القوات المسلحة الملكية تخلد بالعيون والداخلة الذكرى الثامنة والستين لتأسيسها    توقيع عقد للتنزيل الجهوي لخارطة طريق السياحة بجة الشمال    على هامش القمة العربية.. بوريطة يعقد بالمنامة محادثات مع رئيس الوزراء الفلسطيني    عميد المنتخب المغربي يتوج هدافا للدوري الفرنسي    افتتاح خط جوي مباشر جديد بين مطاري تطوان وأمستردام    الأمثال العامية بتطوان... (598)    رئيس "الليغا" يؤكد انضمام مبابي لريال مدريد بعقد مدته 5 سنوات    مستشارون ينتقدون اللغة "الانتقامية" لميراوي في مواجهة أزمة طلبة الطب    بعد استئنافه الحكم.. حامي الدين يمثل أمام محكمة فاس في هذا التاريخ    كيف يمكن الاستعداد لامتحانات البكالوريا بهدوء وفعالية؟    تاريخها يعود ل400 مليون سنة.. الشيلي تعيد للمغرب 117 قطعة أحفورية مهربة    وزير التجهيز: 3000 كلم طرق سيّارة ستواكب تنظيم المغرب لكأس العالم    قيمة منتجات الصيد الساحلي والتقليدي المسوقة ارتفعت لأزيد من 3,5 مليار درهم    القضاء يتابع مُقتحم مباراة نهضة بركان والزمالك    الجامعة تعين مساعدا جديدا لطارق السكتيوي    التوقيع على مذكرة إنشاء المركز الدولي للبحث والتكوين في الذكاء الاقتصادي بالداخلة    340 نقطة سوداء على مستوى الطرق الوطنية تتسبب في حوادث السير    "أمنستي المغرب" تدعو إلى إلغاء تجريم الإجهاض والعلاقات الجنسية خارج الزواج    الاتحاد الأوروبي يمنح الضوء الأخضر النهائي لميثاق الهجرة واللجوء الجديد    "الطابع" لرشيد الوالي يكشف عن مأساة مهاجر مغربي في رحلة بحث عن الهوية    تنسيقيات التعليم تؤكد رفضها القاطع ل"عقوبات" الأساتذة وتحذر من شبح احتقان جديد    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    جماعة طنجة ترصد نصف مليار لتثبيت مئات الكاميرات لمراقبة شوارع المدينة    دار الشعر بمراكش تواصل الانفتاح على التعدد اللساني والتنوع الثقافي المغربي    حيتان "الأوركا" تحطم قاربا شراعيا بسواحل طنجة.. وتنسيق مغربي إسباني ينقذ طاقمه    إدارة السجن المحلي بتطوان تنفي تعرض سجين لأي اعتداء من طرف الموظفين أو السجناء    الخط الأخضر للتبليغ عن الفساد يسقط 299 شخصا    بسبب إياب نهائي الكونفدرالية.. تأجيل مواجهة نهضة بركان والرجاء إلى يوم 23 ماي القادم    "أكديطال" تفتتح مستشفى ابن النفيس    ارتفاع حصيلة قتلى العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 35173 منذ بدء الحرب        طبعة ثانية من « أوراق من دفاتر حقوقي «مهنة الحرية « للنقيب محمد الصديقي    "أطلنطا سند" تطلق التأمين المتعدد المخاطر منتوج "برو + المكتب"    قُصاصة حول إصدار    الباحث البحريني نوح خليفة: جهود المغرب تأتي موازية لتطلعات العالم الإنساني وعالم الطبيعة    بعد القضاء.. نواب يحاصرون وزير الصحة بعد ضجة لقاح "أسترازينيكا"    هاشم تقدم مؤلف "مدن وقرى المغرب"    دعوات متزايدة عبر الإنترنت لمقاطعة مشاهير يلتزمون الصمت حيال الحرب على غزة    بيع لوحة رسمها الفنان فرنسيس بايكن مقابل 27.7 مليون دولار    المغرب يفكك خلية إرهابية موالية ل"داعش" ينشط أعضاؤها بتزنيت وسيدي سليمان    10 لاعبين يحرجون ريال مدريد قبل انطلاق الميركاتو    الصين تدعو لعلاقات سليمة ومستقرة مع كوريا    أسعار النفط تواصل الارتفاع وسط توقعات شح الإمدادات    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    هل تكون إسبانيا القاطرة الجديدة للاقتصاد الأوروبي ؟    دراسة: البكتيريا الموجودة في الهواء البحري تقوي المناعة وتعزز القدرة على مقاومة الأمراض    جامعة شعيب الدكالي تنظم الدورة 13 للقاءات المغربية حول كيمياء الحالة الصلبة    تبون يلتقي قادة الأحزاب السياسية.. هل هي خطوة لضمان دعمها في الاستحقاقات الرئاسية؟    بطولة فرنسا: مبابي يتوج بجائزة أفضل لاعب للمرة الخامسة على التوالي    اعتقالات و"اقتحام" وإضراب عام تعيشه تونس قبيل الاستحقاق الانتخابي    إسبانيا ترد على التهديد الجزائري بتحذير آخر    قناة أرضية تعلن نقلها مباراة الإياب بين بركان والزمالك    لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟    الأمثال العامية بتطوان... (597)    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    الأمثال العامية بتطوان... (596)    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يخشى النظام الجزائري من تطبيع العلاقة مع المغرب؟
نشر في تليكسبريس يوم 12 - 11 - 2021

تشهد العلاقة بين المغرب والجزائر منذ شهور، تصعيدا غير مسبوق ينذر بالحرب بين البلدين الجارين. يتميز هذا التصعيد بكونه من طرف واحد، ويضاف إلى ذلك، أنه مصحوب بدعاية كيدية لا تكاد تتوقف بالليل والنهار.
