يوم بيوم حرية الصحافة "المؤقتة" نور الدين مفتاح نشر في 5 مايو 2023 الساعة 14 و 32 دقيقة إن المغرب، وعلى الرغم من تعدديته العريقة، ومن تقليد تنوع منتوجه الإعلامي، ومن النضال المرير الذي خاضته الأجيال السابقة من أجل حرية التعبير، ومن هامش الحرية الذي يتيح لنا على الأقل هنا التعبير عن آرائنا، نجده دائما مصنفا في الدرجات السفلى لحرية الصحافة، فلا نبرح إلا لماما الرتبة 130 المخجلة منذ سنوات. ولعل السبب في ذلك هو بعض القرارات التي تغطي على كل المنجزات، وهي قرارات كان من الممكن جدّا تفاديها مثلها مثل بعض الحوادث بين السلطة والصحافة، التي كان يمكن أن تعالج بالحكمة بدل الصدام الذي تؤدي المملكة ثمنه غاليا. نور الدين مفتاح [email protected]
نحن الآن على بعد أيّام من الاحتفاء باليوم العالمي لحرية الصحافة، وهي مناسبة ليست للتطبيل والتهليل لقوة السلطة الرابعة في الأركان الأربعة لهذا العالم، ولكنها مناسبة لتقديم الحساب، ووضع الأصبع على الأماكن الخطرة التي يزاول فيها الزملاء هذه المهنة الصعبة إذا كانت، بالطبع، تقوم بالتقصي باستقلالية.
وقياس درجات التقدم أو التراجع في شق من مهنتنا لا علاقة له بما يطفو بقوة على السطح في هذا البلد السعيد، والذي أصبح عنوانه اليوم، عكس جل بلدان العالم، هو المواجهة بين نفس أعضاء البيت الواحد، وهي مواجهة على البديهيات، أول ضحاياها هو المجتمع الذي ينتظر أن يقوم صحافيوه بالتصدي لشطط السلط الأخرى، فإذا بهم منشغلون بأنفسهم وببعض امتيازاتهم وباصطفافاتهم وربما أنانيات بعضهم، وأما حرية الصحافة فهي اليوم جزء من تراث في متحف بعض النوستالجيين إلى حين.
إن المغرب، وعلى الرغم من تعدديته العريقة، ومن تقليد تنوع منتوجه الإعلامي، ومن النضال المرير الذي خاضته الأجيال السابقة من أجل حرية التعبير، ومن هامش الحرية الذي يتيح لنا على الأقل هنا التعبير عن آرائنا، نجده دائما مصنفا في الدرجات السفلى لحرية الصحافة، فلا نبرح إلا لماما الرتبة 130 المخجلة منذ سنوات. ولعل السبب في ذلك هو بعض القرارات التي تغطي على كل المنجزات، وهي قرارات كان من الممكن جدّا تفاديها مثلها مثل بعض الحوادث بين السلطة والصحافة، التي كان يمكن أن تعالج بالحكمة بدل الصدام الذي تؤدي المملكة ثمنه غاليا.
وخلال النقاش العام الدائر اليوم حول جزء من هموم هذه المهنة والمتعلق بالحل الذي اقترحته الحكومة لملء الفراغ القانوني الذي يوجد فيه المجلس الوطني للصحافة، والمتمثل في «لجنة مؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر» بدل إجراء انتخابات للمجلس منصوص عليها قانونيا، ومؤشر عليها دستوريّا، يسترعي الانتباه ما جاء في الدراسة الأكاديمية القيمة التي أنجزها وزير الاتصال الأسبق الدكتور محمد الأعرج، والتي اعتبر فيها الحل الترقيعي ل «اللجنة المؤقتة» تعطيلا للشرعية الدستورية وضربا للمشروعية القانونية، حيث قال في جزء من تمهيده لمرافعته: «بخصوص مسؤولية الحكومة السابقة في إخراج هذا المجلس الوطني للصحافة إلى حيز الوجود، يمكن دعوة المعنيين بالأمر إلى الاطلاع على مداولات اللجان الدائمة لكلا المجلسين أثناء المصادقة على مشاريع القوانين المتعلقة بالصحافة والنشر خصوصا خلال السنة التشريعية 2015-2016 والاطلاع كذلك على المواقف المعبر عنها آنذاك من طرف الفرق البرلمانية والتي أشادت في معظمها بإخراج هذا القانون إلى حيز الوجود تنزيلا لمقتضيات وأحكام الدستور، وكذا الاطلاع على البلاغات الصادرة عن الهيئات والمنظمات الوطنية والدولية آنذاك وإشادتها سنة 2018 بالانتخابات المتعلقة بالمجلس الوطني للصحافة، والتي كان لي شرف السهر على تنظيمها بمقاربة تشاركية بمعية أطر الوزارة والهيئات المعنية بالصحافة تحت إشراف لجنة يترأسها قاض ممثل للسلطة القضائية، والتي مكنت المغرب من الحصول على نقاط متقدمة على الصعيد الدولي في حرية الصحافة والتنظيم الذاتي للقطاع الصحافي».
