مواهب كروية .. 200 طفل يظهرون مواهبهم من أجل تحقيق حلمهم    مغربية تشكو النصب من أردني.. والموثقون يقترحون التقييد الاحتياطي للعقار    حريق مهول يلتهم سوق المتلاشيات بإنزكان    فرنسا.. أوامر حكومية بإتلاف مليوني عبوة مياه معدنية لتلوثها ببكتيريا "برازية"    طقس الثلاثاء.. أمطار الخير بهذه المناطق من المملكة    الأمن المغربي والإسباني يفككان خيوط "مافيا الحشيش"    ميارة يستقبل رئيس الجمعية البرلمانية لأوروبا    أسماء المدير تُشارك في تقييم أفلام فئة "نظرة ما" بمهرجان كان    سكوري : المغرب استطاع بناء نموذج للحوار الاجتماعي حظي بإشادة دولية    الجيش الملكي يرد على شكاية الرجاء: محاولة للتشويش وإخفاء إخفاقاته التسييرية    وزارة الفلاحة: عدد رؤوس المواشي المعدة للذبح خلال عيد الأضحى المقبل يبلغ 3 ملايين رأس    مطار الصويرة موكادور: ارتفاع بنسبة 38 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    مشروبات تساعد في تقليل آلام المفاصل والعضلات    خمري ل"الأيام24″: الإستقلال مطالب بإيجاد صيغة جديدة للتنافس الديمقراطي بين تياراته    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    أمن فاس يلقي القبض على قاتل تلميذة    بلينكن: التطبيع الإسرائيلي السعودي قرب يكتمل والرياض ربطاتو بوضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية    رسميا.. عادل رمزي مدربا جديدا للمنتخب الهولندي لأقل من 18 سنة    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    عملية جراحية لبرقوق بعد تعرضه لاعتداء خطير قد ينهي مستقبله الكروي    المحكمة تدين صاحب أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن لهذه المدة    الشرطة الفرنسية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لفلسطين بجامعة "السوربون"    غامبيا جددات دعمها الكامل للوحدة الترابية للمغرب وأكدات أهمية المبادرة الملكية الأطلسية    الملك يهنئ بركة على "ثقة الاستقلاليين"    تحرير ما معدله 12 ألف محضر بشأن الجرائم الغابوية سنويا    "التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    هذا هو موعد مباراة المنتخب المغربي ونظيره الجزائري    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    نيروبي.. وزيرة الاقتصاد والمالية تمثل جلالة الملك في قمة رؤساء دول إفريقيا للمؤسسة الدولية للتنمية    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام        مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    اتفاق بين الحكومة والنقابات.. زيادة في الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل والرفع من الحد الأدنى للأجور    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين        إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو مقاربة منهجية لتداخل النصوص

تشي كلمة (التناص) بوجود تفاعل أو تشارك بين نصين باستفادة أحدهما من الأخر، و لعل ذلك ما جعل النقد يركز على كشف حيثاته في الثقافة العربية قديما والثقافة الغربية حديثا، وهي التي أنتجت هذا المصطلح بصيغته الحالية {intertextualité}. ويعني هذا المصطلح التواجد اللغوي لنص في نص آخر ، أي كل ما يجعل النص في علاقة ظاهرة أو خفية مع نصوص أخرى." 1.
و نحن و إن قلنا إن المصطلح دخيل على الثقافة العربية، فإننا نشير كذلك إلى أن له جذورا في النقد العربي القديم من حيث دلالته .و إذا بحثنا في المراجع الأجنبية التي تحدثت عن هذا المصطلح فلن نجده يختلف كثيرا عما أشرنا إليه سابقا أي عملية التفاعل بين النصوص، و هو ما أشارت إليه كريستفا بقولها : ( النص ترحال للنصوص و تداخل نص في فضاء نص معين تتقاطع و تتنافي ملفوظات عديدة مقتطعة من نصوص أخرى. ) 2.
وهو ما يعني أن ثمة عملية مستمرة في صيرورتها تحكم عالم النص الذي يظل يغازل النصوص السابقة عليه، ويأخذ منها ويتشاكل معها، و هو ما يعني أن النص دائما قائم في بعض تجلياته حيث إن أثره لا يزال ماثلا في النص الذي اتكأ عليه وتعلق به .
