تحتوح: الحكومة وفية لالتزاماتها رغم التحديات ومشاريع جهة الشرق تحتاج دفعة قوية        إدارة سجن الناظور: السجين المتوفى كان يعاني من مرض عضال وتلقى الرعاية اللازمة    قندس جندول تفوز بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان المسرح الحر الدولي بعمان    انخفاض مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي بميناء الصويرة    بوغطاط المغربي | عندما تتحول "لوموند" إلى بوق دعائي مأجور في ملف مهدي حيجاوي.. وشبهات مثيرة حول بصمات طحنون في القضية    القدرة على الادخار... آراء متشائمة للأسر خلال الفصل الثاني من سنة 2025 وفق مندوبية التخطيط    إنقاذ فرنسيين قرب سواحل أكادير بمروحية تابعة للقوات المسلحة الملكية    الرئاسة السورية تعلن وقفا شاملا وفوريا لإطلاق النار في جنوب البلاد    نائب رئيس المجلس الأمريكي للسياسة الخارجية: المغرب عبأ استثمارات مهمة لتحقيق الازدهار الاقتصادي بمنطقة الصحراء    لقجع عن كأس كأس إفريقيا 2025 ومونديال 2030    أمن مرتيل يفتح تحقيقًا بعد العثور على جثة شخص بوادي الديزة    لقاء تواصلي هام بهدف تجويد خدمات قطاع الكهرباء بجهة الشرق    المغرب واليونسكو يعلنان عن تحالف جديد لتعزيز التنمية في إفريقيا عبر التعليم والعلم والثقافة    فرحات مهني: النظام الجزائري يحوّل تالة حمزة إلى قاعدة عسكرية ضمن مخطط لاقتلاع القبائل    ثقة الأسر تسجل التحسن في المغرب    القدرات اللوجستية المتقدمة للمغرب عززت إشعاعه على الصعيد الدولي (نائبة سابقة للرئيس الكولومبي)    وزان يفشل في اجتياز الفحص الطبي للانتقال إلى نادي ريال مدريد    موجة حر شديدة تضرب مناطق واسعة من المغرب يوم السبت    لجنة دعم إنتاج الأعمال السينمائية تكشف عن مشاريع الأفلام المرشحة للاستفادة من الدعم    فيلدا: جاهزون لكل السيناريوهات في نصف نهائي الكان    ترامب: قريبا سيفرج عن 10 أسرى في غزة    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    إصابة 19 شخصا في حادث ألعاب نارية خلال مهرجان شعبي بألمانيا        أكثر من 20 عاما في فرنسا ويرفض منحه تصريح إقامة    أرسنال يضم مادويكي من تشلسي بعقد لخمس سنوات وسط احتجاج جماهيري    محمد المهدي بنسعيد        أنفوغرافيك | ⁨جامعة محمد الخامس تقود سفينة البحث العلمي في المغرب خلال 2025⁩    كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية عين الشق تحتضن مناقشة رسائل تخرج الطلبة الفلسطينيين    السغروشني: تكوين الشباب رهان أساسي لتحفيز التحول الرقمي بالمغرب    حملة هندية تستهدف ترحيل آلاف المسلمين .. رمي في البحر وهدم للمنازل    استئناف موسم صيد الأخطبوط بالمغرب    الدفاع الجديدي يتعاقد مع حارس موريتانيا    فيلدا: فوز "اللبؤات" على مالي مستحق    سائقو النقل بالتطبيقات يطالبون بترخيص السيارات المستعملة عبر دفتر تحملات    فتاح العلوي: مونديال 2030 فرصة تاريخية لتحقيق نمو اقتصادي كبير    تعاون مغربي فلسطيني في حقوق الإنسان    "الأشجار المحظورة" .. الشاعر المغربي عبد السلام المَساوي ينثر سيرته أنفاسًا    زيادة كبيرة في أرباح "نتفليكس" بفضل رفع أسعار الاشتراكات        الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    "أنا غني".. سجال هاشم يستعد لإشعال صيف 2025 بأغنية جديدة    دراسة: الذكاء الاصطناعي يحول تخطيط القلب العادي إلى أداة فعالة لاكتشاف عيوب القلب الهيكلية        افتتاح بهيج للمهرجان الوطني للعيطة في دورته ال23 بأسفي تحت الرعاية الملكية السامية        بعد تشخيص إصابة ترامب بالمرض.. ماذا نعرف عن القصور الوريدي المزمن    "مهرجان الراي للشرق" بوجدة يعود بثوب متجدد وأصوات لامعة    البيت الأبيض يعلن إصابة ترامب بمرض مزمن    وداعا أحمد فرس    دراسة تكشف العلاقة العصبية بين النوم وطنين الأذن    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقديم وتوقيع رواية "بولنوار" للكاتب عثمان أشقرا بخريبكة
نشر في طنجة الأدبية يوم 24 - 01 - 2011

حين قرأ الزعيم النقابي نوبير الأموي رواية بولنوار هاتف كاتبها قائلا " يا عثمان لقد عدت بنا إلى الزمن الجميل "، هذا المولود الذي تم الاحتفاء به في حفل توقيع متميز بتنظيم مشترك بين النقابة الوطنية لعمال الفوسفاط ( ك د ش ) وجمعية النادي السينمائي بخريبكة بحضور الناقد المغربي شعيب حليفي ( الذي تطرقنا لمداخلته في هذا المقال) ،عاد بنا فعلا إلى لحظة من الماضي عشناها وكأننا في الفترة التاريخية التي اتسمت بالحلم الجميل .

