تفاصيل كادو الحكومة لملايين الأسر المغربية قبل فاتح ماي: تخفيض الضريبة على الدخل غاتربحهم 400 درهم شهريا والزيادة فالصالير والرفع من السميگ والسماگ    الأنفاس مقبوطة فالحركة الشعبية...والسبب: انتظار جلسة النطق بالحكم ضد انتخاب محمد أوزين أمينا عاما    وزيرة الفلاحة: القطيع الموجه للعيد الكبير صحتو بيخير ورقمنا دبا 3 مليون راس والثمن هاد العام غاينقص    محتجون يغلقون "السوربون" بسبب غزة    وزير الشباب والرياضة السابق: "قميص رياضي مغربي أسقط دولة بكاملها في عيون العالم!"    تفاصيل حصرية على كيفاش تشد المجرم اللي قتل تلميذة بطريقة بشعة فصفرو: سبق ليه دوّز 5 سنوات نافذة ديال السجن بسبب تكوين عصابة إجرامية (صورة)    لمكافحة الجرائم الماسة بالمجال الغابوي.. البوليس والوكالة الوطنية للمياه والغابات دارو اليوم اليد فاليوم    ابتدائية فاس فرقات 4 سنين نافذة ديال الحبس فحق صحاب أغنية "شر كبي أتاي"    التنسيق الميداني للتعليم يؤجل احتجاجه    نيروبي.. وزيرة الاقتصاد والمالية تمثل جلالة الملك في قمة رؤساء دول إفريقيا للمؤسسة الدولية للتنمية    بوريطة يستقبل وزير الخارجية الغامبي    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    السرعة تتسبب في حادثة سير بطنجة وتُخلف 5 مصابين    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    بتنسيق مع "ديستي".. الحرس المدني يحجز زهاء طنين من الحشيش بسواحل إسبانيا (صور)    مجلس النواب.. انطلاق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية برسم سنة 2024    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    الحوار الاجتماعي..الحكومة ترجئ الحسم في ملفي التقاعد والإضراب إلى حين التوافق مع النقابات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية        الاتفاق رسميا على زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام بمبلغ 1000 درهم شهريا    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    ارتفاع أسعار الأضاحي يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !        غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الإثنين بأداء إيجابي    إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    الروائي الأسير باسم خندقجي يهزم السجان الإسرائيلي بجائزة "بوكر العربية"    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    السكوري…المخاطر المهنية يمكن تفاديها بإرساء نظام فعال للسلامة وثقافة وقائية    حكيمي يتوج رفقة باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بالرباط    جماهير اتحاد العاصمة معلقة على الإقصاء: تم التضحية بنا في سبيل قضية لا تعنينا    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بارونات مخدرات يلجون البرلمان والجماعات ويرسمون خارطة سياسية برائحة الحشيش
نشر في تطاوين يوم 16 - 10 - 2010

هل يوجد بارونات المخدرات في البرلمان، وكم عددهم، ثم كيف تمكّن الحشيش المغربي من غزو المؤسسة التشريعية في غفلة من الدولة. وكيف أصبح المال الحرام المختلط بأموال المخدرات جزءا كبيرا من عملية التبييض السياسي في البلاد. من يتحمل المسؤولية، الأحزاب أم الدولة. أسئلة باتت تقلق الطبقة السياسية وسط خرجات عنيفة تقر بوجود بارونات المخدرات في مجلسي النواب والمستشارين، ومستعملي أموال المخدرات في الانتخابات الجماعية والتشريعية. وبينما تتوالى عمليات الإطاحة بشبكات مخدرات يقودها سياسيون ومنتخبون، يجد الفاعلون السياسيون أنفسهم في قفص الاتهام، لكن الكرة تترنح بين مرماهم ومرمى الدولة.
لم يعد خفيا أن أموال المخدرات باتت تستعمل على كل الواجهات بالمغرب، لإنشاء مشاريع ولتشييد مرافق يفضل البعض تسميتها بأعمال المحسنين، وكل ما له علاقة بتبييض المال الحرام في بلد كان يعد دائما الأول في إنتاج مخدر الحشيش الذي تسبق سمعته أي شيء آخر عن المغرب.
لكن إدارة أموال المخدرات تحولت شيئا فشيئا من تبييض واجهات المشاريع والمرافق، إلى تبييض الوجوه السياسية في البلاد. وبات بإمكان مثل هذه الأموال أن تحمل مهربا أو مساعدا أو مرضيًا عنه من طرف من يسمون ب»بارونات المخدرات»، إلى كافة المؤسسات المنتخبة، سواء المجالس الجماعية أو المجالس الإقليمية أو المجالس الجهوية وحتى مجلسي النواب والمستشارين. بعضهم يجالس الولاة والعمال في الاجتماعات الرسمية، وبعضهم يترأس جماعات قروية أو حضرية، وآخرون يناقشون السياسات العامة داخل البرلمان، ويجادلون الوزراء حول الخيارات الحكومية.
