الاستقلال يترك برلمانه مفتوحا حتى حسم أعضاء لجنته التنفيذية والفرفار: الرهان حارق (فيديو)    حماس تنفي خروج بعض قادتها من غزة ضمن "صفقة الهدنة"    البطولة الاحترافية | الوداد يفرض التعادل على المغرب الفاسي        توابل بني ملال تحصد التميز بمعرض الفلاحة    معرض الفلاحة بمكناس يستقطب أزيد من مليون زائر    خدمات قنصلية.. تعميم المنظومتين الإلكترونييتن الخاصتين بتحديد المواعيد والتمبر الإلكتروني    احتجاج أبيض.. أطباء مغاربة يطالبون بحماية الأطقم الصحية في غزة    بيدرو سانشيز، لا ترحل..    الدرهم يتراجع بنسبة 0,46 في المائة مقابل الأورو    الزمالك يصل إلى نهائي كأس الكنفدرالية    جمباز الجزائر يرفض التنافس في مراكش    الزمالك سبقو نهضة بركان لفينال كأس الكاف    مقايس الامطار المسجلة بالحسيمة والناظور خلال 24 ساعة الماضية    طنجة.. توقيف شخص لتورطه في قضية تتعلق بالسرقة واعتراض السبيل وحيازة أقراص مخدرة    لتخفيف الاكتظاظ.. نقل 100 قاصر مغربي من مركز سبتة    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    محكمة لاهاي تستعد لإصدار مذكرة اعتقال ضد نتنياهو وفقا لصحيفة اسرائيلية    نجوم مغاربة تحت رادار "البارصا"    "البيغ" ينتقد "الإنترنت": "غادي نظمو كأس العالم بهاد النيفو؟"    اتفاق جديد بين الحكومة والنقابات لزيادة الأجور: 1000 درهم وتخفيض ضريبي متوقع    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    اعتقال مئات الطلاب الجامعيين في الولايات المتحدة مع استمرار المظاهرات المنددة بحرب إسرائيل على غزة    بيع ساعة جَيب لأغنى ركاب "تايتانيك" ب1,46 مليون دولار    توقعات أحوال الطقس غدا الإثنين    نصف ماراطون جاكرتا للإناث: المغرب يسيطر على منصة التتويج    بلوكاج اللجنة التنفيذية فمؤتمر الاستقلال.. لائحة مهددة بالرفض غاتحط لأعضاء المجلس الوطني        دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    الدورة 27 من البطولة الاحترافية الأولى :الحسنية تشعل الصراع على اللقب والجيش الملكي يحتج على التحكيم    توقيف مرشحة الرئاسة الأمريكية بسبب فلسطين    حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على عزة ترتفع إلى 34454 شهيدا    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    الفكُّوس وبوستحمّي وأزيزا .. تمور المغرب تحظى بالإقبال في معرض الفلاحة    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    شبح حظر "تيك توك" في أمريكا يطارد صناع المحتوى وملايين الشركات الصغرى    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    نظام المطعمة بالمدارس العمومية، أية آفاق للدعم الاجتماعي بمنظومة التربية؟ -الجزء الأول-    مور انتخابو.. بركة: المسؤولية دبا هي نغيرو أسلوب العمل وحزبنا يتسع للجميع ومخصناش الحسابات الضيقة    الحبس النافذ للمعتدين على "فتيات القرآن" بشيشاوة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    رسميا.. نزار بركة أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابتزاز وتحرش جنسي واستغلال مفرط في الحقول


حكايات مؤلمة وشهادات صادمة عن درجة الصفر في الحقوق
النينجا والقوقات وغيرها من أوصاف تحقير عاملات الحقول
«الصماك» أو الغبن القانوني الذي يحتاج إلى ربيع نقابي لتصحيحه
من حقول المداكرة ومديونة بالدار البيضاء، ومن سيدي حجاج بفاس إلى حقول دكالة وعبدة وسوس... هي نفس الصورة والحكاية، نساء من المغرب آثرن لباسا مقنعا، للعمل في حقول فلاحية، هي أشبه بجزر لحكايات صامتة عن معاناة فيها كثير من العنت، وقليل من الحقوق، لكن أمر ما فيها هو الابتزاز
والتحرش الجنسي، يبدأ من الشارع إلى «الموقف» وتنتهي فصوله بالحقول.. هي صورة تختفي فيها بعض الإشراقات في قطاع فضلت العديد من النساء أن تعيش فيه وجع التراب على وجع الاشتغال في البيوت أو الانحراف لتصحيح أوضاع أسر مختلة، تكون فيها هي المنقذ الوحيد.