وفي تصور أكثر وضوحا من سابقه يعرف جيرارجينت التناص بأنه " هو ذلك الرق الذي أزيلت منه الكتابة الأولى لتحل محلها أخرى، ولكن العملية لم تطمس كليا النص الأول، مما يمكن من قراءة النص القديم من وراء الجديد مثل ما يحدث في " التشفيف " ،وهذه الحالة تبين أن نصا يمكن أن يستر نصا آخر ولكن لا يخفيه كلية إلا في القليل النادر. فالنص في الغالب يتقبل قراءة مزدوجة إذ يتشابك فيه على الأقل نص " مشتق" ونصه المشتق منه.
وأعني بالنص المشتق كل الأعمال المتفرعة عن عمل سابق بالتحويل كالمحاكاة الساخرة أو التقليد أو كالمعارضة ... ويمكن للنص على الدوام أن يجعلك تقرأ نصا آخر وهكذا دواليك حتى نهاية النصوص " {3}.
ففي هذا التعريف نجد التأكيد على التداخل والتشابك بين النصين (النص الجديد والنص القديم)، دون أن يكون في ذلك قتل للنص القديم، بل هو تداخل أو تقاطع بين النصوص في الألفاظ أو المقاطع أو السياق الذي تدور حوله هذه النصوص. وقد اهتم الدارسون بالتقاطع بين النصوص باعتباره الوظيفة التي تمكن من قراءة النص على مختلف مستوياته تقول كريستفا:" سنطلق على تقاطع نظام نص معين {الممارسة السيميائية } مع الملفوظات {المقاطع} التي سبق أن عبر عنها في فضائه، أو التي يحيل إليها في فضاء النصوص { الممارسة السيميائية } اسم "الإيديولوجم" الذي يعني تلك الوظيفة للتداخل النص، والتي يمكننا قراءتها " ماديا" على مختلف مستويات بناء كل نص تمتد على طول مساره مانحة إياه معطياته التاريخية والاجتماعية. وهكذا يظل النص محكوما بالتداخل مع النصوص السابقة عليه من خلال وروده في فضائه والتعلق بمستويات بنائه.
وقد تتضح عملية التداخل والتفاعل بين النصوص، بالوقوف على تعريف النص الذي تقوم عليه عملية التناص أو التفاعل النصي ،لهذا نقول إن النص بنية ضمن بنية نصية منتجة
وهو ما أكد عليه سعيد يقطين بقوله : " النص بنية دلالية تنتجها ذات { فردية أو جماعية } ضمن بنية نصية منتجة وفي إطار بنيات ثقافية واجتماعية محددة"
وغير بعيد من هذه التعريفات، نجد الصياغة التي وضعها محمد مفتاح حيث يعرف التناص إنطلاقا مما ذهب إليه بعض الغربيين بقوله :"إنه فسيفساء من نصوص أخرى أدمجت فيه بتقنيات مختلفة ممتص لها يجعلها من عندياته، وبتصييرها منسجمة مع فضاء بنائه ومع مقاصده. محولا لها بتمطيطها أو تكثيفها بقصد مناقضة خصائصها ودلالتها أو بهدف تعضيدها ".
وقد وجدنا في هذا التعريف جوانب متعددة تنشر ما أجملته التعريفات السابقة التي ركزت على التداخل والتفاعل بين النصوص، وهو ما عبر عنه مفتاح "بالفسيفساء " أي الخلط بين قطع مختلف من شتى النصوص ثم الإمتصاص أو الإجتذاب من القديم للتلاؤم مع البنية الجديدة، وبعد ذلك يقوم بنشر هذه المادة إن كانت منضغطة أو تلخيصها إن كانت عكس ذلك، وهي أمور كلها ناتجة عن عملية التفاعل أو التداخل وهي عملية لا غنى عنها في العمل الأدبي. فبدون هذا التفاعل ،فإن العمل الأدبي سيظل مستعصيا على الفهم لأنه لا توجد له خيوط يمكن تلمسها من أجل الوقوف على حقيقته ،وهو ما عبر عنه أحد الدارسين بقوله :" إن العمل الأدبي خارج " التناص" يصبح ببساطة غير قابل للإدراك لأننا لا ندرك المعنى في عمل ما إلا في علاقته بأنماط عليا هي بدورها مجرد متوالية طويلة من النصوص تمثل متغيرها."
