يوم بيوم لا ملل في انتظار الأمل نور الدين مفتاح نشر في 18 مارس 2021 الساعة 12 و 06 دقيقة من حق المملكة أن تدافع عن مصالحها العليا، ولكن من حق الرأي العام المتشبث بقضيته الوطنية، وبنخوته وبمصالحه، أن يكون على علم بما يجري. هذه هي معادلة القوة في الدفاع عن الوطن التي لا يمكن أن تمر إلا عبر التعبئة. نور الدين مفتاح [email protected] تتوالى الأحداث في المغرب بشكل لا يبعث على الملل أبداً، فهناك دائما المفاجآت والهجومات والارتدادات، لدرجة أن أي محلل ضليع لا يمكن أن يصيب دائما في ما ستجود به التطورات في المملكة. فالمعطيات الموضوعية لا تؤدي دائما إلى النتائج المنطقية، وبالتالي فإننا دائما خارج قفص المعلوم والمحسوم وربما المحتوم. قطعنا الاتصال مع سفارة الفيدرالية الألمانية برسالة من وزير الخارجية إلى رئيس الحكومة! وأصبح شكل هذا القرار السياسي طاغيا على مضمونه حيث وجدنا من استطاع أن يجد مبررا دستوريا لإعطاء وزير للتوجيهات لرئيسه في الحكومة! ما علينا. ولكن هذه القضية التي تحولت إلى قضية رأي عام ليس لها لحد الآن أي سند رسمي! ويمكن في أي لحظة أن تجمع وزارة الخارجية الوقفة وتنفي كل هذا الذي عليه تتصايحون، فالمراسلة تم تسريبها في مواقع التواصل الاجتماعي، وبعدها ظل الصمت مطبقا، لا من طرف المرسل ولا من طرف المرسل إليه، وأما عن أسباب هذا القرار الحساس، فلا سلام ولا كلام. وبما أن الأمر يتعلق بدولة وازنة في الميزان الدولي بكل المقاييس الموضوعية، فإن الرسالة المسربة لم تمر مرور الكرام، وبالتالي أصبح على المحللين والمحرمين والموالين والمعارضين والمحايدين وعباد الرحمان في هذا المغرب أن يجتهدوا، وكل واحد يخمن ويبحث عن تصريح أو حركة أو مبادرة من الفيدرالية الألمانية خلال الأشهر الأخيرة ليركب ما جال في ذهن السيد وزير الخارجية، حتى يتم اتخاذ قرار عدم التعامل مع هذه السفارة. وبهذا أصبحت الروايات تنطلق من قضية الصحراء المغربية والانحياز الألماني بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، ورفع علم الجمهورية الصحراوية التي لا تتوفر على مقومات الدولة في «بريمن» أصغر لاندر ألماني، وبث «الدوتشيه ڤيلا» لفيديوهات مسيئة للمملكة ولبعض الأجهزة، واحتمال اكتشاف أعمال تجسس على البلاد واحتضان ألمانيا لمشتبهين بالإرهاب يهددون المملكة، وغير هذا مما جعل هذا الحدث الجدي يقترب في تصور دوافعه إلى فيلم يكتب له السيناريو الرأي العام! من حق المملكة أن تدافع عن مصالحها العليا، ولكن من حق الرأي العام المتشبث بقضيته الوطنية، وبنخوته وبمصالحه، أن يكون على علم بما يجري. هذه هي معادلة القوة في الدفاع عن الوطن التي لا يمكن أن تمر إلا عبر التعبئة. وإذا كان الأمر مع ألمانيا قد وصل إلى حد تسريب رسالة حكومية، فإن ما جرى في ملفات سابقة ظل أكثر غموضاً، ونتذكر العلاقات التي اضطربت مع بعض دول الخليج، ومنها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. فحتى لو لم تكن هناك رسالة مسربة ولا قرار علني، إلا أن الرأي العام ظل يتابع أزمة على الأرض ويحاول أن يرسم سيناريوهات مسبباتها، ولم يكن من شيء نبني عليه إلا حوارا يتيما لوزير الخارجية السيد ناصر بوريطة مع قناة الجزيرة، وبعض رؤوس الخيوط التي لا تؤدي دائما إلى حياكة الرواية الصحيحة لما جرى ويجري، إلى أن وقع الانفراج