استمرار نزول الأمطار في توقعات طقس الجمعة    شركة الطرق السيارة تعلن عن افتتاح مفترق سيدي معروف في وجه مستعملي الطريق السيار القادمين من الرباط والمحمدية    تمرير الجزء الأول من قانون المالية    "كاف" تطرح المزيد من تذاكر "الكان"    جنوب إفريقيا تتشدد ضد فلسطينيين    تحطم مقاتلة يصرع طيارين في روسيا    الجيش الأمريكي ينفذ "الرمح الجنوبي"    العامل حشلاف يقف على كل ورشات مشاورات التنمية المندمجة بشفشاون وسط تنويه بحرصه وبدايته الموفقة    الركراكي ينهي الاستعدادات للموزمبيق    رئيسة ميناء خليج قادس ترغب في تعزيز خطوط بحرية جديدة مع المغرب    وزارة الصحة ترد على انتقادات بووانو وتوضح موقفها من "صفقات الأدوية" والممارسات داخل المصحات الخاصة    باك ستريت بويز في قُبّة Sphere لاس فيغاس: جيل الألفية وتحوُّلات العالم بين الحنين والإلهاء    باها: "منتخب U17" جاهز للقاء أمريكا    "أنفاس شعرية" في بيت الشعر في المغرب    580 ألف مستفيد من الدعم المباشر لمربي الماشية توصلوا بأزيد من 2 مليار درهم وفقا للوزير بايتاس    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة خلال 24 ساعة الماضية    السفير عمر هلال لقناة الغد: موقف المغرب بعد قرار 2797 واضح «الحكم الذاتي هو الأساس ولا شيء غيره» و سيادة المغرب «خط أحمر»    المنتخب المغربي يحط الرحال بطنجة استعدادًا لمواجهة الموزمبيق وديا    النيابة العامة بطنجة تضع «التيكتوكر آدم ووالدته» تحت الحراسة النظرية    أنظار جماهير الكرة تتجه إلى ملعب طنجة غداً الجمعة وسط توقعات بحدث "استثنائي"    أموال ومخدرات.. النيابة تكشف "العلاقة الوطيدة" بين الناصري و"إسكوبار الصحراء"    علم الوراثة الطبية.. توقيع اتفاقية شراكة بين مركز محمد السادس للبحث والابتكار والجمعية المغربية لعلم الوراثة الطبية    "أرسل صوراً لك ولطفلك، اجعلني أبتسم".. رسائل تكشف علاقة ودية جمعت توم براك وإبستين    بنعليلو يقارب الفساد بالقطاع الخاص    إطلاق بوابة «ولوج الملعب» لتقديم معلومات آنية بشأن ملعب طنجة الكبير    بايتاس: "النفَس الاجتماعي" خيار استراتيجي.. و580 ألف "كسّاب" توصّلوا بالدعم    تداولات بورصة البيضاء تنتهي خضراء    الاتحاد الأوروبي يستعد لإعادة التفاوض حول اتفاق الصيد البحري مع المغرب بعد قرار مجلس الأمن الداعم للحكم الذاتي    بنك المغرب: تحسن في النشاط الصناعي خلال شتنبر الماضي    الاتحاد الجزائري يتحرك لضم إيثان مبابي…    المصادقة على تعيينات جديدة في مناصب عليا    بوعلام صنصال.. انتصار الكلمة على استبداد النظام الجزائري    على هامش تتويجه بجائزة سلطان العويس الثقافية 2025 الشاعر العراقي حميد سعيد ل «الملحق الثقافي»: التجريب في قصيدتي لم يكن طارئاً أو على هامشها    قصيدتان    سِيرَة الْعُبُور    الفريق الاستقلالي بمجلس النواب يشيد بالقرار الأممي حول الصحراء ويؤكد دعمه لقانون المالية 2026    المسلم والإسلامي..    سقطة طبّوخ المدوّية    الترجمة الفلسفية وفلسفة الترجمة - مقاربة استراتيجية    اختبار مزدوج يحسم جاهزية "أسود الأطلس" لنهائيات كأس إفريقيا على أرض الوطن    امطار متفرقة مرتقبة بمنطقة الريف    نجاح واسع لحملة الكشف المبكر عن داء السكري بالعرائش    ثَلَاثَةُ أَطْيَافٍ مِنْ آسِفِي: إِدْمُون، سَلُومُون، أَسِيدُون    تقرير رسمي يسجل تنامي الجريمة في المغرب على مرّ السنوات وجرائم الرشوة تضاعفت 9 مرات    المغرب يستأنف الرحلات الجوية مع إسرائيل اليوم الخميس    قمة المناخ 30.. البرازيل تقرر تمديد المحادثات بشأن قضايا خلافية شائكة    موريتانيا تُحرج البوليساريو وترفض الانجرار وراء أوهام الانفصال    كيوسك الخميس | المغرب يضاعف إنتاج محطات تحلية المياه عشر مرات    دراسة: لا صلة بين تناول الباراسيتامول خلال الحمل وإصابة الطفل بالتوحد    انبعاثات الوقود الأحفوري العالمية ستسجل رقما قياسيا جديدا في 2025    برنامج طموح يزود الشباب بالمهارات التقنية في مجال الطاقة المستدامة    تعاون أمني مغربي–إسباني يُفكك شبكة لتهريب المخدرات بطائرات مسيرة    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في دَوْرِ الشِّعْرِ والشَّاعِر......