وأمام هذه الوضعية يتساءل الرأي العام عن أسباب هذا التصعيد وعن غاياته، لا سيما وأنّ الجزائر تتهم المغرب بالتصعيد في الوقت الذي يتحدّث المغرب عن فتح الحدود، وفي الوقت الذي تتهم الجزائر بالعدوان، يتحدث المغرب عن اليد المفتوحة، وفي الوقت الذي تتهم الجزائر المغرب بالكذب، نلاحظ أنها أصبحت نموذجا لأسوأ أشكال الدعاية. ويتأكد يوما بعد يوم أنّ مشكلة المغرب مع الجزائر تتعلق بقضية الوحدة الترابية والعدوان الذي يمارسه النظام الجزائري ضد المغرب عن طريق التآمر والدسائس، لكن مشكلة الجزائر مع المغرب لها أكثر من وجه وهي غامضة وغير قابلة للتفسير إلاّ إذا وقفنا على أسبابها النفسية.
إذا كانت الغاية من هذا التصعيد هو الضغط على المغرب للتخلّي عن وحدته الترابية لإرضاء المشروع الجزائري في تقسيم المغرب وبسط الهيمنة على شمال أفريقيا على حساب الحقوق التاريخية والوطنية للشعب المغربي، فهو رهان على المستحيل، لأنّ ما يتحاشى النظام الجزائري الحديث عنه هو إجماع المغاربة على وحدتهم الترابية، ولأنّ ما تتحاشى المنظمة الانفصالية الحديث عنه هو تواجد أغلبية المواطنين الصحراويين في أرضهم، يعبرون عن إرادتهم الحرّة عبر صناديق الاقتراع، في إطار جهوية متقدّمة، وهو أسمى أشكال تقرير المصير. وإذا كانت غاية النظام الجزائري الضغط على المغاربة وتخويفهم بالحرب، فهو متوهّم، لأنّه جرّب العدوان على المغرب منذ سنوات، وهو أكثر الدول معرفة بما ينتظره إن هو أقدم على مغامرة من هذا القبيل، وذلك لأنّه إذ يحاول تصدير أزمته الداخلية إلى المغرب، العدوّ الكلاسيكي المصطنع في مخيلة النظام الجزائري، فسيخسر المعركة حتما، لأنّ الشعب الجزائري يعيش احتقانا كبيرا ضد نظام الجنرالات الجزائريين، وهو منذ البداية لم يكن معنيا بالقضية الصحراوية المفتعلة، ويعتبر أنّ النظام الجزائري ورّط الشعب الجزائري في مشروع فاشل استنزف كل ثرواته الوطنية وعلى أن افتعال الأزمة مع المغرب كان لإرضاء عقدة نظام لا يزال يعاني من مشكلة الشرعية.
ففي أي حرب ،لا سامح الله، سيقاتل المغاربة فستكون من أجل قضية وطنية مشروعة، ولن يستمدوا شرعيتها، لا من الجزائر ولا من أي قوة أخرى، وسيعتبرون أنفسهم محظوظين، لأنّهم سيقاتلون من أجل وحدتهم الترابية، كما قاتل آباؤهم الاستعمار، لكن الجزائريين سيجدون أنفسهم في حرب مفروضة، وستكون معنوياتهم منهارة، لأنهم سيحاربون بلدا جارا، ذنبه الوحيد أنه يدافع عن وحدته الترابية ويحررها من تبعات الاستعمار القديم والذي تحرس الجزائر على إتمام مهمته، وهذا التناقض هو ما سيعجل بانهيار نظام الجنرالات، لأن أي حرب مفروضة بالكيد، ستكون نهايتها سقوط صانعها.
تفتعل الجزائر الكثير من الأسباب التي تدفع البلدين إلى الحرب، وطبعا، لم يكن المغرب طرفا في هذا التصعيد كما سنبين لاحقا، ولم يردّ على الجزائريين بنفس اللهجة. فوسائل الإعلام الرسمية في المغرب والتصريحات التي تصدر عن المسؤولين ترفض التصعيد والحرب، ولا تخرج عن اللياقة الدبلوماسية ولغة القانون الدولي، لكن الجزائر تعتبر انتصارات المغرب الدبلوماسية بخصوص وحدتها الترابية فعلا عدائيا ضدها، مما يجعل الجزائر في ورطة، حيث في الوقت الذي تتحدث فيه عن عدم تدخلها في ملف الصحراء، تؤكد اليوم أنّها هي المعني الأول بهذا الصراع ومراقبته، وهي تعلن بالليل والنهار مسبقا أنها لن يرضيها إلى الانفصال.
ويتأكد اليوم للرأي العام الدولي بأنّ الجزائر هي من يريد انفصال الصحراء وليس أغلبية الشعب الصحراوي الذي عبر عن إرادته في الانتخابات الأخيرة. فلقد اخترعت الجزائر جبهة البوليساريو وقتلت مؤسسها الوالي، لتبرر سياستها العدوانية ضد المغرب.
وهي بهذا الفعل العدواني لم تحترم إرادة الشعب الصحراوي، بل لم تحترم تقرير مصيره حتى داخل المخيمات التي تحتجز فيها مواطنين صحراويين تتجار في قضيتهم، وتحرمهم من التعبير عن إرادتهم أو تمكينهم من أوراق للخروج من المخيّم.
ولو أنّ المغرب ساير الجزائر في استفزازاتها وتآمرها على وحدته الترابية، لكانت الحرب قد اشتعلت منذ سنوات عديدة. وهذا ما يعزز أن المغرب لا يزال يساهم في الاستقرار والأمن الإقليمي والدولي، حيث لم يستدرج للحرب، وراهن على الحلول السياسية والدبلوماسية لقضاياه، خدمة للسلام العالمي.
لكي نجيب على الأسئلة السابقة، لا بدّ من استحضار المحطات التاريخية التي أبدى فيها المغرب حسن النية تجاه الجزائر. قد يتساءل المتتبع لهذا النزاع : إذا لم يكن ما قدمه المغرب للجزائر منذ الكفاح الوطني المشترك وما أظهره من سياسة حسن الجوار طيلة العقود الأخيرة، فما معنى الإحسان، وما معنى حسن الجوار؟ فلينظر الإنسان إلى ما قدمه المغرب للجزائر وما قدمته الجزائر للمغرب.
