كيف أنهت "البوليساريو" حياة الأطفال؟    أخنوش: الفرق بين الحكومات في التقاط الإشارات والانسجام مع توجيهات الملك    الفنان محمد عبده يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان    كل مرة بمليون.. الحظ يحالف أمريكية مرتين في أقل من 3 أشهر    مديرية الأرصاد: طقس حار هبات لرياح قوية بهذه المناطق    الريال يقلب الطاولة على بايرن ويلتحق بدورتموند في النهائي    أخنوش: محظوظون بالعمل في إطار الرؤية الملكية.. والفرق بين الحكومات في القدرة على الانسجام مع توجيهاته    أخنوش معقبا عن حصيلة حكومته المرحلية: ما قامت به الحكومة في ظرف سنتين ونصف كافي ليكون حصيلة ولاية كاملة    الجيش المغربي يجهض عملية لتهريب طن ونصف من المخدرات على الحدود مع الجزائر    وزارة الأوقاف تعلن الجمعة أول أيام شهر ذي القعدة بالمغرب    كيف تؤثر سيطرة إسرائيل على معبر رفح على المواطنين وسير مفاوضات وقف إطلاق النار؟    اول مركز نداء لخدمة الزبائن باللغة الأمازيغية بشرع في تقديم خدماته بالحسيمة    الريال يزيح البايرن من دوري الأبطال    رياض مزور..المغرب نهج استراتيجية استباقية للتحرير الاقتصادي مكنته من استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة هامة    مليون ونصف شاب مغربي لا يدرسون ولا يستفيدون من تكوين في وضعية بطالة    بطل "فيديو" السياقة الاستعراضية في قبضة الأمن    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي    العالم يسجل ارتفاعا غير مسبوق في درجات الحرارة خلال أبريل    تواجد مدير منظمة العمل الدولية في المغرب ينال ترحيب "الباطرونا" والنقابات    وهبي.. المغرب على استعداد تام لدعم إحداث الشبكة الدولية للآليات الوطنية للتنفيذ وإعداد التقارير والتتبع في مجال حقوق الإنسان    الأمثال العامية بتطوان... (593)    الفيلم الأمازيغي "قارب الحب" يحصد جائزتين بمهرجان الدراما بمكناس    الإضراب يصيب مستشفيات المملكة بالشلل.. والنقابات تستعد لتصعيد أكبر    الزمالك يعترض على حكام مباراتهم أمام نهضة بركان    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    زمن الجراح.. من الريف السامق إلى الحوز الباسق    زياش يقرر رسميا البقاء في نادي غلطة سراي التركي    في كلمة مثيرة للجدل.. الرميلي تدافع عن موظفة رفض امهيدية تزكيتها    دالاس.. تسليط الضوء على مؤهلات المغرب، القطب الاستراتيجي للاستثمار في إفريقيا    أسترازينيكا تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    جلالة الملك يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود مبعوث خادم الحرمين الشريفين حاملا رسالة لجلالته    اكتشاف مقبرة جماعية ثالثة وانتشال 49 جثة من مجمع الشفاء في غزة    حقيقة انفصال صفاء حبيركو عن زوجها    المغرب يزيد من طاقة إيواء السجون ب 5212 سريرا في إطار أنسنة ظروف الاعتقال    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    الرياض توافق على مذكرة تفاهم مع الرباط    برنامج متنوع للنيابة العامة بمعرض الكتاب    توقيع اتفاق تعاون بين الإيسيسكو وليبيا في المجالات التربوية    طنجة.. ربيع جاكاراندا للمسرح المتوسطي يحتفي بتنوع الثقافات    الرباط: يوم تواصلي تحسيسي لفائدة مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي    السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية    وسط استمرار القلق من الآثار الجانبية للقاح «أسترازينيكا»..    لوحة الجمال والعار    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    ياسمين عبد العزيز تصدم الجميع بحديثها عن طليقها أحمد العوضي (فيديو)    2026 هو موعد تشغيل محطة تحلية المياه بالدارالبيضاء    مشاركة البطل الطنجاوي نزار بليل في بطولة العالم للقوة البدنية بهيوستن الأمريكية    الركراكي مدربا جديدا لسريع واد زم    بعد ضجة آثاره المميتة.. "أسترازينيكا" تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    بطولة انجلترا: رفض استئناف نوتنغهام بشأن عقوبة خصم 4 نقاط من رصيده    بطولة انجلترا: ثياغو سيلفا ينضم إلى نادي بداياته فلومينينسي في نهاية الموسم    "من المهم أن تفهم أن آخر شيء أريد فعله هو وضعك في السجن"    وقفة تضامن في الرباط تحذر من إبادة إسرائيلية جديدة متربصة بمدينة رفح    وفد من حركة "حماس" في "القاهرة"    غلاء دواء سرطان الثدي يجر "السخط" على الحكومة    وزارة الداخلية السعودية تعلن تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مناديل "شفشاون".. صناعة تقليدية يبدعها المبصرون والمكفوفون كذلك
نشر في طنجة 24 يوم 08 - 08 - 2021

أنس مزور من شفشاون (*): ترتدي مدينة شفشاون، زرقة السماء، طوال العام، وكأنها بوابة المبدعين إلى عالم الفن والخيال حيث تنسج أناملهم أجمل اللوحا.