نشر في طنجة الأدبية يوم 08 - 06 - 2009

( في البَدْءِ أُنوِّه أن هذهِ المَقَالَة مَحْصُورة فَقَطْ بالحديثِ عن الشِّعْرِ الحَقِيقيّ المَكْتُوب بالفُصْحى )
...... فَنُّ الشِّعْر لَيْسَ بفَنٍّ مُسْتَطرأ على الحَياةِ أو مُكَمِّل أو تَرْفيهيّ فهو يُلخِّص في مَراحِلِهِ التاريخ البَشَريّ بكُلِّ انْدِحاراتِهِ ورُقِيهِ وتطورهِ ، بل هو فَنٌّ حقّ وأَصيل نابِع من الحَياةِ والفِكْر البَشَريّ ومُرافِقٌ للمَسِيرةِ الإنْسَانيَّة ومُعبِرٌ عنها ، ويَتساوَى في القِيمةِ والأهميةِ مع العُلومِ الإِنْسَانيَّة والمَعَارفِ الأُخْرَى كالطُّبِّ والهَنْدَسَةِ والتَّعْلِيم ..... إلخ ، ويَسِيرُ جنباً إلى جنب مع باقي الفُنُون الأُخْرَى كالغِناءِ والرَّسْمِ والمُوسيقى والنَّحْتِ والطَّرْقِ على النُّحَاسِ والتَّمْثِيلِ ، وهو جُزْءٌ تامٌّ غَيْر مَنْقُوص أو مَقْرُوض يَتكامَل مع بَقِيَّة الأَجْزاءِ المَذْكُورَة أَعْلاه لتُشْكِل كُلّ الأَجْزاء معاً اللَّوْحة الحَياتيَّة وخارِطة الإنْسَانيَّة بكُلِّ شُموخِها وانْكِساراتِها وأفراحِها وآلامها ورُقِيها وتَباطُؤها ...... هو لَيْسَ أَهمُّ الأَجْزاء ( كما أن أَيّ جُزْء من الأَجْزاءِ الأُخْرَى لن يكُون أَهمُّ الأَجْزاء ) ، لكِنّهُ ببساطة جُزْءٌ يَتساوَى في الأهميةِ مع بَقِيَّة الأَجْزاءِ من العُلومِ الأُخْرَى من طُبٍّ وهَنْدَسَةٍ وزِراعةٍ وعُلوم ..... إلخ المُكَمِّلة بدَوْرِها للَوْحةِ الإنْسَانيَّة الحَياتِيَّة بكُلِّ عُيُوبِها ومَحاسِنِها ويَتَكافَأُ معها ، فكُلُّ جُزْءٍ يُؤَدِّي دَوْرَه ووَظِيفَته في مَجَالِهِ ..... كُلٌّ يَبْني الحَياة في جَانبِهِ ليتداخَل مع كُلِّ الأَجْزاءِ الأُخْرَى ويَتَلاحَم معها وتُشْكِل الصُّورَة النهائيَّة ...... لايُمْكِنُ إلغاء دَوْر المُرشِدين ولا المُفَكِّرين ولا الفَلاسِفة ولا الأَطِبَّاء .... إلخ ، هكذا أيضاً لايُمْكِن إلغاء دَوْر الشِّعْر والشُّعَراء في بِنَاءِ الحَياةِ وتَشْكِيل تَصَوُّر عن أُمُورٍ مُخْتَلِفَة والسَّعْي للاشْتِغَال في بِنَاءِ وُجْهَاتِ نَظَر تَخُصُّ الشُّعُوب أو الأَفْراد ، أي تبلور الفِكْرَة المَطْلُوبة والقَنَاعَة وتَقُودُ إلى تَأْطِيرِها وتَقْدِيمِ المُعَالَجَة وكَشْفٍ للمَعْرِفَةِ عن الحالِ الإِنْسَانيّ والكَوْن .........
إن مُحاوَلَة إلغاء دَوْر الشَّاعِر ووَصْف دَوْرَه بالكَمَاليّ أو التَرْفيهيّ هو إجْحاف فبأيّ مِقْياس يُمْكِن الجَزْم بأَن دَوْر الطَبِيب أرْفَع شَأْناً وتَأْثِيراً من دَوْرِ الشَّاعِر وأن بدُوْنِهِ لاتُبْنَى الحَياة وغِياب الشُّعَراء عنها لايُؤَثِّر قَطْعاً ؟ .........
إن اللَّوْحةَ المَرْسُومة بلَوْنٍ واحد هي لَوْحة باهِتة غَيْر مُتَعدِّدة المعالم والاتجاهات وأُحادية النَّزَعَة وغَيْر واضِحة المَلامِح ، بَيْنَما الحَياة هي لَوْحة مُتَعدِّدة الألْوان والأَطْراف والزَوايا ، لكُلِّ لَوْنٍ بصمتِهِ الخاصَّة والمُمَيَّزة ، ولكُلِّ زاوِيَةٍ مَنْظُورها ولكُلِّ طَرَفٍ تَأْثِيره في اتجاهٍ مُعَيَّن ، قد يَخْتَلِفُ الكَثِيرون على قِيمة الشِّعْر في الحَياةِ وأيَّاً كان هذا الاخْتِلاف فإنِّه يُؤشِّر لصالِحِ الشِّعْر وأهميتهِ في كُلِّ الأَحْوال .