لقد قدم المغرب للجزائر كل الدعم الذي سبق استقلالها، لكن الجزائر قدمت للمغرب كل ما يشوش على وحدته الترابية، وتوجيه كل دبلوماسيتها وإعلامها لهذه الغاية.
لقد كان المغرب هو الملجأ الرحيم لكل الجزائريين منذ هيمن الأتراك على أفريقيا الشمالية ما عدا المغرب، و هذا بشهادة الساكنة المغربية من أصول جزائرية، واستمر هذا الوضع في كل الحقب، حتى فترة الاحتلال الفرنسي، حيث كان المغرب هو الدولة الوحيدة التي تدخلت لفكّ الحصار عن الشعب الجزائري، ودخلت في حرب مع الفرنسيين في 14 أغسطس 1844 (معركة ايسلي 1844م - YouTube)، كما ساهمت وساندت ثورة التحرير الأولى مع الأمير عبد القادر الجزائري، واستمرت حتى استسلام هذا الأخير الذي تزامن أيضا مع عقاب فرنسا للمغرب بقصف بعض موانئه.
ومع ذلك استمر المغرب في دعم الثورة الجزائرية بعد أن ساهم وأسند جبهة التحرير التي قادتها مجموعة وجدة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، بل إنّ المغرب وقد كان لا يزال لم يستكمل وحدته الترابية، قد صدح بالدعوة لتحرير الجزائر في أوّل خطاب للمغفور له محمد الخامس في الأمم المتحدة، وكان هذا بمثابة الوثيقة الدامغة التي تؤكد على أن خطاب المغفور له محمد الخامس هو أول خطاب باللغة العربية في الأمم المتحدة وليس كما في الدعاية الجزائرية التي تنسب أول خطاب بالعربية لبومدين، حيث جاء خطاء محمد الخامس قبل استقلال الجزائر:(شاهد أول خطاب للملك محمد الخامس في الأمم المتحدة .. وكيف دافع عن استقلال الجزائر!! - YouTube)، واستمر الأمر في كل محفل دولي. وكان المغرب أوّل من عمل على تدويل القضية الجزائرية, وعند منح الجزائر استقلالها، كان المغرب أوّل من هنّأ القيادة الجزائرية التي ظلت على ارتباط به، واطلاع على مطالب المغرب وأيضا ما قدمه للثورة الجزائرية، منذ الاتفاق مع فرحات عباس أول رئيس للحكومة الانتقالية الجزائرية.
وقام النظام الجزائري بأعمال مشبوهة صدمت المغاربة، بعد أن فضّل صناعة عدو له هو المغرب، ومقابلة الإحسان بالتآمر والمكر، فعمد على اغتيال وعزل كل أصدقاء المغرب بدأ من سجن فرحات عباس وانتهاءا باغتيال الرئيس بوضياف، بل وجاء بومدين الذي غدر بقائده أحمد بن بله وكاد يقتله.
ومرة أخرى سيدلس على المغاربة في تخفيض التوتر مع المغرب، وأيد المغرب آنذاك في مطالبه بخصوص الصحراء وبلغ الوضع حدّ إبرام اتفاقية مغنية، لكن هواري بومدين انقلب مرة أخرى، وافتعل قضية بوليساريو، وكعادته قام بتصفية مصطفى الوالي مؤسسة بوليساريو بعد أن رفض هذا الأخير فكرة الانفصال.
وكان المغرب دائما يقابل هذه الإساءة بسياسة ضبط النفس وتجنيب المنطقة وشعوبها الحرب، ولم ينشر الدعاية ضدّ الجزائر في وسائل الإعلام المغربية طيلة سنوات بخلاف ما كانت تفعله الجزائر.
وحينما تورط الجيش الجزائري بدعوة من قادته في معركة أمغالا وتم تطويقهم من قبل الجيش المغربي، وكان قسم من الجيش الجزائري لا يعرف مصيره بعد أن تخلى عنهم النظام، لولا تفهم المغرب للخدعة، وساهم في إطلاق سراحهم(جندي جزائري سابق : الجيش المغربي أسر منا 108 جندي بأمغالا و بومدين تركهم لمصيرهم من اجل البوليساريو - YouTube)، لم يخرجهم من تلك الورطة سوى الوساطة المصرية في عهد حسني مبارك، حيث تنازل المغرب وترك لهم طريقا للفرار وطيّ الملف(حسني مبارك يتحدث عن هزيمة الجزائر في حرب امكالة - YouTube). وبينما كان المغرب يواصل استكمال وحدته الترابية في نزاع تاريخي مع الإسبان، كانت الجارة الجزائر تتآمر مع القوى الاستعمارية وتشوش على المغرب، وغيرت حتى نظامها التربوي لكي تمحو آثار الجهاد المشترك ووقوف المغرب التاريخي في دعم الثورة الجزائرية.
تتشبث القيادة الجزائرية بأسباب واهية، وتحاول أن تظهر نفسها بأنها هي ضحية العدوان المغربي، على الرغم من أنّ المغاربة لم يخضعوا كما خضع الجزائريون إلى سياسة استعداء المغرب. ويكفي دليلا على ذلك أنّ الجزائريين الذين يعيشون في المغرب لا زالوا معززين مكرمين، وهم في مواقع متقدمة، لكن التاريخ يسجل أنّ بومدين طرد من الجزائر مواطنين من أصول مغربية يوم العيد مجردا إياهم من ممتلكاتهم ورمى ب45 ألف عائلة مغربية على الحدود فيما يعرف بالمسيرة السوداء كرد فعل على المسيرة الخضراء.
