تفاصيل الإتفاق بين رئيس الحكومة والمركزيات النقابية    التنسيق الميداني للتعليم يؤجل احتجاجه    وزير خارجية غامبيا يؤكد على أهمية المبادرة الملكية من أجل الأطلسي    نيروبي.. وزيرة الاقتصاد والمالية تمثل جلالة الملك في قمة رؤساء دول إفريقيا للمؤسسة الدولية للتنمية    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    الحبس النافذ لصاحبي أغنية "شر كبي أتاي"    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    بتنسيق مع "ديستي".. الحرس المدني يحجز زهاء طنين من الحشيش بسواحل إسبانيا (صور)    الدرك يوقف مشتبها فيه بقتل تلميذة    مجلس النواب.. انطلاق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية برسم سنة 2024    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    الاتفاق رسميا على زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام بمبلغ 1000 درهم شهريا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    يوم دراسي حول مكافحة الجرائم الماسة بالمجال الغابوي    الحوار الاجتماعي..الحكومة ترجئ الحسم في ملفي التقاعد والإضراب إلى حين التوافق مع النقابات        الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    ارتفاع أسعار الأضاحي يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    التنسيق النقابي لقطاع الصحة…يقرر مواصلته للبرنامج النضالي    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !        غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الإثنين بأداء إيجابي    عقوبات ثقيلة تنتظر اتحاد العاصمة بعد انسحابه أمام نهضة بركان    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين    إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    الروائي الأسير باسم خندقجي يهزم السجان الإسرائيلي بجائزة "بوكر العربية"    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    طلاب مغاربة يتضامنون مع نظرائهم الغربيين الداعمين لغزة    تزگل باعجوبة. مقرب من العائلة ل"كود": زكريا ولد الناصري ما عندو رالو وها كيفاش وقعات لكسيدة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    للمنافسة عالميا.. جهود مغربية لتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية    حكيمي يتوج رفقة باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بالرباط    جماهير اتحاد العاصمة معلقة على الإقصاء: تم التضحية بنا في سبيل قضية لا تعنينا    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجد والخلود لشهدائنا الأبرار في كفر قاسم
نشر في الوجدية يوم 29 - 10 - 2012

منذ أربعين عاماً وقف قتلة حرس الحدود الإسرائيلي في مدخل كفر قاسم ينتظرون الضحايا من سكان هذا البلد الآمنين... وفي لحظة سقط تسعة وأربعون شهيداً ما بين شاب وشيخ وإمرأة وطفل. الكل كان عائداً إلى قريته, إلى بيته, إلى زوجه وأولاده يحمل لقمة الخبز بعد يوم شاق من العمل المضني, كما يحمل بين ضلوعه الأمل بحياة أفضل وأكثر إستقراراً لكنهم حصدوا... ونحن في الذكرى الأربعين إخترنا شعاراً لها:إعترفوا بالجريمة كي لا تتكرر. والشعار موجه إلى حكومة إسرائيل,وليس الى ذلك الجانب المعترف بمسؤولية الحكومة عن المجزرة.ومنذ ارتكاب المجزرة وحكومات اسرائيل المتعاقبة تتملص من المسؤولية عن المجزرة. وللشعار بعده المتعلق بالماضي والحاضر ومن خلاله ننظر إلى المستقبل. ونريد توظيف هذه المجزرة لعدم تكرار المجازر التي لا تكف السلطات عن إرتكابها ضدنا بدءاً من سياسة التمييز, وضرب التاريخ والإنتماء, إلى ممارسات القمع ضد شعبنا والشعوب العربية ومقدساتنا ومستقبلنا. كفر قاسم التي إكتوت بنار المجزرة لا تزال تعاني من سياسة هذه الدولة وخصوصاً في موضوع الأراضي والحدود على رأس العين, والتي لا تزال تنتظر الجواب والقرار العادل من حكومة إسرائيل. في الذكرى الأربعين للمجزرة الرهيبة التي لها وقعها الرهيب وموقعها في تاريخنا الفلسطيني والعربي رأينا أن تكون هذه المناسبة مختلفة عن المناسبات الماضية, فهناك شخصيات لها مساهمتها المباركة والواضحة في الكشف عن المجزرة يبرز بينها القادة الثلاثة توفيق طوبي, مئير فلنير ولطيف دوري. ورأينا من المناسب والملائم, بل من الواجب علينا, تكريم الثلاثة الذين كانوا طلائعيين في إختراق الحصار والدخول إلى القرية. وأقل ما يمكن عمله هو منحهم مواطنة شرف تعتز بها وبهم كفر قاسم. وتأتي الذكرى الأربعون لمجزرة كفر قاسم والمشاعر والأحاسيس مختلطة. المجازر مستمرة في فلسطين, الدماء لا تزال تنزف ووضع المنطقة على شفا الهاوية. وبهذه المناسبة نقدم لجماهيرنا هذا الكراس بعنوان – المجزرة على حقيقتها – متضمناً الحقائق المؤلمة للمجزرة, والتي أسفر عنها النقاب في العقد الأخير, خدمة لأجيالنا الشابة بالذات حتى يتمكنوا من إستخلاص النتائج من الماضي ومعرفة تاريخهم بهدف ترسيخ إنتمائنا وبقائنا في وطننا الذي لا وطن لنا سواه. كما وأقدم شكري الجزيل للإخوة والأخوات من منظمة العمل الديمقراطي (دعم) على مساهمتهم الجليلة في اخراج هذه النشرة القيمة.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
أول الكلام
في التاسع والعشرين من تشرين الأول 1996, ومع إكتمال الساعة الخامسة مساءاً يكتمل العقد الرابع للمجزرة الرهيبة التي إقترفها حرس الحدود الإسرائيلي في كفر قاسم, القرية العربية الواقعة في أقصى جنوبي المثلث العربي المحاذي لرأس العين ولقريتي كفر برا وجلجولية. ولمن يريد أن يقف على أبعاد هذه المجزرة فلا بد له من إدراك أهمية موقع كفر قاسم. فهي قرية حدودية تفصل بين إسرائيل والضفة الغربية, وقد ضمت لإسرائيل مع بقية قرى المثلث بحكم إتفاقية الهدنة التي أبرمت بين الممكلة الهاشمية والحكومة الإسرائيلية, والتي قضت بتجزئة فلسطين بين الطرفين. وتم ذلك بعد أن رفعت حرب عام 1948 أوزارها, ولكن أحداً لم يسأل أهل قرى المثلث عن رغبتهم في الإنضمام إلى الدول اليهودية الناشئة, ومنذ اليوم الأول لضم المثلث لإسرائيل بدأ العد التنازلي, والذي صادفت بدايته الساعة
الخامسة من التاسع والعشرين من تشرين الأول قبل أربعين عاماً خلت.
تسعة وأربعون شهيداً وشهيدة من أطفال وشيوخ, نساء ورجال, فتية وفتيات, سقطوا شهداء شهوة عسف حرس الحدود الإسرائيلي. مشاهد تضرم نيران الإنسانية التي تستنجد طالبة الرحمة, ولكن الرحمة لم تكن عند مدخل البلد فتتابع سقوط الضحايا عنده, وإمتزجت الدماء الزكية بالتربة التي ستبقى شاهدة على عمق المأساة. وبكل الألم والإشمئزاز لا بد لذاكرتنا الحية أن تستعيد سلسلة المجازر التي إرتكبت بحق شعبنا الفلسطيني. ويدرج إسم كفر قاسم من جديد في كل مقال وخطاب لدى وقوع أعمال دموية رهيبة مثل صبرا وشتيلا, والأقصى, والحرم الإبراهيمي وحتى قانا.
