علمت أخبارنا بمرض أيقونة الفن الأمازيغي حسن العاتي فانتقلت لزيارته بالمستشفى الإقليمي لإنزكان بعد أن ألزمه المرض الفراش فحينما جالَسنا العاتي هذا الهرم الفني الذي إرتبط إسمه كثيرا بمجموعة “أيت العاتي”، التي تتغنى بأشعار وكلمات ذات الإتزان والإتساق العميق، التي تنساب كخرير مياه عذب من صوته الشجي، لا يمكن لنا إلا أن نقف وقفة إحترام وإجلال لهذه المعلمة والذاكرة الفنية، التي نسجت ترانيم موسيقية وكلمات من ذهب تسحر وتملك الفؤاد قبل الأذن؛ فأغانيه همت كل شعوب العالم، وتناولت هموم ومعاناة الشعب المغربي، وقضايا سياسية ووطنية ودولية، وأبرز ما يمكن أن نستحضره قصيدة وأغنية”وينا إران أفولكي كيند أفوس”الشهيرة التي بلغت كل فج عميق. فحينما نتحدث عن حسن أيت العاتي فاللسان يعجز عن التعبير ومهما عبرنا فإن الكلمات تخوننا فهو رجل الظل بإمتياز، أبدع وتفنن في صمت وبعيدا عن أعين الكاميرات، لكن اليوم فحلاوة لسانه تحولت إلى مرارة التهميش والنسيان والظلم والحيف الذي أرخى بظلاله على حياته، فجعله يصارع الموت لوحده ولا إلتفاتة لا من جانب المسؤولين؛ ولا من أصدقاء الأمس القريب؛ الذين أكلوا ونهشوا من لحمه ولحنه وكلماته حتى إرتوى عطشهم وإنتفخت بطونهم؛ ولم يتركوا منه سوى الجسد النحيف؛الذي يلبس ثوبا رثا بالكاد لا يستوي مع حجم جسده الهزيل الذي أنهكه التهميش والظلم، فقسمات وجهه تنوب عن لسانه للتعبير عن المعاناة التي يختلجها الفؤاد المنكسر؛ فهي تكن عن تضاريس الحياة وقساواتها؛ وبعينين غارقتان في جحرهما، وذابلتين كزهرة سرق أريجها الفواح غصبا، يحكي وتكاد الدموع تسقط من عيناه عن تجربته الفنية أيام الزمن الجميل؛ وكيف ساهم في مجد مجموعة“ايت العاتي”، فمن مهرجان إلى آخر ، وجهذه وعرق جبينه يتساقط كتساقط أوراق الخريف ولا يجني منه إلا دراهم معدودة؛بحكم إستحوذ سماسرة الفن على كل مهرجانات الجهة وأتوا على الأخضر واليابس؛ فبجبرتهم وكبريائهم المتعالي وغطرستهم لم يتركوا له حتى الفرصة للمطالبة بحقه القانوني على حد قوله، ولم يستفيد إلا من فتاث ما تبقى من المائدة حسب تصريحه لأخبارنا ، فبعد أن ضحى بالغالي والنفيس وسهر الليالي الطوال وبح صوته وإنتهت كل دفاتره ولم تنتهي كلماته كعين ماء معدني عذب يروي كل من أصابه ضماء الكلمات، ليجد اليوم نفسه لأحد يروي عطشه المادي والمعنوي، فهكذا يكون رد الجميل من جانب أصدقاء ورفاق الدرب؛ فرب قائل جزاء الإحسان إلا الإحسان. أما من جانب المسؤولين فالأمر أفضع بكثير فلا أحد من الجهات المختصة لا من النخب السياسية والاقتصادية والفنية إلتفت للرجل ليجد نفسه اليوم يتخبط بين دهاليز،التهميش والإهمال المظلمة، فالكل أولى ظهره لهذا الهرم الموسيقي تاركا إياه يتجرع ويجتر آلامه ومعاناته في صمت وينتظر قدره المحتوم؛ومن ينقده من الموت؛ ويرسم البسمة على محيا جمهوره الغفير .