المشاركون في مؤتمر التحالف من أجل الحكم الذاتي في الصحراء يقومون بزيارة لميناء الداخلة الأطلسي    عبد النباوي: العقوبات البديلة علامة فارقة في مسار السياسة الجنائية بالمغرب    نجاح باهر للنسخة الثامنة من كأس الغولف للصحافيين الرياضيين الاستمرارية عنوان الثقة والمصداقية لتظاهرة تراهن على التكوين والتعريف بالمؤهلات الرياضية والسياحية لمدينة أكادير    الاستيلاء على سيارة شرطي وسرقة سلاحه الوظيفي على يد مخمورين يستنفر الأجهزة الأمنية    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة.. وهبي: "أشبال الأطلس" يطموحون للذهاب بعيدا في هذا العرس الكروي    مأسسة الحوار وزيادة الأجور .. مطالب تجمع النقابات عشية "عيد الشغل"    تجار السمك بالجملة بميناء الحسيمة ينددون بالتهميش ويطالبون بالتحقيق في تدبير عقارات الميناء    موتسيبي: اختيار لقجع قناعة راسخة    سلطات سوريا تلتزم بحماية الدروز    القصر الكبير.. شرطي متقاعد يضع حداً لحياته داخل منزله    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية ورياح عاتية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    المغرب يتلقّى دعوة لحضور القمة العربية في العراق    الدولي المغربي طارق تيسودالي ضمن المرشحين لنيل جائزة أفضل لاعب في الدوري الاماراتي لشهر أبريل    تأخيرات الرحلات الجوية.. قيوح يعزو 88% من الحالات لعوامل مرتبطة بمطارات المصدر    الإنتاج في الصناعات التحويلية.. ارتفاع طفيف في الأسعار خلال مارس الماضي    المغرب يواجه حالة جوية مضطربة.. زخات رعدية وهبات رياح قوية    مُدان بسنتين نافذتين.. استئنافية طنجة تؤجل محاكمة مناهض التطبيع رضوان القسطيط    الشخصية التاريخية: رمزية نظام    فلسفة جاك مونو بين صدفة الحرية والضرورة الطبيعية    هذه كتبي .. هذه اعترافاتي    وزارة الأوقاف تحذر من الإعلانات المضللة بشأن تأشيرات الحج    العراق ولا شيء آخر على الإطلاق    المغرب ينخرط في تحالف استراتيجي لمواجهة التغيرات المناخية    إلباييس.. المغرب زود إسبانيا ب 5 في المائة من حاجياتها في أزمة الكهرباء    مسؤول أممي: غزة في أخطر مراحل أزمتها الإنسانية والمجاعة قرار إسرائيلي    تجديد المكتب المحلي للحزب بمدينة عين العودة    الصين تعزز مكانتها في التجارة العالمية: حجم التبادل التجاري يتجاوز 43 تريليون يوان في عام 2024    انطلاق حملة تحرير الملك العام وسط المدينة استعدادا لصيف سياحي منظم وآمن    الحكومة تلتزم برفع متوسط أجور موظفي القطاع العام إلى 10.100 درهم بحلول سنة 2026    العلاقة الإسبانية المغربية: تاريخ مشترك وتطلعات للمستقبل    الإمارات تحبط تمرير أسلحة للسودان    كيم جونغ يأمر بتسريع التسلح النووي    ندوة وطنية … الصين بعيون مغربية قراءات في نصوص رحلية مغربية معاصرة إلى الصين    رحلة فنية بين طنجة وغرناطة .. "كرسي الأندلس" يستعيد تجربة فورتوني    السجن النافذ لمسؤول جمعية رياضية تحرش بقاصر في الجديدة    ابن يحيى : التوجيهات السامية لجلالة الملك تضع الأسرة في قلب الإصلاحات الوطنية    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    المغرب يروّج لفرص الاستثمار في الأقاليم الجنوبية خلال معرض "إنوفيشن زيرو" بلندن    تقرير: 17% فقط من الموظفين المغاربة منخرطون