ولكن ما يميز هذه المجزرة الرهيبة, والمفروض أن يثير إهتمام كل مواطن داخل إسرائيل وخارجها, هو أن ضحايا المجزرة المستهدفين هم من مواطني هذه الدولة نفسها, ونفذت بأيدي وحدة تابعة لشرطة إسرائيل. أي أن الأساليب التي إستخدمت ضد هؤلاء المواطنين العرب هي نفسها التي تستخدم في العادة ضد من يعتبر عدو الدولة. وإذا كان المجتمع الإنساني برمته يحرم قتل المدنيين بدم بارد حتى في حالة حرب, فكم بالحري عندما نتكلم عن مواطني الدولة نفسها الذين يتمتعون بحقوق وواجبات بقية مواطني الدولة من أصل قومي آخر, ونعني هنا المواطنين اليهود.
بعد أن تنقضي ساعات المجزرة تترسب الآلام وتنزف الجروح, آلام عائلات تيتمت بفقدان آبائها, وعائلات ثكلت أبناءها, آلام قرية بأكملها تحيي في كل سنة ذكرى الحوادث الدموية التي لا تمحوها الأيام مهما مر عليها ذيل النسيان الطويل, وجروح تنزف في تاريخ هذا الشعب الذي لم يصل بعد إلى شاطئ الأمان. وتنتصب وثائق ومحاضر المحكمة شاهدة على فظائع تلك الأيام. فقد حظيت كفر قاسم مثل صبرا وشتيلا, والحرم الإبراهيمي, بلجنة تحقيق ومحكمة دونت شهادات شهود العيان. وأرخت الكتب والمقالات الحوادث لتكشف أموراً لم تنكشف من قبل. والأهم من ذلك هو البعد التاريخي الذي تكتسبه المجزرة المفجعة على مدى الأيام مما يزيد فهمنا لها. علينا جميعاً أن ندرك الدوافع الحقيقية لإرتكاب المجزرة, ومجريات الأمور من خلف أبواب المحكمة المغلقة, والسر الكبير الذي لم يسمح للضحايا معرفته. بعد إنقضاء أربعين عاماً بدأت الحقائق تظهر الواحدة تلو الأخرى بشكل غير منتظم. وكان علينا تركيب وجمع كل الأجزاء المبعثرة حتى تكتمل الصورة, لأن من حقنا أن نعرف الحقيقة.
"الله يرحمه"
كيف تمت المجزرة؟
في يوم 29 تشرين الأول 1956 بدأ العدوان الثلاثي على مصر شنته إسرائيل بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا بهدف الإطاحة بنظام جمال عبدالناصر بعد تأميمه قناة السويس, وتأييده العلني للثورة الجزائرية ضد الإستعمار الفرنسي, وسعيه الحثيث لتوحيد الصف العربي ضد الوجود الإستعماري في الشرق الأوسط.
في صبيحة نفس اليوم أبلغ قائد المنطقة الوسطى, الجنرال تسفي تسور, العقيد شدمي الذي كان قائد أحد الألوية المسؤولة عن الحدود مع الأردن, والتي شملت منطقة المثلث من بير السكة حتى كفر قاسم. إن سياسة الأركان العامة تجاه السكان العرب في المنطقة تقتصر على تميكن المواطنين من مزاولة أعمالهم العادية دون إزعاجهم أو المس بهم بهدف الحفاظ على الهدوء في منطقة الحدود مع الأردن إذ أن العدوان سيتركز في الجبهة الجنوبية ضد مصر.
ولكن العقيد شدمي طلب فرض منع التجول لتسهيل إنتشار الجيش, ولمنع جنود الإحتياط, لدى إقترابهم من مواقع الجيش في الليل, من المساس بسكان القرى. وإستجاب قائد المنطقة لطلب شدمي, وتجدر الإشارة إلى أن القرى المذكورة كانت تحت نظام الحكم العسكري, وكان منع التجول الليلي بين الساعة العاشرة ليلاً والرابعة فجراً أمراً دائماً. وتم في الساعة الواحدة من بعد الظهر لقاء بين العقيد شدمي وملينكي, قائد وحدة حرس الحدود, وأمره شدمي بفرض نظام منع التجول في كفر قاسم, كفر برا, جلجولية, الطيرة, الطيبة, قلنسوة, بير السكة وإبثان إبتداءاً من الساعة الخامسة مساءً وليس من الساعة العاشرة كالمعتاد.
وأصدر ملينكي أوامره بفرض منع تجول صارم وتطبيقه بوسيلة إطلاق النار, وعندما سأله ملينكي ماذا سيكون مصير المواطن العائد من عمله دون علم بأمر منع التجول, أجاب شدمي "الله يرحمه". ونفى شدمي مقولته هذه أثناء محاكمته. وبعد ثلث ساعة من اللقاء بين ملينكي وشدمي, إجتمع ملينكي بضباطه, وأبلغهم بسياسة منع التجول المعتمدة على عدم المساس بمن يستترون في بيوتهم, وإطلاق النار على كل من يخرج منها. وأوضح القائد ملينكي أنه يفضل وقوع بعض القتلى على إتباع سياسة الإعتقالات لحفظ منع التجول في الأيام القادمة. وعندما سأل أحد الضباط مليكني, ماذا سنفعل بالمصابين؟ أجاب ملينكي, لن يكون هناك مصابون, وعن سؤال الجندي مناشيس أرييه حول مصير النساء والأطفال, أجاب ملينكي: "بلا عواطف". وعندما سأله نفس الجندي عن العائدني من العمل قال ملينكي: "الله يرحمهم".
وقسم ملينكي القرى إلى قسمين, وسلم النقيب ليفي المسؤولية عن كفر قاسم, كفر برا, جلجولية والطيرة. بينما تسلم النقيب أليكسندروني المسؤولية عن الطيبة, قلنسوة, بير السكة وإبثان. وإجتمع النقيب ليفي مع ضباطه, ومن بينهم الملازم جبريئل دهان الذي تسلم المسؤولية عن كفر قاسم, وكرر على مسامعهم أوامر ملينكي. ومباشرة بعد ذلك إجتمع دهان بجنوده قبل الوصول للموقع, وشرح لهم طبيعة المهمة التي ألقيت على عاتقهم, وأمرهم بفرض منع التجول, وإطلاق النار, وقتل كل إنسان يظهر من بعد الساعة الخامسة مساء خارج بيته دون التفريق بين رجال ونساء وأطفال وعائدين من خارج القرية, ونهاهم عن الدخول إلى البيوت وقتل نزلانها موضحاً لهم أن هذا سيعتبر عملية إغتيال, بينما قتل الناس خارج بيوتهم أثناء منع التجول يعتبر قتلاً, وهو عملية قانونية لجندي أثناء أداء مهمته.
