أبرز تعديلات النظام الأساسي ل"الباطرونا"    المحكمة تواصل الاستماع لسعيد الناصيري في قضية "إسكوبار الصحراء"    أمن بني ملال يقلص الجريمة العنيفة ب14% ويحجز أزيد من 6 أطنان من المخدرات    "الكاف" يكشف عن تصميم جديد لكأس عصبة الأبطال يوم الخميس المقبل    الوزارة تكشف موعد مهرجان العيطة الجبلية بتاونات    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    حادثة سير مميتة تودي بحياة مسنّ بمدارة تانوغة ضواحي بني ملال    وفد اسباني يطّلع على دينامية التنمية بجهة الداخلة وادي الذهب    المغرب يواجه جنوب إفريقيا في المباراة النهائية لكأس أمم إفريقيا للشباب    للتتويج القاري الثالث.. نهضة بركان يستضيف سيمبا التنزاني في ذهاب نهائي كأس "الكاف"    الاتحاد الاشتراكي ينسحب من تنسيق ملتمس الرقابة: "لا جدية في التفعيل"    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بارتفاع    إطلاق برنامج مخصص للمقاولات الصغيرة جدا    ترامب: كثيرون يتضورون جوعا في غزة    الحرارة تعود إلى مناطق داخلية بالمغرب    بذكرى النكبة.. مغاربة يتضامون مع غزة ويرفضون التطبيع    أوراق قديمة عصِيّةَ الاحتراق !    25 سنة من الأشرطة المرسومة بتطوان    إيقاعات مغربية وخليجية تلهب جمهور طانطان في ليلة فنية استثنائية    عن المثقف المغيّب والمنابر المغلقة..!    تيكتوك... حين تعرّت الشخصية المغربية أمام العالم!    تغازوت تحتضن مؤتمر شركات السفر الفرنسية لتعزيز التعاون السياحي المغربي الفرنسي    المغرب يرسخ ريادته كقبلة إفريقية لاحتضان المباريات الدولية    في عز الموسم.. أسعار الفواكه تلهب جيوب المغاربة وتثير موجة تذمر    160 مليون درهم لحماية غابات الناظور والمناطق الاخرى من الحرائق في صيف 2025    وهبي للمحامين.. سأقاضيكم، بسببكم أصبت بالسكري    لازارو وزينب أسامة يعلنان عن عمل فني مشترك بعنوان "بينالتي"    الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر: الاقتصاد العالمي يواجه تحديات عميقة وتباطؤاً في النمو عام 2025    على هامش افتتاح المعرض الدولي للصحة ..دعوات رسمية تحث على استغلال البيانات وتقدم مجالات التشخيص والعلاج (صور)    ريال مدريد يهنئ برشلونة بلقب "الليغا"    كأس الكونفدرالية: تحكيم موريتاني لمباراة نهضة بركان وسيمبا التنزاني    واشنطن تؤكد اهتمام القيادة السورية الجديدة ب"السلام" مع إسرائيل    بعد سنتين على اختفائه.. "جزار سوريا" وداعم "الأسد" يظهر في الجزائر    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الارتفاع    تقرير: 33% فقط من النساء المغربيات يمتلكن حسابا بنكيا    إسرائيل تسلم واشنطن قائمة "خطوط حمراء" بشأن الاتفاق النووي مع إيران    متحف البطحاء بفاس يستقطب آلاف الزوار بعد ترميمه ويبرز غنى الحضارة المغربية    جوردي ألبا يمدد عقده مع إنتر ميامي إلى غاية 2027    رئيس مجلس النواب يستقبل سفير السعودية    نداء إنساني من ابنتي الكاتب بوعلام صنصال: لا نعلم أي شيء عن حالته داخل سجنه بالجزائر    من طنجة إلى مراكش.. الصالون الوطني لوكالات كراء السيارات يتوسّع وطنياً    16 ماي.. ذكرى تأسيس الأمن الوطني المغربي: مسيرة عطاء وتفانٍ في خدمة الوطن    وهبي يمرر قانون المسطرة الجنائية أمام لجنة العدل والتشريع بعد جلسة ماراثونية    جدل حول مشروع قانون المسطرة الجنائية والتنسيقية توضّح: "لا صفة ضبطية للمقدمين"    كارثة إنسانية في العرائش: تهميش ممنهج أم تقصير فادح؟    الزيارة لكنوز العرب زائرة / 1من3    لقاء بالعاصمة يعزز القيادة النسائية    تيزنيت تحتفل ليلاً بصعود الأمل و"الريزينغ" يشعل ساحة الاستقبال وأجواء فرح لا تُنسى ( صور )    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    تزايد عدد المشردين يقلص الدخول إلى مطار مدريد    ابتلاع الطفل لأجسام غريبة .. أخطار وإسعافات أولية    ارتفاع الضغط يطال 1,2 مليون مغربي    دراسة: الاحترار المناخي يهدد أوروبا بانتشار وبائي لحمى الضنك وشيكونغونيا    دراسة: الإفراط في الأغذية المُعالجة قد يضاعف خطر الإصابة بأعراض مبكرة لمرض باركنسون    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة بمناسبة انطلاق موسم الحج    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دوفيلبان: الثقافة توسع فضاء حياتنا وتساعدنا على مقاومة اليأس والخوف
حذر في محاضرة بالمعرض الدولي للكتاب من العلاقة الشائكة والمتوترة بين الثقافة والسياسة
نشر في أخبار اليوم يوم 15 - 02 - 2010

حذر دومنيك دوفيلبان، الوزير الأول الفرنسي السابق، من أن تهيمن السياسة على الشأن الثقافي، وقال إن العلاقة بين المجالين مثل العلاقة بين السياسة والقضاء، في إشارة ضمنية إلى قضية "كلير ستريم" التي خرج منها بريئا قبل بضعة أسابيع فقط، بعد ما يقرب من أربع سنوات من التحقيقات وبعد شهور من المحاكمة.