ورواية بولنوار عمل أدبي تخييلي وتوثيقي اشتغل على الذاكرة ليرصد الإرهاصات الأولى لتشكل الوعي النقابي في بديات القرن العشرين؛ في قرية عمالية صغيرة أهلها مرتبطون كل الارتباط بمنجم الفوسفاط ، و جاءت بلغة روائية جديدة ذات خصائص سردية تمزج التسجيلي بالتاريخي؛ والسردي بالإيديولوجي ، لذا فقد حققت خاصية نوعية في إنجاز رؤية ذات نكهة مغربية ، وهي تضم شخصيات حقيقية عاشت في قرية بولنوار آخرها مات منذ شهور ، وشخصيات مركبة هي مزيج من الواقعي والتخييلي تجسد قيم النبل والسخاء . فهذه الملحمة التاريخية التي أخرجها إلى الوجود الاستاد والمناضل والكاتب عثمان أشقرا لم تأت من موقع المتفرج ؛ بل جاءت من صلب ذات فاعلة ومشاركة حضرت وعايشت اغلب المحطات الصعبة التي تواجد بها اليسار المغربي وقدم فيها تضحيات جسيمة أيام سنوات الاصطدام القوي بين الاشتراكيين والقوى المحافظة بالمغرب في غياب تام لأي حركة ليبرالية تضمن التوازن. وتحمل صاحبنا في هذه الفترة الحالكة من تاريخ المغرب عدة مسؤوليات في أجهزة حزبية ونقابية وسياسية وجمعوية ، لذلك جاءت الرواية كثمرة لتجربة المتمرس الذي انخرط في النضال بصدق تام كالمؤمن في دينه . وكان للإحباط دور أساسي في تأليف الرواية بعد أن تراجع المد اليساري اليوم وتحول ذاك الحلم الجميل إلى كابوس يؤرق كل المبدعين ، ومن تم جاءت الهجرة المعاكسة وكان من اللازم أن يجد المناضل / المؤلف قناة للتصريف – كما صرح بذلك -،وهذا ما يضيق عنه البحث السوسيولوجي،فكان المتنفس هو الإبداع الأدبي.
الناقد شعيب حليفي الذي حظر حفل التوقيع؛ لم يقم بتحليل أكاديمي محض لمضمون وشكل الرواية ؛لاعتبارات وجيهة مرتبطة بنوعية الحضور الكمي والنوعي المشكل من عمال ومتقاعدي الفوسفاط والفعاليات الجمعوية والسياسية والثقافية ، فاغلب الحاضرين تربطهم علاقة النضال والتاريخ المشترك مع ابن البلدة ورفيقهم الكفاح النقابي والسياسي الدكتور عثمان أشقرا الذي كرمهم بهذه الرواية ، وحاول التحليق بهم بعيدا عن ثقافة اليأس والنسيان وأهداهم لحظة من زمنهم الغالي، وحاول الناقد نهج طريق التبسيط لهذا أعطى خطوطا عريضة بينت أهمية اللقاء الذي يحتفي برواية ستساهم في الوعي بالثقافة عبر إعادة الاعتبار للهوية المغربية بالتزام الموضوعية وجدية البحث...وأضاف أن القارئ للرواية يحس باندهاش كبير وبقشعريرة تنتابه ، فيقف مندهشا لهذا العمل المتميز الذي يخلق تحولا في الآداب لأن فيه قمة التخييل والإبداع .
وحسب الناقد فان الثقافة في المغرب تفتقد إلى سند ؛لان عدة عوامل سياسية حاولت أن تفصل الثقافة عن المجتمع لأنها تصنع له قيما ، مما يستدعي خلق مبادرات من طرف المناضلين لفرض الثقافة والرجوع إلى الواقع ؛ فهي هوية يجب أن نشتغل عليها لان الإبداع يخلق القلق الذي يقوم بتحرير الواقع عبر إعادة تخييله من خلال بناء تمثلات مصغرة تصبح مقياسا لعدد من الجهات بالبلاد ، لهذا فالراوي يحول عددا من الأحداث العابرة إلى جوهر.