ومن الجدير ذكره أنه بإستثناء كفر قاسم, تعامل الضباط في بقية القرى مع الأوامر الصارمة بمرونة, وكل حسب أسلوبه الخاص, ومنعوا وقوع مجازر بين العائدين من العمل الذين جهلوا الوضع داخل قراهم. وبشكل عام سمحوا لهم بدخول بيوتهم حتى بعد أن فرض منع التجول. ولكن كان معروفاً أن هؤلاء الضباط لم ينفذوا الأوامر نصاً وروحاً كما شاء قائدهم ملينكي.
المجزرة في المحكمة
نص قرار المحكمة
في كفر قاسم قسم قائد الفصيلة دهان جبرئيل فصيلته إلى خليات مكونة من ثلاثة إلى أربعة أشخاص (بمن فيهم قائد الخلية) مزودين ببنادق أوتوماتيكية ورشاشات وبنادق. وفرض على قواد الخلايا مسؤولية تنفيذ منع التجول, ومنحهم الصلاحية لإطلاق النار حسب أوامره السابقة التي كررها.
في المدخل الغربي للقرية, المكان المشرف على الشارع الوحيد المؤدي لكفر قاسم, نصبت خلية بقيادة العريف عوفر شالوم (المتهم رقم 3), رافقه إثنان من الجنود (المتهمان رقم 4 و 5), وزودوا جميعاً ببندقية أتوماتيكية من طراز برين وبندقيتين عاديتين.
في المدخل الشرقي للقرية نصبت خلية بقيادة العريف أوليئل جبريئل (المتهم رقم 6) رافقه ثلاثة جنود (الجندي بورشطين والمتهمان 7 و 8). وضم المتهمون (رقم 6-8) لخلية عوفر في المدخل الغربي.
الملازم دهان نفسه ومعه ثلاثة من الجنود المتهمين (رقم 9-11), ومعهم سائف سيارة الجيب, شكلوا خلية متنقلة, وتجولوا في القرية مزودين ببندقية رشاش من طراز عوزي, وبرين وثلاثة بنادق عادية. وكان دور هذه الخلية الوصل بين الخليات المختلفة.
وسرى منع التجول في الخامسة, وأعلم مختار القرية بأمر المنع في الساعة الرابعة والنصف. وخلال الساعة الأولى لمنع التجول (بين الساعة الخامسة والسادسة) قتل في كفر قاسم 47 مواطناً وجرح مواطنون آخرون بجروح بليغة. وقتل منهم طفل في السادسة من عمره (عبدالله شاكر عيسى) في مركز القرية, وثلاثة آخرون (من بينهم فتى في الخامسة عشرة) في شمال القرية, أما ال 43 الباقون فقتلوا في المدخل الغربي.
وتداولت المحكمة قضية مقتل ال 43 في المدخل الغربي فقط. أما قضية الطفل والمواطنين الثلثاة الآخرين الذين قتلوا في مركز القرية وشمالها, فلم تدرج في جدول أعمال المحكمة, ولم تتضح ملابساتها. وقد أدرج هؤلاء الضحايا خطاً في لائحة الإتهام, وطلب النائب العام بتبرئة المتهمين من تهمة قتلهم.
المواطنين ال 43 الذين قتلوا عند المدخل الغربي لكفر قاسم من سكان القرية (إثنان منهم من قريتين مجاورتين), كانوا عائدين ما بين الساعة الخامسة والسادسة من أعمالهم خارج القرية, ولم يعلم معظمهم بأمر منع التجول. وأتى كل العائدين تقريباً من الشارع الرئيسي. في معظم الحالات واجه العائدون عند وصولهم لحدود القرية خلية لحرس الحدود, وأمرهم قائد الخلية بالوقوف, وفي حالة واحدة كان ذلك قائد الفصيلة بنفسه, وأمر الراكبين منهم بالترجل, ولما عرف فيهم سكان كفر قاسم العائدين من عمله, أعطى أمر بإطلاق النار. ورأساً إنهال الرصاص على الواقفين, من مدى قصير من الأسلحة الأتوماتيكية والبنادق. وقتل في كلمجموعة عائدين قسم, وأصيب قسم آخر, وقلائل جداً إستطاعوا الهرب دون إصابة. وكانت نسبة القتلى بين العائدين في إزدياد, ففي المجموعة الأخيرة المكونة من 14 إمرأة وطفلة وأربعة رجال قتل الجميع ما عدا فتاة واحدة أصيبت بجراح بليغة.
بين ال 43 قتيلاً في المدخل الغربي للقرية كان هناك سبعة من الأولاد والبنات, رياض في الثامنة, جمال في الحادية عشرة, فتحي في الثانية عشرة, رشيقة في الثانية عشرة, لطيفة في الثانية عشرة, فاطمة في الرابعة عشرة, وزهدية في الرابعة عشرة, وكذلك تسع نساء شابات ومسنات منهم حلوة في السادسة والستين.
ووقف على منصة الشهود في المحكمة 18 من الناجين, ومنهم المصابين, المشوهين والثكلى في أعقاب الأحداث المتداولة. وقدموا شهادات مسهبة ومؤثرة, وشهد كل شاهد بالقسم الذي رآه. وجمعت كل المشاهد لتكون صورة كبيرة مروعة للمجزرة المتواصلة والمنهجية. وبذل المحامون جهوداً جبارة في أداء دورهم في محكمة القتل, فحاصروا كل شاهد من هؤلاء الشهود بسيل من التحقيق والأسئلة الدقيقة والصعبة والمتواصلة, إلا أن جهودهم ذهبت أدراج الرياح. وبعد سماع كل الشهادات... نحن موقنون تمام اليقين أن أساس شهادات شهود العيان من أبناء القرية هو الحقيقة.
الأحداث المتداولة والتي قتل فيها 43 مواطناً عند المدخل الغربي للقرية, تمت جميعها بجانب مفترق الطرق المشرف على مدخل القرية حيث نصبت من بداية منع التجول خلية عوفر..
من أوائل العائدين الذين أطلق عليهم الرصاص في المدخل الغربي للقرية كانوا أربعة من عمال المحاجر, أثناء عودتهم على دراجاتهم من أماكن عملهم في ضواحي بيتاح تكفا ورأس العين. بعد وقت قصير من بداية منع التجول قطع العمال الأربعة مفترق الطرق جارين دراجاتهم بأيديهم, وبعد مسيرة مسافة 10-15 متراً على طريق المدرسة أطلق عليهم الرصاص من الخلف أو من يسارهم من مدى قصير. إثنان من الأربعة, أحمد محمد فريج وعلي عثمان طه, قتلوا برصاص حرس الحدود. محمود محمد فريج, أخو القتيل أحمد محمود فريج, أصيب في فخذه وذراعه. وعبدالله سمير بدير أسقط نفسه أرضاً دون إصابة. وسقطت على محمود المصاب دراجته وغطته, وبقي مستلقياً دون حراك طيلة بقية الحوادث الدموية التي حدثت أمامه. وفي النهاية تمكن من الزحف حتى كرم زيتون مجاور, وتمدد تحت شجرة زيتون حتى إنفجر الصبح, ووجهت طلقات الرصاص نحو عبدالله مرة أخرى عندما تدحرج من الشارع جانباً, فتنهد وتظاهر بالموت. وبعد الحادثتين التاليتين إختبأ بين قطيع من الماعز قتل راعياه هما أيضاً, وفر هارباً إلى القرية مع القطيع.
