تدغدغ فضاء مدينتك ، زوال نكهة رمضانية ، تشد الروح ، وتغادر بحثا عن تزجية رائقة خارج الكائنات الممسوخة للتلفزيون في طبعته الرمضانية ، لان مشاهدة برامج التلفزيون المغربي يمكن ان يمثل عذابا للنفس، وتكفيرا عن الذنوب و الخطايا، وهي لعلم قراءنا الأحبة لا تعد ولا تحصي ،زمن الانتخابات ، وعلمها عند الله جل وعلا في كتاب مبين . تمسك الجوع من التلابيب ، ثم تنصرف في تجاه وجهة مجهولة ، تدحرج جسدك المتهالك الذي أنهكته زيادات مهولة في أسعار المواد الأساسية ،موجة ارتفاعها مع حلول شهر رمضان المبارك، في تصاعد مستمر ، حالة استياء عارمة وسط المواطنين من ذوي الدخل المحدود او الذين بلا دخل أصلا ، هؤلاء زاد غضبهم ، ونقمهم . حيث اعتبر معظم من استقينا آراؤهم أن الأمر يتعلق بعقوبة اكتوى بلهيبها البسيط الكادح ، والمياوم المقهور ، والأجير المحروم ، زيادة حارقة ، اعتبرها البعض ذعيرة مع احتساب الرسوم لبضع ملايين من المواطنين قاطعوا اقتراع الجمعة 7 شتنبر ولم يصوتوا…. تتجول في شوارع المدينة تلك الشاشة الكبيرة حقا ،والتي تشبه أمعاء نتنة في بطن متعفن ، يطالعك القبح، تفاجئك الرداءة ، تقارعك الفاجعة ، ويركبك البؤس في كل مكان… على أن التسول تلك الظاهرة "المؤسسة" عرف تطورا نوعيا، لا توازيه تقنينات و لا مراسيم تنظمه ، لقد أمسى ظاهرة اقتصادية خارج "الضريبة" وتقليعة العصر بامتياز، مرض يتسع فيروسه ، ويتناسل ثم يتسع كقطرة زيت في ثوب خشن. أطيافه وتلاوينه تكشف عن غرابة وتفاصيل . شاب وسيم يحمل صور أشعة راديو صدرية ممزقة، يستجدي المارة ، وعيناه زائغتان في اتجاه جيوبهم ، سيدة تحمل في بطنها جنينا ، وعلى ظهرها رضيعا ،وتجر في يدها الأيمن وليدا.. والأيسر رجل أعمى ..تطلب الإحسان بها، وبالأجيال الأربعة القادمة. وأخرى فاتنة ، تحجبت ، وارتدت لباسا "شرعيا" أرفقته بابتسامة عذراء ، وشرعت توزع على الغادين والرائحين بطائق منسوخة آلاف المرات ، كتب عليها ريكتو فيرسو : بسم الله الرحمان الرحيم اسمي…..والدي مقعد، والدتي مريضة، لدي 9 إخوة.. هل من مساعدة؟؟ عائلة متسولة من ثلاث بنات جميلات وفاتنات متحجبات ، قادمة من مكناس ، توزع الأدوار والأحياء والابتسامات على مدار اليوم والشهر والسنة ، ولا تجتمع إلا وجيوبها منتفخة عند المساء أمام تاكسي كبير أمام محطة القطار . قبح الفضاء أيضا يدمي القلب ، أعمدة نور برزت أشلاؤها وتناثرت بشكل ساعد صغار المتمدرسين كي يعبثوا ويغامروا بحياتهم ، قنوات صرف صحي باتت فاغرة الفم دون غطاء لفترة تطول ، تتجاور وانفجارات متتالية لقنوات الماء العذب ، تهذر ملايير الأمتار المكعبة ، فتشكل بركا ومستنقعات ، دونما تدخل المصالح المعنية ، وكان الماء مجرد فضلات.. ومع ذلك لم يفلح مهندسونا من الإجابة عن سؤال ، لماذا سكان فاس خلال رمضان 2007 يشربون المياه العادمة ؟ لماذا تتوالى انقطاع الكهرباء المباغتة على مدار الأسبوع دونما سابق إشعار؟ عبر الجهات الأربع للمدينة ، ترصد العين وتتوجع الذاكرة ، زوايا نتنة ، التواءات عطنة، مسالك مخيفة ، فضلا عن كونها تختزن قناطر من ملفوظات البناء العشوائي وتكدسها كما الملاجئ ، بجانب المدارس والمساجد ومؤسسات الدولة عنوة ، هي أيضا معاقل لعصابات قطاع الطرق وعصابات نشل الهواتف بالسكاكين والسيوف الجهادية ، عصابات أضحت مؤسسة قائمة الذات ، وتعد بالخدمة بعد النشل ، زميلي في المهنة ، سرق منه هاتفه ، اتصل بالرقم بعد دقائق ، فاوض الخاطفين في الفدية ،وتم الاتفاق على زمان ومكان التسليم شرط عدم تبليغ الشرطة ، هو ما التزم به الأستاذ بعد أن دفع 200درهما مقابل استعادة هاتفه . وصلى ركعتين حمدا وشكرا لله. سيارات لافيراي مضى على توقفها بالأحياء سنوات، لم تصفد ، ولم تقطر إلى المتلاشيات ، أكشاك صدئة بألوان غبية ، تشيد على عجل ،او يتم نقلها ليلا اثر كل اقتراع ، قبل يوم السابع من أكتوبر تحديدا ،تضخمت كتل إسمنتية على شكل شقق تتفاوت طبقاتها على امتداد الشارع الواحد ، من 1 إلى 5 . مثل أصابع اليد، تشيد مع نهاية الأسبوع حين يبدأ الظلام، وفق تعليمات محددة تعمل التغاضي وصرف النظر، تطلى قطعة الأجور بالجير لأبيض، والاسمنت لم يجف بعد، وفي الصباح، مع أشعة الشمس الباردة يسقط الماكياج ، وتبدو القطع عارية إلا من طلاء بليد. نزيف الماء العذب أسفل بناية إدارية استمر قرابة سنة ، رغم عشرات الاستعطافات والتوسلات من قبل مواطنين بمناسبة او غيرها ، مقاهي امتدت ، وتمددت لتلتهم الشارع العام في وضح النهار أمام أنظار مقدمي الأحياء ،وتحت توجيهاتهم ، مقابل اشتراك مجاني ،وإمدادات مستمرة لفناجين القهوة السوداء ، ولا عقوبات يمكن أن تنزل بالمعتدي ، او تطال المخالف لتلك لتدابير وقوانين حماية الملك العام . لتصرفات البشر في رمضان ، قبح فاق كل تصور ، لها ارتباط عضوي بالتلفزيون ، إذ في وقتتكون فيه كل الفرص سانحة للتقرب إلى الله جل وعلا بالتقوى و صفاء الروح وحسن الأخلاق وكبح جماح الشهوات ، وعقلنة النفقات وترشيدها ، إلا انه ومع الأسف الشديد تطغى بعض السلوكات الغريبة والشاذة في أوساط مجتمعنا تخل ليس بقدسية الشهر الكريم فحسب، وإنما تذل و تحط من الكرامة الإنسانية . فمنطق تعنيف النفس للإيهام بتعرض الذات إلى اعتداء أضحى سلوكا تبدع فيه العقول على الأرصفة وخارج المدارس والمختبرات ، شاب مفتول العضلات ، قوي البنية ، في أذنه طانكا وكيت ، يتبول على باب ضريح لسان الدين ابن الخطيب أمام أنظار سياح أجانب ، متسكع يتغوط بجانب تجمع عائلي للأموات ، ويرشق المارة بالأحجار ، ولسانه لا يكف عن شتم الدولة والعمدة والحياة والوطن ، كما لو كان يؤدي واجبا وطنيا . عزيز باكوش