قدم الفائزون بجائزة سلطان العويس الثقافية في دورتها 19 شهادات عن مساراتهم الكتابية والبحثية في جلسة عرفت حضور نخبة من المفكرين والأدباء والإعلاميين من داخل الإمارات وخارجها، وهي الجلسة التي أدارتها الإعلامية والشاعرة بروين حبيب، مساء الثلاثاء 11 نونبر الجاري بمقر المؤسسة، واختتمت بتوقيع الفائزين لكتبهم. هكذا عبر شيخ الباحثين التاريخيين التونسي عبد الجليل التميمي، الفائز بجائزة الدراسات الإنسانية والمستقبلية هذه السنة، عن سعادته بالجائزة معرجا على تجربته في البحث التاريخي التي قادته الى الاطلاع على الثقافة واللغة التركية للوصول إلى مصادر التاريخ العثماني ن وعلاقة هذه الامبراطورية بالإيالات العربية، وهو الاطلاع الذي مكنه من اكتشاف حوالي 100 مليون وثيقة تاريخية لم يستفد منها إلا قلة من الباحثين. مسار التميمي في البحث التاريخي كان فرصة لإطلاع الباحثين والقراء على شهادات قيمة تأتّت من لقاءات جمعته بشخصيات وازنة في تاريخ الأمة العربية، وألقت الضوء على الكثير من مناطق الظل والمسكوت عنه في هذا التاريخ، كما أعادت للوثيقة التاريخية قيمتها وحجيتها التي غُيبت في تاريخنا المعاصر، وأجْلَت الكثير من الغموض نتيجة المغالطات التي وسمت العلاقة بين الدول العربية والدولة العثمانية. ودعا التميمي إلى دراسة التاريخ الحقيقي للأمة، وإلى دور جديد للمدرسة التاريخية العربية، والى إعادة هيكلة البناء التاريخي العربي – العثماني. عن علاقتها بالكتابة، قالت الكاتبة والروائية العراقية إنعام كجه جي، الفائزة عن صنف الرواية والقصة والمسرح، إن تجربتها الطويلة في الكتابة، بمختلف تعبيراتها، تجعلها تشعر وكأنها «بدأت من الكتابة المسمارية لكنها مازلت مستمرة الى الآن». وأعادت صاحبة «الحفيدة الأمريكية» الحضور إلى بداياتها التي انطلقت بخربشات شعرية لتتحول الى كتابة القصة قبل أن تسرقها الصحافة في رحلة طويلة قررت العودة منها وهي في الخمسينات لتصدر أول عمل أدبي لها «لورنا سنواتها مع جواد سليم». عن كتابة الرواية، تقول إنعام كجه جي إنها نابعة من إحساس عميق بالواجب، «واجب تقديم شهادتي عن ملايين العراقيين الذين انحرفت مساراتهم ومستقبلهم بسبب الحرب «، وعن الخراب والدمار الذي حل بأرض الفرات. وفي إشارة الى من يعلقون على لغة كتابتها الروائية ونعتها بالتبسيطية واللغة الصحفية، اعتبرت مؤلفة» النبيذة» أنها لا ترى في الأمر تنقيصا ولا استصغارا، بل مصدر افتخار لأن الصحافة علمتها كما تقول «إزالة الترهلات من الكتابة وتجنب الحشو»، وزودتها بشخصيات رواياتها التي عايشتها عن قرب في لقاءاتها الصحفية. الشاعر العراقي حميد سعيد، الفائز بالجائزة في صنف الشعر، لفت الى أن نشأته في فضاء أسري غير معني بالكتابة أغنت ثقافته الشفهية عبر حفظ الأشعار والأمثال قبل أن يتملكه شغف القراءة ثم الانحياز الى أفق الشعر وحده، رؤية وخلاصا. هذا الأفق حاول الشاعر أن يكتب فيه قصيدته الخاصة، قصيدة تشبهه، ناحتا صوته الخاص في خريطة الشعرية العربية. صاحب «من وردة الكتابة إلى غابة الرماد»، وهو يفتح سيرة الوجع والحنين، أكد أن الترحال بالنسبة إليه اختيار وليس اغترابا، مؤكدا أن بغداد تسكنه، تزوره كل صباح، ويحملها معه روحا وحياة. لم يكن مسار الناقد المغربي حميد لحميداني، مرسوما سلفا لدراسة الأدب، كما عبر عن ذلك وهو يستعيد مرحلة الطفولة التي لم تستهوه القراءة خلالها الى أن وصل مرحلة التعليم الثانوي لتبدأ رحلة الوعي والقراءة وتنمية الملكات المعرفية. لحميداني الذي كان يفضل التوجه الى دراسة الطب الذي وقفت اللغة الفرنسية دون تحقيقه هذا الحلم، توجه الى الأدب محاولا رسم مسار متفرد في البحث الأدبي والنقد قبل أن يخوض مغامرة نقد النقد التي نجح فيها، ومغامرة ترجمة الشعر الفرنسي باحثا عن الجمالي والإبداعي في كل ما يكتب.