على أية حال من الواضح أن الأربعة كانوا مواطنين وصلوا إلى المكان دون أن يوقفهم حرس الحدود, ودون أن يمنعهم من المضي في طريقهم إلى القرية. وبعد أن خطوا عدة خطوات على الشارع جارين الدراجات بأيديهم بهدوء وفي ظروف لم تكن لتثير أي شك نحوهم إطلاقاً, أمطروا فجأة بسيل من الطلقات من مدى قصير مما أدى إلى مقتل إثنين منهم. ولم يقدم أي إسعاف أولي للشخص الثالث الذي سقط مصاباً تحت دراجته, طيلة المدة التي تمدد فيها في المكان أمام ناظري حرس الحدود.
بعد إنقضاء وقت قصير على الحادثة المذكورة آنفاً وصلت إلى مفترق الطرق عربة من عجلتين مربوطة ببغل, وكان بها الشاهد إسماعيل محمود بدير (50 عاماً) وطفلته (ثمانية أعوام), أثناء عودتهما من بيتاح تكفا. بجانب العربة أو خلفها سار رجلان يحملان الخضروات, أحدهما من كفر برا, والثاني هو الشاهد محمود عبدالرحيم عيسى, فتى في الرابعة عشرة. وظهر في نفس الوقت قائد الفصيلة الملازم دهان في سيارته, ومعه خليته (المتهمون رقم 9-11), والسائق حيسكل يعقوب, أثناء جولة بجانب مفترق الطرق. وأمر رجال خليته بالنزول من السيارة, فنزلوا مدججين ببندقية أوتوماتيكية, برين وبندقيتين, ونزل دهان وفي يده رشاش عوزي, وتوجه نحو العربة, وأمر إسماعيل بالنزول والوقوف مع الرجلين الآخرين في صف واحد على جانب الطريق. وأمر دهان الفتي بركوب العربة والعودة للقرية مع الطفلة الباكية. ولما رأى إسماعيل جثث القتلى من الحادث السابق, وشعر بما سيؤول إليه مصيره, توجه لدهان قائلاً: "دخليكم! لماذا تنوون قتلنا؟" فأجاب دهان: "إخرس!" وأعطى أمر بإطلاق النار. وأطلق هو الرصاص لعى الرجال الثلاثة من العوزي الذي حمله. وكذلك أطلق المتهمن 9-11 النار على الثلاثة حسب أمر قائد الفصيلة.. وأصيب الرجال الثلاثة الذين وقفوا على حافة الطريق بالرصاص, وسقطوا أرضاً, حسب شهادة إسماعيل, والذي نصدقه, إستمر إطلال الرصاص عليهم حتى بعد أن إنطرحوا أرضاً, إثنان من الثلاثة, وهما الماشيان اللذان حملوا الخضروات, غازي محمود دوريش, ومحمد عبد سمحان عاصي, والمكنى أيضاً أبو سماحة مواطن كفر برا – قتلا. وأصيب غسماعيل بجروح بليغة بسبب عدة طلقات في خاصريه وفي فخذه, وظن حرس الحدود أنه قد مات. وصرح دهان في شهادة أمام الضابط المحقق بقوله: "قتلنا ثلاثتهم".
الدور الفعال والحاسم للمتهم دهان في الحدث أثبت من خلال شهادة سائق سيارته, الجندي حسكيل يعقوب, ومن خلال إفادة دهان نفسه... "الرجال الثلاثة المذكورون حاولوا الهروب وكان علينا إطلاق الرصاص بإتجاههم" – هذه الإفادة ليس لها ما يبررها. بعد الإستماع إلى كل الإثبتات ليس لدينا أدنى شك أن هؤلاء الذين أطلق عليهم الرصاص من قبل دهان وحسب أوامره, لم يحاولوا الهرب وتصرفوا بشكل ملائم لا ريب فيه. بل إن كل الملابسات بما فيها الإستعدادات التي قام بها دهان, أمره الرجال الثلاثة بالوقوف في صف واحد وإبعاد الشاب والطفلة اللذان كانا برفقتهم, يعتبر ذلك مؤشراً واضحاً لوجود نية متعمدة عند دهان لقتل هؤلاء الرجال رمياً بالرصاص. هؤلاء الرجال الثلاثة كانوا مواطنين عاديين إنصاعوا لأوامر دهان, ووقفوا مجردين من أي سلاح أمام خلية من الجنود المسلحين بالبنادق والبنادق الأوتوماتيكية من طراز عوزي وبرين. لقد توسل إسماعيل للإبقاء عليه وعلى زملاءه أحياء, إلا أن دهان رد عليهم بأمر إطلاق النار. يصعب تصور ملابسات أكثر قسوة من قتل أبرياء بأيد عنيفة. نحن نرى أن المتهم دهان قتل مواطنين أثنين بدم بارد وبشكل متعمد...
بعد وقت قصير من عملية القتل عاد راعي أغنام وإبنه, وهو فتى في الثانية عشرة من عمره, مع غنمهما من المرعى. وإقتربا من طريق مسحة بالقرب من مفترق الطرق, حيث مرت الأغنام ووصلت إلى المدرسة داخل القرية. ورمى الراعي الحجارة بإتجاه أغنامه كي يوجهها بإتجاه طريق مسحة. وقام الجنود الإثنان أو الثلاثة الذين وقفوا بالقرب من مفترق الطرق بإطلاق النار من مدى قصير بإتجاه الراعي وإبنه وأردوهما قتيلين. إسما القتيلين: عثمان عبد عبدالله عيسى وفتحي عثمان عبد عيسى.
الجنود الذين وقفوا في الطرف الآخر من مفترق الطرق شاهدوا الراعي وإبنه من مسافة قصيرة جداً, ولم يكن من الممكن أن يشعروا بالتعرض للهجوم بسبب رمي الحجارة بإتجاه الأغنام, الأمر الذي يعتبر عملاً عادياً بالنسبة للرعاة. إن قتل الراعي عثمان عيسى وإبنه فتحي بالرصاص الذي أطلق من بعد قصير لم يكن له ما يبرره.
الشاهد عمر محمود عودة (57 عاماً), وهو مزارع وتاجر, وصل إلى مفترق الطرق في شاحنته من بيتاح تكفا. وجلس الشاهد عمر بجانب السائق, في حين جلس في الخلف إبنه وشريكه, وهو مواطن من كفر برا, وعاملان من كفر قاسم, وعند إقتراب سيارة الشحن من مفترق الطرق رأى الشاهد عمر الجنود وهم يطلقون النار على أحد المواطنين, ولذلك أمر السيارة بالتوقف. وتوجه أحد الجنود إلى السيارة, ودن أي سؤال أمر سائقها بمواصلة القيادة, فإنصاع السائق لأمر الجندي. وفوراً بعد إجتياز السيارة للمفترق أطلق الجنود النار عليها من الخلف, وإستمر إطلاق النار طيلة المدة التي إبتعدت فيها سيارة الشحن من المكان. وأصيب السائق بالذهول فإنحرف بالسيارة إلى جانب الطريق, لكنه سرعان ما عاد إلى صوابه, ووصل بالسيارة إلى بيت عمر عودة الواقع خلف المدرسة. وحين إلتفت عمر عودة إلى صندق سيارة الشحن, وجد شريكه محمود عبدالغافر ريان مقتولاً جراء إطلاق النار, ولا ريب أنه قتل برصاص الجنود الذين وقفوا إلى جانب المفترق.