وكان الرئيس الفرنسي قد نصب نفسه طرفا مدنيا في القضية متهما دوفيلبان بالتآمر ضده، وقد استأنفت النيابة العامة الفرنسية الحكم الابتدائي وبالتالي فإن الوزير الأول السابق تنتظره جولة ثانية مضنية من المحاكمة.
وقال دوفيلبان، في محاضرة افتتاحية للدورة السادسة عشرة للمعرض الدولي للكتاب والنشر في الدار البيضاء مساء الجمعة الماضية، إن هيمنة الشأن السياسي لم تمنع مع ذلك العديد من المثقفين والأدباء من إبداع أهم أعمالهم في ظل حكم ديكتاتوري. وضرب مثلا ب"موليير" و"لا فونتين"، فالأول أبدع مسرحياته والثاني ألف حكاياته لما كانت فرنسا تعيش في ظل حكم ملكي يتميز بالاستبداد الشديد. وأشار إلى أن الثقافة تحاول، ما أمكنها ذلك، مقاومة التسلط السياسي والبحث عن مسالك توصلها إلى التعبير الحر. وسرد كمثال على ذلك المعركة الشرسة التي يخوضها موقع "غوغل" الشهير ضد السلطات الصينية.
ورفض أن يربط ربطا وثيقا بين المعرفة الأكاديمية والمعرفة الثقافية، ورأى أنه "توجد علاقة بين الحصول على مستوى عال للمعرفة وبين الثقافة"، مضيفا أن الثقافة هي في جانب من جوانبها "امتلاك القدرة على مساءلة الأشياء التي تعتبر بديهية". واستشهد بالمساءلة التي يخضع لها الجسد في الثقافة المعاصرة والتي كشفت غموضه وسحره، بعدما كان يعتبر لقرون عديدة معطى بديهيا لا يستحق المساءلة بعمق. وتابع أن الإنسان ليس في حاجة إلى الاطلاع على ألف كتاب ولا مشاهدة ألف فيلم ليحصل على مستوى ثقافي، بل يلزمه "حب الاستطلاع وذلك الغرور" الذي يميزه عن الكائنات الأخرى، ويجعله يرغب دائما في التغيير وفي اقتحام الفضاءات التي يجهل، واكتشاف المجهول والجديد، ولكن يلزمه كذلك التواضع الذي يدفع إلى الاحتماء خلف الأسئلة والتساؤل.
إن ما يميز بين المثقف وبين صاحب المعارف بالنسبة إلى دوفيلبان هو "أن أصحاب المعارف الذين يحيطون أنفسهم بالحقائق الثابتة يسجنون أنفسهم في صوامع متينة"، وبالتالي تتقلص حظوظهم في التقدم نحو آفاق أخرى. أما المثقف الحق فهو "الذي لا يكف عن مساءلة كل ما يحيط به، هو ذاك الذي لا تعوزه الجرأة لاقتحام المجهول".
وفي معرض محاولته وضع تعريف تقريبي للثقافة، بسط دومنيك دوفيلبان، أمام الحاضرين الذي عصت بهم قاعة "عبد الهادي بوطالب" بالمعرض الدولي، نموذجين حيين لمثقفين مبدعين فرنسيين كبيرين تجاوز أثرهما حدود فرنسا.