فعليا في أعمالهم.. و68% يبحثون عن وظائف جديدة    مارك كارني يتعهد الانتصار على واشنطن بعد فوزه في الانتخابات الكندية    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    إيقاف روديغر ست مباريات وفاسكيز مباراتين وإلغاء البطاقة الحمراء لبيلينغهام    جسور النجاح: احتفاءً بقصص نجاح المغاربة الأمريكيين وإحياءً لمرور 247 عاماً على الصداقة المغربية الأمريكية    دوري أبطال أوروبا (ذهاب نصف النهاية): باريس سان جرمان يعود بفوز ثمين من ميدان أرسنال    الأهلي يقصي الهلال ويتأهل إلى نهائي كأس دوري أبطال آسيا للنخبة    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    نجاح اشغال المؤتمر الاول للاعلام الرياضي بمراكش. .تكريم بدرالدين الإدريسي وعبد الرحمن الضريس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثلاث قراءات في كتاب "الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون" لمحمد البازي


القراءة الأولى :
ورقات من ذهب حول كتاب الجوهر المكنون لمحمد بازي
تقديم
سنحاول في هذه القراءة توضيح ثلاثة فروع بارزة والتي تظهر بجلاء في غلاف الكتاب موضوع الدراسة. وهي ثلاث وريقات
الورقة الأولى/ الفرع الأول عنوان المؤلف: الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون.
الورقة الثانية / الفرع الثاني مؤلف الكتاب: الدكتور محمد بازي.
الورقة الثالثة / الفرع الثاني الناشر وهو جمعية أولاد ميمون للتنمية والتعاون..
*****
الورقة الأولى: المؤَلِّف
الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون
كتاب في جمع وشرح
الأمثال والأقوال والحكم والطرائف والعبارات
المتداولة في أولاد ميمون
كتابنا أيما كتاب، رشف رضاب، وشرب أنخاب، أرجوحة الصحاب.
أهم مميزات هذا الكتاب أنه يستهدف كل الفئات العمرية شبانا وشيوخا، ذكورا وإناثا بدون استثناء، وكل المستويات المعرفية متعلمين ومثقفين وباحثين... فهو على بساطة أسلوبه ودقة تصنيفه وترتيبه الالفبائي في متناول كل قارئ.
ثم كونه يستهدف القارئ الميموني على وجه الخصوص، فهو قاموسه اليومي والمتداول، هو كلام جده وأبيه، أمثال جدته و والدته، حكايات طفولته وشيخوخته، هو باختصار الجوهر المكنون.
هذا وتبقى الذاكرة الميمونية غنية بأمثال وأقوال كثيرة أخرى، لم يتسع الوقت والجهد لجمعها وتدوينها في هذه الطبعة، فما هذا الكتاب إلا غيض من فيض.
*****
الورقة الثانية: المؤلف
يعد الدكتور محمد بازي أحد أهم رجالات هذه المنطقة والتي لها كل الفخر في الاعتزاز بهم، فهو ومنذ نعومة قلمه أخذ على عاتقه هم تدوين تراثها الثقافي، وجمع زخمها الفكري واللغوي ..
فتارة تراه جامعا للمتن اللغوي توثيقا وشرحا..
وتارة محلقا مع الحكايات الشعبية إحصاء وتدوينا..
ومرة أخذا في زجل ميموني القالب والنكهة
فهو شاعر لا يعترف بقافية أو روي فالقافية هي من تعترف به و الروي بين يديه له دوي.
وهو القاص تتوالى أقاصيصه كوريقات الخريف خفة ورشاقة.
وهو الروائي شخوصه و أماكنه وعناوينه لا تتناقض.
وهو الباحث الممحص، له في كل مضمار راية وفي كل ميدان سهم..
وهو الأكاديمي بحوثه وأطروحاته مطروحة على أكثر من منبر.
هو ابن القرية العامرة على حد قوله، يعجبه النخل بقاماته والبحر بموجاته والأفق بزرقته ، يدافع عن الفصحى باستماتة، ولا يحيد عن الدارجة قدر التفاتة...
