أكد عبد القادر إعمارة، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن سوق الشغل يشهد في السنوات الأخيرة تطورات متسارعة، ظهر معها أشكال جديدة للتشغيل، خاصة مع التنامي المتصاعد لتكنولوجيا المعرفة والرقمنة والذكاء الاصطناعي. وأوضح إعمارة خلال الندوة الصحفية التي نظمها المجلس اليوم الأربعاء بمقره في الرباط، لعرض رأيه حول "الأشكال اللانمطية للتشغيل"، أن الجميع أصبح يلاحظ ظهور عدد من الوظائف والأنشطة الجديدة، خاصة في أعقاب جائحة كوفيد-19، والتي تتم بآليات غير تقليدية.
وأكّد أن الأشكال الحديثة للتشغيل – مثل العمل عن بُعد، والعبر منصات التواصل الاجتماعي، وخدمات التوصيل والنقل، وتطوير البرمجيات – تحمل في طياتها مزايا وفرصا متعددة لكلا طرفي العلاقة الشغلية، كما تُسهم في تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني بشكل عام. ذلك أنها تمنح المشغلين – سواء في القطاع العام أو الخاص – مرونة أكبر في تنظيم العمل، وإدارة الوقت والموارد بكفاءة، فضلاً عن تمكينهم من استقطاب كفاءات متنوعة المستويات، وخبرات متعددة الآفاق الجغرافية والثقافية. وأشار إلى أن هذه الأنماط التشغيلية تمنح العاملين والعاملات فرصة أفضل للتوفيق بين التزاماتهم المهنية وحياتهم الشخصية، مما يُحفزهم على العطاء وزيادة الإنتاجية، ويشجع روح المبادرة والابتكار لديهم. كما توفر إطارا تنظيميا مرنا يتلاءم مع ظروف واحتياجات فئات محددة كالنساء والأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن والطلبة. وأضاف أن هذه الأشكال الحديثة للتشغيل تسهم أيضا في خفض معدلات التنقل اليومي إلى مقرات العمل، مما يخفف الضغط عن البنية التحتية والخدمات اللوجستية، ويعزز النجاعة الطاقية، وينعكس إيجابا على البيئة عبر تقليل الانبعاثات الكربونية الناتجة عن وسائل النقل. واعتبر اعمارة أن هذه الأشكال اللانمطية من التشغيل بالرغم مما تحمله من فرص واعدة، فإنها لا تخلو من تحديات وإشكالات فيما يتعلق بالتأطير القانوني الملائم والهشاشة الأجرية، وإمكانية الحرمان الكلي أو الجزئي من الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية والتقاعد، ومدى توفير شروط الصحة والسلامة، وعدم التداخل بين أوقات العمل والحياة الخاصة للعاملات والعاملين، وحماية معطياتهم ذات الطابع الشخصي، وكيفية ممارسة الحق النقابي ومشاركة آليات التمثيلية المهنية والحوار الاجتماعي، وغيرها من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومعايير العمل اللائق. ونبه لكون المنظومة القانونية والمؤسساتية المعتمدة حاليا، والتي وضعت أساسا لتأطير علاقات شغلية قارة ودائمة، لا تواكب بالضرورة الخصوصيات التي تتسم بها هذه الأشكال اللانمطية من التشغيل، في تنوعها ودرجات مرونتها وفي اعتمادها حصريا على التكلونوجيات الرقمية في تنظيم علاقات الشغل. وأوصى المجلس بالتأطير القانوني للأشكال اللانمطية من التشغيل، من خلال إدراج أحكام صريحة وواضحة للعمل لبعض الوقت في مدونة الشغل، والتنصيص على إمكانيات الانتقال من العمل طيلة الوقت إلى العمل لبعض الوقت أو العكس، وتحيين المقتضيات القانونية المتعلقة بالعمل خارج مقرات المقاولة، وخاصة المادة 8 لمدونة الشغل، لتشمل الأجراء الذين يشتغلون عن بعد من منازلهم أو أماكن أخرى. ودعا إلى ضمان معايير العمل اللائق في الأشكال غير النمطية للشتغيل، ومراجعة شروط الولوج إلى الحماية الاجتماعية بما يتناسب مع خصوصية هذه الأنماط الشغلية، مع الحرص على تمتع العاملات والعاملين بكافة الحقوق الاجتماعية المخولة في إطار العمل القار والمهيكل. وتوفير شروط الصحة والسلامة المهنية ضمن أنماط العمل الجديدة بإدراج الحوادث والأمراض المهنية المستجدة المرتبطة بظروف الشغل اللانمطي.