ضمن مناقشة إشكالية أو مطلب استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية وعن السيد وزير العدل، بادر بعض المهتمين إلى إبداء رأيهم في الموضوع. وباعتبار مستنداتهم الفكرية والمنطقية، يرى البعض منهم أن من الصعب فك الارتباط بين النيابة العامة والسلطة التنفيذية، خاصة وأن هذه الأخيرة في نظرهم كما الأولى تسعى إلى تنفيذ القانون باعتبار الوظيفة، مع أن قضاة النيابة العامة كقضاة الأحكام لا ينفذون القانون وإنما يطبقونه بضمير ومسؤولية قانونية. ومن جهة الدستور المغربي الحالي، يبدو أن هذا الاستقلال استقلال النيابة العامة على العكس من ذلك الرأي أمر محسوم فيه مادام أنه الدستور لم يفصل في كل مقتضياته المتعلقة بالقضاء بين القضاء الجالس والقضاء الواقف بما يراه ذلك البعض. كما أنه الدستور لا يتحدث عن استقلالين وإنما يتحدث عن استقلال واحد، يتعلق بالقضاء كمؤسسة دستورية دون أي تمييز بين الأعضاء المنتمين إليه جالسين كانوا أم واقفين. نعم، تعارض هذا الاستقلال استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية وعن السيد وزير العدل والحريات بالرغم من عد شرعية التساؤل بشأنه كمعطى قانوني تعارضه بل تعترضه ذهنيات فقدت حلم الحاضر في مستقبل آخر غير الذي عاشته مستقبل تسوده الحرية، في كل شيء في الحكم في التدبير في التسيير لكن في إطار نظام حداثي، ديمقراطي أساسه المساواة والمسؤولية والمحاسبة عليها. وما يحز في النفس أن بعضا من بقايا ذلك الماضي لازال يبدي جرأة غير مبررة في مقاومته المزعجة لثقافة الحاضر التي تشكل حرية التعبير والاختلاف في الرأي بالنسبة إليها مكسبا لا يمكن التفريط فيه الفصل 25 من الدستور يضمن، حرية الفكر والرأي والتعبير والإبداع والنشر والعرض في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني غير أن ما يمكن ملاحظته في هذا الحراك الحر والعمومي بالرغم من ذلك وإلى حدود الساعة، تخلي مجموعة من النخب المعروفة بإسهاماتها في مجال القانون والحقوق من قضاة ومحامين وأساتذة جامعيين عن الانخراط والمساهمة في هذا النقاش التاريخي. ونخاف أن تمتد فيما بعد آثار تلك الذهنيات إلى استقلال القضاء على اعتبار أن أي مساس باستقلال النيابة العامة هو في عمقه وامتداده مساس كذلك باستقلال القضاء، هذا الاستقلال الذي شكل طيلة العقود السابقة حلما قضائيا »ممنوعا«. بالإضافة إلى ذلك هناك إكراهات أخرى على مستوى الواقع المادي لكن لا وزن لها في الثقافة القانونية والحقوقية الحالية لكونها من إيداع عقليات الضبط، التحكم، الاستبداد، الانتقام... التواطؤ، التملق... الخ، إنها إكراهات لا يقبلها الحاضر الثقافي والحقوقي بل يرفضها وهي على كل حال في تآكل يومي سريع ومريع. هذا كله مع أن دستور البلاد الدستور الحالي لا يميز بين قضاء الحكم وقضاء النيابة العامة المواد 107 108 110 111 113 115 117 126. ومما يلاحظ في استعمالات الدستور لألفاظ: القضاء، القضاة، القاضي، أن لهذه الاستعمالات »دلالة عامة تجمع بين كل من قضاء الحكم وقضاء النيابة العامة..« الأستاذ عبدالسلام العيماني جريدة الصباح ليوم الأربعاء 30 يناير 2013 العدد 3973 الحلقة الرابعة.. وبالرغم من وضوح خطاب النص الدستوري بخصوص هذا الموضوع يطرح البعض بل يفرض حدودا فيما بين قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة من خلال إما، تساؤلات تضمر إصراره على وصل ما انقطع قانونا وواقعا وأصبح مجرد تاريخ أفكار حول مفهوم النيابة العامة أو من خلال التركيز على »الإداري« المتشبث بجذور نشأة النيابة العامة في فرنسا وفي المغرب سابقا وتهميش »القضائي« المتشبع بثقافة فصل السلط. أن بعض الكتابات في هذا الموضوع تحاول دمج قضاة النيابة العامة ضمن موظفي الإدارة القضائية خاضعين بدورهم للسلطة الرئاسية لوزير العدل للتقليل من شأن الدور القضائي لهؤلاء القضاة وبالتالي تمكين السلطة التنفيذية من الإشراف عليهم والنيل من استقلالهم كقضاة ضدا على اختيارات دستور المملكة الجديد الذي ميز بشكل واضح بين السياسي والقضائي. وقبل هذا الدستور كان الخطاب الملكي ( خطاب 2011/03/09 ( الذي أبدى من خلاله الملك محمد السادس رغبته في الارتقاء بقضاء بلاده إلى مرتبة السلطة المستقلة بما تعنيه الكلمتين ( السلطة والاستقلال ( من دلالات وأبعاد على مستوى المنظومة القضائية بشكل عام«. كما أوصى ب»انتهاج الاجتهاد الخلاق، والإصغاء والانفتاح للتفعيل الأكمل لمشروع إصلاح العدالة«. وفي خلاصة أولى أن الدستور الجديد اعتبر ( في فصله 107 ( القضاء سلطة، وسلطة مستقلة، وأن الملك هو الضامن لهذه السلطة القضائية المستقلة. لكن ويظهر من قراءة الفصول المتعلقة بالسلطات الثلاث في الأبواب الرابع، والخامس، والسادس، والسابع من الدستور أن المشرع في تنظيمه لهذه السلطات ( في علاقاتها ببعضها ( اقتصر على العلاقات بين الملك والسلطة التشريعية ثم بين هذه الأخيرة والسلطة التنفيذية، أما بالنسبة للسلطة القضائية فإنه لم يتطرق إلى تنظيم علاقاتها لا مع الملك ولا مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، الأمر الذي يؤكد أن هذه السلطة مستقلة بشكل تام ( دستوريا ( عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. أما في علاقاتها ( السلطة القضائية ( مع الملك، فإن الدستور اقتصر كذلك على تعزيز وتقوية ودعم استقلالها عندما نص في الفصل 107 منه على أن »الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية...«.