بطبيعة الحال، كان لا بد أن ينكشف شيء من هذه المشكلة، وتسربت في أول وهلة، استنتاجات مضمرة، حول المنع الجماعي لمصالح الدولة، لأشخاص معينين، منتخبين بالمجالس البلدية والجهوية، من الترشح لانتخابات مجلسي النواب أو المستشارين. لكنها ظلت حبيسة أعطاب تقنية مست ملفات هؤلاء، جعلت مثل هذه الاستنتاجات غير مدعومة بسند قوي. ثم انفجر ملف البرلماني محمد الجوهري ومن معه، وبقدر ما أدى الربط بينه وبين حزب التجمع الوطني للأحرار بسمعة رئيس الحزب إلى الحضيض، فقد أعاد صورة البرلماني المنفوخ بالحشيش إلى الواجهة. ثم تشجع السياسيون في الحديث؛ عبد الهادي خيرات القيادي بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لم يتردد في القول وبشكل علني، وفي قناة تلفزيونية، بأن ثلث أو ربع البرلمان، يتكون من تجار المخدرات، وقبله خرج حزب الأصالة والمعاصرة الذي طالما طاردت منتخبيه اتهامات كثيفة باستعمال المال الحرام وأموال المخدرات، ببيان هو الأول من نوعه في تاريخ الأحزاب السياسية المغربية، يقر من خلاله، برصد وكشف استعمال مجموعة من منتخبيه خلال الاستحقاقات الجماعية وما تلاها، لأموال المخدرات، معلنا أن ملفات هؤلاء أحيلت من طرف لجنة الأخلاقيات بالحزب على المكتب الوطني كي ينظر في الإجراءات المناسبة اتخاذها ضد من ثبتت في حقهم هذه التهم. ومنذ ذلك الحين، لم يصدر أي بلاغ توضيحي حول هذه الإجراءات، أو مصير المتهمين. وفي الحصيلة، بات السياسيون يتحدثون بحرية، حول اختراق أموال المخدرات للمؤسسات الدستورية، لكن الكرة بحسبهم ليس في مرمى الأحزاب، بقدر ما هي في مرمى الدولة.
سياسة مُخدّرة
راح المنتخبون يتساقطون واحدا تلو الآخر، في الفترة الأخيرة، سيما تلك التي تلت الانتخابات الجماعية، وكلما أطيح بزعيم شبكة للاتجار في المخدرات، باتت عينة من «رجال السياسة» تضع أيدها على قلوبها، خوفا من جرها إلى مستنقع الفضيحة. مع الشريف بين الويدان، لم يسقط منتخبون، كما نجح السياسيون في تبييض وجوههم حين سقط منير الرماش وتلاه آخرون أقل قدرا بدون أضرار جانبية بالنسبة إلى رجال السياسة.
لكن هذا الانطباع الذي قدمه بارونات المخدرات الموقوفين، كان خاطئا، وربما بالنسبة إلى المتتبعين لم يكن الإحساس بالطمأنينة دائما، وهكذا امتدت يد الدولة لتقبض على السياسيين، بعد أن كان الأمر في البداية، حكرا على رجال الأمن والقضاة. مع ملف «طريحة»، استمعت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لعدد من المنتخبين الجماعيين بإقليم شفشاون، كان أبرزهم الكاتب الإقليمي لحزب الأصالة والمعاصرة. لكن درجة تورط هذا الأخير في ملف بارون المخدرات لم تتضح بصورة دقيقة، سيما أن البعض رجح أن الأمر يرتبط بعمل الكاتب الإقليمي كمحام بتطوان أكثر من كونه سياسيا وبرلمانيا في مجلس النواب، ولكن الأمر لا يمكنه بالطبع، أن يتوقف على مجال مهني دون الآخر.
بالنسبة إلى ملف طريحة، فقد توضحت خيوط كثيرة تهم مجال عمله كمهرب للمخدرات، إذ إن هذا البارون لم يكتف بتهريب المخدرات على الصعيد الدولي، بل ونسج علاقات متينة مع مجموعة من السياسيين بالشمال، قد تكون أشبه بحماية خلفية للمصالح الكبرى التي كان منخرطا فيها. كما أن معطيات شبه موثوقة تشير إلى وقوف طريحة خلف عدد من الحملات الانتخابية لبعض النواب والمستشارين البرلمانيين، وربما تمويله الكبير الذي يصل في بعض الأحيان، إلى مئات الملايين، كان حاسما في ترجيح كفة البرلمانيين الذين يتقربون إليه طمعا في المال والقدرة على كسب الأصوات بكافة الوسائل.
