كشفت مناقشة ميزانية 2026 أمام ممثلي الأمة بالبرلمان، عن صلابة توجهات حكومة-أخنوش وقدرتها على الوفاء بالخيارات التي أعلنتها منذ توليها المسؤولية. فعلى الرغم من المفاجئات الظرفية، والاضطرابات المناخية والطبيعية التي عرفتها بلادنا، فإن ذلك لم يحل دون مواصلة مسار تنموي خطي، وتقديم الأجوبة الاقتصادية والاجتماعية اللازمة، وجعل "المواطن المغربي" هو الفائز الحقيقي داخل معترك التنمية الوطنية. هذه الانطلاقة الحاسمة في مسارنا التنموي، لم تأتي من فراغ، بل هي نتيجة مباشرة لتفاعل العديد من الركائز الرئيسية؛ انطلاقا من وضوح الالتزامات السياسية التي تتسم بالجدية والواقعية، ومرورا بمنهجية-عمل مؤسساتية حديثة، ووصولا إلى مؤشرات اقتصادية سليمة استطاعت أن تحافظ على استقرارها رغم توالي الصدمات. كل هذه الدعامات، شكلت فرصة طموحة أمام المغرب والمغاربة للانتقال إلى عتبة جديدة للنمو، وكتابة فصل من فصول التاريخ الوطني بعناوين اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة، بل ستبقى منجزاتها راسخة في أذهان المجموعة الوطنية والأجيال الصاعدة. إذ بغلاف إجمالي يقدر ب 380 مليار درهم مخصصة للاستثمار العمومي، وبنسبة نمو يتوقع أن تناهز 4,6%، تشرع الحكومة في استكمال الإصلاحات الهيكلية الكبرى واحتضان الطموحات الوطنية. حيث أصبحت المالية العمومية مصممة حسب انتظارات الأسرة المغربية، وصمام أمان في وجه تقلبات الحياة اليومية للمواطنين، في مجالات رفع قيمة الأجور كما في دعم القدرة الشرائية، وفي التعليم العمومي كما في الخدمات الاستشفائية والتغطية الصحية. أما في الجانب الاقتصادي، فإن ما تحقق دليل واضح يؤكد صوابية الاختيارات التي انخرطت فيها بلادنا، وقدرتها الكبيرة على رفع التحديات واستشراف المستقبل بكثير من الأمل والثقة في المستقبل. ذلك أن تحفيز الاستثمار ومواكبة الاوراش القطاعية الواعدة؛ كالصناعة والسياحة ودعم القطاع الفلاحي ومواصلة جيل مبتكر من البنيات التحتية في الطرق واللوجيستيك والماء والرياضة؛ وهي دعامات من أجل خلق مزيد من الثروة وتعزيز مستوى التشغيل الجيد والمستدام حفاظا على الكرامة وتكافؤ الفرص. في المقابل ستكون السنة المالية المقبلة، عنوانا لجيل جديد من برامج التنمية الترابية التي تلتقي محاورها حول شرعية الإنجاز المحلي وترجمة السياسات القطاعية إلى واقع ترابي ملموس، والتي ستعطي الأولوية لقضايا الماء وتشغيل الشباب مع جعل إصباغ طابع الولوجية والكرامة على الخدمات الأساسية والاهتمام الأمثل بالمراكز القروية الصاعدة والمناطق الجبلية والواحية. وإذا كان من الأكيد أن مجمل هذه المداخل ستساهم في تعزيز الرأسمال البشري والاقتصادي الوطني، إلا أنها تبقى في أمس الحاجة إلى بيئة سياسية وثقافية حاضنة وتغيير في العقليات، بما يساهم عمليا في إنتاج المعاني الاجتماعية الحقيقية وإحداث المنعطفات الضرورية في الحياة اليومية للإنسان المغربي استنادا إلى التوجيهات الملكية السامية في خطبه الأخيرة. *باحث وفاعل سياسي