في زمن ثورة المعلوميات التي مكنت من نشوء تجارة إلكترونية عابرة للقارات تدر مليارات من الدولارات، وفي زمن اختزال الوقت عبر استغلال اعتماد التقنيات الحديثة التي ألغت المسافات بين أركان الكرة الأرضية.. وفي زمن الحديث عن الحكامة الجيدة والإدارة الإلكترونية .. يأبى الواقع إلا أن يفضح الزيف الذي تعرضه كثير من الإدارات العمومية في فتريناتها للتضليل وإخفاء الوجه القبيح لبيروقراطية يفترض أنها ماتت وشبعت موتا ودفنت مع الماضي.. قصة قد تختصر الكثير … مواطنة نسيت دفتر شيكاتها في مدينة الرباط وعندما قصدت مصالح الخزينة العامة بمدينة تازة لسحب مبلغ مالي من حسابها، فوجئت بأن هذه المؤسسة المالية مازالت تعيش العصر الحجري على مستوى العمل البنكي.. موظف الشباك وبعد استشارة رئيسته.. أعلن أنه لا مجال للاستعانة بتقنية شيك الشباك، بل لا مجال حتى للحصول على كشف حساب، علما أن المعنية بالأمر احتاجت لجزء من أموالها المودعة في حساب جار ب"التريزور" من أجل أداء مستحقات تخص الخزينة العامة نفسها.. أي أن شكارة الدولة هي المستفيدة أولا وأخيرا.. ترى ما الجدوى من فتح حسابات بهذه المؤسسة المالية والبنكية، إذا كان الزبناء ممنوعين من الاستفادة من خدمات أصبحت تدخل في حكم البديهيات؟ نطرح هذا السؤال بناء على أن الموقف المشار إليه مؤسس على قوانين صارمة كما قال الموظف ورئيسته، وليس مجرد اجتهاد شخصي وفق مذهب "سبق الميم ترتاح"..وإلا فلا حاجة للكلام أصلا.. إن هذه القصة تكشف إلى حد بعيد كيف أن بعض مؤسسات الدولة "الاستراتيجية" مازالت تسير وتفكر بعقلية مقاطعات وكوميساريات مغرب السبعينيات والثمانينيات.. وإن تعجب فعجب قولهم إن هذا المغرب نفسه دخل زمن المعلوميات بل يعتبر رائدا فيها على مستوى إفريقيا والشرق الأوسط -كما تقول اللازمة المشروخة- بل يسعى لاحتضان قطب مالي ينافس الأقطاب التقليدية في الشرق والغرب.. ترى لو وجد مستثمر أجنبي نفسه في موقف مشابه لحالة هذه المواطنة.. هل ستنفعه جنسيته في تخطي "القوانين الصارمة"؟ وهل على وكالة الاستثمار تنبيه المستثمرين المحتملين مبكرا إلى عدم فتح حسابات لدى الخزينة العامة التي مازالت تعتمد التقنيات الورقية رغم الحواسيب التي تزين مكاتب موظفيها؟ نتمنى أخيرا أن يكون هذا الاجتهاد مقتصرا على المغرب غير النافع الذي اعتاد على تحمل الظلم والإقصاء.. لأنه إذا كانت مصالح الخزينة لا تقدم حتى الخدمات البنكية البسيطة فالأولى أن تنزل "الريدو" وتكتفي بتحصيل ما عليها تحصيله من ضرائب وغرامات…وتترك العمل البنكي لذوي الاختصاص .. ورحم الله من عرف قدره ووقف عنده.. عن هسبريس