وبيت القصيد بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، يوجد في السطر الأخير من شهادة الوزير الأعرج الذي يؤكد أن التزام الحكومة المغربية بالآليات الديموقراطية في التنظيم الذاتي أكسب المملكة نقاطا ثمينة في سلم حرية الصحافة على الصعيد الدولي. وبالقياس، يمكن أن نتصور الكارثة التي نحن مقبلون عليها غدا، ونحن في الطريق لتكسير هذه الآليات الديموقراطية بشكل فج وغير مسبوق، بحيث ضرب قطاع التواصل المقاربة التشاركية وانتصر للإقصاء ورفض إجراء انتخابات بسيطة لمجلس صحافة خرج بالانتخاب، ومدد ومطط، وفي الختام حوّل التنظيم الذاتي في مشروع قانوني إلى تعيين حكومي في لجنة تضم الرئيس المنتهية ولايته و3 أعضاء ينتمون إلى الطرف المتبرم من الانتخابات، زائد أعضاء يعينهم رئيس الحكومة. وسلمهم لمدة سنتين تدبير شؤون الصحافة بكل اختصاصات المجلس مع استئصال الأعضاء السابقين المنحازين للخيار الانتخابي الديموقراطي، بل زاد على هذا تكليف هذا الطرف بتقييم شامل لأوضاع الصحافة واقتراح ترسانة قانونية جديدة والإشراف على الانتخابات التي أشرف عليها سابقا قاض وربحنا بها نقاطا سنخسرها لا محالة إذا مرَّ هذا المشروع، وسنزيد في سلم الخسارة نقاطا أخرى لأن ثمن السوريالية والاستهتار باهظ جدّا، ولكن لا الوزير ولا الحكومة ستؤديه من جيبها، فالوطن هو من سيؤديه وصورة المملكة.
إن شبه الانهيار الذي تعيشه الصحافة المغربية لا يرتبط بظروف موضوعية مرتبطة بالسوق وتحوّل عادات القراءة والجوانب الاقتصادية الصعبة، بل إنه مرتبط بإرادات داخل جسمنا نفسه تحاول أن تحول قطاع الصحافة بمفهومها المهني والحقوقي إلى قطاع للعلاقات العامة والتواصل، وتريد أن تستبدل السوق الطبيعي لأي صحافة مستقلة، وهو قراؤها ومعلنوها، بارتهان كامل لدعم عمومي سيصبح إذا استمر المخطط كما هو مرسوم، تمويلا عموميا للصحافة الخاصة بالمغرب. بل إن هذا المخطط يرمي إلى ضخ الملايير في مجموعات صحافية محسوبة على رؤوس الأصابع دون اعتبار لتأثيرها، وقتل ثلثي مكونات المشهد الإعلامي الحالي بما فيها المقاولات المتوسطة والصغيرة والجهوية، الورقية والإلكترونية، وهذا موجود في مشروع معايير دعم عمومي سينتقل من 5 ملايير، إلى 20 مليار سنتيم وسيقصي عشرات المئات من الصحف ذات التأثير الوطني والجهوي وسيضرب التعددية في مقتل.
إن هذا المخطط الذي سيكون المتضرر الأول منه هو المجتمع وصورة المملكة، يتم التسويق له بالكثير من المكر والخديعة وكأنه عهد جديد سيخلف عهدا قديما كان يتسم بالتسيب والريع، وتتم فبركة اتهامات ومتابعات لا توجد إلا في الخيال. والواقع أن وراء هذه الجلبة التي تتخذ الموارد البشرية في المقاولات الصحافية بدورها كذريعة، هناك مصيدة لجر اهتمام الرأي العام المهني إلى الهامش، فيما عملية الاستحواذ على المجال جارية بملاييرها، والتحكم في مؤسساتها، وبتزكية من جهاز تنفيذي يعتبر اليوم رهينة المغالطات والمخططات المحبوكة، والخاسر هو البلاد.
العزاء الوحيد في كل هذه الكارثة هو أن الرأي العام بالإجماع، باستثناء المعنيين، يقف اليوم ضد هذا المخطط، ولم تنطل عليه حيل محاولات التشويه وتحويل الاهتمام، وهذا الرأي العام هو المعوّل عليه كي ينقذ ما يمكن إنقاذه، بتأثيره في صانع القرار والبداية بالبرلمان الذي نتمنى أن يسقط مشروع «اللجنة المؤقتة» ومعها النهج الإقصائي للحكومة، وبعدها الإنصاف في دعم عمومي يجب أن يكون للجميع وأن يضخ بالأساس للرفع الحقيقي من الأوضاع الاجتماعية للعاملين في المؤسسات الصحافية، وألا يكون بديلا عن اقتصاد مقاولات صحافية خاصة طبيعية، تكرم نفسها والعاملين فيها بالحرية والاستقلالية.