تغير المناخ أدى لنزوح ملايين الأشخاص حول العالم وفقا لتقرير أممي    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    مباحثات تجمع العلمي ونياغ في الرباط    أخنوش: تنمية الصحراء المغربية تجسد السيادة وترسخ الإنصاف المجالي    "أسود الأطلس" يتمرنون في المعمورة    الأحزاب السياسية تشيد بالمقاربة التشاركية للملك محمد السادس من أجل تفصيل وتحيين مبادرة الحكم الذاتي    رفض البوليساريو الانخراط بالمسار السياسي يعمق عزلة الطرح الانفصالي    تنصيب عمر حنيش عميداً جديدا لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط    الرايس حسن أرسموك يشارك أفراد الجالية أفراح الاحتفال بالذكرى 50 للمسيرة الخضراء    أخنوش يستعرض أمام البرلمان الطفرة المهمة في البنية التحتية الجامعية في الصحراء المغربية    أخنوش: الحكومة تواصل تنزيل المشروع الاستراتيجي ميناء الداخلة الأطلسي حيث بلغت نسبة تقدم الأشغال به 42 في المائة    إطلاق سراح الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وإخضاعه للمراقبة القضائية    تداولات بورصة البيضاء تنتهي "سلبية"    المعارضة تقدم عشرات التعديلات على مشروع قانون المالية والأغلبية تكتفي ب23 تعديلا    رسميا.. منتخب المغرب للناشئين يبلغ دور ال32 من كأس العالم    ندوة حول «التراث المادي واللامادي المغربي الأندلسي في تطوان»    مصرع شخص جراء حادثة سير بين طنجة وتطوان    أمن طنجة يُحقق في قضية دفن رضيع قرب مجمع سكني    نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية تترأس تنصيب عامل إقليم الجديدة    كرة أمم إفريقيا 2025.. لمسة مغربية خالصة    "حماية المستهلك" تطالب بضمان حقوق المرضى وشفافية سوق الأدوية    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتخذ سنة 2024 إجراءات مؤسسية هامة لتعزيز قدرته على تتبع الأداء (تقرير)    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    تدهور خطير يهدد التعليم الجامعي بورزازات والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر    تلاميذ ثانوية الرواضي يحتجون ضد تدهور الأوضاع داخل المؤسسة والداخلية    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    200 قتيل بمواجهات دامية في نيجيريا    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخوف من كلام الناس
نشر في أخبارنا يوم 19 - 01 - 2020


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه.. وبعد:
الخوف من كلام الناس، ظاهرة اجتماعية متفشية في المجتمع تربى عليها الصغير، وشاب عليها الكبير، وأصبحت هاجسا لدى كثير من الناس، ويُحسب لها ألف حساب، فأثَّرت سلبا على حياة كثير من الناس، فأثنت عزائم المجتهدين، وأوقعت البعض في ارتكاب الإثم المبين. والخوف من كلام الناس قضية اهتم بها الدين وضبطها. فهل الخوف من كلام الناس كله ممدوح أم مذموم؟ هذا ما أود الحديث عنه.

إن كلام الناس له تأثير عجيب على النفوس، قد يثني العزائم، ويعيق المسلم عن تحقيق الاستقامة في حياته، إلا أن له بعض الفوائد في منع المسلم من اقتراف ما لا يليق.

لقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بترك الشبهات وأماكن الريبة خوفا من الوقوع في كلام الناس، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ)، ومعنى (اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ): أي حفظ دينه صان عرضه من أن يتكلمَ الناسُ فيه، ولذلك عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم معتكفا في العشر الأواخر من رمضان في مسجده زارته ليلا أم المؤمنين صفية، ثم َقَامَ صلى الله عليه وسلم مَعَهَا ليوصلها، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ، مَرَّ رَجُلانِ مِنْ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ)، فَقَالا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا)، فالنبي صلى الله عليه وسلم دفع عن نفسه الريبة وكلام الناس عنه، ولعله فعل ذلك أيضا شَفَقَة عَلَيْهِمَا لأَنَّهُمَا لَوْ ظَنَّا بِهِ ظَنَّ سُوء كَفَرَا، فَبَادَرَ إِلَى إِعْلامهمَا بأنها زوجته لِئَلاَّ يَهْلِكَا؛ لذلك من رؤي مع زوجته في خلوة مريبة فرآه بعض أصحابه عليه أن يخبره بأنها زوجته لئلا يسيء الظن به فيتكلم الناس في عرضه.

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتنع أحيانا عن فعل بعض الأشياء خوفا من كلام الناس، ولكن معظم خوفه صلى الله عليه وسلم كان لصالح الدعوة الإسلامية. فقد روى جَابِرُ بن عبد اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ (أي ضرب رجل) مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ)؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: (دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ)، فَسَمِعَ بِذَلِكَ عبد اللَّهِ بن أُبَيٍّ، فَقَالَ: فَعَلُوهَا! أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : (دَعْهُ لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ) متفق عليه. فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من قتل المنافقين خوفا أن يتحدث الناس في مجالسهم، بأن محمدا يقتل أصحابه، فيمتنعون عن الدخول في الإسلام.