وقبل أن تُشيد المدينة، الواقعة غرب سلسلة جبال الريف، على يد الأمير علي بن راشد، لإيواء المسلمين واليهود المطرودين من الأندلس عام 1471، كانت تسمى بمنطقة "الشاون" وهي كلمة أمازيغية تعني "قرون الجبل".
قربها من السماء، جعلها مدينة تمتاز بطقسها البارد، وجعل أبناءها يبدعون في نسج أغطية، وأفرشة، وجلابيب رجالية، ومآزر نسائية من صوف، وجعلها تعدل بين أبنائها لتورثهم روح الفن والإبداع..فلا فرق بين مبصر وكفيف بشفشاون..الجميع يستطيع نسج الصوف بألوان زاهية، ورسوم هندسية تسر الناظرين.
يقول أحمد أزناط، صانع تقليدي وناسج صوف في ال 59 من عمره، للأناضول: "تعلمت حياكة النسيج عام 1975، إلا أنني سرعان ما تركت مجال الصناعة التقليدية لممارسة التجارة، و في عام 1994 أُصبت بوعكة صحية، فقدت على إثرها بصري، لأصبح عاطلاً عن العمل، وبعد أن كنت معيلاً أصبحت معالاً. ولا أصعب على المرء من شعوره بأن لا قيمة له، فقيمته بعمله".
لم يستسلم أزناط لمرضه وفقدانه البصر، بل اقترب من سماء الإبداع من جديد، ليصبح أستاذاً يدرس أمثاله من المكفوفين فنون النسيج.
يتذكر مستطرداً: "كانت البداية عام 2006، حيث انخرطت في فرع المنظمة العلوية لرعاية المكفوفين هنا بالشاون (غير حكومية)، لأعود لمزاولة حرفة كنت قد تعلمتها قبل 30 عاماً. عملت في ورشة الحياكة في المنظمة، وقد ساعدني جار لي ، على تعلم حرفة الدراز (النسيج)، واستذكار ما كنت قد تعلمته".
ويمضي: "سرعان ما انخرطت في العمل على المرمة (الآلة التقليدية التي يُنسج الثوب عليها)، وقد واجهتني بعض الصعوبات في البداية، لكنني تغلبت عليها، واستطعت التكيف مع العمل في الورشة، أشعر وكأنني لست مكفوفاً بل مبصراً. وأتصرف بشكل عادي".
يشغل أزناط حالياً، منصب نائب رئيسة فرع المنظمة العلوية لرعاية المكفوفين، في شفشاون، وقام بتدريب عدداً من المكفوفين وضعاف البصر، الذين يعملون معه بنفس الورشة.
أحد هؤلاء.. عبد المجيد الشاوني، في العقد الرابع، وُلد كفيفاً، بخلاف أستاذه الذي فقد بصره في شبابه.
يقول الشاوني للأناضول: "التحقت بالمنظمة عام 2005، وقبلها لم أكن أعمل كوني كفيفاً، وعند انخراطي بالمنظمة، تعلمت هذه الحرفة، التي تعود علي بقدر من المال، أعيش منه حالياً بشكل جيد، فعند انضمامي للجمعية لم أكن متزوجاً، أما الآن فقد تزوجت، ورزقت بطفلين".
