أمينة بنخضرة: المغرب يؤكد التزامه بدور ريادي في تنمية إفريقيا    تقرير: "تشظي المؤسسات" يعرقل تدبير الأزمات المائية في المغرب    قضيتنا الوطنية.. حين يشيخ الخطاب وتتمرد المرحلة    الاتحاد الاشتراكي يساند الفلسطينيين    تباين الموقف النقابي يربك "الجبهة الاجتماعية" في قطاع التعليم العالي    الجرف الأصفر : شركة 'كوبكو' تدشن أول وحدة صناعية لمواد بطاريات الليثيوم–أيون بطاقة إنتاجية تبلغ 40.000 طن    إدانة رابطة مغربية لتأخير رحلة Ryanair بمطار الرباط    الاحتيال يهدد زبائن تأجير السيارات    بورصة البيضاء تتم التداولات بارتفاع    "القرض العقاري والسياحي" يعزز القدرات التمويلية بزيادة رأس المال    قتيلان جراء عواصف قوية في فرنسا    دول "الناتو" تتعهد بزيادة الإنفاق العسكري .. وترامب يشيد ب"انتصار عظيم"    مونديال الأندية: إنتر يقصي ريفر بلايت ويتجنب مواجهة دورتموند    مغاربة العالم يعقدون ندوة حوارية بباريس حول الورش الملكي الخاص بالجالية    "الحسنية" تأذن بسفر المدرب الجديد    الرباط تحتضن دوري الراحل بوهلال    الابتزاز وراء عقوبتين بالكرة النسوية    توقعات طقس اليوم الخميس بالمغرب    حريق غابوي يندلع بغابة "ثندا إفران" بإقليم الحسيمة واستنفار للسيطرة عليه    كيوسك الخميس | المغرب يدخل عصر البطاريات الخضراء باستثمار 20 مليار درهم    دراسة مغربية تعدد صعوبات تنفيذ الأحكام القضائية في التعرضات العقارية    معرض يستحضر الأندلس في مرتيل    أكاديمية المملكة المغربية تكرم 25 سنة من الأدب الإفريقي في "غاليمار"    طفل في كل فصل دراسي مولود بالتلقيح الصناعي ببريطانيا    احذر الجفاف في الصيف .. هذه علاماته وطرق الوقاية منه    كأس العالم للأندية لكرة القدم.. فلومينينسي يعبر إلى ثمن النهائي عقب تعادل سلبي أمام صنداونز    تثبيت كسوة الكعبة الجديدة على الجهات الأربع مع مطلع العام الهجري    سوق الكوكايين العالمية تحطم أرقاما قياسية    ما علاقة الإعلام بتجويد النقاش العمومي؟    حريق يُخلّف إصابتين في حي بوحوت بطنجة    تعيين عالمة الأحياء المغربية جنان الزواقي عضوا في الأكاديمية الإيبيرو-أمريكية للصيدلة    وفاة شاب إثر سقوط من سطح منزل بطنجة    طنجة: وفاة الأربعيني الذي أضرم النار في جسده بشارع أهلا متأثرا بحروقه البليغة    موجة حر غير مسبوقة تضرب المغرب لستة أيام متتالية.. الأرصاد الجوية تحذر وتعلن مستوى يقظة برتقالي    وزارة الصحة الإيرانية تعلن مقتل 627 شخصا في الهجمات الإسرائيلية    أولمبيك الدشيرة يحرز لقب أول نسخة من كأس التميز    الداخلية تشرع في إعداد لوائح المجندين الجدد تنفيذا للتعليمات الملكية    موازين.. الفناير تراهن على التراث والتجديد لمواجهة ضغوط السوشيال ميديا    مونديال الأندية.. دورتموند يقهر أولسان وفلومينينسي يفلت من كمين صنداونز    نزاع حول حقوق هولوغرام عبد الحليم حافظ يشعل مواجهة قانونية بين XtendVision ومهرجان موازين    أول مصنع من نوعه خارج القارة الآسيوية .. المغرب يدخل عصر البطاريات الخضراء باستثمار 20 مليار درهم    بعد وفاة مؤسسه بنعيسى... موسم أصيلة الثقافي الدولي يواصل مسيرته بصيغة صيفية حافلة بالفنون    ارتفاع حصيلة شهداء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 56 ألفا و156 منذ بدء الحرب    انطلاق أول عملية توريق للديون المتعثرة وأخرى قيد الإعداد    السياحة المغربية تحقق أداء قويا في 2025 بارتفاع العائدات وعدد السياح    دراسة تحذر: انتكاسات كبيرة في برامج التلقيح تعرض الأطفال لخطر الأمراض القاتلة        مع استمرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران جيش الاحتلال يواصل استهداف غزة واتصالات لوقف الحرب وسط وعود جديدة لترامب    بنكراد: معظم المحتجين في 20 فبراير بمجرد ما عرضت عليهم المناصب ذهبوا لها وانفضوا    عودة الدواجن البرازيلية إلى الأسواق المغربية بعد زوال المخاطر الصحية    مقتل 6 من جنود اسرائيليين في قطاع غزة    مؤسسة أحمد الوكيلي تطمح إلى إخراج "الآلة" من النخبوية الموسيقية    بعد غياب طويل.. عودة الإعلامية لمياء بحرالدين للساحة الإعلامية بشكل جديد    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الدولاب فأر
قصة للكاتب البولوني: سلافومير مروزيق
نشر في العلم يوم 17 - 10 - 2011

ذات ليلة، كنت في رحلة ما. و نظرًا لعدم وجود خط مباشر إلى مكاني المقصود، اضطررت إلى النزول في إحدى محطات الاستراحة الواقعة على الطريق بانتظار قدوم القطار المتمّم للرحلة، الذي لم يكن ليصل إلا في صباح اليوم الموالي.
كان الليل قد أقبل، و حاجتي إلى النوم و الراحة بدأت تزداد. فغادرت المحطة بحثاً عن فندق أقضي فيه ليلتي. لم أجد غرفة في أي فندق ولا في أي مكان آخر بالمدينة الصغيرة.
أخيراً دلوني على عنوان أكدوا لي أنني سأجد فيه حيث أنام.
نَزْلٌ فسيحٌ ذو هندسة واطئة. تحيط به حديقة.
" هذا شأنك الذي لا يعنيني ... لكن الغرفة مسكونة "، قال لي صاحب النزل.
كنت أخشى ليلة بدون مأوى ليست سوى ليلة بدون نوم !
كيف هي مسكونة ؟
لن أدخل في التفاصيل ... هي عموماً مسكونة...
عموماً ! هذا مُطَمْئِنٌ و غير مطمئن : غير مطمئن لأنك لا تعرف شيئاً، و مطمئن لنفس السبب...
فقبلت .
" كان واجباً عليّ أن أنبهك "، قال لي مضيفي وهو يرافقني إلى غرفة حيث كان، زيادة على باقي الأثاث، دولاب كبير.
حين وجدت نفسي وحيداً في الغرفة، ذهبت إلى النافدة لأنظر إلى الخارج. فلم أر شيئاً .
كنت أسأل نفسي عن معنى أن تكون غرفة ما مسكونة ...
خلعت بذلتي ووضعتها على إحدى الأرائك .
ترى أي شيء ينتظرني ؟
أفرغت ماءَ جرةٍ في إناء.
هياكل عظمية ؟ أكفان؟ جماجم مكشوطة من اللحم ؟...
غسلت وجهي .
ساق ضخمة تنقر على الزجاج نقرات موزونة ؟...
نشفت وجهي بالمنديل .
أو رأس يتدحرج وحده على الأرض ؟
نزعت حذائي .
كلب أسود هائل ؟...
نظرت تحت السرير.
أو مجرد شبح ؟...
خلعت باقي ملابسي، واستلقيت فوق السرير. كنت مرهقاً لا يطاوعني النوم.
جثة معلقة في الدولاب ؟...
قصدت الدولاب. فتحته. كان فارغاً.
