مواهب كروية .. 200 طفل يظهرون مواهبهم من أجل تحقيق حلمهم    فرنسا.. أوامر حكومية بإتلاف مليوني عبوة مياه معدنية لتلوثها ببكتيريا "برازية"    طقس الثلاثاء.. أمطار الخير بهذه المناطق من المملكة    الأمن المغربي والإسباني يفككان خيوط "مافيا الحشيش"    ميارة يستقبل رئيس الجمعية البرلمانية لأوروبا    السجن المحلي بتطوان يحتفل بالذكرى ال16 لتأسيس المندوبية    أسماء المدير تُشارك في تقييم أفلام فئة "نظرة ما" بمهرجان كان    مطار الصويرة موكادور: ارتفاع بنسبة 38 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    سكوري : المغرب استطاع بناء نموذج للحوار الاجتماعي حظي بإشادة دولية    الجيش الملكي يرد على شكاية الرجاء: محاولة للتشويش وإخفاء إخفاقاته التسييرية    وزارة الفلاحة: عدد رؤوس المواشي المعدة للذبح خلال عيد الأضحى المقبل يبلغ 3 ملايين رأس    مشروبات تساعد في تقليل آلام المفاصل والعضلات    خمري ل"الأيام24″: الإستقلال مطالب بإيجاد صيغة جديدة للتنافس الديمقراطي بين تياراته    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    أمن فاس يلقي القبض على قاتل تلميذة    بلينكن: التطبيع الإسرائيلي السعودي قرب يكتمل والرياض ربطاتو بوضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية    عملية جراحية لبرقوق بعد تعرضه لاعتداء خطير قد ينهي مستقبله الكروي    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    رسميا.. عادل رمزي مدربا جديدا للمنتخب الهولندي لأقل من 18 سنة    المحكمة تدين صاحب أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن لهذه المدة    هذا هو موعد مباراة المنتخب المغربي ونظيره الجزائري    الشرطة الفرنسية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لفلسطين بجامعة "السوربون"    غامبيا جددات دعمها الكامل للوحدة الترابية للمغرب وأكدات أهمية المبادرة الملكية الأطلسية    الملك يهنئ بركة على "ثقة الاستقلاليين"    تحرير ما معدله 12 ألف محضر بشأن الجرائم الغابوية سنويا    "التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    نيروبي.. وزيرة الاقتصاد والمالية تمثل جلالة الملك في قمة رؤساء دول إفريقيا للمؤسسة الدولية للتنمية    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري        اتفاق بين الحكومة والنقابات.. زيادة في الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل والرفع من الحد الأدنى للأجور    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين        إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الساسي : مذكرة الأحزاب الأربعة
نشر في زنقة 20 يوم 16 - 05 - 2015

رفعت أحزاب المعارضة الأربعة (حزب الاستقلال – الأصالة والمعاصرة – الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية – الاتحاد الدستوري) مذكرة إلى الملك، مؤرخة ب 26 مارس 2015، تطلب تحكيمه إثر تصريحات لرئيس الحكومة اعتبرتها المذكرة منافية للدستور، وخاصة التصريح الذي أدلى به في الراشيدية يوم 15 مارس 2015، والذي ورد فيه أن الملك تعرض لضغوطات كادت تسقط الحكومة، ولكنه صمد في وجهها. واتهمت المذكرة عبد الإله بنكيران بإقحام المؤسسة الملكية في الصراع الحزبي وبإشاعة معلومات خاطئة تقدم حزبه كحزب مميز لدى الملك، مما ينتهك مبدأ المساواة بين الأحزاب ويعرقل الاختيار الديمقراطي، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات.
وأشارت المذكرة إلى أن طلب التحكيم جاء لتجنب مواجهة علنية لن تخدم مصالح البلاد ونبل العمل السياسي (؟ !)
ورغم أن بنكيران، حين أقحم الملك في صراعه مع خصومه، صنع ذلك في سياق استحسان الموقف الملكي، فإن الكثير من خطابات رئيس الحكومة يطرح، بكل تأكيد، مشكلة حقيقية؛ فالرجل يلمح، أو يشير صراحة، إلى وقائع جنائية خطيرة يقول إنها تحصل في البلاد بدون أن يربط ذلك بإثارة الواجب الملقى على حكومته والقاضي بفتح مساطر وتحقيقات وتتبعات ومُساءلات (علاقة خصومه بتجارة أو تجار المخدرات مثلاً).