ورغم أن مثل هذه الاتهامات وصلت إلى الباب المسدود، خصوصا أن طريحة لم يكشف عن علاقاته السياسية، أو أن مجرى التحقيق تفادى الخوض في هذه التفاصيل الحساسة، فإن طريحة لم يكن رجل سياسة في نهاية المطاف، لكن ماله استعمل بشكل واسع في إدارة الحملات الانتخابية ورسم الخرائط وتوجيه التحالفات وتشكيل المكاتب الجماعية وتعيين رؤساء الجماعات، وبالأخص القروية في إقليم شفشاون.
لكن صورة السياسي الذي يتغذى بأموال المخدرات دون أن يكون منخرطا في عملية الإنتاج الأولى، أي تهريب أو ترويج المخدرات، ستنتهي مع نهاية الانتخابات الجماعية الماضية. السقوط المدوي لمحمد الجوهري البرلماني السابق عن حزب التجمع الوطني للأحرار، كان علامة فارقة في مسار المخدرات داخل الحقل السياسي المغربي، ليتلوه النائب البرلماني عن حزب العهد المنحل، سعيد شاعو، لتكتمل أجزاء الصورة الكريهة.
تفجير ملف البرلماني الجوهري، لم يمر في البداية، دون أبعاد أكبر من حجمه، وكانت قصاصة وكالة المغرب العربي للأنباء التي ربطت بين الجوهري ومهامه البرلمانية السابقة وحزب التجمع الوطني للأحرار، أثارت رد فعل عنيف من طرف رئيس الحزب السابق، مصطفى المنصوري، الذي يُعتقد أن بلاغه الصادر لمواجهة آثار قصاصة «لاماب»، كان بداية النهاية لولايته كرئيس للحزب. ووجّه المنصوري حينئذ أصابع الاتهام إلى حزب الأصالة والمعاصرة الذي نفض الغبار توا عن بلاغه بخصوص مستعملي أموال المخدرات، بالتآمر لربط حزبه بتجار المخدرات. في النهاية توبع الجوهري من أجل ارتكابه لجنحة الاتجار في المخدرات على الصعيدين الوطني والدولي ومحاولة الاتجار في المخدرات على الصعيد الدولي واستهلاك مخدر الكوكايين والإرشاء، ولم يسقط الجوهري وحده، بل وقاد معه إلى زنازن سجن عكاشة بالدار البيضاء، برلمانيا سابقا أيضا، يدعى لحسن راية من مكناس، اتهمته النيابة العامة بارتكابه لجناية تنظيم وتسهيل خروج أشخاص من التراب الوطني بطريقة غير قانونية وبصفة اعتيادية، والاتجار في مخدرات الكوكايين ثم إعداد محل للدعارة.
البرلماني الجوهري، الملقب ب»الرايس»، بحسب صك الاتهام، كوّن شبكة تستطيع ترويج المخدرات في اليوم نفسه بعدة مدن مغربية، منها أكادير، والدارالبيضاء، وتمارة، ومكناس، وفاس، وطنجة، والناظور، وجهة الغرب، خصوصا الأقاليم الجنوبية، إذ استطاعت عناصر الشبكة نسج علاقات مع شبكات أخرى تنتمي إلى منطقة الساحل جنوب الصحراء ووسط إفريقيا.
فقد كشفت التحريات التي أنجزتها عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بتعاون مع أجهزة أمنية أخرى، منها عناصر جهاز حماية التراب الوطني، أن شبكة «الجوهري» لترويج المخدرات هي واحدة من الشبكات، التي يترأسها 17 بارونا للمخدرات، أو تجار مخدرات في طريقهم إلى تكوين شبكاتهم الخاصة. كما أن أفراد الشبكة استطاعوا اختراق الأجهزة الأمنية عبر تقديم «رشاوى» لبعض العناصر الأمنية، كما استغلوا علاقة القرابة لبعضهم في تسهيل تحركاتهم داخل جهة مكناس - تافيلالت. لكن الأهم في كل ذلك، هو أن التحريات كشفت أن الجوهري، حاول استغلال صفته البرلمانية السابقة، لتسهيل نقل هذه المخدرات من المناطق الجنوبية في اتجاه مدينة الرباط، عبر سيارته، التي تحمل علامة «البرلمان»، ما يدفع العناصر الأمنية إلى عدم الاشتباه به. وعلاوة على ذلك، فقد ذكر الجوهري أثناء التحقيق، أسماء مسؤولين حزبيين، قال إنهم كانوا يساعدونه على نقل وترويج المخدرات الصلبة، أضف إلى ذلك، كما هو معتاد في مثل هذه الحالات، أسماء عناصر تنتمي إلى جهازي الأمن الوطني، والدرك الملكي.