فالتناص ،إذن، ضرورة يفرضها الواقع الأدبي الذي يحتم على الكاتب والقارئ ضرورة فهم النص: فلو لم يكن النص استجابة لنصوص متقدمة لا نهائية لما كان له أن يفهم.
ولعل هذه الحتمية أو الضرورة التي تقف وراء عملية التناص هي التي جعلت مفتاح يعتبره من أهم الضروريات، بل لا حياة للأدب ما لم يكن هنالك تناص لأنه هو عصب الحياة لها قياسا على تشبيهه بالماء، يقول مفتاح :" فالتناص ، إذن، للشاعر بمثابة الهواء والماء والزمان والمكان للإنسان فلا حياة له بدونها ولا عيشة له خارجها".
فالتناص ،كما تِؤكد هذه التعريفات، حتمية لا غنى عنها للنص الأدبي، أراد الكاتب ذلك أم لم يرده، فهو محكوم به رغم أنفه حيث إنه قد يحصل دون أن يكون ذلك بقصد الكاتب، بل يقع فيه من خلال مخزونه الأدبي في الذاكرة.
غير أن التناص لم يكن وليد الصدفة البحتة ، بل توجد آليات تحكمه ، وقد كانت هذه الآليات موضع اهتمام ورصد من قبل علماء العرب القدماء، وخير دليل على ذلك هو عملية الحكم بين النصين التي كان يقوم بها ابن رشيق حيث كان ينظر في أيهما أكثر إجادة في المعاني ولو كان متأخرا عن خصمه، سواء أكان دلك من خلال اختصاره للنص إن كان فضفاضا، أم من خلال بسطه وتمطيطه إن كان عكس ذلك.
من هنا، جاءت آليات التناص ،كما رصدها إبن رشيق وأقرها المعاصرون، على النحو التالي : التمطيط والإيجاز.
أ - التمطيط : وقد يكون بأشكال مختلفة تبسط النص من خلال التداعي الذي يسيطر على الكاتب المحتذي وهو يختزن في ذاكرته النص النموذج، وأول هذه الوسائل التي يعتمدها الكاتب في التمطيط هي الشرح.
- الشرح : وهو أهم وسيلة يعتمد فيها الكاتب على التمطيط باستعماله البعد التفسيري للفكرة التي يحاول شرحها. لذلك كان الشرح أساس كل خطاب شعري، إذ أنه قد يكون في القصيدة كلمة محورية تدور حولها القصيدة كلها.
- الاستعارة : سواء مرشحة أو مجردة أو مطلقة لأنها تبعث الحياة في كل الأشياء خاصة إذا كان الخطاب شعريا حيث تنقل المجرد { الدهر } إلى المحسوس {الليث} :فالاستعارة قد تكون أكثر دقة في التعبير من الحقيقة وأشد منها وقعا، لما تحتله من حيز مكاني وزماني أكثر من غيرها .
- التكرار : ويكون على مستوى الأصوات والكلمات والصيغ تراكميا أو ثنائيا.
ب- الإيجاز: فكما ينشر الكاتب النص، فإنه كذلك يلخصه ويختصره عما كان عليه من قبل عن طريق الإشارات والتلميحات الدالة كالإشارات التاريخية المشهورة .
هذه إذا هي الآلية التي من خلالها يكون التناص، فهو إما أن يكون تمطيطا عن طريق الشرح والتفسير الذي تتداخل فيه النصوص، وتتعالق بصورة واضحة، وإما أن يكون تلخيصا من خلال الإيماءات إلى حوادث مشهورة تاريخيا، وهو هنا إرصاد أو تضمين من تفاعل نصي.
