يشهد المغرب في الآونة الأخيرة أزمة صامتة لكنها شديدة التأثير على عدد كبير من الأسر، وتتعلق بالانقطاع المتكرر لأدوية اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه "ADHD" من الصيدليات، وهي أدوية تعد أساسية في العلاج الطبي لهذا الاضطراب العصبي والسلوكي المنتشر في مرحلة الطفولة، هذا الانقطاع المتكرر الذي يطال أدوية مثل "الميثيلفينيديت" المعروف تجاريا ب"ريتالين"، يهدد الاستقرار الصحي والنفسي لمئات الأطفال، ويضاعف الضغط على أولياء الأمور الذين يجدون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع أزمة لا يتحملون مسؤوليتها، لكنها تنعكس بشدة على أبنائهم. في هذا الإطار، وجه رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، سؤالا كتابيا إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، نبه فيه إلى خطورة هذا الانقطاع المستمر، مشيرا إلى ما يترتب عنه من معاناة متفاقمة للأسر، التي غالبا ما تترك وحيدة في رحلة البحث عن الدواء داخل صيدليات لا تملك أجوبة، ولا قدرة على توفير العلاج. وأورد النائب البرلماني حالة مؤثرة لأم مغربية، لديها طفل يبلغ من العمر سبع سنوات مصاب باضطراب ADHD، عبرت عن استيائها العميق جراء اختفاء الأدوية الضرورية من الأسواق ما يؤدي إلى انتكاسات متكررة لحالة طفلها، ويجعل سلوكه أكثر اضطرابا، ويعرضه للتنمر من طرف زملائه داخل الفصل، بل ويهدد قدرته على الاستمرار في المدرسة. وأضاف حموني أن هذه الحالة ليست معزولة، بل تعكس واقعا عاما تعيشه شريحة واسعة من الأسر المغربية التي تجد نفسها عاجزة عن الاستجابة للحاجيات الصحية لأطفالها رغم ما تبذله من مجهودات مادية ومعنوية كبيرة. وأكد أن الأدوية المنشطة الخاصة بADHD تعد حجر الزاوية في العلاج الطبي لهذا الاضطراب، وأن الاستغناء عنها أو انقطاعها يؤدي إلى انتكاسات سريعة تشمل فقدان التركيز، تصاعد نوبات الغضب، اضطراب النوم، وتدهور الأداء المدرسي، إلى جانب تداعيات نفسية أعمق، من قبيل الشعور بالإقصاء والعزلة، وضعف الثقة بالنفس. وتشير الأبحاث العلمية والتوصيات الدولية، بما في ذلك تلك الصادرة عن منظمة الصحة العالمية والمعهد الوطني الأمريكي للصحة العقلية، إلى أن الأدوية مثل الميثيلفينيديت تلعب دورا محوريا في تحسين التركيز وتقليل فرط النشاط، مما يتيح للأطفال القدرة على التفاعل الإيجابي مع محيطهم، والانخراط في الحياة المدرسية والاجتماعية بشكل أفضل. كما تحذر من أن الانقطاع المفاجئ عن هذه الأدوية قد تكون له عواقب صحية وسلوكية خطيرة، إذ غالبا ما تعود الأعراض بشكل أقوى مما كانت عليه، مما يصعب من عملية إعادة الاستقرار، ويتطلب وقتا أطول للتدخل العلاجي مجددا. أمام هذا الوضع، دعا حموني وزارة الصحة إلى ضرورة التحرك العاجل لتأمين توفر هذا النوع من الأدوية بصفة منتظمة، وبأسعار معقولة تأخذ بعين الاعتبار القدرة الشرائية للأسر المغربية، خصوصا تلك التي تعيل أطفالا من ذوي الاحتياجات الخاصة. كما شدد على أهمية إرساء آلية دائمة لتتبع ومراقبة توفر الأدوية الحيوية في السوق الوطنية، وعدم ترك الأسر فريسة للقلق والمعاناة في مواجهة أزمات تكررت دون حلول ملموسة إلى حدود الساعة.