فالمغاربة لم يخضعوا يوما للدعاية العنصرية لا ضدّ النظام الجزائري ولا ضدّ الشعب الجزائري، لكن الجزائر تحاول أن تظهر بأنها تحترم الشعب المغربي، مع أنها تعمل ضدّ وحدة الكيان المغربي، فالذي يطرد سنة 1975(أبشع جريمة إنسانية.. طرد المغاربة من الجزائر - YouTube)، عشرات الآلاف من المغاربة ويصادر ممتلكاته ومنهم من قاتل في حرب التحرير نفسها، هل من حقه أن يتحدث عن احترامه للشعب المغربي؟
العداوة للشعب باسم العداوة ل"المخزن"
يستعمل الجزائريون خدعة معاداة "المخزن" المغربي واحترام الشعب المغربي، ليظهر للعالم وكأن المغاربة منقسمون حول الصحراء، وبأن قضية الصحراء تخصّ النظام المغربي وليس الشعب المغربي. وتستعمل دعايتهم أنّ من يتحدث عن الوحدة الترابية المغربية فهو عميل "للمخزن"، على أن الأحرار هم من يقولون بتقسيم المغرب وتحقيق أجندة الجزائر.
ولكن المغاربة كلهم يدركون مهزلة الإعلام والدعاية الجزائرية حتى عندما تنطلي على عدد ممن هم ضحايا الدعاية الجزائرية. وقد عمدت الجزائر عن طريق الدعاية لاختراق الإجماع المغربي حول الصحراء، ولكنها تحولت أمام الرأي العام المغربي إلى مسرحية هزلية.
وحين نقول الإجماع المغربي، يدخل في هذا الإجماع، إجماع غالبية الصحراويين الذين سجلوا أعلى نسبة مشاركة في الانتخابات الأخيرة. لكن ما يجهله الرأي العام المغرّر به، هو أنّ "المخزن" في قضية الصحراء هو الأكثر قبولا بالخيار السياسي والسلمي، لأنّ الشعب وقواه من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني لم يقبل بكل هذه الخيارات السياسية بل رفض الاستفتاء.
وقد توحد المغاربة بكل توجهاتهم السياسية لاسترجاع أقاليمهم الصحراوية، وكل قواهم السياسية الحيّة وعلى رأسهم زعيم الاتحاديين عبد الرحيم بوعبيد وكل قوى اليسار:(عبد الرحيم بوعبيد وقضية الصحراء - YouTube). وأمّا الحقيقة التي يجهلها من تنطلي عليهم خُدع السياسة الجزائرية، وهي أنّ كل سياسة حسن الجوار وعلاقات القيادات الجزائرية وقادة الثورة الجزائرية ارتبطوا منذ البداية ب"المخزن" المغربي منذ علاقة الأمير عبد القادر الجزائري ومبايعته للسلطان المغربي آنذاك عبد الرحمن بن هشام، وصولا إلى قادة جبهة التحرير(زيارات الرئيس الجزائري فرحات عباس للمغرب و دعم المغرب للجزائر لتصفية الإستعمار - YouTube). وهنا نفتح قوسا للحديث عن الكذب المتواتر للقيادة الجزائرية والتي تخلط بين القضية الوطنية التي هي الصحراء محل إجماع الشعب المغربي وبين خلاف النظام الجزائري مع النظام المغربي. وهذا الخلاف غير واضح، لأنّ النظام المغربي عبّر عن احتضانه للقضية الجزائرية قبل قيام الدولة الجزائرية نفسها، ولا شيء تغير، فالنظام هو نفسه، لكن النظام في الجزائر تغير بانقلاب، مكن ضباط فرنسا من الهيمنة على القرار السياسي في الجزائر وتتبع الكثير من قيادات جبهة التحرير بالتصفيات(للتاريخ ! بن بلّة يتحدّث عن دور بومدين في الثورة، و حقيقة الإنقلاب عليه و علاقة بوتفليقة في ذلك - YouTube).
وإذا كنا سنتحدث عن الخلاف بين النظامين المغربي والجزائري، فعلينا أن نتحلّى بالموضوعية أكثر من الشعارات الفارغة. أوّلا إنّ النظام المغربي واضح، ومؤسساته واضحة، فهو يعلن نفسه نظاما ملكيا ككل الأنظمة الملكية في العالم، والتي يرتبط معها النظام الجزائري بعلاقات متقدمة. النظام المغربي هو صناعة محلّية تتمتع بالأسس التاريخية والاجتماعية المتواصلة منذ 12 قرن، قبل أن تكون الجزائر دولة بحدودها التي ورثتها عن الاستعمار الفرنسي، فهو ليس نظاما ممنوحا من الاستعمار، بل إنّ السلطان محمد بن يوسف هو نفسه تعرّض للعزل والنّفي في مدغشقر وكان من مؤسسي مؤتمر دول عدم الانحياز.
لكن النظام واضح وملامحه واضحة، غير أنّ النظام الجزائري نظام جبان لا يكشف عن مؤسساته وأصحاب القرار الحقيقيين، ومن الذي يحكم. فالجنرالات الذين يحكمون، هم عاجزون عن الاعتراف بأنّ النظام العسكري هو من يدير الدولة العميقة، وهو من يرسم خريطة الطريق. في المغرب تم توزيع السلطات دستوريا، حيث حدّد صلاحيات كل السلطات، لكن ما هي حدود صلاحيات الجنرالات في الجزائر؟ ولا يتمتع النظام الجزائري الملتبس بالشرعية التي تجعله يواجه النظام المغربي، لأنّ نظام الجنرالات لم يجرب الشراكة والانتخابات الحقيقية، وهو مع أنه يطالب بتقرير المصير في الصحراء المغربية، لم يمنح شعبه القدر الأدنى من تقرير المصير عبر الانتخابات، فالانتخابات الوحيدة التي أجراها انقلب عليها مدشنا عشرية الدم التي لبس فيها قناع مواجهة الإرهاب، في مسرحية دامت عشر سنوات، والأدلّة على ذلك كثيرة، يمكن الرجوع إلى اعترافات أهم عملائهم فيما يعرف بالعشرية السوداء، وهو العميل كريم مولاي، وكيف كان الأمن الجزائري يقوم بقتل الطلبة الجزائريين ونشر الفتنة (انظر سلسلة الاعترافات بالصوت والصورة:بوضوح | كريم مولاي الجزء الأول - YouTube ).
