الجمعية العامة تواجه رهانات تقرير غوتيريش حول الصحراء بمفاهيم متناقضة    "ماستر كارد" تبرز مسار التحول الرقمي    افتتاح قاعة رياضية متعددة التخصصات بمدينة الحسيمة لفائدة أسرة الأمن الوطني    الوزيرة بن يحيى ترفع ميزانية "جائزة التميز" وتوسعها ترابيا    واردات الحبوب بالمغرب تتراجع 11% في سبعة أشهر    نفاد تذاكر مباراة المغرب والنيجر ساعات بعد طرحها    مدرب رينجرز يؤكد اقتراب رحيل حمزة إيغامان    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    حادثة انقلاب حافلة بأزيلال تصيب 20 راكبًا    حالة طوارئ أمنية بعد العثور على مسدس بطنجة    المغرب ثالث أكبر دولة إفريقية من حيث عدد المليونيرات    الزاوية الكركرية تنظم الأسبوع الدولي السابع للتصوف بمناسبة المولد النبوي الشريف    من طنجة إلى الكويرة.. بوريطة: المغرب يفتح بوابة الأطلسي لأشقائه في دول الساحل    اضطراب النوم يضاعف خطر الانتكاسات لدى مرضى قصور القلب (دراسة)    قبل انطلاق البطولة.. اتحاد طنجة يراهن على باركولا وماغي لتغيير وجه الموسم    الإعلان عن مشاركة سفينتين مغربيتين في مبادرة جديدة عالمية لكسر الحصار عن غزة    المحكمة تؤجل البت في طلب السراح المؤقت للناشطة ابتسام لشكر لهذا السبب    بجماعات سيدي عابد وأولاد غانم وسيدي إسماعيل.. عامل الجديدة يدشن مشاريع تنموية واجتماعية جديدة    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين 2024 (نصف النهائي).. "تأهلنا إلى النهائي جاء عن جدارة أمام منتخب السنغال القوي" (طارق السكتيوي)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة وفيات التجويع إلى 313 بينهم 119 طفلا    من تندوف إلى سوريا والساحل.. مسار مرتزقة البوليساريو في خدمة إيران والجزائر    القطاع النقابي "للعدل والإحسان" يطالب بسحب مشروع قانون التعليم العالي وإعادته لطاولة الحوار    ذكرياتٌ فى ذكرىَ رحيل الأديب عبد الكريم غلاّب    موناكو تستضيف قرعة دوري الأبطال.. 36 فريقا يتنافسون على المجد الأوروبي    زخم ثقافي وحملات بيئية يميزان صيف العاصمة الاقتصادية    مجاهد: "سيني بلاج" قيمة مضافة للمشهد السينمائي المغربي    بطولة أمريكا المفتوحة لكرة المضرب.. الأمريكية كوكو جوف تتأهل إلى الدور الثاني    اختتام فعاليات المهرجان الثقافي والفني والرياضي الأول بالقنيطرة باستقطاب 750 ألف متفرج خلال أربعة أيام    حزب الاستقلال يدين محاولات خصوم المملكة التشويش على النجاحات التي تحققها بلادنا    إدارة الجمارك... محجوزات السجائر المهربة تناهز 254 ألف وحدة في 2024    مدرب مانشستر يونايتد يكشف عن تطورات حالة نصير مزراوي    عائلة وأصدقاء أسيدون أسيدون يعلنون صعوبة وضعه الصحي ويطالبون بتكثيف الجهود للكشف عن حقيقة ما حدث له    مقتل 13 مسلحا في جنوب شرق إيران    الدنمارك تستدعي دبلوماسيا أمريكيا    ماذا تريد بعض الأصوات المبحوحة في فرنسا؟    