اليوم، ونحن كثرة في عهد المليار ونصف المليار مسلم، انظروا كيف استفزتنا أقلام الرصاص التي لا نحسن نحن إلا نَجْرها بالمنجرة، ولا نستخدمها إلا لنمحو آثارها فيما بعد بالممحاة. لأننا لا نستقر على قرار، بل كلنا ريب وشك ولو فيما تصنعه أيدينا. استفزتنا رسومات أقنعنا ناشروها أنها لرسولنا الكريم، بل وجعلونا لا نرى فيها إلا كونها تجسد النبي محمد صلى الله عليه وسلم رغم بشاعتها، ورغم كل التشوهات التي تعمد الرسامون وضعها، مع أننا نردد وفي مناسبات عدة" وأجمل منك لم ترى قط عيني، وأكمل منك لم تلد النساء، خُلقت مبرأً من كل عيب، كأنك قد خُلقت كما تشاء"، لكن في لحظة ننسى هذا كله، وننتفض بسبب رسرمات كما لم ننتفض بسبب جرائم فظيعة ارتكبت وترتكب في حق أمة محمد في مشارق الأرض ومغاربها. وسبحان مقلب القلوب، لقد ثُرنا بسبب صور نُسبت لمحمد، ولا نَثُر على من سماهم آباؤهم على اسم محمد، والمصطفى، والبشير... وهم يسبون الدين والرب، ويتفننون في السب ويتلذذون، على مرأى ومسمع العالمين. ُثرنا على رسومات نجح ناشروها في نقشها على عقولنا وكأنها فعلا للرسول، بل ودفعنا العالم كله لنفس الاعتقاد، حتى أصبح الصغير من الناس يرى الصور ويقول هاهو رسول المسلمين، وقد كان بإمكاننا تجاهل الأمر كله، بل وإفشال مخطط استفزازنا وإظهارنا بمظهر المتطرفين، بل وكان الأجدر بنا أن نتخذ موقفا من إعلام كان منحصرا في محله، دون أن نرفعه إلى العالمية ببلادتنا. و لما لا الرد عليه بنفس المستوى أو أكثر، إن كنا فعلا أمة الكتاب التي قال فيه رب العزة ( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره..)، ولم يقل اقتلوهم، أو ارهبوهم، فنحن أمة ندعي العلم والفكر، ثم ننهار أمام تفاهات الجهل والإلحاد، فنسقط فريسة مكرهم وخبثهم. وقد كان "سلمان رشدي" نكرة لا يعرفة أكثر من أقربائه، فشهرناه بسبب احتجاجنا على إسائته للرسول صلى الله عليه وسلم، ورفعنا الهولاندي "أرنود فان دورن" إلى النجومية بسبب انتفاضتنا ضد فيلمه المسيء للإسلام، وها نحن اليوم ننقد مجلة فاشلة لم تكد تتعدى حدود مطبعتها من الإفلاس، بل وأصبحت من غبائنا أشهر مجلة في العالم، وأصبحت رسوماتها من أشهر الرسومات على الإطلاق. وفي المقابل، صار العالم كله ضد مطالبنا باحترام العقيدة، وعدم المساس بالمعتقدات، ومنحنا الصهاينة هدية من ذهب، حينما وقف قادة دول عربية لها من الماضي ما يجعلها في عداوة ثابتة مع إسرائيل جنبا إلى جنب مع الإرهابي الأول، قاتل النساء والصبيان. في مظاهرة مسرحية هزلية تنديدا بما اعتبروه إرهابا ضد حرية الرأي والتعبير، التي تنتهي في قاموسهم عند الحديث عن الهولوكوست، أو التشكيك في عدد اليهود ضحايا المحرقة، ألم أقل لكم أننا في خدمة العالم، وتحت أوامر أسياده؟ - يتبع -