وذات يوم جاءت امرأة من قُضَاعَةَ تُدعى أمُ كبشة: فاستأذنت النبيَ صلى الله عليه وسلم أن تغزو معه، فقال لها: (لا)، فقالت: يا رسول الله إني أداوي الجريح، وأقوم على المريض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اجلسي، لا يتحدثُ الناسُ أنَّ محمدًا يغزو بامرأةٍ) أخرجه ابن سعد وصححه الألباني. فمنع مشاركتها في الغزو خوفا أن يعيره المشركون.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين يأمر الناس بأمر أو ينهاهم عنه، يحرص أن يكون أهل بيته أول من يعمل بذلك؛ ليكون هو وأهلُ بيته أسوة للجميع، فلا يترك ثغرة للمنافقين كي يتكلموا فيه أو في أهل بيته، كلنا يعلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان زاهدا ويأمر أهله بالزهد، فذات يوم رأى ابنته فاطمة رضي الله عنها لابسة سلسلة من ذهب أهداها لها زوجها علي بن أبي طالب t، فقال له صلى الله عليه وسلم : (يا فاطمةُ أيسُرُّك أن يقولَ الناسُ فاطمةُ بنتُ محمدٍ في يدِها سلسلةٌ من نارٍ)؟ فخرج ولم يقعدْ فعمدتْ فاطمةُ إلى السِّلسلةِ فباعتْها فاشترت بها نسَمةً فأعتقَتْها، فبلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: الحمدُ لله الذي نجَّى فاطمةَ من النارِ) رواه الحاكم والنسائي.

والخوف من أن يتكلم الناس فيك قد يكون ممدوحا إذا كان هذا الخوف يمنعك من الوقوع في أمور ينبذها عرف الناس وتقاليد المجتمع، ليس لحرمتها وإنما لكونها لا توافق الذوق العام، كمثل الذي يمتنع عن الخروج إلى الشارع بسراويله الداخلية، أو يمتنع من مضغ العلك في مجلس عام، خوفا من أن يتكلم الناس فيه فيسخروا منه ونحو ذلك؛ لذلك ينبغي للمسلم أن يسعى لحفظ عرضه وأن يبتعد عن كل ما يشينه ويعرضه لطعن الناس وغيبتهم.

ومن امتنع من الوقوع في أمر محرم أو منهيٍ عنه، خوفا من كلام الناس عليه، فهو لن يثاب على تركه لهذا المنكر؛ لأنه لم يتركه من أجل الله تعالى، وإنما تركه خوفا من كلام الناس أو لمكانته الاجتماعية، فالمرأة التي تمتنع عن التبرج خوفا من بطش زوجها أو انتقاد أهلها ومجتمعها لها، لن تثاب على تركها لهذا التبرج، لأنها لم تتركه لله -عز وجل-، فتخسر بذلك أجرا كبيرا، وقد قال صلى الله عليه وسلم (يَقُولُ اللَّهُ: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ) رواه البخاري.

ومن فعل طاعة خوفا من انتقاد الناس له، فضحه الله تعالى يوم القيامة، فالذي يصلي مثلا خوفا من أن يتكلم الناس عليه، سيفضحه الله تعالى يوم القيامة حينما يجعل ظهره طبقة واحدة فلا يستطيع السجود حين يؤمر الناس بالسجود، قال صلى الله عليه وسلم (فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ فَلا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلاَّ أَذِنَ اللَّهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً – أي اتقاء لكلام الناس عليه- إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ) رواه مسلم.

ويكونُ الخوف من كلام الناس مذموما إذا منعك عن فعل الخير واضطرك إلى ارتكاب المنهيات أو المكروهات، وهذا ما يكثر في حياة الناس اليوم. فهم لا يستجيبون لكثير من أوامر النبي صلى الله عليه وسلم إما اتباعا للهوى، أو خوفا من كلام الناس وانتقادهم، وكلا الأمران لن يقيا العبد من عذاب الله.

فانظر إلى كثير من الذين يطيلون ثيابهم إلى أسفل الكعبين، أجزم أنهم يعرفون حرمة ذلك، ولو سألت أحدهم لم لا تستجيبُ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي حذر بأن ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم أيضا (من وطئ على إزاره خيلاء وطئ في نار جهنم)، لرأيت لسان حاله يقول لك: أخاف انتقاد الناس لي، أو سخريتهم مني، فهو يخشى الناس ولا يخشى عقاب الله، ونسي قول الله تعالى } فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ{.

ولو سألت أحدهم لم تحلق لحيتك وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتركها؟ أو قل سنَّ النبي تركها وعدم حلقِها؟ حيث قال في الحديث المتفق عليه (خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ)؟ لرأيت لسان حاله يقول لك: أخاف انتقاد الناس لي، أو سخريتهم علي، ونسي قول الله تعالى: }أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ{.

