بنكيران: "البيجيدي" هو سبب خروج احتجاجات "جيل زد" ودعم الشباب للانتخابات كمستقلين "ريع ورشوة"    الأقاليم الجنوبية، نموذج مُلهم للتنمية المستدامة في إفريقيا (محلل سياسي سنغالي)    نبيل باها: عزيمة اللاعبين كانت مفتاح الفوز الكبير أمام كاليدونيا الجديدة    اتحاد طنجة يفوز على نهضة بركان    مجلس الشيوخ الفرنسي يحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    أولمبيك الدشيرة يقسو على حسنية أكادير في ديربي سوس    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا يكون ذلك الشيء الذي في داخل الشاعر؟
نشر في البوصلة يوم 09 - 01 - 2010


قراءة أولية في ديوان (عواصف العشق)*
للشاعر: السعيد بن سعيد
1- بدءاً، لابد من وقفة أتأمل فيها هذا العمل من الخارج: مستنطقا ثلاثة عناصر يحملها الغلاف الأول للكتاب، العنوان واسم الشاعر واللوحة، ف ديوان (عواصف العشق) عنوان غني بإيحاءاته، تحيلنا لفظة (عواصف) فيه إلى كتاب (العواصف) لجبران خليل حبران الذي تدين له الكتابة الشعرية العربية الحديثة بما أشار إليه من إمكانيات التجديد والثورة الأدبيين، والتمرد على الأساليب التقليدية والأشكال الشعرية الموروثة،
وقد أسهم جبران إلى حد بعيد في تثوير اللغة الأدبية والشعرية، وتنبأ بما جاءت به النظريات الغربية في تعريف الشعر بأنه لغة من خلال اللغة ، في صرخته المشهورة (لكم لغتكم ولي لغتي) وبذلك دخل الشعر العربي مرحلة العصف الجميل الذي أعلن ألا نهوض للشكل الجديد إلا على أنقاض الشكل القديم، لكنني أقول صادقا أن نصوص (عواصف العشق) لم تكن عواصف على المستوى الشعري الفني، كما كان الأمر عند جبران، فالسعيد ابن سعيد يختار أن يتحدث بلغة مألوفة متداولة، لا تنشغل بتأمل اللغة ومحاولة الانزياح باستعمالاتها العادية إلى خلق تراكيب إبداعية جديدة، وهو، من حيث مضامينه يتكلم بهدوء أيضا،، حتى عن أشد الأمور اشتعالا، أفيكون ذلك من تأثير العمل الدبلوماسي على الشعر؟ لقد عمل شعراء كثيرون في الشرق والغرب في المجال الدبلوماسي، ولم يؤثر ذلك سلبيا في فنهم، أو في مضمون أعمالهم الإبداعية، ففي المغرب كان عمل الشاعرين عبد المجيد بنجلون صاحب (براعم) وأعمال قصصية وأدبية أخرى،وأحمد عبد السلام البقالي صاحب(أيامنا الخضراء) وروايات ومسرحيات أخر، ويهمنا أن نسجل هنا أن عمليهما الشعريين يعودان إلى مرحلتي شبابهما الأول، وفي غير المغرب اشتغل نزار بالعمل الدبلوماسي ، ورغم ذلك كان شعره يزاوج بين الثورة الفنية والثورة على المضامين البالية، كما أن شعراء عالميين مثل نيرودا وسان جون بيرس وأوكتافيو باث على سبيل المثال كانوا ممن عملوا في السلك الدبلوماسي، ولم يحل بينهم وبين الإبداع و التألق الشعريين.قادني إلى هذه الملاحظة أن شاعر (عواصف العشق): السعيد ابن سعيد، ممن يعملون في نفس الميدان.