إن الشِّعْر لَيْسَ هروباً من الواقِعِ والإِحْباطات كما يَتَصَوَّر البَعْض ( وإلا لما وَجَدْنا كِتابات جادَّة تُعالِجُ الواقِع وتُعِيدُ تَفْكِيكهُ وتُعَرِّيه لكَشْفِ الحَقِيقَة ) لأنَّهُ من صَميمِ الواقِع ومُصَوِّر له ومُرْتَبِط بهِ ومُسْتَفِيدٌ من النَّسْجِ الخَيَالي لمُحَاكاةِ الواقِع وتَصْوِيرهِ وكَشْفِهِ وبَيانِهِ والإِفْصاح عنه في تعابِير لغَوِيَّة ذكيَّة قادِرة على التَّأْثِيرِ والدَّيْمُومَةِ والتَّوَسُّعِ وبمَشاعِر ناطِقة نابِضة ، فالمُعاناة عِنْد الشاعِر تتَشَكَّل أَلَماً أو فَرَحاً أو حُزْناً أو اسْتِنْكاراً أو تَرَنُّماً بالحَياةِ ..... إلخ وهو يَقُودُ بهذا الآخرين إلى رُؤْيَةٍ أوْسَع للأُمُور وآفاقٍ أُخْرَى ، لَيْسَ بالضَّرُورَةِ أن تتطابق مع وُجْهَاتِ نَظَر الجَمِيع لكِنّهُ يَعْرِضُ وُجْهَاتِ النَّظَرِ المُمْكِنة ، ويَفْتَحُ نافِذة واسِعَة على حَدِيقةِ الأَمْل والتَّأَمُّل والاسْتِنْتاج والتَّفْكِير والمُخَيّلة ، أي إنّهُ مَنْتُوج ضَرُورِيّ يَبْنِي الإِنْسَان ولا يَسْتَهلِكه ( على عَكْسِ الإِنْجازات الماديَّة والتي في أَحيانٍ كَثِيرة تَسْتَهلِكُ الإِنْسَان وتَطْرَحُهُ جَانِباً ) والحاجَة إليهِ ماسَّة وعامِل علاجي مُساعِد وفَعَّال للخُروجِ بالإِنْسَانِ إلى زاوِيَةِ الرُؤْيَة والتَّشَبُّثِ بالآمالِ للخُروجِ من الكَثِيرِ من الأَزْمَات وتشكيل القَنَاعَات ، هو كالقَنَادِيل التي تُضِيءُ الطَّرِيق وتُبَيِّن الشَّوائِب وكذلك الصَّفاء ........ إن الشِّعْر مُتلازِم مع صَميمِ الأُمُور الحَياتيَّة ولهذا فهو يَصِفُها ويُعَرِّيها ويكون صَوْتاً للضَميرِ وللحَقِيقَةِ فلا غَرْوى أن قالَ الفَيْلسُوف هايدغر :( جوهر الفَنِّ : الشِّعْر،وجوهر الشِّعْر : إقامة الحَقِيقَة ) .
الشاعِرُ يُساهِمُ في تشكيل خَطٍّ للحَياةِ مع بَقيَّة الفُنُونِ والعُلومِ فهو يُشْكِلُ نُقْطة ( أو جُزْء ) في هذا الخَطّ إلى جَانِبِ النِّقاط الأُخْرَى من طُّبٍّ وجُغرافية وهَنْدَسَةٍ ونَحْتٍ وتَمْثِيلٍ وغِناء ..... إلخ وبوَصْلِ هذهِ النِّقاط ببَعْضِها يَتَكَوَّنُ مَسَار الحَياةِ ويتجه نَحْوَ غايَتِهِ ، وأيّ إلغاء لواحِدةٍ من هذهِ النِّقاطِ يَخْلُقُ حُفْرَة وتَعَرُّجاً ........
حتَّى تُرْسمُ للحَياةِ لَوْحة مُفِيدة غَنِيَّة بَنَّاءة ومُتناسِقة لايَجِبُ إِغْفال لَوْنٍ ما ، بل يَجِبُ إِدْخال كُلَّ الألْوانِ في تشكِيلِها لأنّ لكُلِّ لَوْنٍ بصمته ومَغْزَاه وفائدَته ..... لايَجُوز تَجاهُل لَوْن لأَجْلِ آخر ولايَجُوز تَفْضِيل لَوْن على آخر فكُلٌّ يَعْمل في مَسَارِهِ ويُعْطِي ضَؤْءه .......