ترامب يرأس اجتماعا في البيت الأبيض بشأن الأوضاع في "غزة ما بعد الحرب"        خطوبة كريستيانو وجورجينا تثير تعليقات متناقضة في السعودية    1720 قرصا مخدرا وشواهد طبية مزورة تقود لتوقيف شاب وشقيقته    الصين تنظم النسخة ال25 من معرضها الدولي للاستثمار في شتنبر المقبل    تقرير: النساء يتقاضين أجورا أقل من الرجال ب42% في القطاع الخاص    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء            صحيفة إسبانية: المغرب ضمن أكبر 15 مصنعاً للسيارات في العالم بطاقة إنتاجية مليون سيارة سنة 2025    عبد السلام حكار يتولى رئاسة جمعية ''اتحاد مقاولات المنابر الملائمة بالجديدة    اختتام الدورة الثانية لمهرجان الموروث الثقافي بجماعة الحوزية بايقاعات روحانية و عروض للتبوريدة    مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد يصدر تقريره السنوي لسنة 2025 حول الجغرافيا السياسية لإفريقيا    هؤلاء يبيعون لك الوهم ..    جلالة الملك يعزي أسرة الإعلامي الراحل محمد حسن الوالي    المغرب ‬‮:‬ ‬حملات ‬تقتضي ‬رفع ‬درجات ‬الحذر    تقرير أممي: ربع سكان العالم يفتقرون إلى مياه شرب آمنة    الصين تحقق سابقة عالمية.. زرع رئة خنزير معدل وراثيا في جسد بشري    ينقل فيروسات حمى الضنك وشيكونغونيا وزيكا.. انتشار بعوض النمر في بلجيكا    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نافذة على المشهد التعليمي
نشر في العمق المغربي يوم 26 - 02 - 2024

بمصادقة الحكومة على مرسوم النظام الأساسي وما يرتبط به من مراسيم، تنتهي معركة "نظام المآسي"، وتنتهي معها، واحدة من أقوى الحركات الاحتجاجية في تاريخ التعليم العمومي، على الأقل في العقود الأخيرة، لما ميزها من تعبئة جماعية غير مسبوقة، وما طبعها من إحساس فردي وجماعي بالحكرة والإقصاء والتهميش في أوساط الشغيلة التعليمية بكل فئاتها ومستوياتها، وككل معركة، فقد خلفت معركة نظام المآسي جملة من الخسائر، التي لا أحد اليوم، يستطيع تقدير كلفتها التعليمية والبيداغوجية والتربوية والسلوكية والاجتماعية والمادية، وتداعياتها المباشرة على المدرسة العمومية، وعلى صورة ومصداقية المنظومة التعليمية العمومية في محيطها الإقليمي والدولي، وهي الخسائر التي كان بالإمكان تفاديها، لو حضر العقل والتبصر، وحضرت معهما المصلحة العليا للوطن، التي لا يمكن البتة، أن تقاس بمقياس الربح والخسارة أو بخطاب التحكم وكسر العظام...
معركة اليوم بعد طي ملف النظام الأساسي، لابد أن تطال مسألة تجديد وملاءمة المناهج والبرامج الدراسية، في ظل ما شهده المغرب من تحولات عميقة متعددة الزوايا خلال العقدين الأخيرين، واستحضارا للمتغيرات الإقليمية والدولية وما أفرزته من قضايا دولية معاصرة، لابد أن يكون لها "موضع قدم" ضمن أية مراجعة تطال المناهج والبرامج، واعتبارا لبروز تحديات جديدة تسائل واقع ومستقبل المنظومة التعليمية الوطنية، من قبيل الثورة الحاصلة في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال، والمعلوميات والذكاء الاصطناعي والمهارات الناعمة وغيرها، وفي هذا الإطار، نوجه البوصلة نحو الوزارة الوصية على القطاع، ومن خلالها نحو "اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج"، التي