بعد وقت قصير على وصول سيارة الشحن المذكورة, وصلت إلى المفترق عربة من أربع عجلات مربوطة ببغل تحمل صاحبها الشاهد إسماعيل عقاب بدير, أثناء عودته من بيتاح تكفا, وكان برفقته إبن عمه الشاهد توفيق إبراهيم بدير. وعلى مسافة قريبة من مفترق الطرق أوقف جندي العربة, وأمر الشاهدين بالنزول من العربة والوقوف إلى جانبها. ووقف بجانب المفترق جندي, وقريباً منه بجوار المدرسة وقف جنديان إضافيان مسلحان. وفوراً بعد وصول العرب وصلت مجموعات من راكبي الدراجات إلى مفترق الطرق, وكان أولئك عمال في طريق عودتهم من عملهم, وكانت مصابيح دراجاتهم مضاءة, وأمرهم الجنود بوضع دراجاتهم بجانب العربة, والوقوف في صف واحد مع ركاب العربة وبقية راكبي الدراجات. مجمل عدد الناس الذين أوقفهم الجنود على هامش الطريق كان 13 تقريباً. أحدهم, وهو المرحوم سليم أحمد بشير بدير, وقف في آخر الصف, فصرخ في وجهه أحد الجنود: "يا كلب قف في منتصف الصف", فإنتقل المرحوم إلى منتصف الصف.
... وعندما لم ير الجنود في الأفق مصابيح لدراجات إضافية سأل الجندي المذكور أعلاه الواقفين في الصف من أين هم. وكان جوابهم جميعاً أنهم من كفر قاسم. وفي هذه اللحظة خطا الجندي خطوة إلى الوراء, وأمر الجنديين اللذين إستلقيا في خط عسكري لصف المواطنين (في أيدي أحدهما كان رشاش من نوع برين كما إتضح لاحقاً): "أحصدهم" وفور ذلك أطلق وابل من الرصاص على صف الرجال الواقفين في الصف, فسقطوا جميعاً ما عدا مصطفى (جينجي) السريع الذي هرب وقفز فوق الجدار. وواصل الجنود إطلاق النار على الرجال المطروحين أرضاً, والذين بدت عليهم علامات الحياة, وحين تبين للجنود أنهم جميعاً قد فارقوا الحياة أو على وشك مفارقتها, أخلوا الشارع من الجثث, وكدسوها في أكوام إلى جانب الشارع. وقتل منهم ستة وأصيب أربعة بجروح بليغة. وفيما يلبي أسماء القتلى: محمود عبدالرازق صرصور, علي نمر محمد فريج, صالح محمد أحمد عامر وسليم أحمد بشير بديير, عبدالله عبدالغافر بدير وعبدالله سليم صالح عيسى. وأتبع قتل راكبي الدراجات بوقت قصير إقتراب سيارة شحن من مفترق الطرق, وكانت مصابيحها مضاءة. وأمر الجندي سيارة الشحن بالتوقف على بعد 10-15 متراً قبل مفترق الطرق, وأمر السائق والركاب ال 18 بالنزول والوقوف في مجموعة واحدة في الجانب الشمالي من الطريق بالقرب من سيارة الشحن. وبعد أن سأل الجندي الواقفين من أين هم, وأجابوا أنههم من كفر قاسم, أمر الجندي الجنديين الآخرين اللذين رقدا إلى جانب الشارع بين مفترق الطرق وبين العمال, وكان بحوزة أحدهما رشاش من نوع برين بإطلاق النار, فأطلقا النار على الرجال ال 19 الواقفين, فقتل منهم عشرة, وهم عطا يعقوب عبد صرصور, رياض رجا حمدان داؤود, جمال سليم محمد فريج, جمعة محمد عبد صرصور, موسى ذياب عبد حمد فريج, عبد سليم محمد طه, صالح مصطفى أحمد عيسى, عبدالرحيم محمد أحمد بدير, أحمد محمد جودة عامر وجمعة توفيق أحمد جبارين.
... رجا, وهو مدير عمل في عسفيا, روى في شهادته أنه في الساعة الخامسة بعد الظهر جاء لمكان عمله إبنه الصغير رياض برفقة الطفل جمال إبن الجيران, وأخبره بأمر منع التجول في القرية, وأن زوجته تطلب منه العودة بسرعة للبيت. وحصل رجا على تصريح بعودة العمال إلى كفر قاسم, وهكذا ركب حوالي 12 عاملاً شاحنة عطا الذي كانت سيارته تنقل عمال المحاجر والعمال الزراعيين في محيط بيتاح تكفا, وتوجهوا إلى القرية. وكان الركاب ال 19 الذين إستقلوا هذه الشاخحنة بمن فيهم السائق, على علم بمنع التجول في القرية, وذلك بخلاف المجموعات الأخرى من الركاب العائدين إلى القرية, لكنهم لم يروا في ذلك سبباً يمنعهم من العودة للقرية. بل العكس, فقد سارع عمال عسفيا إلى العودة بسبب منع التجول, وكان رجا يحث السائق الذي قال أنه لا يملك رخصة, لحمل الركاب جميعهم في سيارته لأنه إعتقد أن الدخول إلى البلد في السيارة آمن من دخولها سيراً على الأقدام.
وبعد أن توقفت السيارة, ونزل منها كافة العمال صاح إبن رجا من السيارة, "يابا نزلني!" وعاد الشاهد إلى السيارة, وأنزل إبنه, وإنضم إلى مجموعة العمال الواقفة بجانب الشارع. وتوجه الشاهد فيما بعد إلى الجندي الواقف أمام العمال ليريه بطاقة هويته ولسؤاله عن سبب توقيفهم, لكن في نفس اللحظة أمر الجندي بإطلاق النار, فسقط وابل من الطلقات على مجموعة العمال, فقفز رجا إلى خلف السيارة, وإختبأ فوق جدار الصبار. ولدى قيامه بذلك وجه الجنود نارهم إلى الجدار, ونجا بذلك بعض العمال. رياض إبنه (في الثامنة من عمره) وزميله جمال (في الحادية عشرة) كانا من بين القتلى.
الشاهد عيسى, وكان صبياً في الثالثة عشرة, وقف مع المجموعة التي أطلق عليها الرصاص. ووقع عيسى دون أن تصيبه أي رصاصه, وأغمي عليه, أما شقيقه موسى الذي كان في المجموعة فقد قتل.
الشاهد عبدالرحيم الذي كان هو الآخر في هذه المجموعة, وقع خوفاً من طلقات الرصاص, لكنه لم يصب حينها. وبعد ذلك توجه أحد الجنود إلى أحد المصابين بالرصاص, وأطلق النار بإتجاه من تبين أنه لا يزال على قيد الحياة, وهكذا أصيب الشاهد في رجله ويده أثناء تمدده على الأرض.