وديعات، صبورات، قانعات، قانطات.... صورهن تتكرر في مجموعة من المناطق الفلاحية من بركان إلى أكادير ومن أزمور وضواحي البيضاء إلى فاس ومكناس، لا يعرفن من الحقوق سوى تمكينهن من يوم عمل يكفيهن غصة الرجوع إلى بيوتهن بلا مصروف، بعد قطع مسافة صباحية.
هن الكادحات اللواتي اخترن التوشح ب «الإيزار، والفولار» وابتداع نقاب فرضته قساوة الطقس في الحقول سواء في الشتاء أو الصيف، وقد يسعفهن في التخفي من نظرات السود التي تلاحقهن في الطريق أو في الحقول.
هن نساء اخترن العمل المظني للحصول على لقمة عيش لم تعد سهلة، يبدأ يومهن من الساعات الأولى للفجر، وينتهي مع مغيب الشمس، وهي مدة لا يعرفن أنها تتجاوز السقف القانوني لساعات العمل، كما لا يعرفن معنى للساعات الاضافية، المهم بالنسبة إليهن ألا يصدر عن المشغل ما يوحي بالاستغناء عنهن في اليوم الموالي.
المسافات التي يقطعنها عادة للوصول إلى «الموقف» محفوفة بالمخاطر، تحكي نعيمة وهي امرأة مطلقة تشتغل بحقول المداكرة بالدار البيضاء، عن تعرضها للتحرش اليومي، ومحاولات ابتزازهن من طرف منحرفين وعاطلين، يحترفون التعرض لهن.
هناك حالات عديدة للاعتداء يتعرضن لها، والمواجهة الوحيدة المتوفرة لهن، هي قدرتهن على تدجين العنف لدى المعتدين، بالتقرب منهم وإقناعهم بالعدول عنه، «كنحاولو نتقربو منهم باش يتفهمو الظروف نتاعنا وكنتصاحبو معاهم» تقول رشيدة، المحشوة في ركام من اللباس، لتفسير التعايش القسري لنساء منسيات مع شوارع العنف الممتدة في طريقهن.
والمعاناة لا تنتهي بالوصول إلى الموقف، بل هناك من يتحكم في هذا المكان المؤدي إلى العمل، حيث يتمكن السماسرة من فرض سيطرتهم على الموقف، لفرض سلطة التحكم في اختيار المترشحات ليوم من التعب، وهي سلطة تمكنهم من ابتزاز النسوة.
«إلى معطيتيش شي حاجة، ما عمرك ماتركب فالكاميو»، تقول فاطمة ، وهي شابة فقدت عذريتها في هذه المتاهات، وهذه الحاجة تختلف من امرأة لأخرى، فقد يكون المقابل ماديا صرفا، وقد يكون الثمن من كرامة المرأة التي ترضخ لهذا الابتزاز الجبان.
كثيرات منهن رفضن كل هذا القهر، وانسحبن في صمت، لكنهن الأكثر جرأة في الحديث عن هذه الأوضاع، السعدية، وهي شابة صلبة من منطقة الهراويين، قادتنا إليها عاملة تتذكر مواقفها، وكيف صفعت سمسارا وحولته إلى أضحوكة، خففت من الابتزاز لفترة قبل أن يعود مع مرورالأيام، هذه الشابة تلعن كل شيء، وكلما استدرجت للحديث عن تجربتها، تسب الجميع.
«ما كاين رجال ما كاين عيالات» تقول السعدية، لتفسير السلوكات التي تصدر عن المبتزين والمتحرشين، سواء الذين يختارون الطرقات والشوارع للتعدي على العاملات، فهم في نظر السعدية مجموعة من الفاشلين، الذين اختاروا اعتراض سبيل عاملات اخترن العنت للحصول على لقمة عيش شريفة، لأنهن، بالنسبة للسعدية، لو أردن الحصول عليها من الرذيلة، لما فتحن المجال لهؤلاء الفاشلين.