عدت إلى الفراش بعد أن أغلقت الدولاب. ضوء فسفوريّ ينبعث من إطار ساعتي. الوقت تجاوز منتصف الليل. لعل اللحظة الحرجة قد مرت. فهل يكون صاحب النزل قد سخر مني ؟...
فجأة سمعت خشخشة خافتة، لكن جلية.
هنا انتفضت واقفاً. أضأت المصباح. كانت الخشخشة آتية من داخل الدولاب.
على أصابع رجليّ دنوت من الدولاب. كنت ممسكاً المصباح باليمنى، و باليسرى فتحت الباب.
ما هذا ؟ فأراً رأيت !
صفقت باب الدولاب، وتهاويت على أريكة.
هكذا ?ذن، وبدون أي حرج، أجاز "هذا" لنفسه أن يزعجني... أن يخيفني !
إلا إذا كان "هذا" في هيأة فأر !
بيد أن "هذا"، في الحالة هذه، لا يبعث على الخوف !
لكن ... هل حقّاً لا يبعث "هذا" على الخوف ؟
إذا كانت هذه غاية الفأر، إذا كان الفأر لا يكتسي أيّ معنى ما، فهو إذن أبعث على الخوف من أية هياكل عظمية أو أكفان أو جماجم مكشوطة من اللحم...
أشعلت سيجارة .
... أو أية ساق ضخمة تنقر على الزجاج نقرات موزونة ...
تصفحت مطبوعاً للدعاية السياحية.
... أو أي رأس يتدحرج وحده على الأرض...
تلفنت إلى عشيقتي اليونانية لأطمئنها على حالي.
... أو أي كلب أسود هائل ...
خرجت إلى الشرفة لأتنشق هواء الفجر.
... أو مجرد شبح...
تناهى إلى مسمعي صوتُ سكرانٍ يردّد لحن أغنية "لا مامّا" لشارل أزنافور.
... أو جثة معلقة في الدولاب ...
ذلك لأنّ مجرد شبح مثلاً غيرِ عاديّ ليس دائماًً غير شبح غير عاديّ ... أما فأر عاديّ، فأي شيء يمكن له أن يكون إذا لم يكن فأراً عاديّاً ؟
ما الذي يضمره من نوايا ؟
انتصبت شعرات رأسي.
إلا إذا لم يكن يضمر أية نوايا.
ارتخت شعرات رأسي.
إذن... إمّا أنه شيء أكثر إرعاباً من الأشباح، و إمّا أنه لا يبعث على الرعب إطلاقاً !
لكن ... كيف يمكن لي أن أتأكد ؟
مرة أخرى، ألقيت نظرة حذرة داخل الدولاب. كان الفأر بَعْدُ هناك، رماديّاً، منزوياً في ركن من الدولاب.
هل له معنى ما أم ماذا ؟
لا شيء في هيئته يفصح عن ذلك .
كان ينظر إليّ بعينين صغيرتين تشبهان حبّتي خشخاش. أي شيء يمكن لنا أن نقرأه في حبّتي خشخاش ؟
صفقت باب الدولاب.
كنت أعاني عرقاً كالثلج بارداً.
ربما كان العكس ... لكن ... لو حدث أن الفأر ينوي أن...
تناولت فردة حذائي وقتلت الفأر ثم تنفست الصعداء.
استرحت منه .
حينئذ، انتبهت إلى أنني كنت أمسك فردة حذائي بين يديّ.
لم يحدث أبداً أن أعرت حذائي أي انتباه من قبل !
وضعت الفردة أرضاً و بدأت أتأملها من كل جهة.
و بعد ؟... إنها مجرد فردة حذاء !
لكن كونها كذلك هو بالضبط ما جعلها مدعاة للشك !
لأنها، إلى حد ما، فردة حذاء أكثر من اللازم !
قررت أن أفاجئها .
أخذت الجريدة، وتظاهرت بالقراءة. ثم أدرت رأسي نحوها في حركة مباغتة. لكن الفردة، وكأنها لم تكترث بذلك، ظلت جامدة. بقيت فردة حذاء.
لم يكن ذلك ليبرهن على شيء ما !
كرّرت العملية مرّات عديدة... بنفس النتيجة.