وأكد شعيب حليفي انه لم يكن عبثا أن يجمع خمس نقاد على اعتبار أن لهذه الرواية هوية ونكهة مغربية وذات نفس ملحمي حيث انبنت على أحداث تروى بالتناوب وأسست لبداية الحس النقابي بالمنجم 1 و 2 ، وتم تناولها بلغة بينت قدرة الكاتب على تطويعها - وفق ما يسمى بالسهل الممتنع - وأصبحت بذلك لغة قوية لها حمولات لا تستطيع اللغة العربية الفصحى وحدها أن تستوعب قوتها ، وهكذا جاءت اللغة عبر طبقات فيها الظاهر وفيها الباطن عبر الحفر في المعاني للوصول إلى العمق . ويبدو أن الكاتب اشتغل على الرواية بوعي سينمائي ( المونطاج ) لان فيها نوع من المعرفة بالوعي والوعي بالمعرفة حيث باطن الأرض يشتغل على ظاهر الأرض... ومقسمة إلى أربع فصول واشتغلت على ثلاث شخصيات مركزية .
فهذا النص بالنسبة للناقد هو تطوير وامتداد للحكاية منذ وهب بن منبه و ألف ليلة ولية و... ، فخلق الغرائب والعجائب هو نوع من الاحتجاج على الواقع الذي رصدته الرواية من حيث تنوع الأعراق والاختلاف في العادات والتقاليد والأمزجة و الفوارق الاجتماعية المتجسدة في السكن ( بيوت الشافات + بيوت الزوافرية + نوايل + البراريك ..)والرواية جمعت شخصيات تمثل لشكل موجود في المجتمع بل هي مجرد مرايا تعكس واقعا لكل زمان ومكان .
ويرى الناقد شعيب حليفي أن عثمان أشقرا لم ينس انه باحث سوسيولوجي ، لذلك جاءت الشخصيات معتزة بهويتها ، فشخصية دادا مثلا الذي لعب دور المؤرخ الشعبي بلغته الوصفية المرنة ، يتميز بالوعي الحكاء وأذكى من ولد العزوزية، و تأتي أهمية الحكي في خلق نوع من التواصل يؤسس للاختلاف ، إذ به يكتسب الإنسان مفاهيم تساعده على تغليب دور الحوار في التفاهم لان عندما ينتفي الحوار ينتفي الوعي.
وفي مداخلة للكاتب رواية " بولنوار " الدكتور عثمان أشقرا تحدث عن الظروف التي دفعته لإخراج الرواية إلى الوجود منها ولادته في قرية بولنوار المنجمية وتشبعه بجو عمالي خالص بحيث عايش وهو طفل أحداثا نقابية وسياسية حاسمة... و كتبها في سياق مراجعة قام بها للتجربة السياسية والنقابية التي انخرط فيها بعد أن درس الحركة الاتحادي ونشر كتابا حولها بعنوان "الحركة الاتحادية أو مسار فكرة اتحادية".وفيما يخص التجربة النقابية كان من اللازم أن يرجع إلى الجذور و يغوص عميقا في أصول تشكل الوعي البروليتاري وطنيا وأمميها .وكانت قرية بولنوار المنجمية هي البذرة أو الفضاء الذي برز فيه هذا الوعي والتطور وهذا ما حاول بلورته إبداعيا من خلال شخصيات وأحداث حقيقية أو متخيلة- و هذا رهانا صعبا- حيث مزج بين ما هو تسجيلي تاريخي وما هو تخييلي إبداعي . وعبر الكاتب عن ارتياحه بعد انجاز هذا العمل الإبداعي الذي كرس له سنوات من البحث والتوثيق ، واعتبر أن كل ماجرى في قرية بولنوار انحفر في الذاكرة كالوشم وان الرواية في نظره هي عودة إلى الجذور .لكن لماذا هذه العودة ؟؟
يرى عثمان أشقرا كمناضل متمرس في المجال النقابي والسياسي عايش سيرورة وصيرورة الحركة الاتحادية بشكل خاص واليسار المغربي بشكل عام؛ أن المراجعة في المجال النقابي لا تخضع للمنطق السوسيولوجي والسياسي ، لان النقابة تضم فئات متنافرة يجمع بينها الانتماء إلى جسم واحد وهو جسم الطبقة العاملة التي تراهن على حلم ما ، ويضيف انه كمناضل متشبع بهذا يرى أن الحلم تحول إلى كابوس ، فالحركة التقدمية في نظره فكرة رائعة بدأت تكبر وتكبر لكنها تعرضت للخيانة أهمها خيانة المنخرطين فيها ، لهذا تمت العودة إلى الجذور أو الهجرة المعاكسة إلى بولنوار مهد انطلاق الحركة العمالية المغربية وبداية تشكل الوعي البروليتاري ، نموذج شخصية ولد العزوزية الذي كان راعيا للغنم تم عاملا بمنجم الفوسفاط ،وكيف ساهمت عوامل عدة في تشكل وعيه وانخراطه في النضال النقابي ، لان هؤلاء العمال وفي ظل القهر الاجتماعي كانوا مستعدين للتشبث بأي قبس ضوء يلوح في الأفق .
وقرية بولنوار حسب الكاتب " هي رمز " عاش فيها مجموعة من الأفراد قدموا من كل مناطق المغرب و ما كان يجمع بين هؤلاء وهم متنافرون من حيث الأمزجة والتقاليد ؛ هو هوية بدأت تبرز إلى الوجود في تلك الفترة ....و بولنوار تحكي قصة مازلنا نعيش صيرورتها إلى الآن.....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.