محمد أشلواح أستاذ الدراسات السياسية والدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط
للقيام بعملية التصويت، على أي مشروع قرار يقدم إلى مجلس الأمن، يجب أولا، تحديد طبيعة المسألة المعروضة للنقاش، ومن ثمة، ثانيا، يتحدد على مستوى الاجراءات المسطرية، ما يجب اتباعه من أجل أن يتحول مشروع القرار إلى قرار صادر عن مجلس الأمن، وذلك بما ينسجم و الاجراءات القانونية المطلوبة.
في هذا الاطار لابد من الانطلاق من الفرضيتين التاليتين:
الفرضية الأولى: قد تكون المسألة المعروضة للنقاش "مسألة إجرائية"، فالفقرة الأولى من المادة 27 تنص على ما يلي:"تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الإجرائية بموافقة تسعة من أعضائه"، بمعنى أنه إذا كانت المسألة التي بصدد النقاش من هذا القبيل(إجرائية)، فهي تحتاج إلى تصويت تسعة(9 )أعضاء، من 15عضو، بالايجاب ليخرج القرار إلى حيز الوجود.
الفرضية الثانية: قد تكون المسألة المعروضة للنقاش من "المسائل الأخرى كافة"، ففي هذه الحالة يجب أن يحصل مشروع القرار، قيد النقاش، أمام مجلس الأمن على تسعة(9) أصوات من 15، لكن شريطة أن تصوّت الدول الدائمة العضوية بالايجاب(أي بنعم) على مشروع القرار ليصبح كقرار. فالفقرة الثانية من المادة 27 من الميثاق تقول"تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة.."
لكن إذا ما أدلى عضو دائم من أعضاء مجلس الأمن بصوت سلبي( أي صوَّتَ ب: "لا") فهذا يعني أنه استخدم(العضو الدائم) حق النقض/الاعتراض بشأن مشروع القرار، ومن ثمة لا يُعتمد المشروع المقترح على مجلس الأمن.
ف"حق النقض" يعني اختصارا أنه لو صوَّتَ أي عضو من الأعضاء الخمسة الدائمين بالسلب في مجلس الأمن، المكون من 15 عضوا، لا تتم الموافقة على مشروع القرار ولن يخرج إلى الوجود في شكل قرار وكوثيقة نهائية.
لكن السؤال الذي قد يطرح في هذا الصدد، كيف يمكن التمييز بين المسائل "الإجرائية" والمسائل "الأخرى كافة"؟
ليس في ميثاق الأممالمتحدة ما يمكن الاعتماد علية من معايير للتمييز بين أن هذه المسألة أو تلك تدخل ضمن المسائل الإجرائية، أو تنتمي إلى المسائل "الأخرى كافة"، لذلك حينما احتجَّت العديد من الدول(إبان فترة صياغة الميثاق)على نظام التصويت داخل مجلس تم إصدار تصريح في الأمر، يحاول تبرير الصيغة التي يتخذ بها القرار داخل مجلس الأمن وكذلك امتلاك حق النقض. وفي هذا الإطار تم تحديد "المسائل الإجرائية" في؛ المواضيع التي يتناولها الميثاق من المادة 29 إلى المادة32 من ذات الوثيقة.
وتجدر الإشار،أيضا، إلى أن تحديد ما إذا كان موضوع ما يندرج ضمن المسائل الأخرى كافة (يسميها الفقه المسائل الموضوعية) أو ضمن المسائل الإجرائية يُعَدّ في حد ذاته من المسائل الموضوعية التي تتطلب بالضرورة موافقة الدول الدائمة العضوية.
إلى جانب ما تحدث عنه الميثاق، بخصوص مسطرة اتخاذ القرار والتي تفرض قاعدة "إجماع الخمس"(ضرورة تصويت الخمس الدائمين ب"نعم" إضافة إلى أربعة أصواتٍ لأعضاءٍ غير دائمين) إذا ما كانت المسألة من المسائل "الأخرى كافة" لإصدار القرار، و تصويت تسعة أعضاء إذا ما كانت المسألة المعروضة للتصويت إجرائية، إلى جانب هذا، كرَّست الممارسة الأممية حالة ثالثة لم يتطرق لها ميثاق الأممالمتحدة يتعلق الأمر هنا بحالة "الامتناع"، أي عوض أن يصوت عضو من أعضاء المجلس "بنعم" أو ب"لا" يمتنع عن التصويت.
بمعنى، أكثر وضوح، إذا كان أحد الأعضاء الدائمين لا يتفق تماما مع القرار المقترح ولكنه لا يرغب في استخدام حق النقض، يجوز له الامتناع عن التصويت، مما يسمح باعتماد القرار إذا ما حصل على العدد المطلوب المكون من تسعة أصوات مؤيدة.
إذن تتحقَّق حالة الامتناع إذا لم يمارس عضو ما حقه في التصويت، سواء أكان هذا التصويت بالسلب أو بالإيجاب، وللدول الدائمة العضوية أن تمارسه كما لغير الدائمة العضوية أن تسلك هذا الموقف أيضا.
وعليه، قد نكون أمام الحالات التالية:
– امتناع عضو دائم عن التصويت وتصويت تسعة أعضاء، من 15 عشرة المشكلين لمجلس الأمن. في هذه الحالة يخرج القرار إلى حيز الوجود. – امتناع أكثر من عضو دائم عن التصويت وتصويت تسعة أعضاء من 15 عشر المكونين لمجلس الأمن لصالح القرار. في هذه الحالة يخرج هذا الأخير إلى حيز الوجود. -امتناع عضو غير دائم عن التصويت. يخرج القرار إلى حيز الوجود. – امتناع أكثر من عضو غير دائم عن التصويت. في هذه الحالة سيخرج القرار إلى حيز الوجود، شريطة اكتمال النصاب القانوني للأصوات والمحدد في تسعة أصوات إيجابيين.
في نهاية المطاف، الامتناع عن التصويت، رغم ما قد يظهر عبره عن وجود نوع من عدم الرضى عن محتوى مشروع القرار المعروض أمام مجلس الأمن للتصويت، فإنه في الواقع موقف العضو الذي مارس عملية الامتناع عن التصويت يُعَدُّ بمثابة قبول ضمني لمعظم ما يتضمنه القرار، من بنود ومن إجراءات وتدابير..، فلو لم يكن الأمر كذلك لَكان قد مارس المُمتَنِع الاعتراض(حق النقض)لإجهاض مشروع القرار وإسقاطه من الأساس.