لكن الفردة لبثت كما هي !
على حين غرّة، سمعتني أقول همساً : و إذا كان حذائي مصنوعاً من جلد فئران؟
تفحّصته بإمعان وكأنني لأول مرة أراه. فتنبّهت إلى أنّ لونه رماديّ مثل لون إِهاب فأر الدولاب.
و بعد ؟ لِيَكُنْ ...
أشعلت سيجارة.
تخيّل لي أن الحذاء ينظر ?ليّ نظرة شزراء.
شربت جرعة ماء .
الخبيث يتشفى مني !
ارتميت فوق السرير.
لحظتئذ، تذكّرت تعدادَ صاحب المحل التجاري في غدانسك لمزايا جلد الحذاء ليقنعني بشرائه. من بين ما قاله لي، وهو يُريني بصمة الجودة، ?نه مصنوع في الجزائر من لدن شركة أحذية باذخة.
فجأة طفت على سطح ذاكرتي فئران ألبير كامو، الجزائري الأصل، في
روايته : "الطاعون". فانتفضت بطريقة آلية، و استويت جالساً فوق السرير.
قلبي كان يخفق بقوة.
و ?ذا لم يكن الفأر، بل الحذاء هو الذي ...
أو هما معاً ...
وقفت، و أضأت المصباح، ثم فتحت النافذة، و طوّحت بكل قوتي بالحذاء في الهواء، فردة تلو الفردة.
أغلقت النافذة، و قصدت الحمّام لأغسل يديّ.
رفعت ذراعَيّ. كانت منامتي ذات كُمّين جد ّ قصيرين. ولعل هذا هو السبب الذي جعلني أتفطن إلى أنّ يَدَيَّ كانتا بالفعل يدين !
أجل ... يجب على المرء أن يواجه الأشياء كما هي ... من غير لف و لا مواربة ...
يدان اثنتان ! ..
أشعلت سيجارة.
إنهما يداي ...
استرعى انتباهي أنّ النهار بدأ يطلع ...
لكنّ كونهما يَدَيَّ لا ينفي عنهما أنهما يدان ...
عطست عطسة قوية أيقظتني من غفوة قصيرة ...
نعم ... يدان بكل بساطة و بداهة ...
جلست تلقاء الطاولة. وضعت عليها يَدَيَّ ...
نفس اليدين اللتين أشعلت بهما جهاز التلفزيون والسجائر الواحدة تلو الأخرى و أضأت بهما المصباح وطوّحت بإحداهما بالحذاء بكل قوتي في الهواء و اللتين غسلتهما في الحمّام و أمسكت بهما فردتي الحذاء و هويت بإحداهما على الفأر لأقتله و اللتين كَمْ يلذ لعشيقتي اليونانية أن أضرم بهما النيران في جسدها الحريريّ البض و ...
على حين غفلة، بدأت الحقيقة القاسية تنجلي لديّ.
إنهما يدان بالتأكيد ... و هما الآن موضوعتان أمام عينيّ فوق الطاولة ...
هكذا إذن، فليس من شأنهما أن تكونا و لو يَدَيَّ ما دامتا مبسوطتين أمام عينيّ فوق الطاولة ...
إن اليد تتميز عن الحذاء بكونها يداً لا غير ...
كذلك بالنسبة للفأر ... و بمعنى آخر، فلا فرق هناك.
يا إلاهي ! و إذا كان الحذاء، مَثله مَثل الفأر و اليدين، قد ...
مع شروق الشمس، أتى صاحب النزل، و نقر على باب غرفتي مرّتين.
كان حاملاً إليّ وجبة فطوري.
لمّا لم أجبه، اقتلع باب الغرفة. ثم زاول على جسدي عملية التنفس الاصطناعي.
فعُدت إلى الحياة، صُوَرُ الفأرِ و فردتيْ حذائي و يَدَيَّ تتراقص أمام ناظري.
قدّرت بالتخمين أنه سيسألني لا محالة كيف أمضيت ليلتي في الغرفة "المسكونة". فأطلقت للريح رِجليَّ الحافيتين باتجاه محطة القطار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.