والسعدية تحتقر السمسارة لأنهم مجموعة من الانتهازيين الذين لا يستطيعون، العمل في الحقول، فاختاروا الطرق السهلة لابتزاز العاملات، وتنتقد السعدية بعنف أصحاب الحقول، الذين يمكنون هؤلاء من ابتزاز العاملات «اعلاش ما يجيش مول الفيرمة براسو باش يختار العاملات»، تقول السعدية.
حكايات الاغتصاب والتحرش الجنسي كثيرة في الضيعات، فإن لم تكن من قبل المشغل فتكون من قبل عمال الضيعة أو«الكابران»، هناك من أرباب الضيعات و«الكابرنات» من يستغل عوز بعض الفتيات جنسيا، ويقوم سلوك أغلبهم على التهديد بالطرد من العمل والشدة والإكراه، والاضطهاد والقهر والعدوانية..
سعيدة التي انتقلت للعمل بإحدى المقاهي تحكي عما عانته نفسيا لحظة بدأت تبحث عن عمل في الضيعات الفلاحية، لم تكن تستطيع البوح بالضغوطات والمساومات التي يمارسها عليها مشغلها قصد إشباع نزواته، لذلك تركت المزارع والحقول الى غير رجعة وفضلت العمل في مقهى تغسل الكؤوس والصحون، هي غير مسرورة بالعمل الذي تزاوله اليوم، ولكنها تعتبر هذا الوضع أحسن بكثير من جحيم المعاناة التي عاشتها بالضيعات الفلاحية، وحين تريد اختزال الصورة التي تسود بهذه الضيعات تقول إن أهم مشكل تعانيه العاملة في المزارع والضيعات الفلاحية هو التحرش الجنسي والاغتصاب الذي يمارس عليها من لدن المشغلين والعاملين معها، إضافة إلى تدني الأجور.
هذه السوداوية التي ترسمها سعيدة، تفسر الجزء المظلم في يوميات العاملات بالحقول، لكن هناك جزء مشرقا في تصرفات بعض أرباب الحقول الذين يختارون عاملات قارات، يتعاملون معهن باحترام، ويوفرون لهن أمنا يقيهن من السقوط في أحبال المبتزين.
طقوس الرحلة إلى حقول الحكرة
ارتداء جميع العاملات لنفس اللباس وإصرارهن على تغطية وجوههن، هو أحد طقوس العمل بالحقول ، والتفسير لدى العديد من العاملات هو الوقاية من البرد والحر والبشر، فهو من ناحية الجو واق من البرد القارس في فصل الشتاء، وهو واق من حرارة الشمس التي تدمر البشرة في فصل الصيف.
والأهم بالنسبة لعدد منهن هو اتقاء سلوك البشر حيث يحفظ للمرأة وقارها، فالتحرش الذي لا ينقطع سواء في الشوارع أو الحقول، جعل من هذا اللباس حلا جزئيا، لأن البعض كما تقول رشيدة، «ما كيحشمش حتى من حاجة» ولا يوقر نساء اخترن الكدح لتجنب سلبيات الاستسلام للربح الرخيص.
حين بلغت الساعة السادسة صباحا بأحد «المواقف» بالمداكرة بدأت سيارات «البيكوب» بشحن الرجال والنساء معا، حيث تلاصقت الأجساد واختلطت الأنفاس إلى درجة الاختناق، لكنه مفيد في هذا الصقيع الذي يجتاح مجموعة من المناطق.
تدرع «البيكوب» المسافة الفاصلة بين الموقف والحقل، وبعد الوصول إلى الضيعةالمقصودة، تلتحق كل عاملة بالمجموعة التي تنتمي إليها لتبدأ يوم عملها رفقة رئيس المجموعة «الكابران»، تحمل كل واحدة صندوقا بلاستيكيا صغيرا أو كيسا حسب نوعية العمل، إذا كان الأمر يتعلق بالجني تكون الصناديق المخصصة لجني البطاطيس أو الفلفل أو الطماطم، وقد يكون كيسا لجمع الطفيليات أثناء تنقية الحقول أو زرع البذور.