لكن بينه وبين أسلافه من الدبلوماسيين أجيالا كثيرة، وعقودا طويلة، غيرت في الكتابة تقنية ورؤى، وتوالت على الساحة الشعرية ، في الشرق والغرب ، تجارب غيرت من نظرتها إلى الشعر، ومراجعها في كتابته وقراءته، من نص يعتمد الإنشاد إلى تشكيل بصري يستغل بياض الصفحة في خلق الدلالة،وهكذا وقع هذا التحول الشعري لدى أجيال الشعراء الحالية ، وانبهر الشاعر الشاب بما يسميه جمالية الترجمة في سلسلة ما انبهر به وهو يطلع على شعريات أخرى غير عربية، غربية وشرقيةً، فضيَّعتِ القصيدة العربية خلال العقود الثلاثة الأخيرة ملامح كانت تصلها بعبقرية لغتها،فها نحن نقف اليوم أمام قصيدة لها آلاف المسوغات التي تدافع بها عن هلهلتها وصور ضعفها : فهي قصيدة تفاصيل يومية أحبانا، وهي قصيدة لغة رقيقة ، في تبرير أخطائها اللغوية والنحوية وحتى الإملائية في بعض الأحيان، رافضة للتراث بكل ما عرف فيه بادعاء الانتماء للحداثة، هكذا تخلت القصيدة عند شعراء التسعينات عن موضوعات الحياة الكبرى وأسئلة الذات المحيرة ، إلى الإغراق في موضوع الجسد بحجة خرق المحرم، وكف شاعر هذا الزمان عن تناول الموضوع الاجتماعي والقضية السياسية، بحجة أن الإيديولوجيا موضوع غير شعري، وأن عمر الشعر السياسي فصير. أما عند الشاعر السعيد بن سعيد فتحضر موضوعات الشعر والحياة بنوعيها الذاتي والجماعي،وقد يكون البعد النسبي للشاعر عن الأوساط الأدبية، وما تعرفه من انتشار صرعات توهم بالتجديد، قد حرره من أن يصاب بما أصيبت به، وينجح هذا الديوان في تقديم مختصر عما يشغل شاعره من مواضيع ستجملها حقول معجمه الدلالية التي سنحاول الكشف عنها لاحقا.
وإن جملة (عواصف العشق) مثلاً، تشعل في القارئ وحوله عدة تأويلات وإيحاءات، وتضيء عدة مسارب في فكره، خاصة وأن للعشق دلالات ومعاني متصلة بالشعر في أكثر من غرض وموضوع، بل هي قادرة على الذهاب بالقارئ إلى آفاق الشعر الغزلي العذري والصوفي والتأمل في العلاقات بالطبيعة وأشياء العالم، وافتتان الفرد بتجليات المعشوق ، في القرب والبعد، والحضور والغياب ، وتمام الاتصال إلى درجة الفناء بالأرض والمرأة ودلالات الخصب في هذه وتلك. حتى اعتبر العشق علاقة مقدسة ترتفع بالنفس، وترقى بها، إلى درجة دفعت ب (يحيى بن معاذ) إلى القول (لو كان إليّ من الأمر شئٌ ما عذبتُ العشاق، لأن ذنوبهم ذنوب اضطرار لا ذنوب اختيار) وأنا متأكد أن الشاعر يتراسل كعاشق مع عدة رموز تؤكد حبه للأرض وللإنسان وللحرية ، وينطق بهذا معجمه اللغوي بمختلف حقوله الدلالية التي يهيمن عليها الحزن والموت والهروب،والغياب والحضور، والأنين والإبعاد والعواصف والاغتراب، والعصيان، إلى حد أن يصبح ما يضمره في قفصه الصدري ( عشقا بحجم الموت) ص.71 وهو تركيب يعين على إيضاح الكثير من معاني عبارة العنوان، فهذا العشق الذي يبلغ درجة الموت (هنا له مكان/وخارج المكان/ يهب بالعواصف) ص. 70
إن الوقوف على بعض الحقول الدلالية لمعجم السعيد ابن سعيد يفيد في الكشف عن مواضيع شعره، الذي كتب عبر أماكن متفرقة من هذا العالم، متأملا أحوال الذات والمجموع الإنساني بما يدل على موهبة واعدة بجيد العطاء الشعري بعد حين.