وهو الرجل الوسيم الأستاذ المربي و الأب الحنون إلى جانب البحار الجريء و الخطيب المفوه والجمعوي حتى النخاع.
قليل الكلام، منضبط الابتسام، محترم التحية والسلام.
تلقاه وكأس شاي على الطاولة، أو لحظة غروب والشمس نحو البحر مائلة.
مولع بخشخشة قلب صفحات الكتب، تراه مكبا قارئا جاثيا على الركب.
نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا، مسارعا عند كل آذان، قائما بالفرائض والأركان..
هذا ولم نوفه قدره حقه، فعذرا واستسماحا.
*****
الورقة الثالثة: الناشر
جمعية أولاد ميمون للتنمية والتعاون
والتي تحتفل اليوم بعرس ميموني بكل ما للكلمة من معنى، فهي عندما تحتفل بأحد أبنائها البررة، وتحتفل بجني كلامها التراثي الموروث، وفي مركبها السوسيوثقافي. فهو حدث بالغ الأهمية، كان لهذه الجمعية دور مهم في إنجاحه وإخراجه بحلته البهية الحالية، فهي من تكبد النشر والطباعة و رافقت كلامها منذ أن كان مجموعة من القصاصات الورقية إلى أن صار متنا ثم كتابا متوجا بشعارها على الغلاف. فلها اليوم الحق في أن تفرح بهذا الجهد وهذا العناء، فالثمرة نضجت وآن قطافها، ثمرة ليست كباقي الثمار، خالدة خلود الكتاب على الدوام.
فهنيئا لجمعيتنا ولمكتبها الحالي، على هذا الاهتمام بالتراث المحلي والغيرة على مرتكزات البلدة، كما نهنيها على هذا السبق كما عودتنا دائما، فبالإضافة إلى السبق في مضمار التنمية المحلية وانجاز المشاريع وفي العمل الجمعوي و التكوينات و التأطير... فهي ألان بنشر هذا العمل تسير في مصاف الجمعيات العملاقة أدبيا ومعرفيا.
سيبقى كتاب الجوهر الكنون شامة على جبين الجمعية، وحدثا يؤرخ به في كل محفل.
عبد المالك بنداود الميموني
القراءة الثانية :
الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون
أو العِقْد المَصون في جمع الكلام الموزون
من لا يعرف الأستاذ محمد بازي، فهو حتما يجهل أبناء بلدته الذين ينبشون في تاريخها وتراثها؛ إنه ذلك المثقف المتواضع الذي ازداد شموخا بتفقهه في عالم الأدب والنقد.
أول ما عرفت محمد بازي عرفته قارئا نهما وباحثا مقداما في كلية الآداب، جامعة ابن زهر بأكادير، حيث فاجأته في المكتبة وهو يطالع كتاب" ظاهرة الشعر المعاصر " لمحمد بنيس؛ ومن ثمة كَوَّنْت رأيا أوليا مفاده أن هذا الشاب الوسيم سيجد حتما له مكانة في عالم الأدب وتمنيت له دوام النجاح.
ميموني حتى النخاع، لا يتوانى عن إعطاء عصارة أفكاره في كتبه ودراساته، وقد كان في بداية مشواره الإبداعي والنقدي يكتب في مجموعة من الجرائد الوطنية في مغرب الثمانينيات والتسعينيات.
لقد اكتشفت محمد بازي مبكرا وراقني ما ينشر من أشعار وكتابات ومقالات تسر الخاطر، وتفتح آفاق التأويل للناظر.
قليلون من يحملون هَمَّ الثقافة في قريتنا، ولن يُبْخَس عملهم أبدا، بل سيظل وهاجا ينير الطريق للأجيال الصاعدة التي ستنهل منه، ومحمد بازي يؤرقه دائما هَمُّ الكتابة عما هو أصيل، وقد زاده دراية في ذلك ارتقاؤه الأكاديمي من طالب إلى أستاذ باحث في عالم الأدب والنقد.