لم تشهد العلاقات بين البلدين أي فترة مثالية بسبب الحقد الذي نشره النظام الجزائري، وكان ساكنة الحدود من البلدين قد عانوا الأمرين بسبب غلق الحدود، وكان المغرب قد أغلق حدوده مع الجزائر من دون قطع العلاقات، كإجراء طبيعي في عشرية الدّم في الجزائر، وبعد تورط بعض المتطرفين من الجزائر في أحداث تفجيرات فندق أطلس "إيسني" بمراكش في 24 أغسطس 1994، ومعهم مغاربة واجهوا المصير نفسه. ومثل هذا الإجراء اتخذته دول عربية كثيرة مع الجيران في مراحل النزاع، وهو أحيانا مهمّ لأنه يحول دون استغلال الحدود. وفي تلك الأثناء حمى المغرب حدوده مع الجزائر من الجهتين، حيث منع تدفق الأسلحة إلى الجزائر، وألقى القبض يومها على خلايا كثيرة، بل سيسلم سنة 1944 للجزائر الزعيم السابق للجماعة الإسلامية المسلحة، عبد الحق عيايدة المحكوم بالإعدام، والذي لا زال يقبع في سجن سركاجي بالجزائر.
غير أن المغرب وتحت ضغط الساكنة ولأسباب إنسانية، فتح الحدود بعد أن زال الخطر، قبل أن يفاجأ بموقف الجزائر برفض فتح الحدود، على الرغم من أنه كان ولا زال مطلبا للشعبين.
وكانت مبررات الجزائر واهية وغير ناضجة، حيث لم تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الشعبين. وكان المغرب قد مدّ اليد مرارا للجزائر في خطابات رسمية كبيرة، كلها تقدم ضمانات لتعزيز الثقة ومبدأ حسن الجوار. غير أن الجزائر التي تخشى على تفكيك صورة العدو المصطنع، تخشى من تطبيع العلاقة مع المغرب، فأصبح الحب بين البلدين من طرف واحد فقط. لقد أظهر المغرب أنّ تقدمه على المستوى الدبلوماسي بخصوص وحدته الترابية أمر لا يتناقض مع الرغبة في تصحيح العلاقات مع الجزائر، لكن النظام الجزائري الذي يشعر بهزيمته في المُؤامرة على وحدة المغرب الترابية رفض العلاقة الطبيعية مع المغرب، ليهرب إلى الأمام.
وفي هذه الأثناء افتعل الكثير من الأحداث الغبيّة التي عرف المنتظم الدولي أنّها تدخل في سياسة الترنح الجزائري، الذي يعاني عقدة تاريخية من المغرب، إلى حدّ أنه لجأ منذ سنوات لسرقة تراث المغرب الرمزي وتاريخه بعد أن سرق منه جزء من ترابه الوطني، ولا زال يتحرش بالمغرب ويصطف مع خصوم المغرب ويساهم في الإساءة له.
لقد حاول النظام الجزائري استعمال عصابات البوليساريو لقطع الطريق على الممر الوحيد للمغرب إلى أفريقيا، فكانت ورطة الكركرات التي كشفت عن تورط الجزائر وانكشاف غاياتها في محاصرة المغرب، كما كشفت عن فشلهم في إدارة المعركة عسكريا وسياسيا وقانونيا. وقد تبين منذ معركة "أمغالا"، بأنّ الجزائر حين يضعف تنظيمها المصطنع، تكشف عن وجهها وتأخذ بزمام الأمور.
وإذا كانت الجزائر اليوم تلوح بالحرب، فلأنّ بوليساريو فقدت الكثير من حضورها الدولي والإقليمي، لا سيما بعد انبعاث أفريقيا من زمن الأخطاء. فعودة المغرب إلى أفريقيا كانت هي السبب الرئيسي لخروج الجزائر من مخبئها والدخول في سياسة التصعيد، فالجزائر كانت ستقبل بوجود إسرائيل كعضو مراقب في الاتحاد الأفريقي لو ضمنت فقط أن ينسحب المغرب منه على الرغم من أنه بلد أفريقي.
ولما غيّر المغرب موقفه من سياسات الأمر الواقع التي تنهجها الجزائر، هاج النظام الجزائري. فالذي يجهله أصدقاء النظام الجزائري هو أنّ التصعيد له علاقة بفشل الجزائر في فرض أمر واقع في ملف الصحراء، والخسارة التي مُني بها مشروعهم القديم بعد الطفرة الدبلوماسية التي عرفتها القضية الوطنية الأولى.
سيلاحظ كل مراقب بأنّ الجزائر فقدت القدرة على تقديم أي دليل على ادعاءاتها، فهي تتناقض بالليل والنهار، كما تحولت صحافتها الصفراء إلى ماكينة لصناعة الكذب.
تناقضات الجزائر كثيرة يعرفها كل من يحترم عقله في العالم، فهم يدّعون أن القضية الصحراوية هي في الأمم المتحدة وليسوا طرفا فيها، لكن آخر بيان يخرج من وزارة الخارجية الجزائرية يؤكد تورطهم وأيضا عدم تحملهم المسؤولية في إنهاء هذا الملف، فهم يعتبرون أن المغرب يحتل الصحراء ويتهمون الأمم المتحدة بالتحيز، مع العلم أنّ الأمم المتحدة طالبت بأن يتفاوض الطرفان لإيجاد حلّ لهذه القضية.