وما لبثت قضية الجوهري وتداعياتها على صورة السياسي المغربي، تتخذ مسارها القضائي، حتى أوقف مستشار جماعي آخر بإقليم شفشاون يقود شبكة لتهريب المخدرات. وقبله بقليل، أوقف مسؤول حزبي في الجنوب، متهم بتهريب المخدرات هو الآخر، والاتجار فيها وترويجها ضمن شبكة متخصصة. ومن المعتقد أن وتيرة سقوط السياسيين والمنتخبين في ملفات المخدرات، ستزيد باطراد، سيما أن الفكرة قد ترسخت الآن: بارونات المخدرات يخترقون باستمرار المؤسسات الدستورية في البلاد.
ويبقى أبرز مثال على البرلماني المنفوخ بالحشيش، سعيد شعو، فهذا النائب البرلماني المنحدر من الريف، والفائز بمقعده بدائرة الحسيمة، سلط على نفسه أضواء كثيرة، كانت تنبئ بمستقبل حالك. وأول ما بعث على القلق بالنسبة إلى شعو، طرده من حزب الأصالة والمعاصرة، في خطوة كانت وقائية من الحزب، لكن دون الإشارة بتاتا إلى أي شبهة تتعلق بالمخدرات. فيما بعد سيقر محمد الشيخ بيد الله، الأمين العام لحزب البام، بأن الباب المفتوح لحزبه كان فرصة لبعض المشبوهين للاحتماء تحت مظلته، لكن قرارات الطرد التي أعلن عن مسودتها ولم تجد طريقها نحو التنفيذ، صرفت على شكل «طرود ملغومة» ضد البعض، وبإثارة أقل، وكان من هؤلاء، سعيد شعو.
بقي ملف شعو موضوعا على الرف، طويلا، وإن لم يستسغ طرده فواجهه ببلاغ شديد اللهجة يهجم فيه على البام بدعوى أن هذا الحزب يعادي أبناء الريف، ثم خمدت ثورة غضبه، ولم يعد أحد يتذكر اسمه، وافقده النواب في البرلمان، وأشارت إليه بعض وسائل الإعلام، باستغراب، إلى أن تسللت بعض أخباره إلى صحف مقربة من بعض الدوائر السياسية التي تكن ضغينة لشاعو، فانتقلت خبر غيابه عن البرلمان، إلى فقدان أثره بإسبانيا، ثم نزل خبر بوح أحد أكبر بارونات الريف، نجيب الزعيمي، باسمه، كشريك له في الاتجار الدولي في المخدرات، اختلط فيه القتل بالرشاوى الضخمة، فسقط العشرات من الأمنيين ومسؤولي وزارة الداخلية في الحسيمة، ومن تلك اللحظة، وتعقب أثر شاعو بات أكثر التباسا مما سبق.
راج حديث عن صدور مذكرة بحث دولية ضد شاعو من طرف المصالح الأمنية المغربية، ولم تكذب تلك المصالح هذا الخبر، ثم راحت أخبار عن اعتقاله تتوالى، لكن دون تأكيدات، إلى أن خرج شاعو بنفسه في حوارات صحفية، أجريت على ما يبدو، في مكان ما في هولندا، لكنها خلت من أي مضامين صريحة، حيث اكتفى البرلماني بتجديد اتهاماته لجهات غامضة تقف وراء الزج به في ملف المخدرات لمعاقبة أبناء الريف كافة على بعض التوجهات السياسية غير الملائمة لمصالح بعض أصحاب القرار بالمركز.
شاعو، الذي يملك مقهى تروج داخلها المخدرات بهولندا، بات نموذجا ثانيا لبارون مخدرات يمكنه أن يصل إلى قبة البرلمان باستعمال أمواله القذرة، لكنه كان مثالا عن سياسة جديدة سعت إلى تحويل حياة أي برلماني يعتقد أن بإمكان حصانته البرلمانية أن تحميه من متابعات، إلى جحيم. والسلطة الأمنية وهي تتعقب اليوم شاعو بعد وصوله إلى البرلمان، تحاول أيضا أن تقطع على آخرين الوصول إليه. لكن بعض وسائل الدولة في هذا الشأن، تفتقد بعضا من المصداقية. وعلى سبيل المثال، يسوق المتتبعون ملف الممنوعين من الترشح في المغرب، لأن تعامل الدولة هنا، يترك هامشا واسعا للتفسير، هل هو تعسف في السلطة، أم إجراء وقائي؟ وهل الدولة تنقصها المعلومات الكافية لجر الممنوعين للانتخابات إلى نهاية الخط، أم أن الدولة تتلذذ باللعب بوتر ملفات هؤلاء لتحقيق مكاسب سياسية معينة؟
الممنوعون من الترشح
بينما كانت الأحزاب تستعد لمحطة تجديد ثلث مجلس المستشارين في أكتوبر الماضي، كان المرشحون يضعون أيديهم في قلوبهم خصوصا في منطقة الشمال، بعد ورود تقارير مبنية على تسريبات من وزارة الداخلية أو الأحزاب نفسها، تكشف عن وجود تعليمات شفوية بمنع عدد من الأسماء من الترشح لهذه الانتخابات.
