منذ أزيد من 15 اختارت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وضع تصور جديد يعيد الحياة لمساجد المملكة، التي اقتصر دورها على إقامة الصلوات. فكان مشروع محو الأمية الذي أرادته الوزارة مشروعا متكاملا جعل من محو الأمية القرائية مدخلا نحو محو الأمية الدينية، وفرصة لربط المستفيدين بالثوابت الدينية. ولأن البرنامج عرف تجاوبا كبيرا من طرف النساء، كان الاعتماد الكلي على عدد من المؤطرات الشابات اللواتي وجدن في البرنامج فرصة لمحاربة شبح البطالة، إلى جانب ممارسة دورهن الدعوي تحت عباءة المؤسسة الدينية الرسمية .. إلا أن نجاح التجربة لا يخفي الضغوط اليومية التي تعيشها هذه الفئة بسبب المقابل المادي المتواضع الذي لا يتماشى وجهودهن اليومية. «لم نكن نقصد المسجد إلا في حالات نادرة .. غالبا ما تكون يوم الجمعة، لكن الأمر اختلف بفضل الأستاذة خديجة التي حببت لنا الحضور خلال أيام الأسبوع، لنتعلم القراءة والكتابة ونتفقه في أمور الدين .. الله يجازيها كل الخير والله يحفظها لينا»، تقول الحاجة كلثوم التي استرسلت في دعواتها لمؤطرة أحد المساجد الموجودة بالحي الحسني التي يعود لها الفضل في استقطاب عدد من المستفيدات إلى فضاء المسجد. الحاجة كلثوم كباقي المستفيدات اللواتي يتجاوز عددهن المليون و 800 ألف لا يكترثن كثيرا إلى واضعي التصور الأولي لمشروع دروس محو الأمية الذي رأى النور منذ 15 سنة، والذي كانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تسعى من خلاله إلى إحياء الدور التعليمي والتوعوي لمساجد المملكة، ليرتبطن بشكل عاطفي بالمؤطرات اللواتي نجحن في كسب ثقة نساء لم يكن من أولوياتهن التردد بشكل مواظب على المسجد من أجل التعلم. جامعيات في خدمة نساء أميات امتلاك شهادة جامعية من شروط حمل صفة مؤطرة داخل المسجد، وفي حالات استثنائية داخل المناطق القروية يتم الاكتفاء بشهادة أو مستوى الباكالوريا لتجاوز الخصاص الحاصل، شرط يستغربه البعض في مهمة توحي بأنها لا تتجاوز تعليم المستفيدات أبجديات القراءة والكتابة، إلا أن اقتحام عالم المؤطرات يكشف عن وجود عدد من الأدوار المعقدة المنوطة ب4611 مؤطرة، تبدأ مهمتهن خارج أسوار المسجد، حيث يتكفلن بترؤس ما يشبه حملة لاستقطاب النساء من خلال زيارة الأحياء المجاورة للمسجد، ويزداد الأمر صعوبة داخل المناطق شبه القروية التي تضطر فيها المؤطرة إلى التنقل بين عدد من الدواوير، مع فتح نقاشات والدخول في أخذ ورد مع نساء المنطقة لمحاولة تغيير قناعاتهن أو قناعات أزواجهن بخصوص التعلم، مما يتطلب مهارة في الإقناع تنتهي بتسجيل اسم المستفيدة أو حثها على زيارة فضاء المسجد من أجل الوقوف على التجربة من قريب قبل اتخاذ قرار الرفض. الخطوة الثانية التي تقدم عليها مؤطرة دروس محو الأمية بالمساجد، تشكل تحديا حسب تعبير رشيدة التي تقول إن «إقناع المستفيدة بضرورة المواظبة رغم الصعوبات والالتزامات الأسرية يشكل تحديا حقيقيا، وهنا يتكون عامل من الثقة بين المؤطرة والنساء ليبدأ الجزء الأصعب، حيث تتوزع مهمتنا في محو الأمية القرائية، والدينية، والحسابية من خلال تقسيم الحصة اليومية إلى ثلاثة أجزاء …»، تقول رشيدة التي يستشف من تفاصيل حديثها الطويل أنها تلعب دور المعلمة، والمستمعة، والمصلحة الاجتماعية أمام نساء متعطشات لتعلم القراءة، وحفظ القرآن، والتعرف على أسس العقيدة، والفقه، وحكم الشرع في عدد من النوازل …«أحيانا كثيرة أجد نفسي أمام أسئلة لا تنتهي .. وكلما كانت المؤطرة متمكنة وصاحبة منهجية مرنة في التعامل مع النساء، كلما كانت المستفيدات أكثر مواظبة، وانتباها لدرجة أن بعض الحصص تستمر لأكثر من ثلاث ساعات رغم أن الوقت المحدد لا يتجاوز ساعتين، لكن جل المؤطرات يتحرجن من صد الراغبات في الاستفسار، أو البحث عن حلول لعدد من التمارين، أو الراغبات في استظهار سور قرآنية لتثبت من صحتها أو التساؤل عن تفسيرها»، تقول رشيدة التي تشكل رفقة باقي المؤطرات قاعدة نسائية قوية تمكنت من إحياء الدور التعليمي للمساجد، خاصة داخل المناطق المهمشة التي تعاني فيها النساء من الأمية وانتشار عدد من الممارسات الغارقة في الجهل. اختيارات اضطراية لخدمة رؤية إصلاحية قد يكون الدور الذي تقوم به المؤطرات داخل برنامج محو الأمية بالمساجد من الأدوار الهامة أو "النبيلة" وفق تعبير العاملين بالميدان الدعوي، إلا أن هذا الاختيار له صفة اضطرارية حسب شهادات العديد من الشابات الجامعيات اللواتي خضن التجربة هربا من شبح البطالة، وهو ما دفع الكثيرات إلى قبول الانخراط في تجربة تستنزف طاقتهن المادية والمعنوية والنفسية مقابل مبلغ لا يتجاوز 900 درهم، قبل أن تستجيب وزارة الأوقاف لمطالبهن في تحسين أوضاعهن المادية بعد مطالب استمرت مدة 14 سنة. تتقاضى المؤطرات اليوم مبلغا شهريا قدره 2000 درهم، دون أن يتمتعن بأي امتيازات، «نتمنى أن نحظى بتغطية صحية، وتعويض عن العطلة، وأن يتم إعادة النظر من جديد في أوضاعنا المالية بطريقة تمكننا من العمل دون تفكير في الحصول على فرصة عمل مواتية في مكان آخر .. لأن دخولنا و إن كان اضطراريا بسبب غياب فرصة عمل، تحول مع الوقت إلى ارتباط وثيق مع المسجد والمستفيدات، وهو ارتباط يعززه الشعور بتقديم شيء لهذا الوطن»، تقول رجاء الحاصلة على إجازة في الأدب العربي، وتكوين في المعلوميات .. المنخرطة في التجربة منذ خمس سنوات، والتي تتمنى الاستمرار فيها شرط تقديم المزيد من الإصلاحات، والاعتراف بالجهود التي تقدمها هذه الفئة في مجال إصلاح الحقل الديني.