وهبي: الحكومة عجزت عن حماية حياة الناس.. وأكره نقاش الإثراء غير المشروع    اتفاقية تجلب ميناء جديدا للصويرة    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (الجولة 1/المجموعة 4).. منتخب السنغال يفوز على نظيره البوتسواني (3- 0)    تكريم الفنان عبد الكبير الركاكنة في حفل جائزة النجم المغربي لسنة 2025    فجيج في عيون وثائقها    مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا    لاعبو الجزائر يشيدون باستقبال المغاربة    منتخب الكونغو الديموقراطية يستهل مشواره بفوز على نظيره البينيني (1-0)    وزير العدل: "القانون لا يسعف دائما" لتنفيذ أحكام الأجراء ضد شركات في أزمة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء قريب من التوازن    164 ألف صانع مسجلون بالسجل الوطني للصناعة التقليدية    تقتسم صدارة المجموعة الثانية رفقة جنوب إفريقيا .. مصر تنجو من كمين زيمبابوي بفضل خبرة صلاح    الهيئة الوطنية للمعلومات المالية.. تقديم التقرير السنوي برسم 2024 لرئيس الحكومة    تساقطات ثلجية وأمطار قوية بعدد من المناطق    إيطاليا تغر م شركة "آبل" أزيد من 98 مليون أورو لخرقها قواعد المنافسة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    بالأحضان يا أهل الكان ..وعلى بركة الله        منصة رقمية للطلبات والسحب عند الرشد .. تفاصيل الإعانة الخاصة لليتامى    فتح تحقيق مع 8 أشخاص متورطين في المضاربة في تذاكر الكان    الأغنية الرسمية لكان المغرب-2025 "AFRICALLEZ" أنشودة الوحدة    الولايات المتحدة توافق على أول نسخة أقراص من علاج رائج لإنقاص الوزن    تشجيعات المغاربة لمنتخب "الفراعنة" تحظى بإشادة كبيرة في مصر    الصحافة الإسبانية تشيد ب"كان المغرب" وتبرز جاهزية المملكة لكأس العالم    في عالم الخداع الشامل، يصبح قول الحقيقة فعلاً ثورياً    وزارة العدل الأميركية تنشر 8 آلاف وثيقة جديدة في قضية "إبستين"    إحباط محاولة لتهريب المخدرات بورزازات    "أكديطال" تستحوذ على مجموعة تونسية    قناة كندية تصنّف المغرب ضمن "سبع وجهات الأحلام" للسياح الكنديين نهاية العام    اضطراب جوي قوي يهم عدداً من مناطق المغرب والأرصاد تدعو إلى الحذر    اليوم العالميّ للغة الضّاد    "البيجيدي" ينبه إلى الأزمة الأخلاقية والتحكمية في قطاع الصحافة ويحذر من مخاطر الاختراق الصهيوني    كأس إفريقيا .. برنامج مباريات الثلاثاء    كأس إفريقيا للأمم فرصة ذهبية لتعزيز التنمية المندمجة    قناة كندية تصنف المغرب ضمن "سبع وجهات أحلام" للسياحة    بستة أصوات مقابل خمسة.. مجلس المستشارين يمرّر مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة وسط انتقادات لغياب البرلمانيين    ارتفاع أسعار الذهب إلى مستوى قياسي    النفط يتراجع مع تقييم الأسواق للمخاطر الجيوسياسية مقابل عوامل سلبية        تراجع مستمر في معدلات الإصابة بسرطان عنق الرحم ببلادنا    بنسبة %52.. نمو قياسي في مرافق شحن السيارات الكهربائية بالصين    دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    دراسة صينية: تناول الجبن والقشدة يقلل من خطر الإصابة بالخرف    ترامب يوجه تحذيرا جديدا إلى مادورو    كيوسك الثلاثاء | الحكومة تعالج ملفات الترقي والأقدمية والحراسة بالمستشفيات    غضب دانماركي وأوروبي من تعيين موفد أمريكي في غرينلاند وترامب يعتبر الجزيرة "حاجة أمنية"    إسرائيل تقتل ثلاثة عناصر من حزب الله    ميسور: حملة واسعة لتوزيع المساعدات الإنسانية لفائدة الأسر بالمناطقة الأكثر هشاشة بجماعة سيدي بوطيب    ماذا تريد الدولة من اعتقال الأستاذة نزهة مجدي؟    تراجع عن الاستقالة يُشعل الجدل داخل ليكسوس العرائش لكرة السلة... وضغوط في انتظار خرجة إعلامية حاسمة    في ندوة وطنية بأزمور لمختبر السرديات: الخطاب والمرجع في النقد المغربي    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    تيسة تحتضن إقامة فنية في الكتابة الدرامية والأداء لتعزيز الإبداع المسرحي لدى الشباب    وفاة الممثل الأمريكي جيمس رانسون انتحارا عن 46 عاما    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفقه الغائب.. ليس دفاعا عن الصحفية
نشر في العمق المغربي يوم 18 - 05 - 2019

قبل يومين، كتبت إحدى الصحفيات مقالا صحفيا بالجريدة التي تشتغل بها، لفتت فيه الأنظار إلى ظاهرة يعاني منها الجميع، ويشتكي منها الجميع؛ ألا وهي ظاهرة الفوضى التي تعم المجتمع في الكثير من مناحي حياته؛ وتبدو للعيان بشكل مقزز أحيانا في بعض المناسبات والمواسم.