وترى بعض الناس يبالغون في الإسراف في ولائم الزواج، ولو سألت أحدهم عن سبب إسرافه أو تبذيره، لوجدت أنه الخوف من كلام الناس؛ الخوف أن ينتقدوه أو يعيروه بأنه لم يؤدي واجب الضيافة، ولكنه لم يخف من بغض الله للمسرفين حيث قال: }وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ{. بينما سلمان الفارسي t حين دخل عليه ضيف، قدم له ما لديه ولم يتكلف له، فعلل فعله ذلك بقوله: لولا أنَّ رسولَ اللهِ نَهانا أو قال: لولا أنَّا نُهينا أنْ يتكَلَّفَ أحَدٌ لصاحِبِه لتكَلَّفْنا لكَ، فلم يخف من كلام الناس وانتقادهم، وإنما فعل ما يعتقد صوابه.

وترى بعض المغنيين يعلم بأنه يسير في طريق لا يرضي الله تعالى بغنائه ومجونه، وبعضهم يريد أن يقلع عن هذا الغناء، وبعضهم سمعنا عن توبته، ولكن سرعان ما عاد إلى غيه، والسبب: الخوف من كلام الناس، أو الخوف من أن يخسر جمهوره، أو الخوف أن ينتقدوه بعد أن صفقوا له لسنوات طويلة. فقد طلب رضاهم وخاف انتقادهم، ولم يطلب رِضَى الرحمن، وقد قال صلى الله عليه وسلم محذرا (مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ). ولنا عبرة في أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي امتنع عن دخول الإسلام رغم معرفته بالحق؛ خوفا أن تعيره العرب، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : (قلْ: لا إلَهَ إلاَّ اللَّه، أشْهَدْ لَكَ بِها يومَ القيامةِ)، قال: لولا أن تعيِّرَني قريشٌ، يقولون: إنَّما حملَهُ على ذلِكَ الجزَعُ لأقررتُ بِها عينَكَ، رواه مسلم. فخاف من كلام الناس وانتقادهم فهل نفعوه؟

وعلى مستوى الأمة دولاً وشعوبًا ومجتمعات، فقد تجد بعضها لا يطبق شرع الله ولا يحتكم إلى أوامر دينه، أو قد يستحي أن يعلن للعالم أنه يستمدُ تشريعاته من الإسلام إرضاءً للغرب، وخوفا من انتقاد منظمات حقوق الإنسان اليهودية التي تكيل بمكيالين. والله جل في علاه قد أخبرنا سلفا بقوله: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)، وترى البعض من هؤلاء يداهنون من فوقهم إرضاء ومجاملة لهم، ولو أوقعهم ذلك في سخط الله تعالى.
فلنعلم أن الذي يترك ما يحبه الله تعالى من أجل الناس، ويرتكب ما يغضب الله سبحانه خوفا من ألسنة الناس، أن هؤلاء الناس لن ينفعوك بشيء، فلن يدخلوا معك قبرك، ولن يثقلوا ميزان حسناتك، ولن يمسكوا بيدك للمرور على الصراط يوم القيامة، فاحرص على ما ينفعك، ودع الناس وكلامهم إن كان يصدك عن طاعة الله عز وجل.

ختامًا
فقد عرضت لكم خمسة أنواع من الخوف من كلام الناس، منها الممدوح وأكثرها مذموم،
النوع الأول: نوع واجب كمثل تجنب مواطن الريبة لنحفظ أعراضنا من كلام الناس.
النوع الثاني: خوف ممدوح يجعل المرء يمتنع عن فعل أشياء تعتبر معيبة في عرف الناس وتقاليد المجتمع. والعرف معتبر في أحكام الشريعة.
النوع الثالث: الامتناع عن فعل المعاصي خوفا من انتقاد الناس، فهذا لا أجر لتاركه؛ لأنه لم يتركه من أجل الله -عز وجل-.
النوع الرابع: فعل الطاعات خوفا من انتقاد الناس لك بالتقصير، فهذا يدخل فيه الرياء وعدم إخلاص العمل لله -عز وجل-.
والنوع الخامس: خوف مذموم يلجأ المرء إلى الوقوع في المحرمات والمنهيات خوفا من التعرض لانتقاد الناس، حتى أصبح البعض يخاف من كلام الناس، أكثر مما يخاف من الله تعالى، ويتقي كلام الناس أكثر مما يتقي النار، ولا شك أن هذا أمر محرم، لأن الله تعالى أحق أن يخشى ويتقى.

فالخوف من الناس ومن كلامهم، قضية يجب على المسلم، أن لا يأبه بها، ولا يجعلها مانعا له من فعل ما يقربه من الله تعالى، وما يبعده عن غضب خالقه ورازقه ومن سيقوم بحسابه، استجابة لقوله تبارك وتعالى }فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ{.

ولنعلم أنه لا مهرب من انتقادات الناس، فمهما فعلت فلن ترضي كل الناس، لذلك افعل الخير، ولا تخش كلام الناس فيك، افعل كل ما أمرك به ربك، ولا تجعل الخوف من كلام الناس وانتقادهم مانعا لك من طاعة الله. فكلام الناس لا يقدم ولا يؤخر، ولا يدخل جنة ولا نارا، ولا يسمن ولا يغني من جوع.

الله أسأل أن يلهمنا رشدنا ويبصرنا بعيوبنا، وأن يفقنا لصالح القول والعمل ويجنبنا الزلل.... وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.