تبدو المدة الطويلة التي تقضيها العاملة في الانحناء دليلا على قساوة العمل ، كما تبدو صرخات الكابران مانعا للحق في الاستراحة.
ففي غالب الأحيان لا يهم المشغل سوى المال وبأي طريقة كانت، تحكي عاملات عن هذه الظروف التي تترك آثارها على جسدهن، تقول إحداهن، «تصاب أيدينا ب«المشك» ويصبح الجلد خشنا ويتضخم سمكه بالرغم من القفازات التي تضعها بعض العاملات».
قد تتحمل العاملات هذه الظروف وتعتاد عليها، لكن طول المدة يؤثر بشكل ظاهر على العاملات اللواتي يستمرين بدون انقطاع، وأول أعراض الأمراض تبدأ بالمفاصل التي تصاب بالبرودة، فتشكو أغلب العاملات من آلام الظهر والساقين، وتزداد حدة المرض في فترات العادة الشهرية.
«هاذيك البنت كتبكي كل شهر» تقول السعدية، وهي تشير إلى فتاة نحيفة قادتها ظروف العائلة إلى الاشتغال بالحقل، ولأنها تعاني من عسر العادة الشهرية، فلا أحد يشعر بآلامها، كما أنها لا تستطيع التغيب لأن الأجرة التي تتقاضاها يصعب بترها.
تجمع روايات العاملات بمختلف الحقول على قساوة المسؤولين المباشرين على عاملات الحقول، فالكابران هو المتهم الأول من طرفهن، فهو المسؤول المباشر أمام صاحب الضيعة الذي يتوارى ليترك للكبران مهمة الضغط على العاملات، وفي أحايين كثيرة يكون الضغط وسيلة لإخضاع الفتيات خصوصا للرضوخ لرغبات لا علاقة لها بالمنتوج، والكثير من الحكايات ترويها العاملات عن صاحب الضيعة الذي يحول الكابران إلى وحش ترغب العاملة في التخلص منه بالتقرب لصاحب الضيعة ، وهنا يبدأ الابتزاز الجنسي الذي تتعدد حكاياته لدى العاملات.
هذه الصورة السلبية، ليست معممة فهناك عدد من أصحاب الضيعات المهنيين الذين يبتعدون عن استغلال العاملات بهذا الشكل، بل منهم من يعتبر العاملات جزء من عملية الإنتاج الناجحة.
«الله يعمر ليه الدار احنا بعدا هاد الشي لقبيح ما عندناش»، تقول بشرى وهي فتاة قادمة من ثلاث الحنشان بالصويرة، وتعمل بأحد حقول آيت ملول نواحي أكادير، تحكي عن رب عمل مهني، صحيح أن الأجرة لا تختلف كثيرا عن باقي الحقول، لكن كرامة العاملات محفوظة، ليس هناك ابتزاز ولا تحرش، فرب الضيعة حسب بشرى «ما كيهمو غير المعقول فالخدمة».
حرفة القهر القسري
والاختيار الإرادي
بضواحي مدينة الدار البيضاء بمديونة والهراويين وبحي بنسودة بفاس ووسط مدينة الصخيرات وبضواحي القنيطرة وبأكادير، نساء مكافحات يتعبن في صمت، فهن غير منتظمات في أي جمعية،ولا ينتمين إلى نقابة أو اتحاد، ولا يتمتعن بالحقوق التي ينص عليها قانون الشغل، إنهن فتيات في مقتبل العمر وأرامل ومطلقات يحملن زادهن وأدوات عملهن إلى الحقول والضيعات الفلاحية، يخفين رؤوسهن ووجوههن، حتى لا يتعرف عليهن احد، ولئلا يتعرضن للتحرش ، قد يجدن من يشتغلن عنده في ضيعته، فتظفرن بيوم عمل أو يعدن لبيوتهن خائبات، وفي كل الحالات هو اختيار قسري للبعض منهن، وإرادي للبعض الآخر.
«الحمد لله على كل حال» تقول بديعة، وهي سيدة ترملت مبكرا بعد إصابة زوجها بمرض عضال، خلف لها ثلاثة أبناء، انضافوا لبقية إخوتها، فاتسعت الأفواه وتعددت، ولم يعد الوالد يقوى لا على الأبناء ولا على الأحفاد، فلم تجد بديعة من اختيار سوى البحث عن عمل لسد الخصاص.
