لقد فتح ربيع الديمقراطية العربي شهية «المتحدثين باسم الشعوب» في التعبير عن آراء وأفكار وتوجهات واختيارات وطموحات وتطلعات لا تعكس أحيانا إرادة الشعوب الحقيقية والفعلية فيما تتطلع إليه بصدق بقدر ما تمثل نوايا مبيتة لا علاقة لها بما تريده الشعوب من إصلاحات وتغييرات، بل يذهب البعض لاستغلال الظرفية والركوب على «الموجة» والخروج تماما عن السياق العام لمتطلبات المرحلة بأبعادها السياسية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية. ولم ينج الحراك السياسي الذي يعيشه المغرب من مثل هذه الانزلاقات والمغالطات والانحرافات عندما نلاحظ كيف أن بعض الأصوات سمحت لنفسها لتتحدث باسم الشعب وتعبر باسمه عن «اسقاط النظام»، متجاهلة بأن النظام المغربي كل لا يتجزأ ، تنصهر فيه الأمة المغربية، الشعب المغربي، القيم الاسلامية المغربية ومقاصدها، المؤسسات الدستورية، متجاهلين بأن الشعب المغربي متشبث ومتمسك بنظامه الملكي الدستوري الديمقراطي كما تجسد في تلاحم العرش والشعب لمكافحة الاستعمار ابتداء من تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال والديمقراطية في 11 يناير 1944 إلى مفاوضات إيكس ليبان مرورا بثورة 20 غشت 1953. إن المرحلة السياسية الدقيقة التي تجتازها البلاد تطرح أكثر من تساؤل بخصوص: «ماذا يريد الشعب»؟ حتى لا نسقط في ضرب المشروعية من حيث لا ندري، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمؤسسات الدستورية التي تشكل العمود الفقري للنظام السياسي المنشود . هل يحق لأي كان أن يتكلم باسم الشعب؟ وعن أي شعب يتحدث هؤلاء باسم الشعب من أجل تمرير خطاب لم يعد له وجود إلا في مخيلتهم في ظل العهد الجديد الذي دشنه جلالة الملك محمد السادس؟ إن احترام المشروعية يفرض على الجميع الرجوع إلى القوانين المنظمة لحياة الأمة في جميع المجالات ، وفي مقدمتها أحكام الدستور، باعتبار القانون أسمى تعبير عن إرادة الأمة. ويجب على الجميع الامتثال له، كما ينص على ذلك الفصل 4 من الدستور، وباعتبار جميع المغاربة سواء أمام القانون طبقا للفصل 5 من الدستور. ولضمان المشروعية في إطار دولة الحق والقانون والمؤسسات القائمة على المفهوم الديمقراطي الحديث، حرص الدستور المغربي على إعطاء مسألة تمثيل الشعب مدلوله الديمقراطي عندما نص الفصل 19 من الدستور على أن الملك أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة على أساس البيعة. كما خول الدستور لأعضاء البرلمان، باعتبارهم يستمدون نيابتهم من الأمة، تمثيل الشعب وفقا لأحكام الفصل 36 من الدستور ما دامت السيادة للأمة تمارسها مباشرة بالاستفتاء وبصفة غير مباشرة بواسطة المؤسسات الدستورية المنتخبة، وفي مقدمتها المؤسسة التشريعية، كما جاء في الفصل الثاني من الدستور وبمقتضى الفصل 3 من الدستور، فإن الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والجماعات المحلية والغرف المهنية تعتبر مؤسسات لتمثيل الشعب. وهذا يعني أن التعبير عن الشعب والتحدث باسمه مسألة مشروعية مطلوب من الجميع احترامها لما فيه ضمان ترسيخ دولة الحق والقانون والمؤسسات وتكريس قواعد الديمقراطية الحقة كما هي متعارف عليها في الأنظمة الديمقراطي المعاصرة. لقد أضعنا وقتا طويلا ما كان ينبغي لنا أن نضيعه في مسيرتنا نحو ترسيخ دعائم المشروعية سواء على مستوى الأسس والمؤسسات التي تقوم عليها وعلى مستوى الممارسة والتعامل معها، بما في ذلك التعامل مع الدستور بما تقتضي أحكامه من احترام روحه الحية التي تسري في جميع الأبواب والفصول والفقرات بإرادة حسنة لأن أي ابتعاد عن قواعد التمثيل في تسيير البلاد وتنظيم المؤسسات يضع البلاد في فراغ مطلق قد يؤدي الى التسيب القانوني والسياسي بعدما أبانت التجربة عن فشل الذين يريدون احتقار الشعب بتفكير نخبوي من شأنه إضاعة الوقت في التافه من التفكير والعمل في الوقت الذي ينادينا التاريخ المستقبلي للابتعاد عن كل ما من شأنه أن يمس بالمشروعية باحترام القانون باعتباره أسمى تعبير عن إرادة الأمة وأساس بناء وجود الدولة وكيانها. فلتكن لكل منا الشجاعة الكافية لنتكلم باسمنا لتسويق خطابنا وترويج أفكارنا، وتقديم مقترحاتنا وتصوراتنا حتى لا نجعل الشعب مطية لتمرير توجه معين والتعبير عن اختيار ما في ظل عصر دولة المؤسسات التي تجعل الدستور قادرا، بروحه وأحكامه، على أن يكون الحكم في تحقيق المشروعية.