بعد أن قيل إن تجديد هياكل المجلس الوطني للصحافة المنتهية ولايته يتطلب تعديل مدونة الصحافة برمتها، تبين من خلال مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة المعروض على المجلس الحكومي أن خرق الدستور، وتعيين لجنة مؤقتة لمدة سنتين كاملتين لم يكن له من هدف إلا التراجع الفاضح عن انتخاب ممثلي الناشرين في المجلس في ضرب واضح للدستور الذي ينص على تشكيل هيئة التنظيم الذاتي بصفة ديموقراطية ومستقلة، مع الاحتفاظ بانتخاب ممثلي الصحافيين.
والأخطر من هذا أن انتداب ممثلي الناشرين وضعت له معايير أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها من الخيال العلمي بحيث يصبح من له حجم إشهارات أكبر في السنة هو المؤهل أوتوماتيكيا للمجلس، فكل من كان رقم معاملاته يصل إلى أكثر من 900 مليون سنتيم وعدد معين من العاملين يصبح وكأن له عشرين مقاولة ومن له إلى حدود 299 مليون سنتيم كرقم معاملات يحتسب كأن له مقاولة واحدة إذا لم يتجاوز 12 من العاملين.
وابتداع هذه الصيغة لم يكن من أجل التمييز في التصويت على مرشحين للناشرين، بل تحتسب المقاولات المنتمية لهيئة ناشرين معينة بهذا المعيار لتحديد الأكثر تمثيلية، وعندما تكون هيئة هي الأكثر تمثيلية ليس للمهنية ولا للأخلاقيات ولكن للرأسمال والاشهار وعدد العاملين، فإنها تحصد كل مقاعد الناشرين السبعة!
وبهذا المنطق، فإن أربع مقاولات فقط قد تصبح مائة مقاولة، وهذا إبداع لم يشهد له عالم الانتخابات والانتدابات ومجالس الصحافة في العالم مثيلا. هذا مع العلم أنه لم يتم اشتراط في انتخابات الصحافيين لا تمثيلية المنظمات المهنية، ولا التمييز بين الصحافيين حسب أجورهم أو مراتبهم المهنية من المحررين إلى رؤساء التحرير.
وقالت مصادر مهنية إن هذا المشروع اذا تم تمريره، فإننا سنكون إزاء مجلس تتحكم في تركيبته شركات الاشهار، مع أن ميثاق أخلاقيات المهنة الذي يحكم به المجلس ينص صراحة على أن الخلط بين التحرير والاشهار هو مخالفة أخلاقية لا غبار عليها. وإذا كان للمجلس اختصاصات تتعلق بالواسطة والتحكيم وأساسه هو الأخلاقيات، وبالتالي فيجب أن يكون أعضاؤه من الحكماء، فهل تأتي الحكمة من الإشهار ورقم المعاملات، يقول مصدرنا، وهل هذا المعيار الرأسمالي يخول لجهة واحدة أن تحكم على الناس بالخروج من المهنة وتؤدبهم لمجرد أن لها الملايير دون مراعاة الشرعية الدستورية المتمثلة في الانتخابات؟
وإذا كان المجلس الوطني للصحافة هو المجلس الوحيد في العالم الذي له اختصاصات التحكم في الولوج إلى المهنة، والإخراج منها عقابيا، ولهذا فشرعيته يجب أن تكون قوية بالانتخاب، فإن الأدهى في مشروع القانون أنه أضاف عقوبة تشديدية جديدة لاختصاصات المجلس وهي توقيف الصحيفة الإلكترونية أو الورقية لمدة شهر، كما حدد عقوبة سحب البطاقة في حالة العود لتصل إلى ثلاث سنوات.
يبدو أن الحكومة بصدد سحب لبنة أخرى من بناء قطاع إعلامي تم تدبيره بالكثير من السوريالية والمزاجية والتحكم، وهذه المحطة بالتأكيد هي إعلان صريح لإغلاق المجال إذا لم يتم تدارك ما يمكن تداركه.