجوئها إليه بنصيحة من صديقتها الكثير من الفخر والإعتزاز، بدأ "الشواف" باستعراض نجاحاته في إبطال السحر، وجلب القبول للباحثات عن زوج أو وظيفة ومعالجته لضحايا "التوكال" من خلال الوصفات التي يقدمها لهم، ما مكنه من التمتع بسمعة طيبة بين هؤلاء، مستحضرا تجربة صديقة الزبونة المنصرفة والتي كانت بدورها ضحية أعمال سحرية قامت بها زميلات لها بالعمل من أجل إزاحتها من طريقهن والتي ما كانت لتستقر بعملها لولا تدخله الناجح في إبطال السحر.
وما هي إلا ثوان معدودة حتى أقبلت على منزل "الشواف" امرأة أخرى ممتلئة الجسم ترتدي عباءة سوداء، كانت تبحث عن عناصر "التفوسيخة" لتبخر بها ابنتها التي لا يتجاوز عمرها الإثني عشر سنة بعد أن أكد لها أحد "الفقهة" بأن ابنتها كانت ضحية عمل سحري قامت به عائلة طليقها التي تكن الكراهية لها ولابنتها.
قدم "الشواف" للمرأة نفس الوصفة التي حظيت بها الزبونة السابقة، ثم طلب الحصول على 200 درهم، لكنها أجابته في استحياء بأنها لن تستطيع دفع أكثر من 50 درهم لأن عليها اقتناء نفس المكونات من سبع محلات مجاورة عملا بتوجيهات "السي لفقيه".
استلم "الشواف" ال50 درهم ووضعها في جيبه مودعها إياها بعبارة "الله يخلف" وطالبا منها العودة مجددا مصحوبة بابنتها ليشخص حالتها بالمجان وسمينحها الوصفة المناسبة، لأنه "كيبغي يدير لخير مع الناس" على حد قوله.
تشرب من البحر لاستفراغ التوكال
على بعد كلم أو أقل من المنزل السابق ، يوجد محل صغير تكتريه شوافة ذائعة الصيت يلقبونها ب"الشريفة عيشة" على ناصية المحل كانت تجلس امرأة نحيفة الجسم، شاحبة الوجه، تحتمي من أشعة الشمس وتنتظر قدوم الشوافة إلى أن دخل المحل شاب أسمر البشرة يرتدي وزرة مفتوحة الأزرار، فقدت بياضها بفعل الأتربة التي علقت بها جراء احتكاكه بالأعشاب والوصفات السحرية، وأخبرها بأنه ابن الشوافة وبأن والدته ذهبت في مهمة خارج المدينة، ولن تعود قبل أسبوع : حالة من اليأس انتابت المرأة بعد إدراكها بأنها تكبدت عناء القدوم دون جدوى ، قبل أن تقرر استفسار ابن "الشوافة" عن مشكلتها.
"للا الشريفة قالت ليا نشرب الما دلبحر مع وريقات الدفلة وشنتورة باش نحيد التوكال من لمدن ولكن ما قضاش ليا"،بنبرة حزينة عبرت عن إحباطها لعدم تخلصها من أعراض التوكال من آلام على مستوى المعدة وانتفاخ في الجسم رغم أنها واظبت على استعمال الوصفة التي منحتها إياها "الشريفة عيشة"
سكت ابن "الشوافة" للحظات ظل فيها يمعن النظر على مختلف أنواع الأعشاب المتواجدة داخل المحل، قبل أن يتناولها إحداها ويتوجه إلى المرأة الحائرة مخبرا إياها بأن عليها إضافة تلك العشبة المسماة "سرغينة" إلى باقي المكونات لأنها ستساعدها على استفراغ "التوكال".
أخذت المرأة العشبة مقابل 5 دراهم واكتفت بالقول في تذمر تام "هانا غنجرب حتى هاذي"، ثم ذهبت إلى حال سبيلها، مفسحة المجال أمام غيرها من الزبناء الذين استسلموا لليأس وقرروا تغييب عقولهم والإستغناء عن خدمات الأطباء في حل مشاكلهم الصحية والتوجه بدلا من ذلك إلى زنقة "العكرات" عملا بالمقولة الشهيرة "سال لمجرب لا تسال طبيب".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.