ولأن بديعة وهي البنت البكر، «شربت جزء غير يسير من محاين الوالدين»، ولم تسعفها الظروف لتغيير الكأس مع الزوج، فقد اختارت حرفة الأب، لكن بعيدا عن الدوار، فجاءت إلى الهراويين لتستقر بالقرب من «الموقف» الذي يشغل عاملات بحقول المداكرة، وهي منطقة قريبة من الكارة، حيث ولدت بديعة.
تعتبر بديعة هذه الحرفة «خيرا» من عدد من الحرف الأخرى، فالخدمة في البيوت تقيد حريتها، وتتركها عرضة لإساءات مشغلاتها، فقد جربت في البداية العمل عند سيدة بمنطقة سيدي مومن، لكن التجربة كانت مريرة، جعلت إقبالها على الحرفة الجديدة بمثابة انتصار وخلاص من عذاب المشغلة وأبنائها.
«الله ملقاك مع التراب ولا ملقاك مع بنادم» تقول بديعة، وهي تسحب يدها من تحت جلابة متهالكة، لتصفف شعيرات من رأسها تمردت على الفولار الذي يغطي وجهها، وتعتبر أن العمل في الحقل فيه كثير من الحرية بالرغم من التعب المظني، وما يسعفها على تكوين هذا الإحساس، هو الدربة والتعود اللذين كسبتهما منذ طفولتها، حيث كانت تساعد والدها في الحقل الذي كان يشتغل به.
إحساسها بوجع التراب، خير لها من وجع ما تصفه ب «النكير والشتم» الذي جربته في خدمتها بالبيوت، لكن ما يقلقها هو عدم تغير الأجرة بالرغم من طول المدة التي عملتها عند أحد المشغلين، فليس من المقبول بالنسبة لبديعة، أن يبقى الأجر قارا بالرغم من ازدياد المحصول، وتعتبر أن ارتفاع تكلفة العيش وعدم تحسن الأجر، يؤزم التزاماتها اتجاه نفسها وعائلتها.
الصورة تبدو معكوسة بالنسبة لحنان التي قدمت إلى الموقف من كاريان بسيدي مومن، بعد أن تعبت أجرة الوالد الذي يشتغل في الصباغة، فتقطع العمل وعدم استقرار الأجرة حول حياة هذه الأسرة المتعددة الأفراد إلى جحيم، كانت نتائجه الكارثية، هو انقطاع إخوتها عن الدراسة، وانحراف أحدهما، فلم تجد من مخرج سوى البحث عن عمل بأي ثمن.
لا تنكر حنان أنها فكرت كثيرا في العمالة الجنسية، خصوصا وأن العديد من الفتيات من الكاريان الذي تقطن فيه، تمكن من توفير مال رقى الوضعية الاجتماعية لأسرهن، لكنها ولحسن حظها، وجدت في إحدى النساء العاملات مرشدا لها للحصول على أول فرصة لجني دراهم تعين بها على تخطي الوضع السيء للأسرة.
تحكي حنان أنها بكت في اليوم الأول لالتحاقها بالعمل، لم تتحمل البرودة القاسية، ولم تحميها القفازات التي منحتها إياها مرشدتها من لسعات البرد، لكنها تحملت بفعل مواساة رفيقتها، وبالرغم من تخطيها للشهر الخامس في هذه الحرفة، إلا أنها تعتبر امتهانها ضرورة قسرية، لم تجد عنها بديلا.
العفاف والكفاف
«العفاف والكفاف أخويا» هو ذا التعليق الذي تختزل فيه يامنة، وهي شابة قادمة من حد أولاد فرج تعمل في الحقول المجاورة لمدينة أزمور، قنوعة حين تتحدث عن الأجر الذي لا يتجاوز خمسين درهما أو سبعين في أحسن الأحوال، وهو ما ما تحصل عليه عاملات الفلاحة بآزمور من خلال اشتغالهن في المزارع والحقول، توظف المبلغ بعناية فائقة. فهي تكتري إلى جانب زميلات لها بيتا بالأحياء الشعبية بمدينة أزمور، وفي نفس الوقت عينها على السوق الأسبوعي بأولاد فرج، حيث الأب في انتظار ما ترسله يامنة، لنمكين أسرة من سبعة أفراد من تبضع أسبوعي ، لكسب أجر يوم لا يزيد عن قيمة «سندويتش» عند البعض، قد يشتغلن يوما أو ثلاثة أيام متواصلة ويتعطلن أسبوعا أو يزيد حسب ظروف العمل في الضيعة، يتخبطن في مشاكل مادية عويصة، همهن المشترك هو الحصول على لقمة العيش..