وبطبيعة الحال، تراجعت بعض الأحزاب عن تزكية عدة أسماء سبق أن زُكّيت برسم الانتخابات الجماعية أو المجالس الإقليمية، غير أن أحزابا أخرى، تشبثت بمرشحيها رغم تلك «التعليمات». وفي نهاية المطاف، مُنع من مُنع، وخسرت بعض الأحزاب مقاعد كانت في المتناول، فيما ربحت أحزاب أخرى مقاعد لم تكن في الحسبان، نتيجة الفراغ الذي خلق المنع الجماعي.
قصة المنع لم تبتدئ اليوم بل تعود إلى الانتخابات التشريعية ل 2002، حينذاك منعت وزارة الداخلية بقرار شفوي عدة شخصيات كانت تنحدر من مدينة طنجة، من الترشح لانتخابات عام 2002، بسبب تورط بعضهم في عمليات التهريب وتبييض الأموال أو الاتجار في المخدرات أو التهرب الضريبي، فيما تم منع آخرين لأسباب تتعلق بخروقات وأخطاء ارتكبوها خلال ممارسة مهامهم خلال السنوات التي سبقت انتخابات 2002 التشريعية والانتخابات الجماعية لعام 2003.
ومن بين هذه الشخصيات، البرلماني السابق محمد بوهريز (حزب التجمع الوطني للأحرار) الذي كان اسمه قد ورد في تقرير للمرصد الدولي لتجارة المخدرات، ومحمد أقبيب (حزب الحركة الشعبية) ومحمد الزموري (الاتحاد الدستوري)، وآخرون سبق أن شغلوا مناصب حساسة ومهمة في المدينة ومنطقة شمالي المغرب. كما تم منع عائلات بأكملها من خوض الانتخابات، كما حدث مع عائلة الأربعين النافذة في طنجة، حيث مُنع عبد السلام الأربعين (حزب الاستقلال) وشقيقه عبد الرحمن (التجمع الوطني للأحرار).
بطبيعة الحال، لم تستمر هذه الحالة طويلا، ومن هنا فُتح الباب على مصراعيه لكل الاستنتاجات. في الانتخابات التشريعية ل2007، السلطة سلمت بيانات الترشيح لكل هذه الشخصيات بعدما أخبرتهم بأنها لم تتلق من وزارة الداخلية أي ممانعة على ترشحهم، وأنها ستتسلم طلب الترشح من أي شخص مسجل باللوائح الانتخابية، وحاصل على تزكية حزبه، في موعد إيداع الترشيحات. واعتبرت بالتالي هذه الشخصيات «صمت الداخلية» بمثابة إشارة إلى رفع الحظر عن ترشيحاتهم؛ وهو ما حفز مجموعة منهم إلى التسابق مجددا لدخول البرلمان. وكانت عودة هؤلاء «الممنوعين» إلى الساحة الانتخابية قد مثلت مفاجأة لسكان طنجة، خصوصا بعد أن غابوا عن احتفالات عيد العرش التي سبقت الانتخابات، في طنجة، والتي حضرها الملك محمد السادس، وتصاعدت تخمينات في حينه بأن هذا الغياب يعني استمرار «الغضب الملكي عليهم». وفي مقابل ذلك، ساد اعتقاد واسع حينئذ، بأن السماح بعودة هؤلاء الأشخاص يهدف بالأساس إلى محاصرة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات.
وهكذا، لم تعد أي عقبة تقف في وجه «الممنوعين»، وفي خضم ترحال سياسي وتغيير للألوان الحزبية، نجح كل من الزموري وعبد الرحمان الأربعين في الانتخابات التشريعية، وسقط البقية، فيما كان بوهريز والآخرون يحتفظون بألقابهم كبرلمانيين في مجلس المستشارين منذ 2000. وبعدها بعامين، لم يتغير شيء في موقف وزارة الداخلية خلال الانتخابات الجماعية ل2009، وسمح لكافة «الممنوعين» بخوض غمار هذا الاستحقاق. وبالطبع، حصلت قائمة بوهريز على أكبر عدد من المقاعد، ونجح أقبيب وحازت عائلة الأربعين على مقعد لكل أفرادها، وسطع نجم الزموري. في المحصلة النهائية، كان «الممنوعون» يشكلون أُسّ المعادلة السياسية بطنجة.
