قدر المغاربة أن يتحملوا مع جنح الفساد في تدبير الشأن العام ونهب ثروات البلاد، جرائم الصحافة في تخطيط المقالات المدفوعة الأجر وقراءة الأحداث بالمقلوب، أو في أحسن الحالات، تأويلها بما يقع على هوى خطوط التحرير المتعرجة. هذا إذا ما افترضنا جدلا أو عبثا، أن قاموس الصحافة المغربية يعترف بعبارة مستوردة من الفضاء الخارجي إسمها (خط التحرير)، ليعرفها على أنها ثابتة أساسية من الثوابت المتغيرة. تخطيطيا، يمكن تقسيم اتجاهات الصحافة بدلالة معالجتها لما تعرفه البلاد من أحداث وتقلبات إلى ثلاثة تيارات رئيسية، تسير في خطوط متوازية، قد تتقاطع من حين لآخر كلما دعت ضرورات الهندسة الانتهازية في فضاء البيع والشراء. أولا: الصحافة الرسمية وشبه الرسمية. تمتاز بقوة الشخصية الكارتونية وعمق النظرة الدالتونية في تخريج الأحداث وتصوير الوقائع بالنيغاتيف. الأخضر أحمر والأحمر أخضر. يمكن نعتها بكل الأوصاف، لكن لا يمكن لعاقل أن ينكر ثباتها على عقيدة الخط التحريري الواحد. لا تزيغ عنه إلا بطلب من الحكومة الأورويلية التي قد تقرر بين عشية وضحاها أن تقلب الموازين وتطور الصورة بنيغاتيف النيغاتيف. نصب هذا التيار في أيامنا محاكم التفتيش وأقام قيامة المعارضين ودعاة الإصلاح والتغيير، يفتش في صحفهم ويتعقب سيئاتهم، إيمانا منه بأن كل ابن آدم خطاء مع التأكيد على صيغة المبالغة عند المعارضين. وبدأت التقارير الصحفية بمصادرها الاستخباراتية الموثوقة، صحيحة ومفبركة، تتقاطر بالحبر والصوت والصورة، عن عمالة المعارضة وفسادها القيادي والتأطيري والمالي والأخلاقي. وتخصصت هذه التقارير في الآونة الأخيرة في توبوغرافيا ما تحت الحزام وفي مساحات الملابس الداخلية من الغسيل الوسخ. فما كان منها إلا أن نقلت اهتمامها لكهول الجماعة وشيوخها بعد أن لقنت شباب عشرين فبراير المبتدئ درسا سريعا في الواقعية السياسية، دفعوا فيه ثمن السذاجة وأخطاء التقدير المتكررة عدا ونقذا. ولا يخفى على أحد ممن سمع عن أبجديات التشويش أن تزامن تسويق صور الخارج مع ترويج أفلام الداخل لم يكن من قبيل الصدفة. إذ أن تركيب هذا العرض بمزجه المقصود لما كان بما يحتمل أن يكون، من شأنه أن يقطع الشك باليقين في عين المتتبعين، فتتوحد في إدراكهم أبعاد الصورة وإفرازات البورنوغرافيين المكبوتين. ثانيا: صحافة بين-بين. مدرسة الواقعية في الواقعية. صاحبة الخط التحريري الأكثر تعرجا -خيوط حريرية متشابكة، تصميمها عنكبوتي متشعب. لا تستقر على رأي ولا تدوم على حال. كل يوم هي في شأن. لا تطور من شريط الأحداث المتعاقبة إلا الصور البولورويدية. تزن مواقف الحكومة والمعارضة بميزان (هنا والآن) وترجح كفتها على الدوام إلى (كم ومن يدفع أكثر). تركب في أيامنا خيول النهضويين وتستل سيوف المصلحين لتساوم الحكومة على سعر ضميرها الواقعي وقاعدتها الذهبية الحكيمة في التزام الصمت كلما دعت المصلحة العليا للبلاد. ويبقى ضميرها حريصا في كل الأحوال على تأمين طريق العودة عندما تعاتب النظام. فتنبه القراء البلداء البلهاء إلى أن لا يخلطوا ما بين النظام والمنظومة، وتفسر لمن يفترض فيه أن يعيش في كوكب آخر حتى لا تنتابه نوبة فتاكة من الضحك الهستيري، إلى أن النظام فيه وفيه. فيه جناح محافظ وفيه جناح ليبيرالي... تحثها موضوعيتها اليومية في تداول النوادرالبورنوغرافية والصور الإباحية ونقل أخبار القتل والاغتصاب، مما يسهل نشره ولا يصعب تسويقه، على نشر الصور والأفلام مع الناشرين، قياما بواجبها الصحفي كما تَعرِفُه وتُعَرِّفُه. ثالثا: الصحافة المستقلة. كتابها انتحاريون يحملون في جنباتهم ذرات التدمير الذاتي وفيرومونات تهيج مقص الرقابة ومقصلة القضاء...المستقل. غالبهم لا يحترفون الصحافة، ولا يرتزقون من بيع وشراء الكلام الفارغ. وقد لا يصدق وصفهم بالصحفيين بالمعنى المتداول. أقلامهم من رصاص، بعضهم لم ينجرها منذ أيام الدراسة في حقبة جيولوجية خالية. لم يحملهم على الكتابة إلا حب الوطن والغيرة عليه، وإرادة الدفع بعربة الإصلاح على بدائيتها وقدم موديلها إلى الأمام بما تحتمله من سرعة، بعد قصور دام عقودا طويلة. أقلام حرة تتخطى الصحافة المحترفة بفوضاها الخلفية، لتكتب عن الفيل الوردي الكبير في القاعة. فتذكر من أصابه فيروس النسيان بأن الأنظمة العربية كانت سباقة للتطبيع والتعامل ثم العمالة لإسرائيل ولغيرها ممن يحكون ظهرها وتحك ظهورهم، ويرعون مصالحها وترعى مصالحهم، مستخفة بمصير الشعب وإرادته. وتحيل من ابتلي ببريون جنون البقر إلى أرشيف الأنظمة المتمرسة فيما نعرفه وفيما لا نتخيله من أصناف الفساد الأخلاقي والمالي والإداري. بالرغم من تفشي الأمراض المنقولة اقتصاديا وتربويا واجتماعيا؛ وتفاقمها في جسد الشعب المغربي، من المستبعد أن يكون داء البلادة و السذاجة قد وجد طريقه إلى عقله حتى يعتبر كل من التحى وتمرد كارل ماركس وتشي غيفارا، وكل من استشهد في كلامه بالقرآن الكريم وبالسنة المطهرة مبشرا بالجنة و وليا من أولياء الله الصالحين. http://gibraltarblues.blogspot.com