وفتحت أبو ظبي قنصلية في الصحراء المغربية وعادت قطر إلى مجلس التعاون الخليجي وفهمنا بحكم الواقع أن ما كان أصبح في خبر كان، وأن صفحة جديدة فتحت. يجري الشيء نفسه في السياسة الداخلية، ولنبدأ بتدبير ملف اللقاح، فالمملكة كانت سباقة إلى الاستنفار وتم إخبار الرأي العام أننا عقدنا اتفاقا غير مسبوق مع الصين وأننا سنوفر 60 مليون جرعة كسبق، ثم جاءت مرحلة الانتكاس التي لم يصدر فيها أي توضيح، اللهم إلا انتقادات المتابعين للتضخيم التواصلي لإنجاز لم يكن مضمونا بالنظر للوضعية الدولية شديدة التعقيد في المنافسة على طلب اللقاح. وظل الصمت الرسمي هو سيد الموقف مع ترك الناس يقولون ما شاؤوا، والسلطات العمومية تقوم بعمل لا يعرف عنه شيء إلى أن حطت أول طائرة قادمة من الهند محملة باللقاح البريطاني. وها نحن اليوم ضمن الدول التي يعطى بها المثل في نجاح مسار التلقيح، وهذا يعتبر مبعث افتخار، ولكن دائما ما نظل في نفس دائرة المفاجآت. على المستوى السياسي، وإذا أخذنا مثال ما جرى منذ آخر انتخابات، فمؤشر المفاجآت وصل إلى القمة، وسقط إلياس العماري الذي لم يكن يتصور أنه سيترك للعدالة والتنمية فرصة ولاية ثانية، وما إن أخذ عبد الإله ابن كيران يمص قصبة سكره حتى انتزعها حلفاؤه بمطالب لم تكن لتخطر له على بال، وجاءت المفاجأة في الأخير من إخوانه أنفسهم، وتابع الرأي العام كيف أن بعض الملتحين تمسحوا (من التماسيح وليس من المسيحية) وتمت إعادة خلط الأوراق على طاولة اللعب، ولم تتوقف المفاجآت التي وصلت بعد 5 سنوات إلى حد تحول مركبة العدالة والتنمية إلى «عربة مهترئة» بتعبير الراحل عبد الرحمان اليوسفي وهو يتحدث آنذاك عن الاتحاد الاشتراكي. وفي أسبوع الاستقالات والحديث عن الانشقاق، تسقط شاحنة إسمنت «القاسم الانتخابي» لتعيد اللحمة إلى البيجيدي داخليا، ويتغير خطاب «الحمائم» وتعج الساحة بالصقور الجريحة، ويصبح الذهاب إلى المجلس الوطني للحزب أيسر من الذهاب لصلاة العصر في مسجد الحي، بل يكون الحزب الذي يقود الحكومة قد فقد أغلبيته سياسيا، والمنطقي أن يعفي نفسه وللبيت ربّ يحميه. وعلى ذكر القاسم الانتخابي الذي سيدخل به المغرب موسوعة غينيس كدولة فريدة في العالم يتم فيها اقتسام نتائج الانتخابات على عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية بدل اقتسامها على عدد المصوتين، فإن إجهاد النفس في تبريره يشبه محاولة ملء سطل بلا قاع بالماء، مع احترامي لكل من أجهد نفسه في الدفاع عنه أو في البكاء على تبنيه. إن إعادة النظر في قواعد اللعب لمواجهة العدالة والتنمية خطأ، لأننا سنحل مشكلا ظرفيا ونتورط في مشكل بنيوي. فالإسلاميون وبدون تثقيف الأمور طلعوا في الرأس بولايتين، وهم واعون بذلك، ولم يكن بإمكانهم أن يكرروا ولاية ثالثة حتى وإن تصدروا نتائج الانتخابات لأنهم لن يجدوا أغلبية يشكلون بها حكومة، ولكننا الآن مقبلون على سوق سيزيد في غليانها حذف العتبة في الانتخابات الجماعية. هنا وبلا إسلاميين سنكون في جلبة يختلط فيها الحابل بالنابل وتتعطل بها مصالح الناس، وويل لمن كان رئيسا ومن أي حزب لأنه سيعيش 5 سنوات في الجحيم. معذرة، ولأظل وفيا للفقرة الأولى من هذه الخواطر، أعتبر أن تكهناتي في الفقرة الأخيرة بدون قيمة، لأن المفاجآت، السارة والضارة، أقوى من تحليلي أو تحريم غيري. والله ولي التوفيق.