صِفَات لاتَقْتَصِرُ على الشُّعَراء فَقَطْ :

مُطالَبَة الشَّاعِر بأن يكون ذو إِلْمام واسِع ومَعْرِفَة أَكْثَر من غَزِيرَة ، هو أَمْرٌ مُبالَغٌ فيهِ فلايُمْكِنُ لأيٍّ من البَشَرِ أن يَتَمَيَّزَ بمَعْرِفَتِهِ الشَّامِلة ، والحالُ عِنْد الشَّاعِر كما عِنْد البَشَر الآخرين ، فالمُهَنْدِس قد يكون بارِعاً في مَجَالِ تَخَصُّصِهِ ولكِن لايُنْتَظَرُ منهُ أن يكون ضالِعاً في العُلومِ السياسيَّة أو في الطُّبِّ أو في التاريخِ أو العُلومِ الشِّعْريَّة أو مُتَمَكِّناً في عِلْمِ الفَلْسفةِ ، والحالُ أيضاً ذاتَه لدى الطَبِيب أو المُعَلِّم أو المُمَثِّل أو الصحفِيّ ..... إلخ ، لايُؤشِّرُ هذا لعَيْبٍ ما ، بقَدْرِ مايُعَبِّرُ عن نَمَطِ شَخْصيَّة هذا المُهَنْدس أو الطَبِيب أو المُعَلِّم ......... وهذهِ لَيْسَت دَعْوَة لتَبَنِّي الجَهْل بل تَوْضيح لنَظْرَةِ الالْتِباس بحقِّ الشُّعَراء فالحدِيث هو عن بَشَر لا عن آلِهة ، ولو لم يكُنْ الشَّاعِر إِنْسَاناً لما كَتَبَ الشِّعْر ، إضافةً إلى أَنَّه ومن حَيْثُ المَنْشَأ لايُوْجَدُ عَلاقَة ترَابُطيَّة أو اشْتِراطيَّة بَيْنَ المَوْهِبَة والمَعْرِفَة ، فعَدَم المَعْرِفَة لا يلغِي وجود المَوْهِبَة ، وتَوَفُّر المَعْرِفَة لايَشتَرِطُ تَواجُد المَوْهِبَة ، فالمَعْرِفَة يُمْكِنُ اكْتِسَابها بالسَّعْي إليها في حِيْنِ إن الشِّعْر هو من المَوَاهِب ، والمَوَاهِب لايُسْعَى إليها ولا تُكْتَسب بل يَتِمُّ صَقْلها وتَنْمِيَتها وتَهْذِيبها في حَثِيثِ تطويرها بالاجْتِهادِ والمُثَابَرَة .
الشَّاعِر لَيْسَ كائِناً من كَوْكَبٍ آخر ولا بمَلاكٍ ولن يكُون ، فالملائِكةُ لا تَقْرِضُ الشِّعْر ، هو إِنْسَان فيه من الجمالِ والعُيُوب والنواقص والثَّرَاء بكَمِّ مافي الآخرين منها ، ولَيْسَ بمُسْتَهْجَن إن كان الشَّاعِر إِنْسَاناً ، ( مع المُلاحظة بأنّ كُلّ هذهِ المُتناقِضات التي تَحْفَلُ بها النَفْس البَشَريَّة تَعْمَلُ في خِدْمَةِ الشِّعْر ) ، فالبَعْض من مَواقِعِ إِطْلالاتهم على المُجْتَمَعِ كبَعْض كُتّاب المَقَالات والمَسْرَحيات والرِّوايَات والقِصَص وكذلك الأَطِبَّاء والمُهَنْدسين والمُدَرِّسين والمُحاميين وغَيْرَهم ........ إلخ لايُطابِقُ مايَفْعَلُون دائماً مايُشيعون ومايَقُولون ( وأَرْجُو الانْتِباه إلى كَلِمَةِ بَعْض فلا يَجِبُ أَخْذ الكُلّ بجَرِيرَةِ البَعْض ) ، ولو كان الحال غَيْر ذلك لما قَرأنا عن بناياتٍ تَهَدَّمَت فَوْقَ رؤوسِ قاطِنيها لأنّ المُهَنْدسين المَسْؤُولين عن إِقامتها لم يَلْتزِمُوا الأَمانة مَسْلكاً في عَملِهم ، ولا عن مُعَلِّمٍ يُلقي المُحاضَرَات الطَّويلة في الطِيبَةِ والكَرَمِ وهو في حالِ حَقِيقَتهِ أَبْخَل الخَلْقِ وأَقْسَاهم ، ولا عن رِجالِ دِيْنٍ يَحْكون ويَتَغَنَّون بالمَحَبَّةِ بَيْنَما هُم في حلٍ منها وقلُوبهم لايَسْكُنها غَيْر الحِقْد ، ولا عن كَمٍّ من الباحثين الاجْتِماعيين مِمَّنْ يَتَحَدَّثُون في ضَرُورَةِ مُساعَدَة النَّاسِ وهم في الحَقِيقَة يَصْنَعُون الكَوارِث في حَياةِ الأُسْر التي يَمُرُّون بها ، ولا عن طَبِيبٍ يَحْمِلُ شِعار الرَّحْمَةِ بَيْنَما يُقَدِّمُ للغَنِيّ خدمات بحَجْمِ أمْوَالِهِ ويرفُسُ الفَقِير بَعِيداً عن عِيادَتِهِ حتَّى وإن كان الفَاصِلُ مَوْتاً أو حَياة ...............