بعد تحالفات أولية فُضّت بالقوة، أعيد تشكيل تحالفات جديدة همشت القوة التي يتمتع بها «الممنوعون»، وهذه المرة أُلقي اللوم عليهم بسبب انحرافهم عن الهدف المنشود من وراء السماح بدخولهم إلى الانتخابات: قطع الطريق أمام الإسلاميين. بوهريز الذي وجد نفسه منجذبا إلى تحالف مع العدالة والتنمية والاتحاد الدستوري، سرعان ما ألقت به قوى طاردة إلى الهامش، مع الإسلاميين ومع الدستوريين أيضا، ومن الهامش إلى المعارضة، ليكون ثمنا يؤديه «الممنوعون» على انقلابهم على التعليمات التي كانت للمصادفة، تكرس هيمنة حزب جديد في الساحة السياسية. لكن هذا الثمن كان فقط جزءا واحدا من الفاتورة الباهظة التي سيؤديها هؤلاء.
وبالفعل، كانت محطة تجديد ثلث مجلس المستشارين بعد الانتخابات الجماعية، هي محطة الأداء النهائي بالنسبة إلى «الممنوعين» في الشمال. قبل موعد الاستحقاق بأيام قليلة، نشرت تقارير صحفية عن وجود أوامر وُجّهت إلى ولاة وعمال بعض الجهات والأقاليم تقضي بمنع بعض المشتبه في تورطهم في تجارة المخدرات أو الذين كانوا يمارسونها سابقا في الترشح إلى انتخابات تجديد ثلث مجلس المستشارين.
ومثله مثل باقي هذه الأوامر، فإن هذا القرار لم يصدر بشكل رسمي عن وزارة الداخلية بل صدر بشكل شفوي فقط، مع التنصيص بأن المعنيين بالأمر قد تم إبلاغهم عن طريق رؤساء الشؤون العامة في الولايات والأقاليم. وروجت هذه التقارير أن هذا المنع سيطول أيضا بعض الأسماء الانتخابية المعروفة في الحسيمة والناظور وتاونات.
بطبيعة الحال، تجاهل الممنوعون هذه التقارير، وأودعوا تصريحاتهم بالترشح. وبعدها تلقى الجميع هول الصدمة: جميع الممنوعين في 2003، ممنوعون من ولوج مجلس المستشارين هذه المرة، حتى بالنسبة لمن كانوا أعضاء فيه. بوهريز والأربعين وأقبيب وآخرون توضحت لديهم صورة العملية، التي وصفت ب»المقلب» أكثر منه منعا صريحا. ومع ذلك لم يستسلم البعض لقرار المنع غير المباشر، ووضع أقبيب الذي ترشح باسم حزب الاتحاد الدستوري طعنا لدى المجلس الدستوري ضد العملية الانتخابية كلها، أما بوهريز والأربعين والآخرين، فإن الرسالة كانت واضحة؛ ومن ثم لم يعد الطعن بديلا سياسيا مقبولا، وتراجع الجميع باستثناء أقبيب، إلى الوراء، تاركين ثلاثة لوائح وثلاث أحزاب تحصد المقاعد الخمسة بكل حرية.
ولم تقتصر عملية المنع المنظم على جهة الشمال الغربي فحسب، بل وشملت منطقة الريف أيضا المعروفة بالتجارة الكثيفة ،وإن كانت أقل حجما من الشمال، في المخدرات. ومنع مترشحان من حزب التجمع الوطني للأحرار بالناظور والحسيمة، كما منع آخرون أحدهم رئيس المجلس الإقليمي للناظور، ووصلت قائمة الممنوعين إلى ستة، أغلبهم لجأ إلى الطعن في العملية لكن دون جدوى حيث رفضت طعونهم من طرف المحكمة الإدارية بمدينة وجدة.
السلطة المحلية بنت المنع غير المباشر الذي صرّفته على شكل رفض لطلبات الترشيح بسبب نقص في وثائق ملف الترشيح. وكانت أبرز وثيقة ناقصة في ملفات كل الممنوعين هي شهادة حسن السيرة الصادرة عن إدارة الأمن الوطني، والتي عوضها المرشحون الممنوعون بشهادة السجل العدلي التي تصدرها المحاكم. ولم يجد الممنوعون بُدا من لوم أنفسهم أولا قبل كل شيء، لأن وثيقة حسن السيرة منصوص عليها في القانون التنظيمي لمجلس المستشارين وكان عليهم الوعي بهذه المسألة، ثم إن التفسيرات التي أعطيت لهذه المناورة من طرف الممنوعين، هي أن وثيقة السجل العدلي، لا تكشف أي شيء بالمقارنة مع وثيقة حسن السيرة، ولذا فإن تجاهل الوثيقة الثانية كان تهربا متعمدا من «الممنوعين» من تاريخهم أكثر منه جهلا بالقانون. لكن هذا التفسير لا تدعمه بعض الوقائع، سيما تلك المتعلقة بملف حزب الأصالة والمعاصرة لهذه الانتخابات. ويعيب بعض الممنوعين ومنهم بوهريز، أن ملف سمير عبد المولى عمدة طنجة، كانت تنقصه تلك الوثيقة لكن السلطة فضلت أن تُنبهه إلى ذلك، في وقت تعمدت عدم تنبيه الآخرين إلى هذا الموضع سوى بعد فوات الأجل القانوني لإيداع طلبات الترشح.