2- أنواع التناص :
هناك اصطلاحات كثيرة وردت كلها في إطار واحد هو إطار التناص: فكما يسميه البعض بالتناص ،يسميه آخرون التفاعل النصي، أو التداخل النصي، أو العلاقة بين النصوص، أو المتعالقات النصية. وهي عبارات مختلفة في اللفظ، وتطمح لنفس الهدف بل بصورة أدق كلها أسماء لمسمي واحد، ولعل التفاعل النصي أقوى هذه التعابير لأنه يحمل في طياته صورة التأثير التي يرسمها النص المتقدم في النص المتأخر. وهو ما يمكن من خلاله الكشف عن العلاقة أو الصلة بين النصوص من حيث أد بيتها .
وقد كان جيرارجينت سباقا في تصنيف التناص إلى أنواع معينة وصل عددها إلى خمسة رئيسية وهذه الأنواع هي:
1.التناص: وهو يحمل نفس المعنى الذي يرمي إليه التناص عند جوليا كريستفا، أما عند جيرارجينت فهو حضور نص في آخر للإستشهاد والسرقة وما شابه ذلك .
2. المناصparatisit :وخير مثال عليه العناوين والعناوين الفرعية والمقدمات والذيول والصور وكلمات الناشر.
3. الميتناص : وهو علاقة التعليق الذي يربط نصا بآخر يتحدث عنه دون أن يذكره أحيا نا .
4. النص اللاحق : ويكمن في العلاقة التي تجمع النص "ب" كنص لاحق huortexte بالنص {أ} كنص سابق hyupoxte وهي علاقة تحويل أو محاكاة.
5. معمارية النص : هو النمط الأكثر تجريدا وتضمنا، إنه علاقة صماء تأخذ بعدا مناصيا وتتصل بالنوع شعر- رواية.
وهذه الأنواع الخمسة، كما هو واضح، شديدة الترابط فيما بينها حيث لا تخرج عن الإطار الذي رسمت من أجله التسمية وهو وجود علاقة ما بين النصوص .
وفي تصور آخر غير بعيد عن هذ،ا يقسم سعيد يقطين التناص إلى أنواع ثلاثة، انطلاقا من اعتبار أن النص ينتج ضمن بنية نصية سابقة وهو يتعالق بها ،وهو يقسم النص إلى بنيات نصية هي " بنية النص" وهي التي تعنى باللغة والأحداث والشخصيات، والقسم الآخر من البنية هو " بنية المتفاعل النصي " لأن المتفاعلات هي البنيات النصية بشتى أشكالها.
وقد توصل يقطين إلى الأنواع الثلاثة التالية، مستعينا في هذا التقسيم بتقسيم جيرارجيت السابق " نستفيد في تحديدنا لأنواع التناص من خلال دراسة جيرارجيت"لها وهي:
1. المناصة: Paratentalité وهي البنية النصية التي تشترك وبنية نصية أصلية في مقام وسياق معينين وتجاورها محافظة على بنيتها كاملة ومستقلة. وتكون المناصة داخل النص أي تفاعل داخلي، كما تكون مناصة خارجية، ومن ضمنها ما يكون في المقدمات والذيول والملاحق وكلمات الناشر أو ما شابه ذلك.
2. التناص :intertextualité وهو يعني التضمين بأن تتضمن بنية نصية ما عناصر من بنيات نصية سابقة وتلتحم معها حتى يظهر أنها جزء منها .
3. الميتناصية: méta textualité وهي نوع من المناصة لكنها تأخذ بعدا نقديا محضا في علاقة بنية نصية مع بنية نصية أصل.
وهذه الأنواع كلها، وكما لاحظنا سابقا مع تقسيمات جيرارجينت، تسير في قالب واحد هو التفاعل النصي، أو العلاقة ما بين النص القديم والحديث، حيث إن كل الكتابات تنتج في إطار بنية نصية سابقة بقصد صاحبها أو بغير قصده، سواء أكانت هذه البنية قديمة أم معاصرة. وإذا كان التناص قد دخل الثقافة العربية في صورته الناضجة عن طريق التلاقح الثقافي مع الغرب، فان له جذورا – في ثقافتنا العربية وهو ما رصده النقاد القدماء، من خلال دراستهم للمعارضة، وقد صنفوها إلى أنواع كثيرة ،حسب تصور كل ناقد للطريقة التي يتم بها التناص داخل المعارضات الشعرية.