الصِّدْق ، النِّفَاق ، الاسْتِقامَة ، الالْتِوَاء ، الطِيبَة ، الخُبْث ، البُخْل ، الكَرَم ...... إلخ كُلّها صِفات يَتوَفَّر عليها البَشَر بنِسبٍ مُتَفاوِتَة ( تَبْدأُ بالصِفْرِ وتَمْتَدُّ بامْتِدادِ النِسبِ ) بغَضِّ النَّظَر عن مَوَاهِبِهم وحِرَفِهم ومِهْنِهم ومُسْتَوَياتِ مَعِيشَتِهم وصِفتهم في هذهِ الحَياة ، أي هي صِفات لايَخْتَصُّ بها الشُّعَراء بل تَنْسَحِبُ على كُلِّ الأَفْرادِ بَدْءاً من الحُكَّام ومُروراً بالمُهَنْدسين والأَطِبَّاء والموسيقين والطَّيَّارين وكُلّ المِهْنِ الأُخرى وانْتِهاءً بعُمَّالِ التَّنْظِيف أو البِنَاء أو الخِياطة أو رَبَّات البيُوت أو العاطلين عن العَمَلِ ووصولاً إلى كُلِّ فَرْدٍ في المُجْتَمَعِ ، وهكذا يَلِيقُ بأَيِّ شَخْص يَطِيبُ لهُ إِلْصاق الصِفات السَّيِّئة بالشُّعَراءِ أن يُوقِنَ إنها لاتَقْتَصِرُ على بَعْض الشُّعَراء ولاتَخْتَصُّ بهم دُوْناً عن أَفْرادِ العَالم ( وأَرْجُو الانْتِباه إلى كَلِمَةِ بَعْض إذْ لا يَجُوز لأَيِّ شَخْص أن يُطْلِق أحْكاماً عامَّة وعَشْوائيَّة أَيَّاً كان موقِعه ومهما بلَغَتْ مَنْزِلته ) ، هذهِ الصِفات تَنْسَحِبُ على البَعْضِ أيضاً من الأَطِبَّاءِ والمُهَنْدسين والمُعَلِّمين وعُمَّال التَّنْظِيف وعلى رَبَّاتِ البيُوت وعلى أيِّ فَرْد آخر في المُجْتَمَعِ أيّاً كانت صِفته أو مِهْنته أو مَوْهِبَته ، فالحَياة لاتَجْنَحُ نَحْوَ الكَمَالِ ولاتُريده لأنّها إن كَمُلت تَوَقَّفَتْ وفقدَتْ اتجاهاتها .......
يُولَدُ الشِّعْر من رَحمِ الحَياة تَلْبِيةً لنِداءِ الحاجَةِ الإِنْسَانِيَّة إليهِ كما يُوْجَدُ الطُّبّ والزِّراعة والهَنْدَسَة ..... إلخ من بَقِيَّةِ العُلوم وأيضاً الفُنُون تَلْبِيةً لنَفْسِ النِّداء ( مع الأَخْذِ بنَظَرِ الاعْتِبار تَنَوُّع الحاجات الإِنْسَانِيَّة واخْتِلافها ) ، وإن لم تكُنْ هُناك حاجَة إلى كُلِّ هذهِ العُلوم أو الفُنُون وبضِمْنِها الشِّعْر لما كانت وما وُجِدَت ولا عُرِفت .

الشِّعْر والإِنْجازات البَشَريَّة :

الشِّعْرُ مُنْجَز بَشَريّ ، حَيَوِيّ ، صَميميّ نابِعٌ من الذاتِ البَشَريَّة ، مُلازِمٌ للمَسِيرةِ الإِنْسَانيَّة ، والإِنْجازات الشِّعْريَّة لَيْسَت أقَلّ أهمية من الإِنْجازاتِ العِلْميَّة والتكنولوجية وغَيْرها فبِنَاءِ المُجْتَمَعات يتمُّ باخْتِلافِ الفُنُونِ والآدابِ والعُلوم ، هكذا يَعْلُو الإِنْسَان ..............
كُلّ الإنْجازات البَشَريَّة تَرْتَبِطُ نَتائِجها بطَرِيقةِ اسْتِعْمالِها ....... فالقُنْبُلة الذَّريَّة هي إِنْجاز بَشَريّ مادِّيّ عِلْميّ مَلْمُوس ، لكنّها دَمَرَتْ الإِنْسَان نَفْسيَّاً وجَسَديَّاً وفِكْريَّاً وزَرَعَتْ الخَوْفَ والرُّعْبَ في الكِيانِ البَشَريّ حِيْن اسْتُعْمِلَت للتَدْمِيرِ ولازالت تَفْعَلُ ذلك في النُفُوسِ وتُثِيرُ الفِتَن والحُرُوب والصِّراعات الدُّوَليَّة .
يعِيبُ البَعْض على الشُّعَراءِ عَدَم وجُودِ إِنْجازات لهم وهذا مُجْحِف وبَعِيد عن الحَقِيقَةِ ، لأنّ الشِّعْر بذاتِهِ مُنْجَز بَشَريّ ، كما أن ثَوْرَات الشُّعُوبِ ونِضالِها من أَجْلِ حُرِّيَّتِها واسْتِقْلالِها هي إِنْجازات أَكْبَر بكَثِير من إِنْجازاتِ الأَلَّة لأنّها تَتَّصِلُ عَمِيقاً وتَمسُّ في الصَميمِ كَيْنُونَة الشُّعُوبِ وبقائها وهي القاعِدَة الأَمِينة لبِنَاءِ صَرْحِ الحَضَارَةِ الإِنْسَانيَّة ، الشُّعَراء هم هُنا ، فلا أَحد يَقْدِرُ أن يُغَيِّبَ نِضال شُعَراء المُقاومةِ كالأسباني فيدريكو غارثيا لوركا والفرنسي بول ايلوار والجنوب إفريقي براين برايتنباغ والفلسطيني محمود درويش وفولتير الفَيْلسوف والأَدِيب والمُؤَرِّخ الذي ناضَلَ ضِدَّ الحُكْم الاسْتِبداديّ وناظم حكمت الَّذي حَملَ رُوح الطَّبَقةِ الكادِحة التُركيَّة وعبَّرَ عنها وعارَضَ الإِقْطاع وشارَكَ في حَركةِ أتاتورك ، وفي شِعْرِ جميل صدقي الزهاوي نسْتَشِفُّ الصَّوْت الذي دَعا إلى تحرُّرِ المَرْأَةِ ونَبْذِ اضْطِهادها وفي دَعْوَتِه هذهِ ثَوْرَة .