في نهاية المطاف، أجريت الانتخابات وفاز من فاز، لكن الجميع سقط بين يدي المجلس الدستوري. كانت السقطة مدوية لأن قرارات السلطة المحلية لم تكن قانونية، فعاد الجميع من جديد إلى الترشح، فسمح لكل الممنوعين سابقا بخوض الانتخابات، لتكون النتائج صادمة على هذا المستوى، لأن الممنوع الأول في طنجة، أي محمد أقبيب، تمكن من الظفر بمقعده وفي رتبة متقدمة، كما أن محمد سلامة أحد أبرز الممنوعين بالدائرة الشرقية، هزم الجميع وتصدر قائمة الفائزين. بالطبع، كانت هذه الضربة موجهة ضد قرارات غامضة وغبر معللة للسلطات المحلية، وأزالت بعضا من التوجس عن صور أولئك الممنوعين، لكن أثره لن يكون منظفا بتاتا.
مستعملو أموال المخدرات
في مناورة أخرى، تُشكّل الأساس المعتمد لدى بارونات المخدرات في التأثير على العمليات السياسية بالمغرب، يفضل بعض أباطرة المخدرات ترشيح أبناء قبيلتهم وأقاربهم وتوظيف علاقات المصاهرة في أفق التحكم في المؤسسات المنتخبة والحضور في المؤسسة التشريعية.
ولاحظت تقارير الجمعيات المدينة وتقارير الهيئات السياسية المحلية حضورا ملموسا وبشكل غير مباشر لأموال المخدرات في الاستحقاقات الانتخابية، حيث وصفت بعض المصادر المتتبعة بالريف الأموال المستعملة بالهامة والتي وظفت لشراء أصوات الناخبين، سيما أن الفاعلين السياسيين هناك، يقرون بصعوبة تعبئة الناخبين المتواجدين داخل المناطق المنتجة لمادة الكيف بأي موقف سياسي نظرا لقوة تأثير بارونات المخدرات في السكان.
ولا تخفي تقارير الجمعيات المدينة أن المخدرات معطى أساسي في العلاقات الاجتماعية بمنطقة الشمال، وأن أباطرة المخدرات يتمتعون بنفوذ قوي داخل المناطق المنتجة للكيف على اعتبار أن المزارعين لا يصوتون إلا على من يشتري منهم محاصيلهم، كما يتوفر هؤلاء الأباطرة على امتدادات تصل إلى مدن كالدار البيضاء والرباط وغيرهما، كما أكدت أن التقرير الاستراتيجي للمخدرات الصادر في أواسط هذا العقد سبق أن أشار بالاسم إلى بعض الرؤوس في مدينتي الناظور والحسيمة على وجه التحديد، إضافة إلى أن الرأي العام الريفي يعرف جيدا طبيعة الخارطة السياسية التي يتواجد بها مروجو وتجار المخدرات.
وتشهد كل انتخابات في مجموعة من المواقع الجغرافية المرتبطة بإنتاج المخدرات مثل الريف وكتامة والشمال، توظيف إمكانيات مادية كبيرة تطرح أكثر من علامة استفهام حول مصدرها ودور مراقبة سلطات الداخلية؛ فالمرشحون ينزلون بملايين الملصقات ومئات السيارات، وعشرات المئات من المأجورين الذين يجوبون الشوارع والقرى، دون أن تتم مساءلتهم عن مصدر هذه الإمكانيات الهائلة، خاصة في بعض المناطق المعروفة بتجارة المخدرات، وسبق أن جرى تسجيل عدة حالات من قبل بعض المنظمات المدنية والسياسية، حيث يستعمل بعض المرشحين»المستقلين» الأموال الطائلة ومئات السيارات وعددا لا يحصى من المأجورين، ويغرقون الدائرة بالملصقات، علما بأنهم لا يتوفرون على دعم أي حزب سياسي، إضافة إلى استعمال العنف الواضح، في بعض الأحيان، اتجاه أنصار المرشحين المنافسين. وتسعى بعض العناصر التي لها ارتباطات بمجال المخدرات، إلى تحقيق نوع من «التبييض السياسي»، حيث تستفيد بدورها من عمليات بيع وشراء التزكيات الانتخابية داخل بعض الأحزاب السياسية التي لا تمتلك معايير وضوابط سياسية و إيديولوجية وأضحى مسئولو هذه التنظيمات السياسية يتنافسون من اجل احتضان مثل هذه العناصر والاستفادة من أموالها الضخمة.