ويعطي النظام الجزائري لنفسه الحق في أن يخطط لضرب الوحدة الترابية المغربية بإيواء عصابة انفصالية واحتجاز ساكنة صحراوية في تندوف من دون تمكينها من تقرير المصير، ورفض إحصاء الساكنة، وتجنيد الأطفال والتعذيب، والاكتفاء بفتح المخيم للمتطرفين ومناهضي الوحدة الترابية فقط بدل فتحه لمفوضية اللاجئين، لكنه على الرغم من تآمره على الوحدة الترابية المغربية لما يقارب نصف قرن، اهتز إعلاميا ليجعل من عبارة للمندوب المغربي في الأمم المتحدة محور النزاع.
ولأن النظام الجزائري اعتاد على الكذب على الأحياء قبل الأموات، فهو يعتبر المغرب يهدد وحدته الترابية بحديثه عن تقرير مصير بعض تنظيمات القبايل بالجزائر. ولا يملك النظام الجزائري أن يقطع العلاقة الدبلوماسية مع فرنسا التي تأوي قيادة حركة انفصال القبايل [ماك]، بل استمر في التنسيق معها في العمليات العسكرية في مالي، وعبر لعمامرة يومها بأن ماكرون صديق الجزائر قبل أن يقول هذا الأخير أن فرنسا هي من صنع تاريخ الجزائر بعد أن لم تكن أمّة (رمطانلعمامرة .. يؤكد انالمترشحللإنتخابات الرئاسية الفرنسية " إمانويل ماكرون" صديق الجزائر - YouTube). لكن النظام الجزائري لا يعادي جهة أكثر من المغرب.
والحقيقة أن المغرب تجنب أن يردّ بالمثل على الجزائر طيلة هذه العقود. ففي الجزائر تجمعات بشرية تطالب بتقرير المصير مثل الطوارق والقبايل.
غير أنّ ممثل الجزائر أثناء اجتماع لدول عدم الانحياز، كرر عدوانه ضد الوحدة الترابية المغربية وتحدث عن تقرير المصير الصحراوي، وكان المندوب المغربي قد ردّ على المندوب الجزائري بأنّ المغرب سيدعم حركات تقرير المصير في الجزائر متطرقا إلى القبايل.
كان ذلك ردّا على عدوان الجزائر في اجتماع دول عدم الانحياز وليس مبادرة، وهو يدخل في سياسة المعاملة بالمثل. ولم يكن الأمر يتعلق بتسليح ولا بإسناد بل بكلمة قيلت في سياق نقاش في ذلك الاجتماع. وعلى طريقته المتوقعة، قام النظام الجزائري وافتعل حرائق في الغابات في منطقة القبائل، وذلك في رسالة لأهل القبايل بأن النظام الجزائري يمكن أن يحرق اليابس والأخضر من تحتهم إذا ما فكروا في الالتحاق بحركة تقرير المصير، في نوع من إرهاب الدولة، ومن جهة أخرى ليستعمل ذلك في جلب التعاطف وافتعال ملف حرائق بلا دليل.
فالنظام الجزائري مصاب بالانفصام الشخصي، حيث يستعمل أسلوبا متغطرسا مثل قول الرئيس تبون بأن الجزائر قوة ضاربة، وفي الوقت نفسه يرفع شعار المظلومية. وكان المغرب قد عرض المساعدة فورا لإطفاء الحرائق، لكن النظام الجزائري تجاهل ذلك، وطلب العون من فرنسا وإيطاليا ودول أوربية.
بين السلوك المغربي والسلوك الجزائري فرق شاسع
كانت الجزائر قد تورطت في منح قائد الانفصاليين غالي جواز سفر مزور باسم بن بطوش وترحيله بصورة سرية بتواطؤ استخباراتي بين الجزائر وإسبانيا قصد العلاج، غير أن كشف المغرب عن هذه المؤامرة ساهم في هيجان الجزائر وخلق أزمة كبيرة مع إسبانيا.
استيقظ الرأي العام الإسباني على خبر التفافي على القضاء الإسباني الذي سبق وأصدر مذكرة القبض على غالي بتهم جنائية كبيرة، ومن جهة أخرى يتعلق الأمر بتعامل دولة ديمقراطية مع نظام عسكري، وانتهاك سياسة حسن الجوار(قاضي سرقسطة يمهل وزارة الخارجية أسبوعا لتحديد المسؤول في قضية "بن بطوش" | www.le360.ma). وسيترتب على ذلك، أنّ الجزائر التي وقفت مع إسبانيا وتضامنت معها ضد المغرب كما فعلت في النزاع بين المغرب وإسبانيا حول جزر"ليلى"، انتهت بكشف حقيقة النظام الجزائري الذي يدعم ويساند احتلال إسبانيا لسبتة ومليلة، والتفكير في تغيير أنبوب الغاز ومدّ أنبوب مباشرة من الأراضي الجزائرية إلى سبتة.
ومع ذلك لم يردّ المغرب على الجزائر، واعتبر ذلك قرارا يخصها، وظنت الجزائر أنّها ستضغط اقتصاديا على المغرب، في حين أن المغرب لم يتأثر بذلك.
بدأت مشكلة التصعيد مع المغرب حينما غير هذا الأخير سياسته، وعاد إلى أفريقيا، واستقبلته القيادات الأفريقية بالترحيب، وهو ما أثار الغيظ والحنق لدى النظام الجزائري، ثم سرعان ما ترتب على عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي انقلابا سياسيا واقتصاديا في أفريقيا من خلال عقود الشراكات والمشاريع الواعدة. وهي عودة تحسست منها الجزائر التي تلقت ضربة أخرى.
حاولت الجزائر أن تدفع بالجماعة الانفصالية باتجاه خرق إطلاق النارعبرفرض الأمر واقع في المناطق العازلة، وذلك بعد أن فشلت كل الطرق للضغط على المجتمع الدولي في اتجاه إقرار حلول مستحيلة أقبرت مع مرحلة الحرب الباردة، أي محاولة خلق شعب وهمي على أساس أيديولوجي، بينما القانون الدولي يعطي الأولوية للوحدة الوطنية وللمبادرات الواقعية كالتي قدمها المغرب، مبادرة الحكم الذاتي. خلال الشهور الأخيرة كشفت الجزائر عن تورطها في زعزعة الاستقرار الإقليمي، والدفع بالأمور إلى حافة الحرب.