المُقاومة فِعْلٌ إِنْسَانيّ ومُنْجَزٌ دَلِيل ، فالإِنْجازات المادِّيَّة يُمْكِنُ تَلَمُّسها وتَحَسُّسها بَيْنَما الإِنْجازات على الصَّعِيد الرُّوحيّ والفِكْريّ والمَعْنَوِيّ يَصْعُبُ على المُجانبين لها الشُّعُور بها وإدْراكها ، وإن لم يَتَمَكَّنْ البَعْض إلا من إدْراكِ الإِنْجازات المَحْسُوسَات المادِّيَّة والمَلْمُوسة فالشِّعْر لَيْسَ بمَسْؤُولٍ عن قُصُورِهم في فَهْمِ إِنْجازاتهِ ولَيْسَ لهم الحقّ في نَعْتِهِ بالكَمَاليّ أو غَيْر ضَرُورِيّ وزائد ، فحِيْن يَكْتُبُ الشَّاعِر وحِيْن يَقْرَأُ القُرَّاء يُعانون ويَشْعُرون ، الشُّعُور والمُعاناة وما يترتب عليهما من مُلْحَقات هما جُهْد ولَيْسَ فَراغ أو ترَف أو قِلادَة تُعَلَّق في الرَّقَبَةِ للتباهِي ، إن العَقْلَ والقَلْبَ والجَسَدَ والرُّوح أي الإِنْسَان بكُلِّيتِهِ يشتركون في هذا الجُهْد ( بَعِيداً عن التَّمْجيدِ والتَّقْدِيسِ ) ، إِذنْ هو تَفاعُل وتَجاوُب بقَدْرِ الحاجَةِ الإِنْسَانِيَّة الماسَّة إلى ذلك والتي لايُمْكِنُ تَجاوُزها أو القَفْز فَوْقَها ولا الاسْتِغْناء عنها ، وهذا التَّجاوُب والتَّفاعُل يُولِّدُ المواقِف تِجَاه المُجريات وإِعادة النَّظَر فيما يَخْتَزِنه العَقْل البَشَريّ من آراءٍ ومُعْتَقدات وعادات وتقاليد ومَوْرُوثات، وأيضاً يَأْخُذُ على عاتِقِهِ التَّجْدِيد لها أو تَغْييرها أو تطويرها ، ولاعَجَب أن وَجَدْنا بَعْض الَّذِين لايَعْتَرِفُون إلا بالمادِّيّ والمَحْسُوس والمَرْئِيّ ساعين للانْتِقَاصِ من دَوْرِ الشِّعْر والشُّعَراءِ ومُحاولين تَغْيِيب دَوْرَهم مُعْتَبرِين الشُّعَراء كِيان كَمَاليّ في المُجْتَمَعِ لايزيده ولايُنْقِصه وهذا بَعِيدٌ كُلّ البُعدِ عن مَنْطِقِ المَحَبَّة وكَلام كهذا لايُمْكِنُ أَخْذه على مَحْمَلِ الجدِّ إذْ يَفْتَقِرُ لكُلِّ الحَقِيقَة ، ومن يتنكَّر لإِنْجازاتِ الشُّعَراء فكأنّهُ يتنكَّر لإِنْجازاتِ الفُنُونِ والعُلومِ الأُخْرَى ، ولو صَحَّ مايَدَّعون لما احْتَفَلَ العَالم بأسرهِ بيَوْمِ الشِّعْر العالمي في 19 3 من كُلِّ عام ، أم إن هذا الرَّهْط العالميّ المُحْتَفِل كُلّهم في وَهْمٍ وعُقولٍ قاصِرة ، بَيْنَما الغاضِبُون من الشِّعْرِ والمُعارِضُون لهُ والمُنْتَقِصون منه ومِمَّنْ يُروِّجُون لكونِهِ كِيان كَمَاليّ لايُؤَثِّرُ في المُجْتَمَعِ ولايزيده ولايُنْقِصه ، هم الَّذِين يَمْتَلِكُون الحَقِيقَة والعُقول النَّيِّرة ؟
بما إن للإِنْسَانِ جَانِب مادِّيّ مَحْسُوس وجَانِب رُوحيّ فِكْرِيّ ، فالإِنْجازات الفِكْرِيَّة والرُّوحيَّة والمَعْنَوِيَّة تُساوِي في أهميتها ( إن لم تكُنْ أَكْثَرُ أهمية ) إِنْجازات الإِنْسَان المادِّيَّة المَحْسُوسَة والمَرْئِيَّة كالأَلَّة وغَيْرها ، إِنْجازات الشُّعَراء الفِكْرِيَّة والمَعْنَوِيَّة والرُّوحيَّة وبَثّ الهِمَّة تنتشِلُ الإِنْسَان من القَعْرِ لتَرْفَعهُ إلى الأَعْلى مُتَجاوِزاً يَوْميَّاتِهِ وتُبلور وُجْهَات نَظَرهِ ، لايُمْكِنُ لمن يَتجاهَل قِيمة المَشاعِر الإِنْسَانِيَّة وقُدْرَتها من إِدْراكِ هذهِ الإِنْجازات وتَلَمُّسِها والإِحْساس بها ولهذا فهو يتنكَّر لها ....... الرُّوح لاتُغذى بالمادَّة فهي بحاجَةٍ إلى غِذاءٍ آخر خاصّ ومُتَمَيِّز يُمْكِن تَوَفُّرَه في الشِّعْرِ والغِناء