فيما مضى ، لم تكن مديرية الأرصاد الجوية تتكرّم على الرأي العام بالإعلان عن نشرة إنذارية . ربما كان الأمر مرتبطا بافتقار المديرية للأجهزة التقنية المتطورة التي تقدّم توقّعاتها (وليس تنبّؤاتها) بخصوص الأحوال الجوية بالمملكة . وقتها كانت النشرة الجوية تنحصر في تقديم توقّعات للأحوال الجوية في المغرب فقط ،لا تتجاوز بضع ساعات، والباقي "على الله". ثم انتقلت إلى تقديم توقعات الأربع وعشرين ساعة. أما اليوم ، فقد أصبح بإمكانها تقديم نشرة أحوال الطقس خلال أسبوع أو أكثر، معزّزة بصور الأقمار الاصطناعية والرسومات البيانية والخرائط التوضيحية بخصوص المجال الوطني والمجال المغاربي والعربي والمتوسطي والأوربي.. وهذا يدل على حصول تطوّر هام في أداء هذا المرفق العمومي بفضل ما أصبح يتوفر عليه من إطارات وطنية كفؤة، ومن خبرات متميّزة ، وأدوات اشتغال على قدر كبير من الفعالية والنجاعة . لقد كانت النشرة الجوية ،قبل ظهور جهاز التلفزيون، تمثّل الحصة الكبرى التي تأخذ باهتمام المواطنين .وكنت تجد الآباء يلتصقون بالمذياع ويفرضون صمتا تاما داخل المنازل حينما يحل موعد النشرة الجوية الذي عادة ما كان يأتي بعد نشرة الأخبار الرئيسية.ولما جاء عهد التلفزيون، انتقل الاهتمام بأحوال الطقس إلى فتح المواطنين عيونهم جيدا على الشاشة وإن كانت هذه النشرة نسخة مكرّرة للنشرة الإذاعية نظرا لانعدام الإمكانيات التقنية. لم يكن المواطن يعرف شيئا اسمه النشرة الإنذارية بالرغم من أن المغرب كان يشهد تساقطات مطرية كثيفة ، ويكفي أن نذكر ونذكّر بفيضانات منطقة الغرب التي كانت تأتي على الأخضر واليابس وتخلّف خسائر كبيرة في الأرواح والمزروعات إلى جانب أنها كانت تأخذ معها كل ما تصادفه في طريقها . أما المواصلات والتنقّل عبر الطرقات، بما فيها السكك الحديدية، فكانت تستمر أسابيع. فيما بعد ستصبح النشرة الإنذارية مخصّصة فقط للوزارات وجميع مصالحها الخارجية وكأنها تقول لهم "ردّو بالكم" . ومع ذلك كانت تقع الكوارث لأنه ليس بالإمكان القيام بشيء في غياب الإمكانات والأدوات . كانت مختلف الإدارات والمصالح تتوصل بنسختها من النشرة الإنذارية كما تتوصل بحصتها من الصحف الوطنية ، ويكتفي الموظف المعني بإيصالها إلى المسؤول المعني ، فيطّلع عليها العمال والولاة ، ويظلون ، كسائر العباد، ينتظرون ما يأتي وما لا يأتي . أما الرأي العام ، فكان آخر من يعلم . وإذا وقعت الواقعة ، فالمواطن وحده الذي يتفاجأ ويجد نفسه أمام الأمر الواقع. أما المسؤولون فكانوا على علم بمجرّد توصلّهم بالنشرة الإنذارية . وكأنّ مديرية الأرصاد الجوية تقول: ألا هل بلّغت.وفعلا ، فمهمّتها تنحصر في نطاق التبليغ . ما فائدة إصدار نشرة إنذارية إذا كان المسؤولون ، على مختلف المستويات والجهات، لا يأخذون تحذيرها بالجدّية اللاّزمة من خلال اتخاذ الاحتياطات المناسبة لمواجهة الخسائر أو المخاطر المحتملة؟وما فائدة هذه النشرة ، ذات الطبيعة الاستعجالية، إذا كان المواطن أيضا لا يهتم بها،فيغامر بنفسه ومن معه، ويتّخذ "سبيله في البحر سربا " . وتكبر الفاجعة . هنا توجد مكامن الخلل الكثيرة والكبيرة التي سرعان ما يتم غضّ الطرف عنها بمجرد ما أن تنقشع الغيوم ،ويظهر في الفضاء "حزام للاّ فاطمة الزهراء" ، ويعود الجوّ إلى صفاءه ونقاءه ،ونخرج من مقابعنا ، مرحين ، مختالين في انتظار قدوم فصل جميل . حينها يرمي كل مسؤول المسؤولية على من هو مسؤول عنه كما يرمي بالنشرة الإنذارية في سلّة المهملات في انتظار النشرة الإنذارية للعام المقبل . وكل عام نحصي خسائرنا ونترحّم على موتانا. والبقاء لله . ولا حول ولا قوّة إلاّ به .