لم يعد هناك مخرج أمام النظام الجزائري سوى تصدير أزماته وإفلاسه إلى الخارج، وإلى المغرب الذي لا زال يقاوم السياسة التوسعية الجزائرية وأكاذيبها.
وفي الوقت الذي يرفع المغرب شعار استكمال وحدته الترابية، يفتخر النظام الجزائري بأنه دولة ضاربة وهي أكبر دولة من حيث المساحة، مرددا شعار أن الحدود الجزائرية رسمت ببنادق الثوار، مع العلم أنّ كل المؤرخين يؤكدون أن تلك الحدود رسمتها بنادق الاستعمار الفرنسي الذي اقتطع بالقوة من كل من المغرب وتونس وليبيا أراضي شاسعة وألحقها بالمستعمرة الفرنسية في الجزائر.
فمثلا نجد أن القسم المتعلق بالصحراء الشرقية المغربية، ألحقتها فرنسا بالجزائر المستعمرة بعد معركة "إيسلي" التي خاضها المغرب ضد فرنسا لفكّ الحصار عن الأهالي في المغرب الأوسط. ويحتفظ الأرشيف الفرنسي بخريطة المغرب قبل استعمار فرنسا للجزائر. ونتساءل : هل إذا أعادت فرنسا الأرشيف للجزائر، هل سيكشفون عن الحقيقة ؟ إنّ أول الحقيقة هي أن الأرشيف الفرنسي يؤكد على أنّ ستة مناطق كبرى في المغرب الشرقي ضمّتها فرنسا لمستعمرتها بالجزائر، وسيكشف عما اقتطعه من أراضي تونس وليبيا أيضا. وكان دوغول قد عبّر للسلطان محمد بن يوسف عن رغبته بالتفاوض حول إرجاع الأقاليم المقتطعة من المغرب بعد أن قررت فرنسا الخروج من مستعمراتها، لكن السلطان محمد الخامس رفض ذلك بدعوى عدم طعن الإخوان الجزائريين ، بعد أن اتفق مع الحكومة الجزائرية المؤقتة برئاسة فرحات عباس(عندما فضل الملك محمد الخامس الجزائر على فرنسا - YouTube). لم يكتف النظام الجزائري بالتنكر وتمزيق الوثيقة المتفق عليها بين المغرب والحكومة المؤقتة، بل بدأ يتحرّش بالساكنة حيث قتل العديد من المدنيين وأيضا عددا من الجنود المغاربة، وهو ما فجّر ما سمي حرب الرمال. وحيث أن النظام الجزائري اعتاد على قلب الحقائق، اعتبر ذلك عدوانا بينما اعتبره المغرب مجرد تأديب لنظام كان يحاول تنفيذ أجندة توسعية واختبار قوة المغرب.
إنّ الدعاية المكثفة التي مارسها النظام الجزائري وتحريفه للتاريخ، وادعاؤه أن حدوده رسمها بالنار، تقوم على المبدأ غير الحاسم في القانون الدولي والقاضي بعدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار. ولم يقل الرئيس بن بلة في دجنبر 1963 إنّ تلك الحدود رسمها الثوار بالنار، ولكنه قال في تصريح رسمي بضرورة احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار الفرنسي. وقد صرح بذلك بمجرد توقف حرب الرمال، مما يعني أنّ الشرعية التي يستند إليها النظام الجزائر في حلّ حدوده، ليس هو الثورة، لأنّ الثورة لا تمنح شرعية حيازة الأرض، ولكنه يستقوي بمبدأ التوارث الدولي للحدود بعد الاستعمار. هذا وبينما يتشبث النظام الجزائري بمبدأ التوارث عن الاستعمار، يتشبث المغرب بالحق التاريخي وأيضا بالحيثيات القانونية التي تعكسها مجمل الاتفاقيات المبرمة مع الفرنسيين والتي لم تشمل الأراضي المقتطعة، فلقد ترك المغرب بذكاء كبير الأرضية القانونية مع الاستعمار مليئة بالألغام، فلا يوجد أي مبدأ يستطيع صرف المغرب عن مطالبه التاريخية و وحدته الترابية. ولأنّ الجزائر تدرك أنّ المغرب لا يعترف بمبدأ التوارث، فهي تريد إشغال المغرب بصحرائه الغربية حتى لا يطالب بصحرائه الشرقية، كما أنّ إسبانيا تجد في هذا الانشغال ما يصرف المغرب عن فتح ملف سبتة ومليلية التي يتضامن فيها النظام الجزائري مع النظام الإسباني.
وأرادت الجزائر أن تحول الأنظار إلى الاتحاد الأفريقي، معلنة نفسها جبهة مواجهة، متزعمة إفشال طلب عضوية إسرائيل كمراقب في الاتحاد الأفريقي. ولقد كانت الجزائر طيلة سنوات هي اللاّعب الوحيد في الاتحاد الأفريقي، ولم نسمع أنها حاربت ما سمته بالتغلغل الإسرائيلي في أفريقيا، بل لقد كان همها الأساسي هو إدخال بوليساريو في الاتحاد الأفريقي والمناورة لطرد المغرب من منظمة الوحدة الأفريقية. وهي بذلك تؤكد أنها اختارت أن يكون عدوها الكلاسيكي الأول هو المغرب، كما لوح مرارا وزير الدفاع شنقريحة، هو المغرب وليس إسرائيل. ولم نسمع للجزائر أي موقف مشابه لذلك في الاجتماعات التي حضرها قادتها العسكريون مع قادة الناتو في اجتماعات الأمن المتوسطي، فالنظام الجزائري كما صرح لعمامرة للبيبسي ولقناة روسيا اليوم بأنه مع حل الدولتين، ويسمي إسرائيل بالدولة لكنه في الوقت نفسه يستعمل شعارات أخرى مناقضة لمخططاته السرية.
