الملك محمد السادس يهنئ رئيس تشاد    مبادرة مغربية تطالب العالم بتصنيف البوليساريو ضمن المنظمات الإرهابية    كرة القدم.. أتلتيكو مدريد الإسباني يتعاقد مع مهاجم نابولي الإيطالي جاكومو راسبادوري    ترامب يعلن نشر عناصر الجيش في واشنطن لمكافحة الجريمة    "ويبنز" يتصدر تذاكر السينما بأمريكا الشمالية    دراسة: الأطعمة عالية المعالجة صديقة للسمنة        انتشال جثة شاب عالقة في شبكة صيد    الأداء الإيجابي ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    وفاة خمسيني إثر تعرضه لهجوم كلاب ضالة بضواحي أكادير    كريستال بالاس يخسر استئناف قرار الاتحاد الأوروبي لكرة القدم باستبعاده من الدوري الأوروبي    المغرب ضيف شرف معرض بنما الدولي للكتاب 2025    كرة القدم.. النصر السعودي يتوصل إلى اتفاق مع بايرن ميونيخ لضم الدولي الفرنسي كينغسلي كومان (إعلام)    توقيف "داعشي" كان يحضر لعمليات ارهابية    "مراسلون بلا حدود" تدين اغتيال 5 صحفيين فلسطينيين وتتهم إسرائيل باستهداف الصحفيين في غزة    "واتساب" تختبر ميزة جديدة تتيح إرسال الصور المتحركة    الدار البيضاء: وصول أطفال القدس للمشاركة في الدورة ال 16 للمخيم الصيفي لوكالة بيت مال القدس    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    معتقلو حراك الريف بسجن طنجة 2 يدخلون في إضراب عن الطعام والماء    مالي.. مؤشرات انقلاب تكشف الوجه الخفي لمؤامرات النظام الجزائري في الساحل    كرة نارية من بقايا صاروخ صيني تضيء سماء شمال المغرب    محمد رمضان يتعرض لموجة سخرية جديدة بعد ادعائه تلقي دعوة من لارا ترامب ليتضح أنه دفع 3500 دولار للحضور    خريبكة: بديعة الصنهاجي تفتح قلبها لجمهور مهرجان الرواد    عمالة الحسيمة تحتفل باليوم الوطني للمهاجر    الدار البيضاء تحتضن ليالي غنائية كبرى تخليدا لعيد الشباب    العاشر من غشت يوم الوفاء للجالية المغربية وهموم الإقامة في تونس        "البيجيدي" ينبه لتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لفئة واسعة من المغاربة    الوصية .. في رثاء أنس الشريف ومحمد قريقع    الخطوط المغربية تعزز شبكة "رحلات بلا توقف" انطلاقا من مراكش نحو فرنسا وبلجيكا    أستراليا تؤكد أنها ستعترف بدولة فلسطين    تقرير: نمو اقتصادي في المغرب يقابله اتساع العجز المالي والتجاري    قتيل و29 مصابا في زلزال ضرب غرب تركيا    الخطوط الملكية المغربية تطلق خدمة ويفي مجانية على متن طائرات "دريم لاينر"    وفاة أسطورة كرة القدم اليابانية كاماموتو عن 81 عاما    أشرف حكيمي يتمسك بطموح الفوز بالكرة الذهبية رغم انزعاج باريس سان جيرمان    كأس أمم افريقيا للمحليين (كينيا أوغندا تنزانيا 2024):        توقيف "شاب داعشي" بإقليم سطات    الملك على دراجته المائية يتبادل التحية مع المصطافين على شاطئ كابونيكرو    غزة.. قصف إسرائيلي يودي بحياة مراسل الجزيرة أنس الشريف وأربعة آخرين    فيتنام توسع قائمة الإعفاء من "الفيزا السياحية"    الجبالية الشحرية .. لغة نادرة في سلطنة عمان    عوامل تزيد التعب لدى المتعافين من السرطان    صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية: المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس نموذج إفريقي رائد في التنمية والابتكار    أشرف حكيمي: "إنه حلم أن ألعب مع المغرب خلال كأس إفريقيا للأمم"    من أجل استقبال أكثر من 25 مليون طن سنويًا.. توسعة جديدة لميناء الجرف الأصفر        السفير المغربي بالصين: البعثات الطبية الصينية... رمز نصف قرن من الصداقة والتضامن بين المغرب والصين    دراسة: استعمال الشاشات لوقت طويل قد يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب لدى الأطفال والمراهقين    توقيف الناشطة لشكر بعد ارتدائها قميصاً مسيئاً للذات الإلهية    دراسة: الفستق مفيد لصحة الأمعاء ومستويات السكر في الدم    دراسة تحذر.. البريغابالين قد يضاعف خطر فشل القلب لدى كبار السن    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لن تحبطنا التفاهة وعبث الاستحمام في الشارع
نشر في الدار يوم 14 - 05 - 2020

في شهر رمضان من السنة الماضية، و بالضبط في شهر يونيو 2019، حدثت في إحدى مدننا واقعة "الاستحمام العمومي في الحافلة، كواقعة رمزت للتفاهة الطاغية في سلوك البعض.