وبالرغم من كل ذلك تجد عددا من العاملات القنوعات يخفين كل ظروف القهر اليومي، ويعكسن الصورة بمقارنة أوضاعهن مع قرينات لهن، لم يجدن عملا، ويعشن جحيما يوميا مع زوج خمول ترك مسؤولية العائلة على عاتق الزوجة، منهم من حول البيت إلى جحيم بفعل تعاطيه للمخدرات، ورسم صورة تجعل رشيدة مقتنعة بأن عملها بالحقل طوق نجاة من الوضع الذي تعيشه جارتها.
وإزاء هذا الوضع لا يجد بعض أرباب الضيعات الفلاحية أي حرج في تجاهل كل ما له علاقة بتثبيت حقوق العاملات لديه، بالنسبة لأغلب أصحاب الضيعات، لا وجود لشيء اسمه عقود عمل، لأن الظروف التي يمارس فيها صاحب الضيعة نشاطه موروثة بالتعاقدات العرفية، كما أن الظروف التي يشتكي منها أصحاب الضيعات متعددة، يجزمون بأن الالتزام بهذه الحقوق سيعرضهم للإفلاس، فمصاريف الحبوب والجرار وتبعاته والأسمدة ومشتقاتها، والظروف المناخية ومتغيراتهاتجعلهم في وضعية العاجز عن الوفاء بهذه الالتزامات.
هذه المبررات في نظر النقابيين واهية، لأن الأرباح التي يتم تحقيقها في عدد من الضيعات تسمح للمشغلين بتوفير حقوق مقدور عليها، سواء تعلق الأمر بالضمان الاجتماعي أو التغطية الصحية، لكن تاريخ هذا النشاط الذي ظل مؤطرا في إطار الاقتصاد غير المهيكل، ورث عقلية مستغلة، لا تقتسم الأرباح، ولا تراعي المجهود الذي يبذله العنصر البشري في تحقيقه.
عين النقابات على وضعية العاملات
في الحقول في حاجة إلى يقظة
الحد الأدنى للأجور القانوني في الفلاحة حسب نقابيين محدد في 40 % بالنسبة للحد الأدنى للأجور في الصناعة والتجارة. إذ يبلغ الأول60.63 درهما في اليوم في حين يبلغ الثاني حوالي 93.5 درهما في اليوم. وفي الواقع، فإن جل المشغلين لا يلتزمون حتى بهذا الأجر القانوني الهزيل أصلا، إذ يتقاضى العمال الزراعيون والعاملات الزراعيات على وجه الخصوص أجرا لا يتجاوز 50 درهما في اليوم. وحتى لو افترضنا أن الباطرونا الزراعية تحترم أداء الحد الأدنى القانوني، فليس ذلك إلا إقرارا من طرف الدولة بواقع التمييز وتشريع قانوني من طرفها لعيش العمال الزراعيين وعائلاتهم تحت عتبة الفقر.
كما أن العمال الزراعيين يشتغلون بمعدل 48 ساعة في الأسبوع مقابل 44 ساعة فقط في الصناعة والتجارة. وفي الواقع فإن العمال الزراعيين يشتغلون ما بين 9 و 10 ساعات في اليوم دون احتساب الساعات الإضافية بمبررات قانونية (المادة 184 من مدونة الشغل) وفي ظروف جد قاسية. (الشمس المحرقة،البيوت المغطاة في الصيف، استعمال المبيدات من دون أي وقاية..).
ينضاف إلى هذا التمييز القانوني كون العمال الزراعيين يتعرضون لاستغلال بشع ولإنكار حقوقهم القانونية، رغم الخطابات الرسمية والوعود التي تتكرر في كل مرحلة استحقاق، حيث يتحول الفلاح إلى أحد الشعارات المستقطبة.