وكان الشاهد جمال واقفاً في المجموعة التي أطلق عليها الرصاص, لكنه لم يصب ولم يقع, بل هرب إلى خلف سيارة الشحن المحاذية, وإختبأ تحت صندوق السيارة فوق العجل الإضافي. وروى الشاهد أنه كان مختبئاً هناك مع ثلاثة من زملائه, وحين إكتشف أحد الجنود وجودهم أطلق النار عليهم. وكدس الجنود جميع الجثث فوق بعضها, وساقوا السيارة إلى جانب الشارع.
لقد نفذ عوفر وخليته قتل ركاب سيارة الشحن بنفس الأسلوب الذي تميز بتوقيف السيارات, وأمر ركابها بالنزول منها, ونصبهم أمام الرشاشات, والإستفسار عن هوية العائدين إلى القرية وأطلق النار صوبهم. هكذا نفذ الجنود, قبل ذلك بدقائق معدودة, قتل راكب الدراجات في مكان قريب. إن قتل الضحايا العشرة الآخرين, ومن بينهم صبيين صغيري السن, نفذ بدم بارد وبشكل متعمد.
بعد وقت قصير من قتل ركاب سيارة الشحن وإزاحة السيارة من الشارع, أوقف عوفر وخليته سيارة شحن أخرى في مكان يبعد عن الأول عشرة أمتار غرباً (بالقرب من نقطة رقم 14 في الرسم المسجل ت/2). وكان في مقدمة السيارة سائقها ورجل آخر. وأمر الجنود هذين الرجلين بالنزول, وسألوهما من أين هم, وبعد أن أجابا أنهما من كفر قاسم, أطلقوا النار صوبهما فأردوهما قتيلين. وهما محمود خضر جابر صرصور ويوسف محمد إسماعيل صرصور.
بعد هذا الحادث بوقت قصير, وصلت إلى المكان سيارة شحن ثالثة كانت تنقل أربعة رجال (بمن فيهم سائق من الطيبة), و14 إمرأة وطفلة تتراوح أعمارهن بين 12-66 عاماً. وكان ركاب هذه السيارة جميعاً عائدين إلى كفر قاسم من عملهم في قطف الزيتون في اللد. ودخلت السيارة مفترق الطرق دون أن تتوقف, فركض أحد الجنود الذي تواجد في مكان الحادث السابق, خلف السيارة, وصاح "قف!". ولكن السيارة واصلت طريقها, ودخلت إلى طريق المدرسة, فإجتاز الجندي الشارعين, وصرخ مرة أخرى "قف, قف!" وهو ينادي جنديين آخرين تواجدا في المكان, لمرافقته, فإنضما إليه. وتوقفن سيارة الشحن في النهاية على طريق المدرسة (بين النقاط 10 و14 في الخريطة). وأمر الجندي الركاب بالنزول من السيارة. ونصب السائق السلم بجانب صندوق السيارة, وتوجه إلى النساء قائلاً: "يا أخواتي إنزلن, وأعرضن بطاقات هويتكن". ولما لحظت النساء وجود جثث أبناء قريتهن في مفترق الطرق توسلن أمام الجندي أن يرحمهن ويبقيهن على قيد الحياة. إلا أن الجندي لم تصغ لتوسلهن ولم يهتم ببطاقاتهن, وأصر على نزول الجميع من السيارة. وعندما نزلت جميع النساء ال 14 والرجال الأربعة, أمر الجنود الذين وصلوا إلى المكان بإطلاق النار. وواصل الجنود إطلاق الرصاصات صوب المجموعة, ولم يتوقفوا إلا حين تأكد لهم أن 17 من 18 نفراً قتلوا بالفعل. وكان الإنسان الوحيد الذي نجا هي حنة سليمان عام (16 عاماً), والتي أصيب إصابات بليغة في رأسها ورجلها, وبدت للجنود وكأنها فارقت الحياة. وفيما يلي أسماء القتلي: محمود محمد مصاروة – السائق من الطيبة, محمد ذياب عبد صرصور, محمد سليم صرصور, عبدالله محمد عبد صرصور, صفا محمد صرصور, فاطمة صالح أحمد صرصور, وآمنة قاسم سعيد طه, خميسة فرج محمد عامر, زغلولة أحمد بشير عيسى, حلوة محمد عودة بدير, فاطمة داؤود حمد صرصور, رشيقة فائق إبراهيم بدير, زينب عبدالرحمن طه, فاطمة محمود سليمان بدير, فاطمة مصطفى محمد عيسى, لطيفة داؤود محمد عيسى وزهدية (بكرية) محمود إسماعيل طه. وبلغ عمر رشيقة ولطيفة 12 عاماً, وعمر فاطمة صالح وزهدية 14 عاماً.
في هذه المجزرة تبرز النسبة العالية من القتلى في المجموعة. ومن مجموعة راكبي الدراجات والعربات الذين أوقفوا في صف واحد على طرف الشارع في ساعة مبكرة نسبياً, وكان من الممكن للجنود رؤيتهم بشكل أفضل, قتل ستة من أصل 13, ومن بين ركاب سيارة الشحن الأولى قتل عشرة من أصل 19. أما في المجموعة الأخيرة التي لم يطلب منها الإنتظام في صف, والتي أطلقت النار عليها أثناء العتمة, فقد قتل 17 واحداً من 18, والوحيدة التي نجت من القتل إعتقد أنها كانت ميتة. هذه الوقائع تثبت بشكل قاطع أن إطلاق النار بإتجاه المجموعة الأخيرة لم يقتصر على الطلقات الأولى, وأن الجنود واصلوا إطلاق النار فيما بعد. إذ أنه ليس من الممكن قتل 17 من أصل 18 نفراً من الواقفين بجانب السيارة بإطلاق النار من أول مرة.
.... إننا على يقين أن قتل الرجال والنساء المذكورين كان قتلاً متعمداً ومنهجياً لكل واحد من الضحايا (رجل أو إمرأة أو فتاة) الذين لم يقتلوا جزاء الرصاصات الأولى.
رقابة شديدة على الصحف
رغم أن المجزرة وقعت في 29 تشرين الأول, إلا أن تفاصيلها منعت من الوصول للرأي العام حتى 17 كانون الأول, أي بعد مرور شهر ونصف, ونشر أو خبر في الصحف بعد أسبوع من المجزرة بتاريخ 6 تشرين الثاني. وأفاد الخبر أنه: "تشكلت لجنة تحقيق للبت في أحداث كفر قاسم, جلجولية والطيبة". وأضاف أن "بعض العرب قتلوا وأصيبوا أثناء منع التجول الذي فرض على هذه القرى في 29 تشرين الأول.
في الأول من كانون الثاني, أي بعد يومين من المجزرة, عين رئيس الحكومة ووزير الدفاع, دافيد بن غوريون, لجنة تحقيق ترأسها رئيس المحكمة المركزية في حيفا آنذاك, القاضي بنيامين زوهار, والمحامي حوطير إيشاي, ورئيس بلدية حيفا أبا حوشي. وقررت اللجنة ما يلي: أولاً, إحالة ضابط اللواء وعدداً من الضباط (لم تذكر أسماؤهم) لمحاكمة عسكرية بتهمة تنفيذ أمر غير قانوني. وثانياً دفع مقدمة تعويضات بقيمة ألف ليرة لعائلات الضحايا.