والتَّمْثِيل والمَسْرَح ..... إلخ ، إذنْ الشِّعْر قُوَّة ، قُوَّة يُمْكِن الاسْتِفادة منها في مُواجَهَةِ كُلِّ التَّحَدِّيات البَشَريَّة ، يُمْكِن تَوْظِيْفها في مُواجَهَةِ الشَّرِّ والاضْطِهاد والاحْتِلال والفَقْر والجَهْل والمَرض ...... إلخ من آفات تَنْخَرُ في المُجْتَمَعِ الإِنْسَانِيّ ومَوْجُودة في كُلِّ عَصْر وزَمان ، هذهِ القُوَّة تَجْمَعُ الأَصْوات وتُوَحِّدها في رُؤْيَة واضِحة نَحْوَ الهَدَفِ ، من هُنا يكُون الشِّعْر لَيْسَ تَحْلِيقاً في عالمِ الخَيَال المُجَرَّد بل خَيَالٌ يُحاكِي الواقِع إِبْداعيّ خَلاَّق ونَظْرَة عِلاجيَّة مَطْلُوبَة وناجِعة نابِعة من صَميمِ الواقِع المُرْتَقَى بهِ لدَرَجَةِ الكِتابَة وهو مُرافِق صَدِيق للرُوحِ الإِنْسَانيَّة ، فكَمْ من البَشَرِ يَحْتَاجُون إلى ذلك ساعات انْكِساراتِهم وآلامِهم وأَفْراحِهم ومُعاناتِهم من يَوْميَّاتِهم ...... في هذهِ الساعات وماأَكْثَرها لن تُعَبِّر الأَلَّة ( التكنولوجية والعِلْم ) عما يُعانون ولن تُقَدِّم أَيّ نَفْعٍ لهم ولا أَيّ حلٍ مَلْمُوس بل الشِّعْر والأَدَب بكافَّةِ مَجالاتهِ الأُخْرَى من رِوايَةٍ وقِصَّة ومَسْرَح ..... إلخ ، إن بِنَاءَ الشُّعُوب يَأْتي ببِنَاءِ الإِنْسَان أَوَّلاً ، والبِنَاء يكُون من الداخِلِ ليَتَوسَّع إلى الخَارِجِ ولَيْسَ العَكْس ، هكذا يُمْكِن القَوْل إن الشِّعْر الحَقِيقيّ هو الشِّعْر الَّذي يَنْطَوِي على مَضامِين إِنْسَانِيَّة عَمِيقة ويَمَسُّ قَضاياها في الصَّميمِ وهو الَّذي سيَبْقَى حَيَّاً في الذاكِرةِ الإِنْسَانِيَّة وهو الَّذي يُساهِم في بِنَاءِ الإِنْسَانِ ، أما الأَشْعار الخاصَّة بالمُناسَبَات الآنيَّة والوَقْتيَّة وحتَّى بَعْض المُناسَبَات الوطنيَّة فهي رَهِينة وَقْتها ومُرْتَبِطة بهِ وتُطْوَى بمرُورِ الزَّمَن في أَرْوقةِ النِّسْيانِ.
دَوْر الشِّعْر / الشَّاعِر أبداً لن يَنْتَفِي ولن يتوقَّف مادامَت الحاجَة الإِنْسَانيَّة إليهِ قائمة وسيَنْتَهِي ويغْنَى بفَناءِ هذهِ الحاجَة ، كما ستَنْتَهي وتُفْنَى الإِنْجازات العِلْميَّة والتكنولوجية الأُخْرَى بانْتِفاء الحاجَة إليها أيضاً ، ولاشَّك إن هذا الدَوْر يَتَغَيَّر من زَمْنٍ لآخر ويَأْخُذُ أهمية الزِّمْن الَّذي يُحِيطُ بهِ ويُعاصِره والبِيئة التي تَحْتَوِيه وهذا أَمْرٌ طَبِيعيّ فكل مافي الحَياةِ يَتَغَيَّر باسْتِمْرَار ويُواكِبُ تغيُّر الأَزْمان وهو ناتِج لحتميَّةِ التَّغْيير التي يَخْضَعُ لها المُجْتَمَع الإِنْسَانيّ ...... وإِشارَة مُؤكَّدة إن الشِّعْر والعِلْم لايَتَعارَضان ، بل يَلْتَقِيان ويَتَمازجان ومُمْكِن قِراءة الكَثِير من الأَشْعارِ المُمْتَزِجة بالأَفْكارِ العِلْميَّة ، ولقد عَبَّرَ بَعْض الفلاسِفة الأغريق والرُومان عن مَعَارِفهم العِلْميَّة بالشِّعْر ، ورُبَّما يكُون من الأَدِلَّةِ المُؤشِرة على كَونِ الشِّعْرِ من لُبِّ الواقِع هو إنّ مَوْهِبَة الشِّعْر لَيْسَت حكْراً في صِفةٍ مُعَيَّنة فنرى من بَيْنِ الشُّعَراءِ المَرْمُوقين الأَطِبَّاء والنَّجَّارِين ورَبَّات البُيوت والفلاسِفة والمُفَكِّرين واالمُعَوّقين والعُمْيان ..... إلخ ، فللشِّعْرِ الصَّدْر الواسِع العَرِيض الَّذي يَضُمُّ الجَمِيع ويَحْنُو عليهم بنَبْعِ حَلاوَتِهِ ومَحَبَّتِهِ .