ورغم ثقتي بموهبة صاحب هذا الديوان، فإن ذلك لا يمنع من القول إن من خيبات أفق انتظار قارئه على مستوى ما توحي به لفظة العشق ألا يجد في (عواصف العشق) إلا صورا لحب هادئ وجل خائف،أو حتى حب عائلي،يأتي( من كل نوافذ الشجن/ يؤلب عبثي / ويخنق صوتي/ ويجعلني أبكي) ص. 51 في حين يجد في كتب التراث العربي مئات من صور العشق المضطرم، التي أصبح بؤس بعض النقد اليوم، ينظر إليها كمحرمات لنزوعها الإيروتيكي المحض، وقد كانت لغتنا وهي تقدمها في الماضي، تتوهج بالتراكيب الثائرة على ذاتها، حتى في الشعر الصوفي الذي اشتعلت الصور الشعرية فيه برؤى الاتحاد بالمحبوب واشتعال النفس شوقاً للفناء فيه، وهو مما يحتاج شبابنا من الشعراء إلى كثير من الشجاعة، وتحدي الرقابة الغبية في مجتمعنا، للوصول باللغة إلى أدائه بمثل ما قامت به سابقا، أيام كانت اللغة مطواعة بين يدي الإنسان العربي مستجيبة للتعبير عن رؤاه ، في جرأة لا تهاب. وذلك ما يتطلب من السعيد ابن سعيد أن يتخلى عن لباقة دبلوماسيته مؤقتاً، على الأقل حين يواجه ذاته، وهو يسبح في ماء الشعر، ليخترق أسانة اللغة من جهة، ويعلن انتماءه إلى العصف الجميل، من جهة ثانية.
2- تقوم نصوص ديوان (عواصف العشق) بينا هي تبني دلالاتها بعمل تجريب داخل عالم شعري بصيغة يقترحها منشئ هذه النصوص مقترحا كما أرى تقنية للكتابة تتجاوز أفق انتظار القارئ التقليدي ، وتتجاوب إلى حد بعيد مع النظرة الجديدة إلى الإبداع التي تقوم على إلغاء الفوارق والحدود بين الأجناس الأدبية، وكما هو الحال في الكتابة الحديثة، حيث نجد أنفسنا أمام نصوص تستعمل الإيجاز واللغة المكثفة، والسرد والوصف، وفي بعض الأحيان الحوار ، هذا إذا لم يكن هناك ما يمنع من اعتبار النص صوتا أو مجموعة أصوات، كلها تنطلق من ذات تحاور التاريخ والعالم :طبيعة ومجتمعاً. فإننا مع (ديوان عواصف العشق) نجد أنفسنا أمام نصوص تمتح خصائصها الجمالية من مصادر شتى ، فهي تختار الشكل الشعري الحر الذي لا يتقيد بأوزان،إلا نادراً، وإن اختار الشاعر أن يتقيد ببعض الفواصل أو ما يمكن تسميته قوافي على سبيل المجاز، إلا أنه في لغته الشعرية لم يستغن عن المجاز والاستعارة، لتتشابه لغته مع لغة الآخرين من الشعراء، في ملمح الغنائية التي تظهر في نصوصه التي تتناول هموم الذات والكينونة ومشاغل الهوية المهددة بالمحو أو الغزو ، في عالم تتصارع فيه القوى، وتتقدم الإرادات، وتمحق ذوات وتنهض أخرى.