لابد لها أن تتحمل مسؤولياتها "المواطنة" في تقديم مقترحات بناء جيل جديد من المناهج والبرامج الدراسية، من شأنها الدفع في اتجاه تحرير المدرسة الوطنية العمومية، مما عليه من بؤس وتواضع وانغلاق، وتضعها على سكة الإقلاع التربوي المأمول، وفق رؤية متبصرة، تستحضر خصوصيات الواقع السياسي والاقتصادي والثقافي والسوسيومجالي، وتستوعب في ذات الآن، ما بات يطرحه عالم اليوم، من رهانات وتحديات آنية ومستقبلية، تقتضي مناهج وبرامج "مرنة" و"متفتحة" صانعة للأمل والحياة، ومساهمة في بناء أجيال متشبعة بالقيم الوطنية والدينية والإنسانية، قادرة على التموقع الآمن والواعي، في عالم يتغير باستمرار؛
ولا يمكن البتة، الحديث عن تجديد وملاءمة المناهج والبرامج، دون ربطها بتخفيف الزمن المدرسي والايقاعات المدرسية، لما شكلته الساعات الأسبوعية المعتمدة منذ سنوات، من إرهاق ومتاعب بالجملة، للمدرسين والمتعلمين على حد سواء، في ظل هيمنة برامج دراسية أسيرة "كم " عصي على الفهم والإدراك، يكرس ليس فقط، صور الرتابة والبؤس والتواضع، بل ويقتل روح الخلق والإبداع والابتكار، في سياقات وطنية ودولية، تفرض تعليما عصريا، يرتبط بالراهن ويمضي قدما نحو المستقبل بعناية ودقة وثبات؛
وفي هذا الإطار، يكفي قولا، أن المدرسين يدخلون كل سنة في سباق ضد الساعة لإنهاء البرامج الدراسية "العقيمة"، خاصة في المستويات الإشهادية، وأن المتعلمين يدرسون يوميا، ما بين 6 إلى 8 ساعات يوميا، تضاف إليها ساعات أخرى ليلية، في مراكز الدعم التربوي، التي تناسلت كالفطريات في السنوات الأخيرة، وهذا الواقع المأسوف عليه، يجعلنا ليس فقط، أمام متعلمين "أشبه بالآلة"، يدرسون ما يقارب 10 إلى 12 ساعة يوميا، موزعة بين الحصص النظامية وحصص الدعم التربوي، بل وأمام "تعليم موازي"، يقتات على أزمة المدرسة العمومية، ويتمدد بشكل مخيف، يفرض دق جرس الإنذار، صونا للمنظومة التعليمية الوطنية، من أن تطالها أيادي الأنانية والجشع والطمع والاسترزاق...
معركة اليوم، لا يمكن اختزالها فقط، في تجديد وملاءمة المناهج والبرامج، ولابد أن تكون معركة مفتوحة متعددة الزوايا، تتسع دائرتها لتستوعب "الوسائل الديدكتيكية" في زمن الرقمنة وتكنولوجيا الإعلام والاتصال والذكاء الاصطناعي والمهارات الحديثة، و"إعادة النظر في الكتاب المدرسي" و"أنماط التدريس" و"طرائق التقويم"، في زمن التحول الرقمي، الذي أحدث ما يشبه "الانقلاب الناعم" داخل المنظومات التربوية عبر العالم، وفرض ويفرض اللجوء إلى خيارات تعليمية بديلة، أو على الأقل موازية لنمط التعليم التقليدي/ الحضوري، بما يضمن إدماج المتعلمين في صلب ما حدث ويحدث من تحولات ومتغيرات تعليمية وبيداغوجية؛
