يوم بيوم نور الدين مفتاح يكتب: مقذوفات السمارةوالجزائر المحاصرة نور الدين مفتاح نشر في 10 يوليو 2025 الساعة 19 و 13 دقيقة لا أعرف ما هو التقدير الرسمي لعدم التواصل حول القضية، إلا أن ما نعرفه كل سنة في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء، هو أن هناك مئات العمليات العسكرية التي تحبل بها بلاغات البوليساريو ولا يأبه بها المغرب. قد يكون التجاهل جوابا في حد ذاته على كاريكارتورية هذه الهجومات، ولكن في موضوع قذائف تصل إلى مدن مغربية، أعتقد أن حق المواطن في الخبر اليقين يعلو على حق التقدير في عدم إعطاء هدية للعدو بتضخيم اعتداءاته. نور الدين مفتاح [email protected]
سقطت مقذوفات في الخلاء بالسمارة تبنتها جبهة البوليساريو، وحتى إن لم يصدر أي بلاغ رسمي مغربي في الموضوع، فإن وسائل الإعلام تناولت الحدث بإسهاب، بما في ذلك الرد السريع للقوات المسلحة الملكية اتجاه مصدر الاعتداء عن طريق طائرات الدرون.
لا أعرف ما هو التقدير الرسمي لعدم التواصل حول القضية، إلا أن ما نعرفه كل سنة في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء، هو أن هناك مئات العمليات العسكرية التي تحبل بها بلاغات البوليساريو ولا يأبه بها المغرب. قد يكون التجاهل جوابا في حد ذاته على كاريكارتورية هذه الهجومات، ولكن في موضوع قذائف تصل إلى مدن مغربية، أعتقد أن حق المواطن في الخبر اليقين يعلو على حق التقدير في عدم إعطاء هدية للعدو بتضخيم اعتداءاته. عموما، لم يصدر إلا بلاغ واحد عن الأحزاب والمنظمات التمثيلية وهو بلاغ للتجمع الوطني للأحرار، وبهذا يكون الحزب الذي يقود الحكومة هو من يؤكد خبراً ظل غائبا عن الناطق الرسمي باسم الحكومة، وهو القيادي في نفس حزب الحمامة الزرقاء!
نعم، مواقع المغرب محصنة منذ الانتهاء من بناء الجدار الرملي الذي يبلغ طوله أكثر من 2700 كلم، والمغرب أيضا جاهز عسكريا وتكنولوجيا بشكل أفضل مئات المرات مما كان عليه حين تم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991. ولذلك، وعندما أعلنت البوليساريو أنها تحللت من هذا الاتفاق واستأنفت الحرب عقب تحرير معبر الكركرات، لم نرَ حربا إلا في بلاغاتها، ولم يُكتب في العالم حرف واحد عن هذه الحرب المزعومة باستثناء الجزائر.
ورغم كل هذا يبقى سقوط مقذوفات من الناحية الرمزية مزعجا، وخصوصا في ظروف يتابع فيها الجميع الآثار المدمرة للحرب بالصواريخ بين إسرائيل وإيران. إن الإسقاط طبيعي على الرغم من وجود الفارق الكبير، ولكن لا يمكن ألا يقلق المغربي من سيناريو الرعب الماثل دائما أمامنا وهو أن تتحول هذه المناوشات الصبيانية إلى حرب بالوكالة بين الجارين الكبيرين. فقوات البوليساريو ليست سيدة نفسها، وهي في مخيمات جزائرية، ومسلحة من طرف الجزائر. وعموما الحرب لا تحتاج إلا لطرف واحد كي تشتعل عكس السلم الذي يحتاج طرفين، وبالتالي، فإن كل حركة عسكرية مهما صغرت فإنها تبقى مقلقة مع جار لا تجمعنا معه اليوم علاقات ديبلوماسية، ونحن معه على خطوط التماس بكل ما في الكلمة من معنى عسكري.
لقد ظللنا نقول إن المغرب محاصر على حد تعبير المفكر عبد الله العروي، ولكن أعتقد اليوم أن الجزائر هي المحاصرة، والدنيا دوّارة! فخطوطها السياسية مقطوعة على الواجهة المتوسطية من ألميريا إلى نيس بالكوت دازور، وهي اليوم في علاقات متوترة مع المملكة الإسبانية والجمهورية الفرنسية بسبب المملكة المغربية.
إسبانيا على عهد الحكومة الاشتراكية لبيدرو سانشيز ستدخل التاريخ بكل موضوعية، فقد كانت ثاني دولة كبرى تعترف بالحكم الذاتي للإقليم كحل وحيد للنزاع، بعد الولاياتالمتحدة، ومدريد معنية مباشرة بالصحراء لأنها كانت مستعمرتها، وهذا أنهى عقودا من التوتر المغربي الإسباني حول الموضوع. لقد كانت إسبانيا هي الحديقة الخلفية للبوليساريو وبعد هذا القرار الجريء، طويت صفحة من تاريخ هذا النزاع وصفحة في العلاقات بين مدريدوالجزائر.
واسمحوا لي أن أقول كلمة في هذا الشاب الاشتراكي الذي يقود بلدا كبيرا من جميع المناحي. لقد برهن سانشيز على أنه مازال هناك مكان للمبادئ الإنسانية، في عالم اندحر إلى منطق الصفقات والتطرف والانطواء. وقد كان صوتا متفردا قويا في أوربا ضد الغطرسة الإسرائيلية، واتخذ إجراءات حكومية ملموسة ضد تل أبيب، كما أنه الوحيد الذي قال لا لترامب ضمن 32 رئيس دولة فرض عليهم زيادة الاتفاق العسكري لصالح حلف شمال الأطلسي ليصل إلى 5٪ من الناتج الداخلي الخام في أفق 2036.