لا يريد السعيد بن سعيد أن يخصص ( عواصف العشق) الذي يوحي عنوانه بأنه ديوان هموم ذاتية ، إلا أنه يتجاوز ذلك إلى آفاق التأمل في العالم الخارجي الذي يبدأ من مكان الذات الخاص القريب، مثل البيت (العائلة وأفرادها) والمدينة (ممثلة في بعض رموزها الشعرية والفنية) والوطن (ممثلا في بعض قضاياه السياسية والقومية) إلى الطبيعة باعتبارها امتداداً للذات والعالم الخارجي الشاسع ، فهناك نصوص كتبت في رثاء بعض أفراد أسرته الذين فجع الشاعر فيهم، وسؤال الموت كان دائما محرضا على أعمق الشعر وأصدقه، بكل ما يقودنا الوقوف عليه إلى اكتشافه من حقيقة خفة الإنسان وهشاشته وضعفه، وهو ما لا تحتمله النفوس الشاعرة.كما تناول الشاعر مدينته (شفشاون) من خلال الشاعر عبد الكريم الطبال والفنان التشكيلي محمد بن حقون، وتبدو هموم الوطن العربي في الحزن الذي يثقل صوت الشاعر وهو يتكلم منذ قصيدته الأولى التي تحمل عنوانا دالا وهو" هروبات" :
أحتاج أن أقول مرتين
بأنني حزين
أفيض بالبكاء
تضرب العروبة يا حبيبتي
وأبكي كالنساء
وتحتمي قصيدتي بصوتك المضادْ
(هروبات: ص7)
وهذا المقطع من قصيدة هروبات يبتعد عن الشعر الحر ويقترب من الشعر التفعيلي، فهو من وزن الرجز، وقد اضطر الشاعر فيه إلى إجازة تركيب لا يسوغه هنا إلا كون المقطع موزونا، فجملة (أقول مرتين، بأنني حزين) تصح مع قولنا (أقول مرتين إنني حزين) دون أن يختل الوزن ، ولكننا نجد في أقوال نقادنا القدماء الصدر الواسع الذي لا يضيق أمام تجاوزات تفوق هذا ، بحجة أنه يجوز للشاعر الفحل أن يخطئ في اللغة ولا يجوز له أن يخطئ في العروض، ذلك أن نقادنا العظام نظروا للوزن على أنه أعظم أركان الشعر، وقد أصبح هذا الأمر عند شعرائنا الجدد مما لا يعتد به، لأنه في نظرهم، باعتبارهم دعاة حداثة: أمر قديم ، وقد نسوا أو تناسوا ، أن الشعر قديم وأقدم من النثر الذي هم به كلفون، وأن العشق قديم ، وأن الحب قديم ، وأن بكاء الإنسان من الغربة الهجر والفقدان قديم هو أيضاً، وإن حب الإنسان الفن والجمال والحق والخير قديم كذلك، ومن أجل ذلك أطلب من الشاعر أن أعيد قراءة مقطعه السابق ، إرضاء لموسيقى العروض،بهذا الترتيب ومع تصرف قليل:
أحتاج أن أقول إنني حزين
أفيض بالبكاء
تُضرب العروبة ُ
وأبكي كالنساء يا حبيبتي
وتحتمي قصيدتي بصوتك المضاد
لتصح لنا بعد ذلك الإشارة إلى جمالية التناص في قول الشاعر (،،، وأبكي كالنساء) التي تذكرنا بأقسى ما قيل في لوم الأمير عبد الله الصغير، وقد شاهدته أمه وهو يبكي بعد تسليمه مفاتيح غرناطة إلى الملوك الكاثوليكيين:
إبك مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجالِ
وهو تناص فني وتاريخي أيضا ، فما أشبه الليلة بالبارحة، وبه يمتلك هذا المقطع كمثال لمقاطع أخرى قدرة تعبيرية عن واقع عربي متمزق يحكمه تنافر الحكام العرب ، وخضوعهم لإرادة المستعمر ، كما لم يفعلوا إلا في لحظات نادرة في التاريخ العربي ، لعل أشدها إيلاما لحظة انهيار الوجود العربي الإسلامي عن الأندلس، وإعلان كيان العدوان الصهيوني على فلسطيني، بفعل تدخُّل خيانات في مواقف شتى قادت إلى واقع الهزيمة، التي لا تزال تتناسل لتلد واقعا أصبح ضرب العروبة فيه، والاستهانة بها على عدة مستويات ثقافية وسياسية,.أمرين مألوفين. وهو ما تكشف عن وجوهٍ منه، هذه القصيدة نفسها في مقاطع أحرى مثل قوله:
بالعجز يا حبيبتي
نستمع الأخبارْ
وهما سطران استطاعا بألفاظ قليلة أن يصورا واقعا عربيا متسما حقاً بالعجز والهوان.