وهذا الأسبوع، من جديد اعتقد بعض الشباب أن من "حقهم" و من "حريتهم"، أن يخرجوا للشارع لأخذ "دوش جماعي" أمام الناس، في فضاء تجهيزات عامة تابعة لخط الطرامواي بالدار البيضاء، و دون مراعاة لحرمة شهر رمضان و لا لواجب احترام قانون حالة الطوارئ الصحية واحترام الحجر الصحي. وفي ذلك كله، على الأقل ثلاثة أسباب موجبة للمتابعة والمسائلة القانونية، بالإضافة للإدانة الأخلاقية.
من دون شك أن تلك الصور التي توثق لهذا "الإنجاز" بعثت لعموم المواطنين شحنة من الإحباط و عززت عوامل التيئيس، واستفزت فيهم التذمر من وجود "عقول" قادرة على "إبداع" تفاهة عبثية بهذا الشكل، خاصة في السياق الذي نعيش فيه هذه الأيام.
ولعل ما يثير الاستغراب هو أن يحدث ذلك في نفس الوقت الذي يجدد فيه المغاربة اكتشاف أجمل ما في ذواتهم، في خضم تدبير أزمة وبائية أظهر أن العقول المغربية الشابة أصيلة وقادرة على تحقيق إنجازات كبيرة في البحث العلمي والإبداع التكنولوجي و المعرفي. أهي مجرد مصادفة؟؟ أم أن هنالك ديناميكية، مقصودة و غير ظاهرة، لتحقيق أهداف معينة ؟؟ أليس غريبا أننا كلما أردنا الوقوف والسير الجاد والمسؤول، تأتي موجة من تيار الرداءة والعبث مدفوعة بديناميكية الترويج للتافهين والكراكيز، لتصدمنا بقوة في محاولة لإعادة إسقاطنا أرضا؟؟ أليس الغرض هو دفعنا لليأس من أنفسنا واحتقار الذات المجتمعية، والجزم نهائيا بأننا تافهون و لا نستطيع تحقيق شيء يذكر ؟؟
هل بات قدرنا في المغرب أن نتلقى الضربات المحبطة، من الخارج و من الداخل، فقط لأننا نؤمن، كدولة وكمجتمع، بحقنا في تطوير مشروعنا الوطني و نتشبث باستقلالية قراراتنا تجاه أي جهة كانت ؟؟ هل نحن مذنبون لأننا نرفض أن تتسيد المشهد العام الإعلامي و الثقافي والفني، نماذج كركوزية سيئة و تافهة وعبثية، لا تحمل فكرا و لا قيما و لا طموحات وطنية كبيرة، اللهم ما كان من تسابق لقضاء مآرب ذاتية وجمع المغانم المادية ومراكمة المكاسب بكل الطرق حتى الخبيثة منها؟؟
شخصيا لا أرى في حفلات "الاستحمام" في الشارع، شأنها شأن "روتيني اليومي" و ثقافة "إكش وان إن وان" و غيرها من "الإبداعات التافهة"، إلا مظهرا من مظاهر تسفيه "تنتجها" أياد تريدنا أن ننكسر و أن نكفر بأخلاق تامغربيت، و أن نغادر الاهتمام بالعلم و الفكر والقيم وبقضايا كبرى، و أن نكف عن الاعتقاد بإمكانية أن يصنع أبناء هذا الوطن شروط الترقي والازدهار، وإظهار الوجه الحضاري الجميل لأمتنا المغربية العريقة.
بعد واقعة الاستحمام التي جرت السنة الماضية، كتبت مقالا طويلا بعنوان "واقعة الاستحمام في الحافلة… واستعجالية الوعي بخطر استمرار التحلل"، و قلت فيه أن الواقعة هي "حلقة جديدة ستزيد من التذمر والقلق الجماعي الذي يشتكي منه الغالبية تقريبا، نتيجة لتراكم الإحساس بالفشل والتفاهة من كثرة ما يتم الترويج للفشل والفاشلين، ومحاربة النجاح والناجحين."
وقلت، أيضا، أن من يعتقدون أن ما حمله فيديو الاستحمام، مجرد مُزحة أطفال أو شباب يلعبون في يوم رمضاني طويل، واهمون ومخطئون، بل ما رأيناه هو "تجل بسيط من ديناميكية متكاملة الأركان تستهدف تسفيه وطن عريق، وتشويه شعب مجيد، و تدمير تاريخ عظيم"، لن يتسنى وقف النزيف الذي تسببه إلا عبر "اتخاذ خطوات حازمة تعيد الهيبة للقانون، بالقانون وبالصرامة اللازمة، و تفعيل المؤسسات العمومية و المدنية المختصة لتلعب دورها كاملا في التنشئة الاجتماعية والنهوض بأوضاع الشباب وحمايته وتأطيره واستخراجه من براثين التهميش و التخلف والإحساس بالدونية و بالحكرة، وتضييق المساحات التي تستغلها بعض الخطابات لتُروج باسم الحرية و الحقوق، من حيث تدري أو لا تدري، لفوضى التسيب في الشارع العام وتشجيع منطق ‘خليها تخماج'."