ويضيف: "عندما ينهض الشخص كل يوم للذهاب إلى عمله، يختفي لديه ذلك الإحساس بالإعاقة، فيرتاح نفسياً، وأحياناً أنسى إعاقتي بالفعل، وأحسبني مبصراً عندما أكون منهمكاً بالعمل".
العديد من زوار الورشة حين يأتون إليها لا ينتبهون إلى كون الشاوني كفيفاً، وإنما يجدون أمامهم رجلاً منهمكاً في عمله..يحيك مناديل صوفية، ولا يشكّون للحظة أنه كفيف، بحسب مراسل الأناضول.
والمناديل الصوفية، يستخدمها السكان، كأغطية صغيرة للتدفئة في أجواء البرد، وكغطاء يزين الفراش، أو المائدة، كما تستخدمها النساء كتنورة.
يشرح الشاوني أن العمل في حياكة ونسيج الصوف "ليس بالأمر السهل، بل يتطلب الكثير من التركيز وخاصة عند اعتماد الألوان المختلفة، والأشكال، والزخارف المتنوعة"، فالمبصر بحسب قوله، "يبذل جهداً في صنع القطعة الواحدة، أما الكفيف فجهده أضعافا مضاعفة، ويركز بشكل أكبر على حاسة اللمس، بتحسس الخيوط، وعدها، وتمييز كل لون على حدة بمساعدة شخص آخر".
ويتابع الشاوني قائلاً "استغرق مني إتقان العمل مدة ثلاث سنوات، وقد تعلمته بصعوبة، كونه يتطلب الكثير من التركيز، والاعتماد التام على حاسة اللمس للتحكم في الخيوط، والآن أجد العمل سهلاً، والممارسة هي ما تجعل الإنسان يبدع شيئاً فشيئاً".
شعاره في الحياة كما أخبر الأناضول هو "علمني الاصطياد ولا تعطيني سمكة، وأن نحصل نصف ثمن المعيشة، خير من القعود في البيت"، ويتساءل "فما عذر أصحاء مبصرين عاشوا حياتهم يطلبون الأسماك؟؟".
وتأسس فرع رعاية المكفوفين بشفشاون عام 1968، لكن تفعيل شعار تعليم اصطياد السمك، بدأ بتأسيس ورشة الحياكة عام 2007.
وتقع الورشة في الطابق الأول من بناية المنظمة، بينما يضم الطابق الأرضي فضاء لتسويق المنتوجات الصوفية، حيث يقبل السياح على مناديل المدينة الزرقاء، وباقي المنسوجات التي تحمل بصمة إبداع خاصة.
تقول رئيسة المنظمة بشفشاون، سعيدة بنعياد، للأناضول: "يعتبر ثمن البيع لدينا عادياً، حيث ينافس المنتوجات المعروضة في الأسواق، لكن مشكلة التسويق ما تزال مطروحة، وحبذا لو تمكنا من تخصيص ركن في الأسواق الممتازة والمهمة لهذا المنتوج، للتعريف به من جهة ، ولتوفير دخل إضافي لهذه الفئة التي هي في أمس الحاجة إليه من جهة أخرى، وليتمكنوا من الاندماج في المحيط السوسيو-اقتصادي، ولكي لا تبقى هذه الفئة مهمشة لمجرد فقدانها البصر".
وتضيف: "هؤلاء الأشخاص رغم افتقادهم لحاسة البصر، لديهم قدرات أخرى، حسية ومعرفية مكنتهم من ولوج هذا المجال والإبداع فيه بجودة عالية، والاعتماد على حاسة اللمس لجعل القطعة التي ينتجونها متكاملة وجيدة".
وبحسب بنعياد، هناك مناديل ومنتوجات لا توجد في مدينة شفشاون برمتها إلا بورشة المنظمة، وكثيراً ما يدفع الزبائن ثمن القطعة قبل الانتهاء من نسجها، لشدة إعجابهم بشكلها المتفرد، وجودة صنعها.
بين الأزقة العتيقة للمدينة التي تبلغ مساحتها 10.4 كم2، والبالغ تعداد سكانها حوالي 50 ألف نسمة (من إجمالي عدد السكان البالغ 33 مليون نسمة)، لا يستطيع الزائر أن يميز بين ما أبدعه المبصرون أو المكفوفون.
فما تعرضه الدكاكين الصغيرة من منتجات الصناع التقليديين من منسوجات صوفية، وأثواب، لا يعكس سوى أجواء الإبداع بمدينة قريبة من السماء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.