هذا يعطي رئيس الوزراء الإسباني مصداقية سياسية مبدئية تقوي مصداقية موقفه من قضية الصحراء المغربية، بحيث إن ما أقدم عليه ليس لعبة مصالح ولكنه إنصاف تاريخي من الدولة الوحيدة في العالم التي تعرف حقيقة الصحراء وهي إسبانيا.
وأما فرنسا، فإن وضعيتها بين المغرب والجزائر ظلت دائما حرجة، ولكن على عهد ماكرون، كان التاريخ يكتب بشكل مختلف. لقد راهن الرئيس الفرنسي الشاب في البداية على الجزائر، ووضع كل بيضه في سلّتها، ولكنه اكتشف واحدة من أكثر الدهاليز المظلمة في التدبير السياسي للعلاقات الثنائية، ووقع ابتزاز علني من الجزائر باسم «الذاكرة» ولم ييأس ماكرون رغم تضحيته بعلاقاته مع الرباط. وفي النهاية وصل السيل إلى منتهاه، وصرح ماكرون سنة 2021 بأن الجزائر لم يسبق أن كانت أمّة، وأنها دولة لا يتعدى عمرها 55 سنة. وكالعادة استدعت الجزائر سفيرها!
سيتوج هذا التحول باعتراف فرنسا بالسيادة المغربية على الصحراء لتصبح الدولتان المقابلتان للجزائر في ضفة المتوسط الشمالية على طرفي نقيض مع الجار المشاكس. واليوم تصل العلاقات بين باريس وقصر المرادية إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تم الحكم استئنافيا، بداية هذا الأسبوع، على الكاتب الفرنسي من أصول جزائرية بوعلام صنصال بخمس سنوات سجنا، فقط لأنه قال إن فرنسا اقتطعت أراض مغربية شرق المملكة وضمتها للجزائر. هذا رجل يبلغ من العمر ثمانين سنة ومريض بالسرطان، ورغم ذلك، حكم بهذا الحكم الثقيل لأن الاقتراب من الطرح المغربي هو الجريمة التي لا تغتفر في الجزائر.
لقد كانت منطقة الساحل الملتهبة دائما امتدادا استراتيجيا للجزائر وقد كان اختراقها صعب المنال، إلا أن التطورات التي حصلت في هذا المجال الحيوي وخصوصا على المستوى الأمني أدت إلى سيناريو سوريالي لم يكن يتصوره في الجزائر حتى أشد المتشائمين، بحيث قررت دول تجمع الساحل وهي مالي والنيجر وبوركينا فاسو سحب سفرائها من الجزائر، وهو بالطبع ما ردت عليه الجزائر بالمثل مع إغلاق مجالها الجوي في وجه هذه الدول.
حدث هذا في بداية أبريل الماضي، وفي نهاية نفس الشهر استقبل الملك محمد السادس بالقصر الملكي بالرباط وزراء خارجية دول تجمع الساحل الثلاث الذين عبروا عن انخراطهم في المشروع الأطلسي الذي اقترحه المغرب في 2023 حيث أطلق الملك مبادرة تهدف إلى تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي.
هذا ليس مشروعاً هينا، إنه مبادرة استراتيجية ترتكز على ميناء الداخلة الذي سيكون في نفس مستوى الميناء المتوسطي، والذي سيحول الصحراء إلى نقطة مركزية في التجارة الأطلسية والتنمية، والمنفذ الذي لا يوجد عند الجزائر قد يصبح عند دول الساحل، ولا شك أن الرسالة المغربية كانت موجهة إلى الجزائر أيضا وهي تقول إنكم إذا كنتم قد اختلقتم دويلة صحراوية لتجدوا منفذا للأطلسي، فها هو المغرب مستعد لمنحكم إيّاه دون كل هذا العناء الثقيل!
لم تبق للجزائر في هذا الوقت على الأقل إلا تونس، وحالة بلد ثورة الياسمين المغتصبة لا تسر، وشعبها رهينة لحاكم أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه مزاجي وربما غير سوي. أما وهل أننا مبتهجون بهذا الحصار؟ فالصراحة أنه إذا كان الضغط قد يهدي النظام الجزائري سواء السبيل السياسي فنقول اشتدي أزمة تنفرجي. وأما الجزائر الشقيقة بشعبها الطيب فلا تستحق إلا الازدهار في محيط تنموي خصب. وهذا الطريق لن يمر أبدا من خلال سياسة عقيمة مفادها أن قوة الجزائر في ضعف المغرب.
لا، قوة البلدين في قوة هذا التكتل الإقليمي الواعد الذي ينتظر لمدة عقود وهو المغرب الكبير العربي الأمازيغي، الذي يمكن أن يكون لبنة إقلاع لغرب البحر الأبيض المتوسط وبدون البلدين ستبقى البطة عرجاء.
لقد حقق الغرب اختراقات كثيرة، وجل الدول الكبرى تعترف بسيادته على صحرائه و40 دولة إفريقية لا تعترف اليوم بالجمهورية الصحراوية، ولكي يترجم كل هذا الزخم السياسي إلى واقع قانوني جديد لابد أن تُنهي الجزائر هذه اللعبة، ولابد أن تأخذ العبرة من هذه التحولات الكبرى التي لا رجعة فيها، وإلا فإنها ستبقى في التدبير بسياسة واحدة هي سياسة الأحقاد، وهذه الطريق ليس لها من مآل إلا الدمار، وبئس المصير.