***
لنتكلم الآن عما يهمنا في هذه المداخلة: هذا الكتاب الجوهرة أو هذه النفيسة من النفائس التي أبدعتها الذات الجماعية لأولاد ميمون، وتشكلت في عنوان تغني دلالته عن كل تعربف: إنه" الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون"، وهو فعلا جوهر في عَقْد تاريخ أولاد ميمون.
أمثال وحكايات، وعِبر من عالم القرية الميمونية، تعبق بنفح طيب الحكم والتجارب التي تركها الأجداد، وكادت تتلاشى، ويدرسها الزمن، لولا يقظة الأستاذ محمد بازي الذي رأى أنه لا مناص من إنقاذ الذاكرة، ولو اقتضى الحال التضحية والمجازفة لأجل بعث هذه الذخائر، التي لا يعرف قيمتها إلا من اطلع على مثيلتها وخَبَّرها في ثقافات أخرى.
كل ما يحتويه هذا الكتاب له قيمته اللغوية والأدبية والتاريخية؛ إنه خلاصة عمل مُضْنٍ وشاق ساهم فيه كل من له غيرة على الثقافة الشعبية في أولاد ميمون، وتحققت بذلك بغية جامع هذه الأمثال، حتى أصبح بإمكان كل من فاتته حكاية أو قصة لها علاقة بواقعنا أن يرى صورتها بكل تجلياتها مصممة في هذه الروائع.
إنه اعتراف بالفضل والجميل، وبمعنى أدق فهو سيرة جماعية لوعي متشكل من ثقافات متحاورة فيما بينها، فأولاد ميمون وإن كانت أصول جل ساكنتها عربية، إلا أنه توافدت عليها- في ما بعد - شرائح اجتماعية من هويات مختلفة سواء من المناطق المجاورة أو البعيدة، وذلك ما ساهم في تعدد ووفرة هذه الأمثال التي تبقى في آخر المطاف تنهل من معين المثل المغربي كأصل تتولد عنه الفروع.
إن الأمثال في أي مجتمع لها دور الرقيب فيما يحدث داخل هذا المجتمع، فهي التي ترسم إيجابياته وسلبياته، تمتدحه وتنتقد ما فيه من ظواهر سلبية، والأمثلة كثيرة على ذلك، ولا تنأى أمثال قريتنا عن هذا المنحى.
كلما اقترب المتلقي من ألفاظ هذه الأمثال كلما ازداد شوقا لمعرفة مكنوناتها، غير أن هناك من ينتقد هذا العمل انتقادا مجانيا لغاية في نفس يعقوب، وهيهات أن يعرف أسرار هذه الجوهرة التي لا تقدر بثمن.
وردت في هذا الكتاب البديع كثير من الأمثال دون إيراد سياقاتها الخاصة والعامة، ويمكنا تفسير ذلك بأن هذه الأقوال وصلت إلينا دون ذكر السياق، وكما أن المتكلمين قبلنا اكتفوا بالقولة أو المثل لإيجازه واختصاره، وتخلوا عن قصته، فقد سِرْنا مثل ساروا في تداول المثل؛ ومع ذلك فقد اجتهد محمد بازي في إيراد ما وصل إليه من سياقات ووقائع بطريقة إبداعية جميلة ومختصرة.
أخيرا إن تأليف جلال الدين محمد بازي لهذا الكتاب، وطبعه من طرف جمعية أولاد ميمون- في هذا الظرف التاريخي- يعبر عن اهتمام بالغ بالجانب الثقافي لأولاد ميمون، شأن الاهتمام بجوانب الحياة الأخرى الاقتصادية والاجتماعية، وهو عمل لا يستهان به، ومجهود يشكر عليه كل من ساهم فيه.ونأمل أن تسير الجمعيات الأخرى في المسار نفسه بدعم الكتاب المحلي وطبعه ونشره.وفي انتظار كتاب جديد من الإبداعات المحلية دام لكم التألق والمجد، والسلام عليكم.