النموذج الأول هو المفكر الفرنسي أنطونين أرتو، الذي قضى ردحا من حياته في مستشفى الأمراض العقلية. وبعد خروجه ألقى محاضرة سنة 1947 في مسرح "لوكولومبيي" بباريس، راح يتناول فيها مواضيع غامضة ومع مرور الوقت ازداد كلامه غموضا، وفي لحظة نهض أرتو من معقده وقلب الطاولة التي كانت أمامه وطارت أوراق المحاضرة في فضاء القاعة. وأخذ الرجل يصرخ ويصرخ صراخا جنونيا أفزع الحاضرين الذين جاؤوا للتفرج عليه أكثر مما حضروا للإنصات إليه. وكتب أحد النقاد الذين كانوا حاضرين أن أرتو أخذ يصرخ "إلى حد انهيار الروح".
النموذج الثاني الذي تناوله دوفيلبان في محاضرته بشكل مختصر هو "أحد سحرة الأدب" كما وصفه، ويتعلق الأمر بالشاعر الفرنسي الكبير آرثر رامبو، هذا الشاعر الذي عاش حيوات متعددة وطبع الأدب الإنساني بطابعه الخاص رغم أن الفترة التي أبدع فيها شعره لم تتجاوز ثلاث سنوات.. ثلاث سنوات عاشها بكثافة في رحاب الشعر وغاص خلالها في أعماق غير معهودة في الروح البشرية، ليمتح كلماته التي سيرن صداها في فضاء الكون إلى ما لانهاية.
ولكن فجأة وبعد ثلاث سنوات فقط صمت الشاعر الكامن في ثنايا رامبو ولما يتجاوز عمره ال19 سنة. ولا يزال صمت رامبو يلقي بثقله على فضاء الأدب الإنساني إلى يومنا هذا وسيظل كذلك...
وقال دوفيلبان إن العديد من الشعراء والأدباء حاولوا عبثا تفسير هذا الصمت الغامض والمفاجئ، إذ اعتبر الأديب الفرنسي بليز سندرار أنه "صمت لم يكن ليحدث"، ولكن الشاعر الفرنسي الكبير روني شار رد عليه بالقول، بل إن هذا الصمت كان له كل ما يبرره.
و"بين تلك الصرخة البركانية ل"أرتو" والصمت المدوي ل"رامبو"، بين هذين الحدين الأسطوريين، يضع دوفيلبان فضاء الثقافة الممتد كالكون. "فليس من الضروري على كل الثقافة أن تتجسد في الكلام أو في الصورة أو في الاقتباسات"، يقول أكثر السياسيين الفرنسيين ثقافة في العقود الأخيرة، قبل أن يضيف أن ما تطالب به الثقافة، أي ثقافة، هو أن تكون "شهادة"(temoignage) وأن "تعاش". ويقول السياسي المفكر إن الفضاء الممتد بين الصرخة والصمت يحتوي على كل ما يمكن أن تحمله الإنسانية كرسالة. فبالنسبة إليه "الثقافة ليست ترفا.. ليست معرفة". ما هي إذن الثقافة؟ يتساءل دوفيلبان من علياء قامته الفسيولوجية والمعرفية.
الثقافة، يجيب المحاضر، "روح أولى.. تأتي دائما قبل شيء ما" ويرى تجليات الثقافة في "جرار مليئة بالماء، في امرأة وهي تحمل جرة ما على طريق مغبر هناك في أعماق إفريقيا، في مشهد من مشاهد الهند. وسيأتي فيما بعد المصور أو السيناريت أو الشاعر أو الروائي ليبني على هذه الصورة نظرة ما أو تأويلا سيعطي لإبداعه بعدا خالدا".
ويشدد دوفيلبان على أن "الثقافة باتت ضرورية في زمننا أكثر من أي وقت مضى، لأن عالمنا اليوم تهزه الأزمات المتعددة: أزمة اقتصادية، أزمة سياسية، أزمة هوية، والثقافة هي ملاذ الإنسانية وسلاحها لمواجهة كل هذه الأزمات.
لأن الثقافة توسع من فضاء حياتنا وتساعدنا على تحويلها إلى ما هو أفضل، ما هو أعمق ولأنها "مقاومة.. لليأس وللخوف".
ولا تترك الثقافة الإنسان سلبيا بل تحفزه على العمل، على التأويل.. على التساؤل.. على المشاركة، فالإبداع بكل أشكاله وأنماطه هو حقل للقاء بين المبدع وبين المتلقي، فاللوحة هي لقاء بين الرسام والمشاهد ولا تكتمل إلا بهذا اللقاء.
ونحت دوفيلبان، الذي استشهد في محاضرته بالعديد من المبدعين مثل هولدرين ودوريش وسدرار وروني شار وغيره، تعريفا يبدو بسيطا في مظهره الفسيولوجي ومعقدا كما هي عملية التنفس معقدة.. فالشعر "تنفس"(une respiration) فالشاعر (وكذلك المثقف) يستنشق العالم.. يستنشق الآخر.. يستنشق كل ما يحيط به.. ثم يزفر ما استنشقه، مساهما في إعادة بناء العالم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.