ما العمل؟ سؤال يلح الفاعلون السياسيون على معرفة جوابه، لكنهم في الغالب لا يطرحونه على أنفسهم، لأن البارونات الموجودين في البرلمان سواء كان خيرات دقيقا في تحديد عددهم أم لا، حملوا إليه في معظم الأحيان، بيافطات سياسية وبتزكيات حزبية. لكن ذلك لا يمنع من توجيه جزء من المسؤولية قد يختلف الفاعلون في تحديد حجمها، إلى الدولة بنفسها. لكن الأساسي في كل ذلك، أن الجميع بات يدري بحجم المشكل، وبينما يفترض في الأحزاب أن تمتنع عن تزكية مثل هؤلاء، أو حتى التبليغ عن ممارستهم، فإن الإمكانات الهائلة والوسائل المتوفرة لدى الدولة، تجعل قدرتها على التدخل أكثر فعالية، وهذا بالضبط، ما يتفق عليه جل السياسيين.
السياق السياسي لتاريخ زراعة الحشيش بالمغرب

لفهم السياق السياسي الحالي لإنتاج الحشيش والقنب في المغرب، لا ضير أن نستعرض التاريخ المعقد لمنطقة الريف، وكيف أصبح الإنتاج الحصري للحشيش بالشمال المغربي، نتيجة ترتيبات سياسية ولإنتاج سياق سياسي تحكمت في ولادته الدولة بنفسها.
ظهرت نبتة القنب الهندي في شمال المغرب في القرن السابع الميلادي وقت الفتوحات الإسلامية، قبل أن يزرع على نحو كثيف في منطقة كتامة وصنهاجة في قلب الريف، في القرن الخامس عشر. ولكن الوضع بات أفضل في القرن التاسع عشر، حين أذن السلطان مولاي الحسن (1894-1873)، بصفة رسمية بزراعة القنب الهندي للاستهلاك الداخلي في خمسة دواويير وقرى بقبائل كتامة، من منطلق أن مثل هذا الإذن من شأنه المساهمة في إحلال السلام والأمن في المنطقة وخفت أصوات المعارضة والتمرد.
غير أن الريفيين لم يكلوا عن شن عدة ثورات ما بين 1863 و1898 ضد الوجود الفرنسي والبريطاني والإسباني، ما دفع بالنظام حينئذ القيام بعدة حملات عقابية خمسة منها ما بين 1864 و1900. ومع مرور الزمن، كان عبد الكريم الخطابي زعيم ثورة الريف ضد الوجود الإسباني، الوحيد الذي نجح في السنوات القليلة لما سمي ب»الجمهورية»، حظر زراعة القنب الهندي بمنطقة الريف، كونه وفقا لعبد الكريم، من الممارسات المنافية لمبادئ الإسلام. ولكن هذا الحظر بالتأكيد، لم يستمر سوى لبضع سنوات.
إذ مباشرة بعد عام 1926 واستعادة السلطة الاسبانية في الريف، حتى فتح عهد التسامح من جديد مع القنب الهندي في منطقة تمتد من الشمال إلى مدينة فاس، وجميع أنحاء كتامة، حتى تتاح للقبائل هنالك فرصة التكيف مع النظام الذي أنشئ حديثا. لكن هذا السماح سرعان ما زال مفعوله، وسارت وتيرة الإنتاج في الانخفاض، حتى ألغيت الهدنة رسميا في عام 1929، ولكن رغم ذلك، واصلت منطقة الريف الإنتاج عند مستويات مرتفعة.
كما أن زراعة القنب في المنطقة الفرنسية سرعان ما خضع للحظر بشكل تدريجي. وفي عام 1932، كانت زراعة القنب محظورة رسميا بظهير، أو مرسوم ملكي. غير أنه في مقابل ذلك، سمح لشركات التبغ والكيف الفرنسية في القنيطرة ، وفي الغرب ومراكش، والحوز بزراعة القنب الهندي وتصنيعه. ولم تحظر زراعة القنب الهندي سوى في العام 1954 في المنطقة الفرنسية بأسرها في أعقاب اعتماد «ظهير 24 أبريل عام 1954 بشأن حظر قنب الكيف». وبعد حصوله على الاستقلال في عام 1956، مدد المغرب الحظر المفروض على منطقة الريف ما تسبب في مشاعر استياء كبيرة، مما اضطر الملك محمد الخامس إلى الرضوخ و التسامح مع زراعة القنب في خمس الدواوير التاريخية بكتامة وبني سيدات وبني خالد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.