عبد العزيز قايدي
القراءة الثالثة :
عن كتاب الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون
صناعة الكتاب دليل على صانعه
يسرنا أن نحتفي اليوم بمحمد بازي، ونحتفل بتوقيع كتاب " الجوهر المكنون " وهو مائدة دسمة بأطباقها الشهية، المتنوعة شكلا، المختلفة مذاقا، المتميزة طعما ولونا، وهو كما ذُيل به عنوانه، كتاب في جمع الأقوال والأمثال والحكم والطرائف والعبارات المتداولة. ليست الأقوال كلاما عاديا، بل هي عصارة عقلية ووجدانية صقلتها التجربة وخبَّرها الواقع. في حين أن الأمثال هي نقل تجربة إنسانية مقصدها أخذ الدروس والعبر، وقد استعملت في الخطاب القرآني والنبوي كأسلوب متميز في الدعوة والنصح والإرشاد. قال تعالى: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون}(الزمر:27)، {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}(العنكبوت43).
أما الحِكم فهي عصارة تجربة إنسانية واقعية صيغت في قول موجز لتكون القانون الذي يحكم العلاقات البشرية، وصلات الناس ببعضهم، ليستفيدوا من تجارب الآخرين، إذا وحَّدَتْهم المعطياتُ نفسها،وجمعتهُم الشروط ذاتُها، وهي لا تنبع إلا ممن خبَّر دهاليز الحياة، وجرب الناس بتلاوينهم وأصنافهم، فالله تعالى { يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَى الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } [ البقرة : 269].
وقال عن لقمان: (ولقد آتينا لقمان الحكمة...... ) (لقمان – آية 12). وعن داوود (وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ)[البقرة:251]،وعن النبي:(هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين" (الجمعة الآية 2).
أما الطرائف فهي محمل ذو ظاهر وباطن، ظاهرها التسلية والترويح والدعابة والترفيه، وباطنها ذو دلالات مختلفة، وحمولات متنوعة، قد تكون سياسية، أو اجتماعية أو دينية أو رمزية، أو غير ذلك.
بعد هذا التمهيد، وحتى لا أطيل أقول:
يأتي تأليف كتاب "الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون" ضمن اهتمامات الأستاذ الباحث الدكتور محمد بازي بالتراث المحلي خاصة، والوطني عامة؛ وهو عمل استفرغ فيه الجهد جمعا وتدوينا وشرحا وتفسيرا؛ تحركه في ذلك ارتباطاته القوية بالمثل والحكاية الشعبية، وجمالية الكلام المتداول بين الناس، وسعيه نحو الحفاظ على الموروث الثقافي للأجيال القادمة.ويُعَد هذا الكتاب نوعا من التأريخ للذاكرة الشعبية، في تمثلاتها وتصوراتها لنمط الحياة الذي أنتجها، وعلاقاتها المختلفة بالعالم المحيط بها.
انطلاقا من هذا الولع بالتراث، استطاع محمد بازي- كما أشار إلى ذلك في المقدمة- أن يجمع أمثالا وأقوالا كثيرة ومتنوعة، ناهزت ألفي مادة متداولة بالقريتين الميمونيتين العامرتين(الخربة والبرايج)، نظرا لتقاربهما الجغرافي، واشتراكهما في تاريخ موحد (الاستقرار ببلاد سوس)، وبالأخص الانتساب إلى جدهم المعروف سيدي ميمون دفين المزار قرب آيت ملول.
يدخل الكتاب إذًا ضمن الاهتمامات التراثية التي تحاول اليوم -سواء بتوجيهات رسمية أو بقناعات شخصية- أن تحفظ الموروث الثقافي المغربي، وتجعله بين أيدي القراء، وتُمكِّن الدارسين الباحثين من الاطلاع عليه. وهو إذ يعتز بهذا التراث المحلي فلإيمانه بأهمية المحلي في بناء الوطني ثم الكوني، وأهمية الآداب الوطنية والقومية في بناء الأدب المحلي والجهوي. وإدراكا لما يحدث بينهما من تفاعل وتلاقح، وأخذ وعطاء؛ وهو ما يكشف عنه بوضوح كتاب الجوهر المكنون، بل أكثر من ذلك يظل التراث المحلي تجربة إنسانية في القول والتواصل ذات أبعاد شاملة، لا تختلف في شيء عما وصلنا من تراث عربي أصيل إلا في اللغة.