معارضو بنكيران، أيضاً، يلعبون اللعبة، ذاتها، ويمعنون في محاولات الإيحاء بأنهم يحظون أكثر من غيرهم برضى الملك ويتحدثون كما لو كانوا ناطقين رسميين باسمه؛ فبعد تقديم المذكرة، صرح أحد موقعيها بأن “جلالة الملك، من خلال تكليف مستشاريه بالإنصات لقادة الأحزاب الأربعة، استجاب فوراً لأنه حريص على ألا يُستغل شخصه في الصراعات الحزبية” و”لم يسبق في تاريخ المغرب أن حصل مثل هذا التفاعل الفوري مع المذكرات”. وللتذكير، فالأستاذ عبد الرحمان اليوسفي واجه معارضيه، كذلك، بشعار “حكومة صاحب الجلالة” رغبة منه في ترتيب نتيجة مفادها أن كل ما تصنعه الحكومة يوافق الإرادة الملكية.
ويظهر أن مصدر قلق وانشغال المعارضة الرباعية لا ينحصر في محاولة بنكيران إظهار حزبه بمظهر الحزب الذي يحظى بأفضلية ملكية، بل يمتد ليشمل مجمل خطاباته ونبرته الهجومية الحادة ككل. لقد اعتبر لشكر أن تصريحات بنكيران تستوجب متابعته جنائياً لأنها تصف معارضيه بالفاسدين و”الشفارة”؛ لكن خطابات قادة الأحزاب الأربعة لا تقل عنفاً، فهي اتهمت بنكيران بالولاء ل “داعش” والعمالة للموساد وشَبَّهَتْهُ بهتلر، وذهبت إلى أن الملك غاضب عليه وأن حزب العدالة والتنمية يسعى إلى زعزعة استقرار البلاد، لكن “المغرب زاوية بها إمارة المؤمنين، ولذلك لن تنجح مساعي زعزعته”.
المذكرة تطلب تحكيم الملك في قضية لا تستدعي، ربما، مثل هذا التحكيم؛ فوظيفة الملك كحكم بين المؤسسات، المنصوص عليها في الفصل 42 من الدستور، تعني، إجمالاً، حق تدخل الملك في حالة قيام نزاع بين المؤسسات، أي بين الحكومة والبرلمان، أساسًا، لمعالجة الوضع بالشكل الذي يضمن دوام الدولة واستمرارها وحسن سير المؤسسات.ونحن، اليوم، أمام تصريحات لرئيس الحكومة،تقدم معلومات،ولسنا أمام تضارب في القرارات، مثلاً، أو تنازع في الصلاحيات أو اصطدام أو أزمة أو اختلال في السير المؤسسي وفي أسس التعايش بين المؤسسات.
المعارضة الرباعية تشعر بأنها مُسَّتْ في صورتها لدى الرأي العام وأصابها ضرر معنوي، لكن أحداً لم يمنعها من ممارسة حق الرد، وما الذي يجعلها تعتقد أن الناس ستصدق كلام رئيس الحكومة ولن تصدق كلام قادتها؟
والمذكرة لا يُستشف منها، بوضوح، نوع الإجراء الذي تنتظر من الملك أن يباشره.. هل “التحكيم” الذي ينتظره محررو الوثيقة هو صدور إشارة “توبيخ” من الملك إلى بنكيران أو نقطة نظام ملكية تتولى التذكير بأن القصر يقف على المسافة نفسها من جميع الأحزاب؟ وهل يعتبرون أن الوضع السياسي في البلاد محتاج إلى هذا التذكير في مرحلة التحضير للانتخابات، وأنه سينفعهم انتخابياً وسيكون بمثابة رسالة إلى رجال ونساء الإدارة الترابية؟ لقد أبدى إدريس لشكر مخاوفه من “وجود مؤامرة على صناديق الاقتراع” !
والمذكرة تكاد تفترض أن الملك لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، بينما هو موجود في الميدان، يواكب ما يجري بدقة، وحكم المباراة لا يحتاج إلى من يطالبه بالتدخل فهو يمكن أن يوقف اللعب أو يطرد لاعباً، تلقائياً، بدون انتظار التوصل بشكوى. وقد سبق لبنكيران أن اعتذر إلى الملك وإلى مستشاريه علناً، ومعنى ذلك أن رئيس الحكومة تلقى، ربما، إشارة تفيد بأنه تجاوز الحدود وأخل بالأصول والقواعد المرعية، أي أن النظام يتوفر على ما يكفي من أجهزة للتلقي والالتقاط وأجهزة للإرسال وبث الإشارات.
