بتزامن مع الانتخابات الفرنسية الاخيرة, صدر تقرير للمجلس الوطني الفرنسي لحقوق الانسان حول نسب العنصرية في المجتمع الفرنسي . والملاحظ ان نتائج الانتخابات ومضمون التقرير الحقوقي, يلتقيان ايضا في رصد المد التصاعدي لتيارات التطرف العنصري , والكراهية وعدم التسامح مع الآخر, التي اتسعت رقعتها بين مختلف طبقات المجتمع الفرنسي . وما يعنينا , في نتائج الانتخابات البلدية الفرنسية , وفي ما أورده التقرير المذكور, ليس هو الشأن الداخلى الفرنسي وتوازناته وصراعاته السياسية , ومن ثمة سنقف , فقط , عند جانبين متلازمين ويهمان المغرب والمغاربة . الجانب الاول يتمثل في كون فرنسا من البلدان الاوروبية التي توجد فيها نسبة كبيرة من الجالية المغربية بالخارج , وهي البلد ( التقليدي) الاول للهجرة المغربية . ثانيا , ان العنصرية واللا تسامح تعد من السلوكات الاكثر سوداوية في مجال انتهاك حقوق الانسان , وحقوق الانسان , كما يعرف الجميع , هي اليوم شان عالمي او اممي . والقول باتساع رقعة العنصرية في المجتمع الفرنسي ليس فيه اي (تحامل) او (افتراء) على هذا البلد لأن المعطيات الناطقة بذلك سجلتها آلية الانتخابات التي افرزت نتائج ارغمت الرئيس هولاند على اعادة ترتيب اوراقه , وجعلت الاوساط السياسية في باريس تقر بالتقدم الجديد الذي كسبه معسكر العنصرية والتطرف والكراهية . ونفس المعطيات او النتائج سجلها المجلس الوطني الفرنسي لحقوق الانسان بآلية استطلاع الرأي, التي كشفت بدورها عن كون الميولات العنصرية لم تعد محصورة في المجموعات المتطرفة , وبأن مؤشرات التسامح مع المسلمين والمهاجرين المغاربيين في تراجع مستمر . كما تزايد عدد الفرنسيين الذين يعتبرون ادماج المهاجرين المغاربيين والافارقة عملية فاشلة , فيما يشير تقرير فرنسي رسمي الى تزايد الاعتداءات ذات الطابع العنصري على المسلمين . زيادة على اتساع عدد الفرنسيين الذين عبروا عن قلقهم من مظاهر (استعراض الانتماء الديني ) في الاماكن العامة , والصلاة في الشارع العام , وانتشار البرقع , الى غير ذلك من المظاهر والممارسات التي يرون انها تطرح مشكلا حقيقيا بالنسبة للمجتمع الفرنسي . الى هنا قد يقول قائل بأن السلوكات العنصرية ضد المهاجرين ليست بالشيء الجديد . وهو كذلك بالفعل, لكن الحجم الذي اكتسته هذه السلوكات والميولات , ومدى تغلغها داخل فئات جديدة , وتنامي رصيدها الانتخابي ووزنها السياسي , يستدعي مقاربة الموضوع بشيء من الجدية والموضوعية , بدل الخطاب النمطي الجاهز , مع طرح الاسئلة التي لا تقف عند ( ويل للمصلين ..) . وقبل اي سؤال , فالثابت , والموقف المبدئي الذي لا يقبل المساس به , عندما يتعلق الأمر بالهجرة وبجاليتنا في اي بلد من بلدان المهجر , هوالعمل والحرص على احترام حقوق وكرامة وأمن افراد الجالية , وتمتيعهم بكل ما تنص عليه الاتفاقية الدولية للهجرة المعتمدة من لدن الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ سنة 1990 . بعد هذا التاكيد البديهي , ومن دون اي تبرير لمفعول الهواجس التي تدفع الفرنسيين , وغير الفرنسيين , نحو الوقوع في فخاخ العنصرية والكراهية المقيتة , لابد من استحضار المفعول السلبي الخطير لبعض الاحداث والافعال التي تمت باسم الاسلام ( والاسلام منها براء ) والتي أضرت أيما ضرر بالجاليات المسلمة في المهجر , بدءا بتفجيرات نيويورك الى الهجومات الاجرامية في الدارالبيضاء ولندن ومدريد ... والمؤلم ان صورة العنف الارهابي ماتزال تصر على تشويه سمعة العرب والمسلمين , كما حصل ويحصل في بعض بلدان ما سمي ب (( الربيع العربي )) , ومن خلال همجية العنف الدموي الجارية بالعراق وبالساحل الافريقي , ومن خلال انشطة الخلايا الارهابية التي تكتشف في بعض العواصم الاوروبية وما تقوم به من تحريض وشحن الشباب في ديار الهجرة واستقطابهم وتجنيدهم للعمليات الانتحارية او (( الجهاد)) المزعوم . هذه الصور التي اضحت من المعطيات الراسخة عند الاوروبيين , عن المغاربيين والمسلمين عامة , تشكل الزاد الذي تتغذى منه النعرات العنصرية والتي على اساسها , وبتوظيفها , تعمل تيارات ومنظمات التطرف العنصري لتوسيع منحى الكراهية تجاه المهاجرين في المجتمع الفرنسي , كما في مجتمعات اوروبية اخرى . وسواء اعترفنا بذلك ام لا , فان تقدم اليمين العنصري في الانتخابات الفرنسية انما يعبر عن ذلك . لقد قيل الكثير عن ( الاسلاموفوبيا) , ومع ذلك فإن حدة المشكل وتفاعلاته ماتزال قائمة , ولا مجال معها لسياسة النعامة والرمي بالمسؤولية كلها على الآخر . ولذلك فالمغرب مطالب اليوم , كما بالامس القريب , بمواصلة جهده المتميز ليس فقط في مجال الهجرة والمهاجرين , ولكن ايضا في كل ما يهم مواجهة تنامي دعوات الكراهية والعنف والعنصرية ' وعلى مستوى ترسيخ الامن والاستقرار, وقواعد الحوار والتعايش ' واحترام حقوق الانسان بكل ابعادها ومنظومتها الكونية .