أما منهجية التأليف، فقد حاول محمد بازي ما أمكن أن يشرح القول أو المثل أو العبارة ويوضح سياقها، والظروف التي تقال فيها، متعمدا الإيجاز لغزارة المادة وتنوعها.كما حاول أن يُبْقي على الكلمات الدارجة كما ينطق بها أولاد ميمون غالبا، وقد راعى طريقة النطق بالكلمات كما هي متداولة، لأن هدفه هو نقل صورة عن النطق الميموني كما هو.
إجمالا فإن كتاب" الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون" كتاب رائد في تدوين الأدب المحلي، وهو وإن اختار العمل في نقطة مكانية صغيرة، غير أن ما يحمله من مادة ثمينة، والطريقة الأدبية الرائعة التي قُدِّم بها، يجعل منه تراثا إنسانيا لا يختلف في شيء عما هو متداول في البلاد المغربية كلها، وإن تشكل بأشكال محلية مميزة، وهو ما يزيد التأكيد يوما عن يوم أن غنى التراث المغربي وقوته تكمن في تنوعه، وغزارته، وجمال صياغته.
هذا عن المؤَلَََّف، أما عن المؤَلِّف، فأقول في حقه:
مذ عرفت الأستاذ أبو آية وأبو بسملة جلال الدين محمد بازي الميموني، عاشق البحر والشاي، عرفته رجلا جادا مجتهدا لا يعرف للكسل معنى، ولا يعير للغو التفاتة، يقدر الكلمة وخطورتها حق التقدير. لا يحدثك إلا إذا بادرته بالحديث، وإذا حدثته استمع إليك لا بأذنيه فحسب، بل بكل جوارحه، ولا يرد عليك ببنت شفة إلا بعد أن يمسكها بلسانه ويقطعها بأنيابه، ويمضغها بأضراسه، ثم يسلمها للسانه الذي يقذف بها في الزاوية التسعين من انتظاراتك.
عرفته باحثا يعشق الكتابة حد الوله،وهو ذو إنتاجات غزيرة في هذا الباب، لم ينشر منها لحد الآن إلا القليل. وله في ثناياها طقوس خاصة، تشبه طريقة المجاذيب، يُطْمر رأسه في طاقية حتى الأذنين، وقد يبخر المكان إذا كان الطقس باردا ليلج عالم الكلمة وتجاذباته.
مهووس بمزيج من الأنواع الموسيقية العريقة في آن( الصينية، الأمازيغية، الكناوية، الغيوانية..)، وهو عندما يستمع لهذه الألوان فبهدف الاستيحاء منها، وامتصاص روحها، فتكون له بمثابة ظلال رمزية يحاذيها وتحاذيه أثناء الكتابة.
مسكون بالفجر تعبدا وقراءة وكتابة، ومولع بالبحر وأمواجه، وهو مصدر إلهامه، مع عشق صوفي للشاي الأصيل ولكل ما هو تراثي وأصيل، وهو ما كان نتاجه الاهتمام بالكلام الشفوي، في أبعاده المختلفة واضعا بذلك أقوى اللبنات للتاريخ المحلي الميموني،إذ لم يترك الأجداد أية وثائق ذات أهمية تذكر بها في هذا الجانب.
لعل هذه الجوانب من شخصية محمد بازي كفيلة بأن تعطي كتابا تأصيليا للثقافة المحلية، وللتاريخ المحلي، في حجم " الجوهر المكنون"، وبالتالي يحق لكل ميموني، بل لكل مغربي أن يفتخر به.
هنيئا للبلاد الميمونية العامرة بكتابها الممتع والجميل" الجوهر المكنون"، وبكاتبها الأصيل الأديب الشاعر والباحث الأكاديمي في التأويليات العربية الأستاذ محمد بازي.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد أجعموم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.