وتتسم الصورة في رأي النقابيين بالمجحفة حيث يسجل الضعف المهول بالتصريح بالعمال الزراعيين والعاملات الزراعيات لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الشيء الذي يحرم غالبيتهم من أي تغطية اجتماعية وصحية ومن التعويضات العائلية، ويمكن الباطرونا من نهب الملايير من الدراهم سنويا عوض إيداعها لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، كما يتم الاحتفاظ بالعمال الزراعيين بصفتهم عمالا مؤقتين حتى بعد أزيد من عشرين سنة من الاستغلال، ضدا على مقتضيات مدونة الشغل، فضلا عن لجوء الباطرونا الزراعية بتواطؤ مع المسؤولين إلى اعتماد التشغيل بالوكالة عبر ما يسمى بالمقاولة من الباطن، الذي ليس سوى تشريعا مخزيا للسمسرة في اليد العاملة يهدف أساسا إلى ضرب العلاقة الشغلية وحق العمال في الترسيم وباقي الحقوق المنصوص عليها في القانون.
ورصدت النقابات شيوع حالات الالتفاف على حق العاملات والعمال الزراعيين بمحطات تلفيف الخضر والفواكه من الاستفادة من التعويضات العائلية طيلة السنة وتمكينهم منها لمدة 8 أشهر فقط في ضرب صريح لمقتضيات القانون الجاري به العمل وذلك باحتساب المعدل الشهري.
ولا تختلف شروط العمل عن هذه الصور حيث يتم نقل العمال الزراعيين للضيعات في شروط تدوس كرامتهم الإنسانية بواسطة شاحنات لنقل البضائع من دون تأمين مما يعرض حياتهم وسلامتهم للخطر. فالحوادث التي تقع يوميا بمجموعة من المناطق الفلاحية و تؤدي إلى موت وجرح عشرات العمال، تعد خرقا للحق في الحياة و في السلامة البدنية ضدا على ما تضمنه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. ويجري هذا التهديد اليومي أمام مرأى السلطات المكلفة بالسهر على تطبيق واحترام قانون السير.
كل هذا الكلام أو جزء كبير منه، لا يحتل أولوية لدى هؤلاء الوديعات اللواتي يفضلن العرق والتعب لتصحيح مسار أسرة اعوج بفعل طلاق مباغت، أو لمرض عطل دور رب الأسرة، يذهبن لملاقاة وجع التراب، عوض الاختباء في أحياء المدن الكبرى لبيع كرامة لا ترد.
هن نساء من المغرب يعدن في كل عشي مكدسات في شاحنات، يحملن تعبهن في دواخلهن، والمطلوب من الجميع هو الإحساس بهذا الكبرياء، لمنحهن صورة تليق بهن، فجهد النقابات والنساء الباحثات عن المناصفة يستوجب أولوية تعيد لهن الاعتبار. هي معركة ينتظرنها. فهل من مجيب؟.
بابا احميدة عزوز
«أجر العاملة في الحقل قد لا يتجاوز 30 درهما!»
من موقعكم النقابي، كيف تنظرون إلى واقع العاملات في الحقول والضيعات اليوم؟.
بكل صراحة، الوضع كما هو، فالمعاناة التي سبق ورصدناها ما زالت مستمرة، بالرغم من بعض التحسن، خصوصا في القطاع المهيكل، وفي الضيعات والحقول التي توجد بها مكاتب نقابية. لكن تبدو الصعوبة مضاعفة في القطاعات غير المهيكلة، أي الضيعات التي يملكها فرد واحد أو عائلة واحدة، حيث يسود المنطق التقليدي في التشغيل، وتغيب كل الحقوق، وتتحول العاملات اللواتي يقطن بالدوار المجاور للضيعة إلى عمالة رهن إشارة صاحب الضيعة.
في هذا القطاع، ليس هناك احترام للحد الأدنى للأجر في القطاع الفلاحي، وليس هناك تصريح بالعمال لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بل يصل الأجر الذي تتقاضاه عاملة تشتغل عشر ساعات إلى 30 درهما.