..
وسنشير في هذه الدراسة إلى الأنواع التي توصل إليها القدماء، دون أن نغوص في ذلك، لأننا نريد فقط أن نؤكد على مدى الترابط بين التصور القديم والحديث للتناص ، وإن اختلفت المعالجات التي كشفت بها حقيقة التناص.
لقد كانت المحاولات كثيرة في هذا المجال حيث نجد ابن رشيق، والحاتمي، وبدوى طبانة، وغيرهم تحدثوا عن هذه الأنواع ودورها في عملية الإبداع الأدبي.
وسنهمل كل المحاولات إلا محاولة بدوى طبانة ، والتي سنكتفي منها ببعض التعريفات والشواهد تفاديا للإطالة: ففي إطار معالجته لهذه المسألة رأى بدوى طبانة أنه يوجد أثنا عشر نوعا من التناص على النحو التالي:
1. الاصطراف : وهو وليد الإعجاب بالسابق والأخذ به ،ويكون ذلك بإحدى طريقتين إذ يعتبره مثلا له فهو " اجتلاب" و" استلحاق". وإن لم يكن على سبيل المثل فهو "انتحال" وهو أقرب إلى "السرقة" وان ورد على غير ذلك.
2. الادعاء : أن يدعى الرجل شعر غيره فينسبه لنفسه كذبا.
3. الغصب : أن ينسب الشاعر شعر غيره لنفسه عنوة رغم قيام الحجة.
4. المرافدة : أن يقدم الشاعر لزميله أبياتا على سبيل المعونة تتمة لمعنى كان قد بدأ فيه ولم يكمله.
5. الاهتدام : وهو أن يأخذ الشاعر البيت أو البيتين وهو بمعنى السرقة.
6. النظر والملاحظة : أن يتساوى المعنيان دون اللفظ مع خفاء الصلة.
7. الاختلاس : وهو استعمال المعني القديم في غرض جديد.
8. الموازنة : وهو يقتصر على أخذ أبنية الكلمات.
9. المواردة : أن يتفق الشاعران دون أن يسمع احدهما شعر الآخر.
10. الالتقاط : والتغليف : وهو بناء البيت من أبنية أبيات عديدة.
11. كشف المعنى : وهو إظهار المعنى الذي تحدث فيه الأول من طرف الأخير.
12. المجدود : وهو أن يشتهر المعنى ويظل جاريا على الألسنة في جدة متميزة .
و من خلال نظرة خاطفة لهذه التعريفات، نجد أن القدماء لم تتجاوزهم الرؤى المعاصرة في معطيات كثيرة، حيث إنهم بحثوا في كل السبل ورصدوا تحركات الشعراء المختلفة حتى تمكنوا من معرفة العلاقات الداخلية والخارجية بين النصوص الشعرية، وان كان هنالك من فروق، فإن من أهمها قدرة المعاصرين على تحديد الظاهرة والسيطرة عليها من خلال تلخيصها في أقسام وجيزة، بينما نجدها عند القدماء متعددة الجوانب.
3 – أهمية التناص :
بعد التتبع لمظاهر التناص في الثقافة الغربية، وتأصيله في الثقافة العربية، فانه لا فكاك لنا من التسليم بضرورة التناص وأهميته في الثقافة الإنسانية بشكل عام، وفي تطور الأدب بشكل خاص: فكل الدراسات تؤكد على أهميته باعتباره ضرورة حتمية لا مناص مها، فهو كما يقول الدكتور مفتاح " فالتناص، إذن للشاعر بمثابة الهواء والماء والزمان والمكان للإنسان، فلا حياة له بدونهما ولا عيشة له خارجهما".
فالشاعر يجد نفسه ملزما بالأخذ بشروط التناص الزمانية والمكانية، وما دار في هذا الزمان والمكان، فضلا عن ما تختزنه ذاكرته من أحداث تاريخية.