العلاقة بالمكان:
ومعظم قصائد السعيد بن سعيد في هذا الديوان كما قلنا أعلاه مكتوب في أكثر من مكان بدءاً من شفشاون ومرتيل وتطوان والرباط إلى أبعد الجهات مثل كوالالامبور و إسلام آباد وباستيا وكورسيكا والكويت والجابرية ، وتحتل (شفشاون) ، بما هي مسقط رأس الشاعر وملعب صباه، مكانة متميزة بين هذه الأمكنة، فهو يسميها ( قارة شفشاون) ومن دلائل عشقه لمدينته اختياره وضع صورتها على غلاف ديوانه الأول هذا، ويجمع بين فنان اللوحة وشاعر هذا الديوان نظرتهما العاشقة إلى مدينتهما، فالفنان محمد بنحقون يرسم شفشاون كما يراها بعين قلبه، متعلقأ بصورها التي انتهت ، وهو بذلك كأنه يتشبث بآثار جمال غارب، وزمان إن لم يكن ممكنا أن يعود، فلا بأس من أسر صوره التي تشبه الحلم في لوحات مطرزة بكثير من ألوان العشق الصادق ، مخلصا لأطروحته التي تؤمن بإمكان استرجاع ملامح ذلك الجمال على أرض واقع اليوم، ومن هنا التقى طرح الشاعر مع طرح الفنان، فشفشاون التي انتهت ، أتكون مثل( أطلانطا ) التي غرقت ولا يزال هناك حالمون يتمنون العثور عليها؟ أم أنها قارة، ما زالت تستقبل الشمس وتودعها مرة كل يوم،وسوف تشتعل دوائر الضوء فيها احتفاء بقدرات تتلألأ في أعماق إنسانها ؟ يتساءل الشاعر :
شفشاون ... ردي السؤال
أأكون الغريب لديك؟
أنا الذي عشقي يهب منك إليك(...)
شفشاون
ألا عودي إلى الحضن
كي أعود إلى الشئ في داخلي..
وكي تعود القافية
فماذا يكون ذلك الشئ الذي في داخل الشاعر، أي في قلبه؟وما هي هذه القافية التي يتوقف عندها نداء الشاعر لمدينته؟ أتكون القافية هنا بمعنى الجزء الدال على الكل: وهو القصيدة، ويكون المعنى إذن عودةَ الشعر إلى ما كان عليه أيام والألفة والصفاء الإنسانيين، والعيش في حضن الأحباب؟
لا أملك أن أجيب، وأفضل أن تبقى هذه الأسئلة وسواها محرضة إيانا قراء ومبدعين على العشق والمقاومة، وعلى إبداع أكثر، وعلى المزيد من التشبث بقيم الخير والحق والجمال في وطن يستحق إنسانه كل خير، وأن ينعم بالحق والخصب النماء.
===============
* (عواصف العشق) للشاعرالمغربي: السعيد ابن سعيد
ط. الأولى الكويت يونيو2009م
مطابع دار السياسة الكويت
والشاعر (من مواليد 11/12/1971) وهو خريج المدرسة الوطنية للإدارة العمومية، شعبة الدبلوماسية شهر يونيو1995 ، ويزاول عمله كدبلوماسي منذ ذلك التاريخ إلى الوقت الراهن بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية.
===================
أحمد بنميمون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.