كنا إلى عهد قريب من أشد المدافعين عن القول المأثور " رب حمار حي أفضل من أستاذ ميت "، لأن المفارقة هنا واضحة ما بين الحياة والموت، الوجود والعدم؛ لكن مع ذلك، فإن هذه المسألة ليست مادية بالضرورة كما قد يبدو لأول وهلة، إذ ما الفائدة من حياة لا حياة فيها، أي ميتة، فكم واحدا منا يشعر بأن الموت يسري في عروقه حتى وهو كائن حي يأكل ويشرب ويمشي في الأسواق أيضا... وكم من الكائنات البشرية التي طواها التراب وهي في عداد الموتى، لكنها ما تزال حية تعيش بين ظهرانينا بفضل ما تركته من أعمال جليلة أو أفكار سديدة أو أشياء أخرى لا زالت تنتفع من ورائها الإنسانية إلى اليوم. وكيما لا نتهم بالسفسطة، نعود إلى ما بدأنا به، لنوضح أن الخدمات التي تقدمها الحمير لأصحابها عظيمة وغاية في الأهمية بلا شك؛ وبالمقابل، ما الذي يمكن أن ينفع به أستاذ (المقصود مثقف ومتعلم) لا يقدم ولا يؤخر؟ قد يبدو لنا الجواب على السؤال بديهيا، وقد يكون كذلك بالفعل للكثيرين ممن خبروا الحياة ودروبها المتشعبة. إلا أن هذه البداهة التي تنجلي أمام أعين هؤلاء بوضوح في العديد من الحالات، يمكن أن تتبدد وتتكسر على صخرة الواقع في حالات جمة أخرى. وبصيغة مغايرة، نريد أن نقول بأن "الحمار" (في حالة ما إذا تواطأنا وعددناه رمزا للبلادة والأمية...الخ) لا تجوز مقارنته بالأستاذ، حتى وإن بدا هذا الأخير جامدا بدون حركة بالنسبة للبعض، والسبب في رأينا المتواضع بسيط للغاية، فالأستاذ يفكر على الأقل وربما يقوده تفكيره إلى تفضيل عدم الحركة تلك ويبقى ذلك اجتهادا في حد ذاته، بينما "الحمار" لا يفكر، وإن حدث وفعل، فتفكيره يأتي أعوجا بليدا ولا ريب. والحال، أن سبب نزول ما نومئ إليه، هو ما عايناه باستمرار من عبث صادر عن بعض "أميينا" (مع التأكيد أننا لا نحمل أية ضغينة تجاه هذه الفئة ما دمنا نعتبر الدولة هي المسؤولة عن بقائهم كذلك) من المنتسبين، عنوة، لجماعة المستشارين والبرلمانيين، في الاجتماعات الرسمية وغير الرسمية، حيث يبدون شاردين أمام ما يحصل من نقاش قد يكون جديا وغاية في الأهمية، بل يشوشون على الأجواء ويتبادلون الكلام الهامس فيما بينهم، ويظلون يجرجرون الكراسي ذهابا وإيابا، ويتقصدون تبخيس المضامين مهما كانت قيمتها... ربما كرد فعل طبيعي على عدم تمكنهم من مسايرة النقاش واستيعابهم لما يجري أمام أنظارهم ومسامعهم. وعلى خلاف المسؤولين الذين يحترمون هؤلاء الأميين حين يظلون مشدودين إلى كراسيهم متقبلين لما يصدر من قيء عن بعضهم أحيانا، وفي ذلك تشخيص للمسؤولية الملقاة على عاتقهم، يحاول أصحابنا/الأميون أن يقنعونا بأن كل ما يدور في تلك الجلسات من نقاش يبقى مجرد كلام فارغ لا طائل من ورائه، في الوقت الذي يعتبرون فيه أنفسهم أدرى بخبايا الأمور والكواليس وما إلى ذلك من قول متهافت وتبريرات واهية تنم عن قصور معرفي فادح وفاضح. مع ذلك، ثمة من سيقول بأن هناك أميين ولكنهم طيبون...الخ، قد يصدق هذا القول في حالات معينة، لكننا نريد التنبيه إلى أن الإصلاحات التي بات يعرفها مغرب اليوم على كافة المستويات، تقتضي أن يتنحى هؤلاء عن الطريق لما في ذلك من خير ومصلحة لأنفسهم قبل غيرهم وبلدهم، لأن الوطن اليوم في أمس الحاجة إلى الكفاءة، وليس لشيء آخر، لأجل تجسيد الحكامة المرغوب فيها، فهل يصح أن نتحدث عن حكامة برلمانية مثلا وقبتنا في الرباط غاصة بأهل الشخير الذين لا يفرقون بين الألف والزرواطة؟ أية علاقة بين الحكامة والأمية؟... إنه مجرد سؤال ----------