فمقال الصحفية إذن يدخل ضمن انشغالات الكتاب والصحفيين والمهتمين بقضايا المجتمع وشؤونه، وهو من هذه الناحية لا غبار عليه، ولا إشكال في طرحه، وكل الناس كانوا سيتفقون مع الكاتبة فيما ذهبت إليه، ولكن ما أن انتقدت أمرا يرتبط بشعيرة “مقدسة” عند معظم الناس أكثر من غيرها من الشعائر الأَوْلى منها بالإجلال والتعظيم، حتى سالت أودية من الفحش في القول والفعل، جسدتها مواقع التواصل الاجتماعي في أبشع صورة.
لقد اندهشتُ – كما اندهش العديد من المتابعين- ولكن ليس من الكم الهائل من السباب والشتائم الذي وجه للكاتبة، فأنا أعيش في مجتمع أعي حجم الهوة الكبير بين المشاعر والعواطف التي تبدو دينية، وبين ردود الأفعال التي تكون بعيدة عن الدين بعد السماء عن الأرض، ولكن الذي أصابني بالدهشة هو بعض الأصدقاء الذين أعتبرهم “مثقفين” و”أخلاقيين”، كيف سمحت لهم أنفسهم النعيق مع الناعقين والسير مع القطيع، وكيل التهم الجزاف لصاحبة المقال، ووصفها بأقذع النعوت، والتي لا تليق بقائلها قبل الموجهة إليه.
لم أندهش لسيل الصور الخاصة جدا بحياة الكاتبة، والذي غزا مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن الذي أدهشني هو غياب الضمير الأخلاقي عند الكثير من رجال ونساء العمل الفكري والتربوي والثقافي والذين كانوا بالأمس القريب يدافعون عن الحرية الشخصيةللافراد، ويحذرون من اقتحام الحياة الخاصة للمواطنين، ويعتبرون ذلك مناقضا للدين والأخلاق، ومخالفا للقانون والدستور.
الواقعة أكدت بالملموس أننا نتعامل بتجزيئية مقيتة في مجال القيم والأخلاق، وبتطفيف في الميزان؛ فإذا أخطأ شخص محسوب علينا، دعينا إلى الستر، وغلبنا جانب العفو والصفح، وإذا “أخطأ” -بحسب فهمنا المتأثر بالخصومة- من يخالفنا انتهزنا الفرصة، وانتقمنا منه أبشع انتقام، ولم نراعي فيه حتى مبادئديننا الذي نصفه بالسماحة صباح مساء.
هذا التطفيف في الميزان هو الذي حذر منه الدين حينما يقول: “ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا”؛ وحينما توعد المطففين بالويل، “ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين”.
صحيح، إن المرء ليتعجب -فعلا- كيف زُين لهؤلاء مساوئ أعمالهم، فرأوها حسنة!؟ كيف ساغ لهم إفساد الميزان الذي قامت عليه السماوات والأرض، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة؟!
على هؤلاء وأمثالهم أن يعلموا أن بقاء هذا التوازن الذي جعله الخالق في الكون هو الذي يحفظ المجتمع من التشظي والتمزق؛ فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا أخطأ صاحبهم ستروه، وإذا أخطأ خصمهم فضحوه، فضيعوا بذلك القسطاس وأفسدوا الميزان، فحل بهم العذاب.
الواقعة من جهة أخرى أكدت بالملموس أن “المتدينين” بإمكانهم ارتكاب أفظع الجرائم ببرودة دم وبضمير مستريح ؛ ليس لأنهم أشرار، ولكن لأنهم هم الفئة الأكثر عرضة للتهييج والاستثارة؛ إنهم الفئة الأكثر “إخلاصا لمبادئها، والمستعدة للتضحية في سبيلها بالغالي والنفيس”، يحضرني في هذا الصدد قول أبي الفلسفة الحديثة : “وإن أكبر النفوس لمستعدة لأكبر الرذائل مثل استعدادها لأكبر الفضائل، والذين لا يسيرون إلا جد مبطئين يستطيعون حين يلزمون الطريق المستقيم أن يسبقوا كثيرا من يعدون”.
الواقعة من جهة ثالثة أكدت بالملموس أن ما يحدث في بعض البلدان من تطاحن بين الفرقاء المختلفين -والدينيين أحينا- ليس سينما هوليودية، ولا صناعة صهيو-أمريكية، ولكنه حقيقة مخفية، وموجودة في كل البلدان غير المحصنة من الفكر المتطرف؛ ولا تنتظر إلا الفرصة المواتية لتدمير كل شيء.
علينا ألا نستهين بما وقع للكاتبة، فهو إنذار شؤم بأننا لم نتمكن بعد من بناء ثقافة الاختلاف، فبالأحرى-وهو ما يطمح إليه كل مثقف حقيقي- تحويل التنوع الفكري والثقافي في بلادنا إلى عنصر ثراء وقوة وغنى.
* أستاذ مادة التربية الإسلامية، وباحث بسلك الدكتوراه، فاس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.