ولقد استقبلت الجزائر عددا من الإعلاميين لمراقبة الوضع في تندوف، ولكنها أخفت مغازلتها لإسرائيل حين استقدمت مراسلا من "هارتس" الإسرائيلية جاكوب جودا (يعقوب يهوذا)، الذي استقبله غالي بالأحضان، قبل أن ينشر صور رحلته على صفحته الخاصة(في تناقض صارخ.. الجزائر و"البوليساريو" يستجيران بصحفي إسرائيلي ضد المغرب – الجريدة 24 (aljarida24.ma)).
ويسعى النظام الجزائري إلى التطبيع بأساليب أخرى وذلك بشروط أهمها دعم سياسة تقسيم المغرب ودعم الجبهة الانفصالية، وعلى هذا الأساس استقبلوا المراسل الإسرائيلي لكي ينقل صورة خاطئة عما يحدث بالصحراء، حيث زودته الجبهة والجزائر بمعلومات مغلوطة عن وجود حرب وقتلى في الصحراء، أي أنّ جبهة بوليساريو والنظام الجزائري نقل دعايته إلى الصحافة الإسرائيلية. وتزامن ذلك مع تصريحات لعمامرة الذي صرح بأن الجزائر مع حلّ الدولتين، في نوع من المغازلة لإسرائيل(رمطانلعمامرة: تواصل بلادي بخطى ثابتة مسار ترسيخ دعائم البناء الديمقراطي للجزائر الجديدة | أخبار الأمم المتحدة (un.org)). و من جهة أخرى, لقد صافح قادة النظام الجزائري رؤساء إسرائيل في كل المناسبات، كما فعل الرئيس بوتفليقة في مصافحته لإسحاق ليهود باراك (فيديو تاريخي.. بوتفليقة يصافح إيهود باراك ويقول له: الجزائر في خدمة إسرائيل ونحن هنا للمساعدة - YouTube)، كما تكشف مصافحات جنرالاتهم لجنرالات إسرائيل في اجتماعات حلف الناتو(وفد عسكري جزائري في اجتماع حلف النيتو بحضور إسرائيل 2008 - YouTube) وأيضا عن طريق تزويد إسرائيل بالغاز بطريقة غير مباشرة (الغاز الجزائري يصدر الىاسرائيل عبر مصر !! – قناة الجزائر (algeriachannel.net)).
ولقد أعطى لنظام الجزائري أمرا لشركة سوناطرا المعنية بتوريد الغاز الجزائري، بأن تقطع التعامل مع المغرب، في الوقت الذي تواصل سوناطرا التعاقد مع شركات إسرائيلية بأسماء أوربية وأمريكية، والتعاقد مع شركات مع تركيا التي تربطها علاقة إستراتيجية مع إسرائيل، كما تعتبر العلاقة بين الجزائر والإمارات متطورة على الرغم من تطبيع الأخيرة العلاقة مع إسرائيل (كلمة السفير | سفارة الجزائر في أبوظبي (embassy-algeria-uae.com)). وهذا يؤكد على أنّ مشكلة الجزائرية ضد المغرب، هي أبعد من الدعاية التي ترفعها في الاتحاد الأفريقي.
الجزائر اليوم لا شغل لها بشيء إلاّ بالصحراء، فهي تريد منذ سنوات عديدة أن ترى المغرب مقسّما،وهي اليوم بعد أن فشلت في كل مخططاتها تسعى لافتعال حرب لكي تفرض قانون الطوارئ في الجزائر لاحتواء الحراك الشعبي الجزائري، ولكي تحاكم قادة الاحتجاجات بأحكام الخيانة العظمى. فالجزائر تسعى لتصدير الأزمة إلى إقليم شمال أفريقيا، لتزيد من معانات ساكنة المنطقة (الجزائر.. الحراك الشعبي يستعيد قوته - YouTube).
لقد سعى المغرب لكي لا تكون هناك حرب، وهو كما جاء في الخطاب الملكي الأخير لا ينوي الحرب ويمدّ اليد لشعوب المنطقة، ولكنه في الوقت نفسه يؤكد على أنّ الصحراء هي أساس الهوية والوحدة المغربية وأنها ليست مطروحة على طاولة المفاوضات، ولكن الخيار السلمي والحل السياسي هو خيار المغرب حفاظا على السلم الإقليمي والدولي، وكل ما فعله المغرب هو من أجل تفادي زعزعة الاستقرار الإقليمي.
لقد فقد النظام الجزائري كل مبررات التصعيد، وكشف عن عدوانية غير مسبوقة، و هو لا زال يواصل صناعة الأكاذيب وتحريف الحقائق، والتظاهر بالمظلومية، مع أنه نظام يقوم منذ بداية السبعينيات بدعم جماعة مسلحة واحتجاز جزء من المواطنين المغاربة في تندوف، مانحا لحفنة من عصابات بوليساريو صفة تمثيل الشعب الصحراوي، مع أن الشعب الصحراوي عبر عن تقرير المصير من خلال الانتخابات الأخيرة التي أفرزت بصورة ديمقراطية ممثليه الجهويين (انتخابات 8 شتنبر.. مشاركة قوية بنكهة استفتاء يكرس مغربية الصحراء - YouTube)، علما أن هذه الجهة تشهد ازدهارا عمرانيا وتنموياكبيرا ومشاركة سياسية كبيرة (الصدمة ... أجي تشوف الصحراء المغربية كيف أصبحت ، والتنمية اللي عرفتها في كل المجالات - YouTube).
كل هذا يزعج الجارة الجزائر التي فشلت في تغيير سياستها والتخلي عن حقد الجنرالات الذي أصبح خطرا على الشعب الجزائري وشعوب المنطقة، لأنه لم يعد ير من حل إلا التهديد بالحرب من طرف واحد، مع أنّ حربا بين المغرب والجزائر إن هي حصلت بالفعل، ستكون وبالا على المنطقة، ولن تخرج منها الجزائر نفسها إلاّ مفككة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.