ونظراً للتعميم الإعلامي الكامل عن الحدث, توجه عضو الكنسيت توفيق طوبي من الحزب الشيوعي, برسالة لمئات العناوين سارداً فيها ما حدث في كفر قاسم محاولاً كسر الطوق الإعلامي, وفرض محكمة علنية ضد المجرمين, وكشف عن المسؤولين ليس على مستوى الجيش فقط, بل على المستوى الوزاري أيضاً, هذا بعد أن إستطاع هو وزميله مئير فلنير في إختراق الطوق وتقصي الحقائق.
في رسالته الشهيرة, نادى توفيق طوبي كل أصحاب الضمائر الحية إلى عدم الوقوف مكتوفي الأيدي إزاء جريمة القتل في كفر قاسم. وحذر من محاولة الحكومة التنصل من مسؤوليتها عن المذبحة بإلقاء اللوم على ضباط الجيش الذين نفذوا أمر غير قانوني. ووجه طوبي إصبع الإتهام للمسؤولين عن سياسة ملاحقة الجماهير العربية, وممارسة سياسة الإضطهاد القومي, وفرض الحكم العسكري الذي يتعامل مع المواطنين العرب معاملة عدوانية, وكأنهم عديمي الحقوق. وإستنتج طوبي أن المذبحة في كفر قاسم هي نتاج السياسة الرسمية للحكومة تجاه الجماهير العربية.
ولم يقف توفيق طوبي عند هذا الحد, بل طالب بتشكيل لجنة شعبية موسعة للتحقيق في ملابسات الجريمة, هدفها كشف المسؤولين وخلفيات الحادث الرهيب. والبت في السياسة الحكومية تجاه الجماهير العربية, على أن تقدم إستنتاجاتها للكنيست والرأي العام. كما حذر طوبي من تشكيل محكمة صورية وسرية لا تأتي بالفائدة المرجوة.
ونجح لطيف دوري, النشيط في حزب مبام حينذاك, بالتسلل للقرية بعد ثلاثة أيام من وقوع المجزرة, وجمع شهادات الناجين من المذبحة من مصابين وناجين. وعمل بالتعاون مع صحافيين مثل أوري أفنيري, الذي حرر أسبوعية "هعولام هزيه", ونخبة من المثقفين والأدباء اليهود على توزيع نشرة بعنوان "كل شيء عن كفر قاسم" كشفت الحقائق أمام الرأي العام. وتبع ذلك موجة عارمة من المقالات ورسائل القراء مطالبة بمحكمة علنية.
إزاء ردود الفعل هذه إضطر بن غوريون للتوجه للكنيست في 12 كانون الأول, وكشف الحقائق لأول مرة بعد شهر ونصف من تاريخ المجزرة, وعمل جاهداً لمنع أي نقاش في الموضوع على مستوى الكنيست أو الصحف متذرعاً بأن يمس أمن الدولة. وفي خطابه أمام الكنيست تأسف بن غوريون بإسم الحكومة والشعب الإسرائيلي على المجزرة, وسرد تفاصيل الإجراءات التي إتخذت بحق الضباط الذين كان لهم ضلع بالمجزرة, وذكر التعويضات التي خصصت لعائلات الضحايا.
بعد أن إخترقت الحقائق الطوق الإعلامي, إنتقلت القضية إلى المحكمة العسكرية التي إفتتحت جلستها في 15 كانون الثاين 1957, وترأسها رئيس المحكمة المركزية في القدس, القاضي بنيامين هاليفي. ومثل أمامه 11 ضابطاً وجندياً من حرس الحدود, وعلى رأسهم المقدم ملينكي, والملازم جبرئيل دهان, وشالوم عوفر الذي قتل شخصياً معظم الشهداء. لقد أصبحت محاضر هذه المحكمة وثيقة تاريخية من الدرجة الأولى, وتثبت من جديد في كل قراءها لها مدى الوحشية والكراهية والتوجه العدواني لكل ما هو عربي. وأدين المتهمون بالقتل بتاريخ 16 أيار من عام 1958. ولكن القضية لم تنته عند هذا الحد, فقد أستؤنف الحكم في المحكمة العسكرية. وفيها بدأت محاكمة قائد اللواء, العقيد شدمي المسؤول المباشر عن ملينكي
الهدف: تهجير
إسم العملية: "خلد" (حفرفيرت)
في الثاني من تشرين ثاين 1958 إستهلت محكمة العقيد شدمي بعد توجهه بن غوريون مطالباً إياه بإجراء محاكمة نزيهة حتى يستنى له الدفاع عن سمعته التي تشوهت أثر محاكمة المقدم ملينكي الخاضع لأوامره. ورغم أن الحكم الهزيل بتبرئته من القتل وتغريمه بدفع قرش واحد بقي محفوراً في عمق الذاكرة, إلا أن المحاضرة العلنية والسرية لهذه المحكمة كشفت وقانع لم تكشفها محكمة ملينكي, مما أضفى ضوءاً جديداً على القضية. فقد تبين أن الجنود ال 11 المتهمين بتنفيذ مذبحة كفر قاسم لم يكونوا سوى الأيدي المنفذة لعقول خطت ودبرت على أعلى مستوى من رئاسة الأركان ووزارة الدفاع, والمعنيان هما الجنرال موشيه ديان ورئيس الحكومة ووزير الدفاع دافيد بن غوريون.
في صحيفة "حداشوت" من تاريخ 25 تشرين الأول عام 1991, الذي صادف مرور 35 عاماً على وقوع المجزرة, كشف الصحافي روبيك روزنتل حقيقة ملابسات المذبحة, وذلك بعد إجرائه بحثاً حول المجزرة لغرض كتابة مسرحية حول الموضوع, فإلتقى الكثير من الشخصيات التي كان لها ضلع بالموضوع, وسمح له بقراءة محاضر محكمتي ملينكي والعقيد شدمي في الأرشيف التابع لجيش الدفاع الإسرائيلي, ووثائق لم يكشف عنها قبل ذلك. ويقول روزنتل أنه ليس من الممكن فهم المذبحة دون معرفة المخطط العسكري المذهل الذي شكل الخلفية لها, والذي يحمل إسم "خلد". ويستهدف هذا المخطط إخلاء المواطنين العرب من المثلث ليس واضحاً إلى أين, وذلك في إطار حرب محتملة مع الأردن عشية العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
وتشير محاضرات جلسات المحكمتين إلى تناقضات بين أقوال ملينكي وأقوال قائده المباشر شدمي حول طبيعة الأوامر التي صدرت بكل ما يتعلق بفرض منع التجول على القرى العربية. وكان المخطط الوحيد الذي علم به ملينكي بكل ما يتعلق بمنع التجول, مربوطاً بنشاط حرس الحدود في حالة حرب مع الأردن, وسمي هذا المخطط بإسم (س59) أو "خلد" وكان أساسه إخلاء عام لعرب المثلث في حالة حرب مع الأردن.