كما تتسع المعركة، لتلامس واحدة من المعضلات الكبرى التي تواجه المدرسة العمومية، ويتعلق الأمر بالاكتظاظ الذي بات لا يطاق في السنوات الأخيرة، وفي هذا الإطار، ومهما كانت جودة المناهج والبرامج والوسائل، فلن يتم تحقيق أي إقلاع تربوي، ما لم يتم التخفيف من عدد المتعلمين داخل الفصول الدراسية، إلى حدود 30 متعلما على أقصى تقدير داخل كل فصل دراسي، وبمفهوم المخالفة، كلما حضر معطى "التخفيف" داخل الفصول الدراسية، كلما، حضر المناخ الملائم للتعلمات، من ضبط وهدوء وأريحية ومسؤولية والتزام واطمئنان، وبتعبير أدق، فالمدرس/ة لما يتموقع داخل فضاء فصلي تتجاوز ساكنته الأربعين متعلمة ومتعلم، تستنزف قدراته، في عملية الضبط وفرض النظام، بما يساعد على تحريك عجلات التعلمات، بكل ما لهذه المهمة الشاقة، من آثار نفسية وصحية، خاصة في ظل تنامي ثقافة انعدام المسؤولية والتهور والاتكالية والعبث، في أوساط شرائح واسعة من المتعلمات والمتعلمين، مع وجود الاستثناء بالطبع، وواقع متعب من هذا القبيل، يجعل من "الضبط" أولوية الأولويات، أما جودة التعلمات، فلابد أن نعترف أن عودها، لا يستوي ولا يمكن البتة أن يستوي، داخل فصول دراسية مكتظة أشبه بعلب السردين، وفي أوساط متعلمات ومتعلمين، معاقين معرفيا ومنهجيا وسلوكيا وقيميا وأخلاقيا؛
وسواء تعلق الأمر بتجديد وملاءمة المناهج والبرامج الدراسية، أو بالتخفيف من ساعات العمل الأسبوعية، أو بالتخفيف من معضلة الاكتظاظ، لا مناص من النهوض بواقع حال المدرسة العمومية، التي باتت صورتها مقرونة بالبؤس والرتابة وانعدام شروط الجاذبية، عبر الارتقاء ببنيات الاستقبال، وفي هذا الإطار، نقترح التفكير في بناء جيل جديد من المؤسسات التعليمية وفق معايير ومواصفات عصرية، لا على مستوى الفضاءات والمرافق، ولا على مستوى الفصول الدراسية، أما المؤسسات التعليمية القائمة، فهي في حاجة ماسة إلى التأهيل، عبر إعادة النظر في محيطها الخارجي ومداخلها الرئيسية، وفضاءاتها الخضراء وساحاتها، وملاعبها الرياضية ومرافقها الصحية وحجراتها الدراسية، ومختبراتها العلمية، ومعداتها ووسائلها الديدكتيكية، وأنشطتها الفنية والإبداعية والتواصلية والإشعاعية وغيرها، حتى تكون مدارس للأمل والإبداع والابتكار والحياة...؛
مع ضرورة التنبيه، أن إصلاح البيت التعليمي، لا يمكن حصره فقط، في دائرة صانعي القرار التربوي في أبعاده الوطنية والجهوية والإقليمية والمحلية، بل هو قضية وطنية ثانية، بعد قضية الوحدة الترابية للمملكة، تسائل الجميع ولابد أن يتحمل وزرها الجميع، من دولة وحكومات متعاقبة ومؤسسات وسلطات ترابية ومنتخبة، ومن مجتمع مدني ومؤسسات تنشئة اجتماعية وفي طليعتها الأسر، على أمل أن ننام ونفتح أعيننا أمام فضاءات مدرسية عمومية، تحلق في سمائها، نوارس الجودة والريادة، بعد سنوات عجاف من البؤس والتواضع والرتابة ...، ولا يمكن أن نختم المقال، دون التنصيص على ضرورة إحاطة الشغيلة التعليمية بما تستحقه من عناية واحترام وتقدير وتحفيز، لأنها لاعبا محوريا في الإصلاح وشريكا أساسيا فيه، بعيدا عن أي خطاب جانح نحو التحكم والاستقواء والانتقام وكسر العظام...، والدفع في اتجاه السعي المشترك، لتحقيق مصالحة حقيقية داخل القطاع، تعجل بعودة الموقوفات والموقوفين إلى الفصول الدراسية، من أجل مدرسة عمومية نتمناها أن تكون رائدة "شكلا" و"مضمونا"، ومن أجل بهاء وطن عزيز، لن يرتقي ولن يسمو، إلا بتعليم عصري ناجع وفعال...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.