شُعَراء ساهمُوا في بِنَاءِ الفِكْر الإِنْسَانيّ : ( 1 )

لايُخْفَى الأَثَر الَّذي خَلَّفَهُ الكَثِير من الشُّعَراءِ في بِنَاءِ الفِكْرِ الإِنْسَانيّ فأَثْرَى أَدَبهم وفِكْرهم وفَنّهم العالم وأَغنى مَسَاره ، ومن يَرْتاب ُ في ذلك فليَقْرَأ : لوركا ، الأَدِيب الإفريقي الكونغولي تشيكايا أوتامسي ، الشاعِر ليوبولد سيدار سينفور ، بابلو نيرودا ، حمزاتوف ، جنكيز اتماتوف ، ناظم حكمت ، والت ويتمان ، كلوتريامون ، رابندرانت طاغور ، وايف بونفوا ، ألكسندر بوشكين ( روسي ) ، تشانغ شيانغ هو ، خورخي لويس بورخيس ، مارغريت ووكر ، بول تسيلان ، لويس أرغوان ، بول فاليري ، هلدرلن ، كانيموزي ، فلاديمير ماياكوفسكي ، بوشكار داسفوبتا ، سوماك داس ، أنطونان أرتو ، سيرغي يسينبن ، أوسيب ماندلشتام ، فروغ فرخزاد ، أكتافيو باس ، رونيه شار ، بانيس ريتسوس ، ريوغين ساي ، مايكل بلو منتل ، فرنك أوهارا ، سان جون بيرس ، رفائيل ألبرتي ، شيركو بيكه س ، ماريا واين ، إنكمار ليكيوس وأيضاً الحائز على جائزة نوبل للآداب الشاعِر : وولي سونيكا .
ولايَسْتَطِيعُ أَحد التنكُّر للدَوْرِ المُهمّ والبارز لنزار القباني وآخرين في الحَركةِ الفِكْريَّة والثَّقافيَّة العربيَّة ، ولاتُنْسَى بصمات جبران خليل جبران ، ميخائيل نعيمة ، نازك الملائكة ، أدونيس ، بدر شاكر السياب ، مي زيادة ، فدوى طوقان ، بلند الحيدري وغَيْرهم .
ولابد لنا أيضاً أن نُشِير إلى الشُّعَراء : اليوناني إيسخيلوس ، الفرنسي شارل بودلير ، وليم بلاك : شَاعِر وكاتِب ايطالي ، برتولت برخت الشَّاعِر والكاتِب المَسْرَحيّ الالماني ، جان كونتو : شَاعِر وروائي وكاتِب مَسْرَحيّ فرنسي ، الأنكليزي صموئيل تايلور كولريدج ، فرانسوا كوبيه : شَاعِر وكاتِب مَسْرَحيّ فرنسي ، بيير كورني : شَاعِر مَسْرَحيّ فرنسي ، الفرنسي أندرية بريتون ، الانكليزي روبرت براوننغ ، الانكليزي صموئيل بتلر ، الانكليزي جيفري تشوسر ، رابندرانت طاغور : شَاعِر ومُفَكِّر هندي ، يوهان غوته : أَدِيب ومُفَكِّر الماني ، فولتير : أَدِيب وفَيْلسوف فرنسي ، الأَدِيب النمساوي فارتز كافكا ، الأَدِيب والفَيْلسوف الفرنسي ألبير كامو ، والشاعرة السويسرية ايما راكوزا .

قد يكُون أَجْوَدَ ما تُخْتَم بهِ هذهِ المَقَالَة القَصِيدة التَّالية : ( 2 )
فن الشعر
للشاعر الأرجنتيني : خورخي لويس بورخيس
أن ننظر إلى النهر المصنوع من الزمن و المياه
ونتذكر أن الزمن مهر آخر،
أن نعرف أننا نكف عن الوجود، تماماً كالنهر
وأن وجوهنا تتلاشى، تماماً كالمياه.
أن تشعر أن اليقظة هي نوم آخر
يحلم بأنه ليس نائم، و أن الموت
الذي ترهبه أجسادنا، هو نفسه الموت
الذي يعتادنا كل ليلة ونسميه نوماً.
أن نرى في اليوم أو في السنة رمزاً
لأيام النوع الإنساني وسنواته
أن نترجم حنق السنين
إلى موسيقى و إشاعة و رمز.
أن نرى في الموت نوماَ، وفي الغروب
ذهباً حزيناَ، فذلك هو الشعر
خالداً معوزاً. لأن الشعر
يرجع كالفجر والغروب.
في أوقات الظهيرة، يطل علينا
وجه ما من أعماق مرآة،
لابد أن الفن مثل تلك المرآة
التي تنجلي لنا عن وجهنا نحن.
يروون كيف أن عوليس، وقد طوحت به الأعاجيب
كان يبكي حباً، ليلمح الطريق إلى ايثاكا
متواضعة خضراء
الفن هو ايثاكا
الأبد الأخضر تلك، وليس الأعاجيب.
وكنهر لا نهاية له أيضاً
يتقضى ويبقى، مرآة لشخص هيرقليطس القُلّب
الذي هو نفسه وشخص آخر سواه
مثل نهر لا نهاية له.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.