كما أن معرفة المحيط الاجتماعي الذي يوجد فيه الشاعر هي الرافد الأساسي الذي تنبع منه التأويلات النصية من طرف المتلقين من خلال عكسهم للنص على ما دار في الواقع المعيشي، مما يجعل تجاهل آليات التناص أمرا غير ممكن، وهو ما أكد عليه مفتاح في قوله : " لا أن يتجاهل وجوده هروبا إلى الإمام" . ولعل هذه الإلزامية هي التي جعلت الشعر العربي القديم يعيش في دوامة { الإبداع والإتباع }، حيث لم يجد بدا من الخروج منها لعدم تبلور الرؤية في نظر النقاد.
بينما ظهرت المسألة في النقد الحديث بوصفها ضرورة إلزامية لا غنى عنها للأدب، حيث إن عملية التناص هي التي نستطيع من خلالها تأويل النصوص وتفسيرها .ولعل هذا التصور هو الذي ذهب إليه "سعيد يقطين" حين قال: " إن التناص له ضرورته وأهميته لأن الأمر يتعلق بتوجيه قراءة النص والتحكم في تأويله" .
فليس للنص بوصفه كما لو أنه لغة معزولة عن العالم أهمية، إذ لا يمكن فهم ما يدور حوله، إلا إذا اعتبرنا أنه بنية متشابكة من نصوص متعددة، أي أنه نسيج من أبنية نصية سابقة عليه تبعا للإشارات التي يحملها. وتعتبر هذه النصوص السابقة ،أو ما سماها بعضهم بالنص "الغائب"، هي العتبات أو الشفرات التي من خلالها يمكن الدخول إلى النص الحاضر، وهو ما يجعل في النص نكهة وجمالية عند المتلقي حيث يربطه بجذور معينة يستمتع خلال عملية تلمسه لها.
.
– دواعي التناص :
رغم الأهمية الأدبية التي تبوأها التناص في الدراسات الأدبية، حيث تبين أنه لا غني عنه للشاعر ولا الكاتب أيا كان، فانه لا يمكن أن نعتبر أن التناص وليد الصدفة، ولا يصح أن يكون كذلك، ذلك أن الثقافة الإنسانية محكومة بسمة التوليد والاستنتاج. وكلما طال عمر الثقافة أيا كانت فإنها تكون أكثر حظا في التعالق ما بين الحاضر والماضي .
والنظر في قضية اللغة باعتبارها ظاهرة إنسانية متجذرة يوضح أن الإنسان لا يمكنه الانقطاع عن الماضي الثقافي له، "إذ انه ليس في مقدوره اختراع اللغة ،كما لا يمكنه الاستغناء عنها لأنه لن يكون مسموعا من طرف مجتمعه. ومن هنا، فانه يعجز عن الاستمرارية في التواصل مع الآخرين، فاللغة نتاج اجتماعي لا يمكن إهماله، بل لا بد من التمسك به والرجوع إليه حتى يتسنى للقارئ والمتلقي بصورة عامة فهم مداخيل هذا النص. ولن يكون ذلك إلا بوضعه في إطاره الاجتماعي. "يجب وضع النص الأدبي في وضع لغوي اجتماعي خاص كما عاشه كاتبه وجماعته الاجتماعية".
علاوة على ذلك، فانه لا يمكن إهمال دور الثقافة التراثية دون قصد الكاتب أو الشاعر لأن هذا الشاعر الذي انسجم مع هذه اللغة وفهم مدلولاتها، فانه سيجد نفسه مرغما على التعامل معها والأخذ منها حيث استقرت في ذاكرته وكونت لديه مرجعية ثقافية معينة أصبحت تشكل جزء كبيرا من بنيته الفكرية.
لذلك، فانه من الجدير بنا أن نذكر أن التناص وليد التراكمات الثقافية لدى الإنسان، وبالتالي فانه من أهم الدواعي التي أسهمت في إرساء قواعد التناص الأدبي هي الخلفية الثقافية في التراث.
{1} جيرارجينت:مدخل لجامع النص، نقلا عن د/ محمد ناجي محمد أحمد، ص .46
{2} علم النص – جوليا كريسيتفا : ترجمة فريد الزاهي ، توبقال للنشر ، ص 21 .
{3} نقلا عن معارضات ياليل الصب : جرارجينت ، ص 47 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.