مخطط "خلد" لم يبق مجرد مخطط, بل أعدت العدة لتنفيذه في سياق الإستعدادات للحرب. وكان منع التجول على قرى المثلث, والذي وافق عليه قائد منطقة الوسطى تسفي تسور حسب طلب قائد اللواء شدمي, جزء لا يتجزأ منه. وأكد ذلك العقيد حاييم هرتسوغ, الذي أصبح رئيس الدولة لاحقاً, في محكمة شدمي عندما قال أن أمر تسور بفرض منع التجول كان صحيحاً على ضوء مخطط (س59), وأن الأمر في المنطقة الخاضعة لقيادة شدمي كان معقولاً, فمخطط (س59) ألغي ولكن الخلفية بقيت كما هي. رئيس الأركان آنذاك, الجنرال موشيه ديان, شهد في محكمة شدمي مؤكداً معرفته بهذه الوثائق, ومن هنا فهو يرى أمر المنع مقبولاً بالتأكيد.
أما شدمي نفسه فقد شهد في محكمته أنه لم يطلب تقديم ميعاد بدء منع التجول للساعة الخامسة, بل طلب منع تجول الذي كان مخططاً وسلم إليه من أعلى كأمر واقع حسب مخطط معين, ويقول شدمي في سياق شهادته: "وأنا أقصد مخطط "خلد" الذي أبلغت في لحظة معينة أنه قد ألغي, فسألت: وما البديل؟" وإتضح فيما بعد عدم وجود مخطط بديل. وفي أعقاب فرض منع التجول أصبح مخططاً "خلد" الإطار العام لتصرف حرس الحدود في المنطقة.
في أوامر ملينكي لكتيبته أوضح أن منع التجول سيكون حسب مخطط "خلد", ولكن دون تنفيذ المراحل المرافقة له, ولاتي تضم إجراءات مثل الإعتقالات, المصادرات ونقل القرى. وقال قائد السرية, حاييم ليفي, أن الأمر الأساسي الذي أصدره ملينكي كان أمراً عسكرياً عاماً, ولم يخص كفر قاسم بالتحديد, بل يخص عملية أخرى (مخطط "خلد") كان المفروض أن تنفذ دون الإجراءات المرافقة لها.
قائد السرية الثانية في كتيبة ملينكي, يهودا فرينكينتل, شهد هو الآخر في محكمة شدمي. وأقز وجود مخطط مسبق يحمل إسم حيوان ما, حشرة, وأن ضباط السرايا قاموا بجولة قبل خمسة أيام من الثامن والعشرين من تشرين الأول, يوم إلغاء المخطط, وطولبوا بتخطيط المهمة بشكل مفصل. وكانت الجولات على مستوى الكتيبة والسرية وضابط الوحدات الأساسية, وإشتمل مخطط "خلد" على ترتيبات معسكرات الإعتقال التي إعتبرت إجراءات عادية إبان منع التجول.
وإتضح من أقوال الشهود والمتهمين في المحكمة أن المفهوم من منع التجول في حالة حرب عند كتيبة حرس الحدود كان التحضير لطرد عرب المثلث. هكذا شهد بنيامين كول, ضابط تحت إمرة ملينكي, أنه شعر مما جاء في المنشور أن الحرب ستكون على الجبهة الشرقية ضد الأردن, ويجب تسديد لكمة لعرب المثلث حتى يهربوا إلى الجانب الآخر للحدود, وليعملوا عندها ما شاؤوا.
وقال جبرئيل دهان, الضابط المسؤول في كفر قاسم, أن قائد كتيبة ملينكي أمره بإخلاء المكان في اليوم التالي في الساعة السادسة صباحاً, وترك السكان يعملون ما يشاؤون. ويضيف دهان: لقد فهمت أن القصد هو أن يهربوا إلى الأردن. أما العريف عوفر الذي إتهم بالقتل المباشر ل 14 من الضحايا, فقد قال أنه فهم أنه لا بأس في الأمر, ويجب تنفيذه, وأن الدولة تريد تخويف العرب وربما طردهم.
وفي مقابلة للصحافي روبيك روزنتل مع أبراهام تامير الذي شغل منصب ضابط العمليات في القيادة الوسطى, أقر تامير أن المخطط خطط بتوجيه من رئيس الأركان موشيه ديان, وأنه قام بتنفيذ المخطط التفصيلي. وأنكر تامير أن القصد كان الطرد شرقاً نحو الأردن, بل غرباً إلى داخل إسرائيل لأغراض أمنية بحتة, وهي إبعاد العرب عن الحدود. إلا أن شهادات كل المتهمين تناقضت مع أقوال تامير الذي حاول التخفيف من خطورة ووحشية المخطط.
لماذا ألغيت عملية خلد؟
السبب الرئيسي لإلغاء عملية "خلد" لم يأت إحتراماً لحقوق العرب, أو خوفاً من الرأي العام, بل لسبب سياسي أمني من الدرجة الأولى, وهو الإلتزام الإسرائيلي بعدم الإعتداء على الأردن حسب الإتفاق الثلاثي الموقع من الحكومات فرنسا وبريطانيا وإسرائيل في سيفير بالقرب من العاصمة الفرنسية باريس. هذا الإتفاق الذي إعتبر سرياً لتغطية المؤامرة الإستعمارية ضد مصر. ولكن في حالة حدوث إعتداء أردني على إسرائيل تلتزم الحكومة البريطانية بعدم التدخل لصالح الأردن".
وأدخل هذا البند حسب طلب من بريطانيا التي كانت في تلك الفترة مرتبطة بإتفاق دفاعي مع الأردن يلزمها بتقديم المساعدة الجوية للأردن في حال الإعتداء عليها. النزاع بين إسرائيل والحكومة البريطانية حول سياسة بريطانيا في الأردن, وسرية الإتفاق عشية العدوان على مصر, نبعاً من حرص بريطانيا على الحفاظ على علاقاتها الودية بالدول العربية, والتستر على علاقاتها الحميمة مع إسرائيل.
العمليات الإنتقامية التي إقترفتها إسرائيل في المدن والقرى في الضفة الغربية التي كانت تحت السيادة الأردنية من ناحية, ونمو الحركة القومية العربية على خلفية بروز الرئيس المصري جمال عبدالناصر كقائد عربي يسعى لتوحيد الأمة العربية من ناحية ثانية, زعزعت جميعها إستقرار النظام الهاشمي في الأردن. وتجدر الإشارة إلى أن الجيش الأردني كان حتى عام 1956 تحت قيادة جلاب باشا البريطاني, بما يعني أن بريطانيا سيطرت تماماً على مجريات الأمور في الممكلة. ولذلك يعتبر تنحية جلاب باشا من قيادة الجيش الأردني عشية العدوان الثلاثي على مصر, وإبان ظهور حكومة سليمان النابلسي الوطنية, خطوة ذات مغزى سياسي كبير هددت النظام الهاشمي.
في تلك الظروف توجه الحسين ملك الأردن إلى إبن عمه ملك العراق طالباً منه إرسال جيش عراقي لتقوية النظام الأردني. فما كان من إسرائيل إلا أن إستغلت الوضع للإعلان على لسان وزير الخارجية, غولدا مئير, أن دخول قوات عراقية للأردن هو مثابة تهديد مباشر لسلامة أراضي إسرائيل, ولذا ستقوم إسرائيل باللازم لمواجهة هذا الوضع.
التدخل العراقي في الأردن تم بالتنسيق مع بريطانيا, إلا أن بن غوريون الذي كان يخطط لإحتلال الضفة الغربية أمر الجيش في 17 تشرين الأول 1956, إثني عشر يوماً قبل مجزرة كفر قاسم, بتجهيز قواته لإحتلال شمالي القدس والخليل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.