في بعض الحقول شبه المهيكلة يرتفع الثمن، وقد يكون هناك احترام للحد الأدنى للأجر في القطاع الفلاحي، ولكن لا يتم الالتزام بباقي الحقوق، فبالرغم من كون صاحب الضيعة يقتطع حصة العاملات إلا أنه لا يودعها لدى الصندوق، ويتم استغلال إما صغر سن العاملات اللواتي لا يتوفرن على بطاقة التعريف الوطنية، أو اللواتي يعانين من الأمية للالتفاف على هذه الحقوق.
وفي الحقول المهيكلة والتي توجد بها تمثيلية نقابية ووعي لدى العاملات عادة ما يتم الالتزام بالحد الأدنى للأجر، لكن التصريح بهن لدى الصندوق الوطني يعتريه تلاعب، حيث تجد من بين 40 عاملا لا يتم التصريح سوى بعدد قليل.
في هذا النوع هناك إكراهات أخرى، تتجلى في ظروف العمل، فتشغيل العاملات مثلا في البيوت البلاستيكية، في فترة حرارة مفرطة، يؤدي إلى إصابتهم بالاختناق، إذ كيف يعقل أن تستخدم عاملة لمدة ثمان ساعات داخل بيت بلاستيكي وفي درجة حرارة مرتفعة، هذا النوع من المشاكل ما زال مطروحا.
تتحدثون عن الحد الأدنى للأجر في القطاع الفلاحي، وهو ضعيف، كيف تنظرون كنقابة لهذا الحيف القانوني؟.
إنه إشكال مطروح اليوم على النقابات، فالتشريع المغربي ميز بين الحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص (السميك) وبين الحد الأدنى للأجر في القطاع الفلاحي (السماك)، ولهذا أثير الملف في آخر جلسة للحوار الاجتماعي، فلا يعقل أن تتغير كل المعطيات المرتبطة بالعالم القروي، والتي تم البناء عليها لفرض هذا التمييز في الحد الأدنى، ولا يتغير القانون.
العالم القروي الذي تمت فيه مجهودات لفك العزلة عنه، وتم القيام بمشاريع ضخمة على مستوى البنيات التحتية، جعلت مستوى المعيشة يتحسن، وهو وضع يتطلب مصاريف إضافية، فعلى سبيل المثال قد تصل فاتورة الماء والكهرباء في مناطق الجنوب، التي تعتمد على الجهد الذاتي للجمعيات، إلى ثمنه في الفيلات.
إذا نعتقد في النقابة الديمقراطية للفلاحة أنه آن الأوان أن نلتفت لهذا القطاع وعلى الجميع أن ينخرط في مجهودات رفع الحجاب عما يعانيه العمال الزراعيون، فهم اليوم الفئة المستضعة الأكثر تضررا، والتي تحتاج إلى كل المجهودات لرفع الحيف عنها.
إلى جانب هذا الميز القانوني، هناك جزيرة من الصمت تتعرض فيها النساء العاملات في الحقول للتحرش والابتزاز. كيف تعملون على فضح هذا الوضع؟.
بكل صدق يصعب علينا إخفاء هذه الصورة، العديد من العاملات في الحقول يتعرضن للتحرش والابتزاز، خصوصا الشابات منهن، فالتي تكون محل مساومة يصعب عليها أن تستمر في العمل من دون الرضوخ لهذا الابتزاز، وكما تعلمون فمواجهة مثل هكذا وضع، يحتاج إلى تربية تسمح للعاملة التي تكون مستهدفة شجاعة فضح المتحرش بها، كما يحتاج فضاء الاشتغلال إلى توعية مضاعفة تسمح بنسج علاقات ودية ومحترمة بين الجميع. فالفضاء الذي تشتغل فيه العاملة في القطاع الفلاحي مؤهل لسيادة هذا النوع من التعامل.
كنقابة نحاول أن نشجع العاملات على فضح كل سلوك من هذا القبيل، ونمنح لهن ضمانات التضامن معهن.
فالتوعية إذا ضرورية، كما أن الصرامة ضرورية لمواجهة مثل هذه السلوكات التي تضر بصورة القطاع، وقد أطلقنا عبر مكاتبنا النقابية حملة توعية في صفوف عمال الحقول والضيعات تروم التحسيس بالمشكل، وتوفير آليات مواجهته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.