والمذكرة تنم عن شعور محرريها بنوع من الضعف وعدم الثقة في النفس، والخوف من أن تتدنى نتائجهم في الانتخابات المقبلة، فهم يحسون بأن تصريحات بنكيران تقويه انتخابياً، وهذا ما يفسر الإلحاح في المذكرة على مبدأي تكافؤ الفرص والمساواة بين الأحزاب.
لا شك أن المعارضة الرباعية تستحضر ما تكشفه استطلاعات الرأي العام من استمرار شعبية بنكيران، وحشود الجماهير التي تشارك في تجمعاته، ونزوله شخصياً لتأطير تظاهرات حزبه، ومحدودية الأثر الذي خلفته المسيرات المنظمة ضده والإضراب العام والاحتجاجات القطاعية.
الأحزاب الأربعة لا تتبين، بالقدر الكافي، ملامح المرحلة المقبلة. هي تعلم أن هناك تحالفاً بين النظام وحزب العدالة والتنمية لترتيب وضع ما بعد “الربيع”، ولكنها لا تريد لهذا التحالف أن يعمر طويلاً وأن يؤدي إلى المزيد من تهميشها.
والمذكرة تقدر قيمة ووزن الشخص، داخل التحالف المشار إليه، وتدرك أنه لولا بنكيران لاتخذ هذا التحالف شكلاً آخر، ولولا بنكيران لحملت الحياة السياسية اليوم في المغرب طعماً آخر. يمكن أن يعيب البعض على المذكرة شخصنتها للصراع السياسي وتركيزها على الشخص عوض الانكباب على التجربة ككل، ولكن الجميع يعلم بأنه لا يمكن الحديث عن هذه التجربة دون الحديث عن مركزية دور بنكيران فيها.
والمذكرة لا تندرج، بالضرورة، في سياق الاستقلالية عن النظام، بل في سياق إسداء خدمة ثمينة له ومساعدته على تلبية الحاجة، التي قد يستشعرها الآن، إلى الحد من نفوذ حزب العدالة والتنمية،رغم التحالف معه، وتمنح النظام ، ولو بدون إذن مباشر منه ربما، فرصةً أو أساساً لبذل حركة أو القيام بتدخل في اتجاه لجم الاندفاع البنكيراني وتقليص حظوظ حزبه في حصد المزيد من المكتسبات.
قد يستفيد النظام من وجود المذكرة بواسطة استخدامها في لعبة ضبط التوازنات، ولكن ذلك لن يغير شيئًا من جوهر الحقيقة القائمة اليوم في البلاد، وهو أنه ليس هناك حزب آخر في المغرب قادر على أن يقدم إلى النظام الخدمات التي يقدمها إليه حزب العدالة والتنمية، وخاصة بفضل رصيد المصداقية التي يتمتع بها الحزب حتى الآن؛ ذلك أن حزب بنكيران دَعَّمَ النظام في خطته لإطفاء جذوة الحراك بالشارع، وفتح السبيل نحو إجراء العمليات المؤلمة التي لم يكن بمستطاع الحكومات السابقة إجراؤها (المقاصة – التقاعد)، ووجه ضربة قاصمة إلى دينامية الإضرابات في القطاع العام من خلال الاقتطاعات، وكاد أن يخلي الشارع من مظاهرات الخريجين العاطلين بدون تقديم بدائل مقنعة لحل مشكلتهم، وترك الأجهزة النافذة تفعل ما تشاء بدون حسيب ولا رقيب، وضمن استمرار الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية في البلاد، وأسهم في خطط قص أجنحة المجتمع المدني غير المنصاع وفي التضييق على النشطاء الحقوقيين وقمع الرموز والتنظيمات المتحركة في الحقل السياسي المضاد، وشارك بحيوية ملحوظة في تأسيس وتزيين الأطروحة القائلة بأن هاجس الحفاظ على “الاستقرار الذي ننعم به” وكسب الحرب على الإرهاب أهم من إرساء ديمقراطية حقة وإنجاز الإصلاحات البنيوية الكبرى.
إلى متى سيستمر تحالف النظام مع بنكيران؟ هذا سؤال يؤرق محرري المذكرة ولا يتوفرون، بصدده، على جواب !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.