وكما لو أنني كنت أخشى لحظة قادمة في المستقبل سنحتاج فيها لمجتمع قادر على التعبئة واليقظة من أجل مواجهة تحديات ومخاطر كبيرة تهدد وطننا، قلت قبل سنة أنه يتعين "على من لهم سلطة الفعل، بقوة القانون و شرعية المؤسسات، أن يتدخلوا لأن الأخطر في مثل هذا الواقع إذا استمر كما هو، هو أن يقتل حظوظ النهوض المجتمعي يوم سيكون من الواجب علينا أن ننهض من أجل الدفاع عن قضية ما، أو يوم سيُراد لنا ذلك. و أن علينا أن نحافظ على المقومات الاستراتيجية التي تُبقي على تنافسيتنا و تحمي قوة مؤسسات دولتنا الوطنية، في عالم شرس لا يرحم من يترك بذور الهشاشة تنمو في كيانه، أو يتردد في اتخاذ القرارات اللازمة أمام تحديات تفرض الحزم في الاختيارات."
كان هذا كان كلامي قبل سنة. و اليوم أمام واقعة "الدوش في الشارع"، أرى أن نفس الكلام لا زال راهنيا. وظني أنه إذا لم يتم أخذ الاختلالات الاجتماعية والقيمية بشكل جدي، وتحليلها وتشخيص أسبابها وسبل علاجها، والتعاطي معها من كل زوايا المعالجة الممكنة، الاجتماعية و الاقتصادية والنفسية و الثقافية و المعرفية، فالأكيد أن نفس هذا الكلام سيبقى راهنيا السنة القادمة، و السنة التي تليها و التي تليها.
وما يجب أن يكون يقينا واضحا في أذهاننا، و نحن نعبر عن التذمر من مظاهر العبث ونشر التفاهة، هو أنه توجد في وطننا، رغم كل شيء، "مكتسبات مجتمعية راسخة في عيشنا المشترك، و إنجازات وأفكار وإبداعات وكتابات رصينة، ومواقف صادقة ومشرفة، وأشخاص محترمون ونزهاء وأوفياء لقيم وطنية سامية ولمبادئ إنسانية عالية، وثوابت مقدسة وقيم عالية، كثيرة و متفردة." و إذا كان من المؤكد أن هنالك، من بني جلدتنا و من بعض الأشقاء والأصدقاء، من لا يريدون لوطننا أن ينهض ويتطور، و لا يقبلون أن نوسع دائرة الخير و مساحات القيم في مجتمعنا، ولا يرحبون بتشجيع مساهمة الناس بإيجابية في الحياة العامة عبر إبداء الرأي و تتبع تدبير الشأن العام، واختيار الأنسب من نخب وأطر و كفاءات لإنتاج السياسات العمومية وتدبير المرافق والمؤسسات المسؤولة عن تنزيلها، فما على أبناء المغرب الحريصين عليه سوى أن يبقوا صامدين و رافضين لفكرة الاستسلام لليأس و الانهزام أمام مظاهر التفاهة، لأن اليأس لا يخدم سوى أجندة من يريدون كسرنا، و يسعون إلى أن يعُم العزوف و الانعزالية عن كل شيء يُعطي للحياة فوق هذه الأرض معنى، و يعزز قدرتنا على تقليص دائرة السوء.
وإذا كان صحيحا أن في بلادنا طاقات كثيرة تحمل إيمانا صادقا ومخلصا بأن إبقاء شعلة الأمل ضرورة مجتمعية استراتيجية، علينا أن ندعمها كي تصمد و تستمر في ديناميتها الإيجابية لأن الوطن يستحق ذلك. و علينا أن نستوعب أنها طاقات تحتاج إلى أن ترى تدخلات غيورة ومبادرات جريئة تعطي لهذا الأمل معنى، وتدرجه في إطار فعل ميداني إيجابي منظم ورصين، و تجعل له أفقا منطقيا يساهم في تحقيق الطموحات الوطنية.
بذلك فقط سيكون للأمل والتفاؤل أهميته و مساهمته في تنزيل مستلزمات الإقلاع الشامل الذي نرجوه، والذي أصبحنا نؤمن أكثر من أي وقت مضى بإمكانية تحقيقه، بعد أن رأينا روح التعبئة التي انخرطت فيها الأمة المغربية بقيادة عاهل البلاد، لمواجهة الوباء الفيروسي الشرس، وما تحقق من خلالها من إيجابيات و مكتسبات أغنت هذه الملحمة الوطنية وأدخلت لجحورها عددا من رموز التفاهة و الرداءة و العبث التواصلي.
فهل سنعمل على أن تظل تلك الرموز في جحورها بصفة دائمة، أم أننا سنكرر كل رمضان "حفلات" الاستحمام العمومي، و نطبع مع "تحديات" الدوش في الشارع العام، ونعيد بعد رمضان سفاهة "الروتين اليومي"، و نغذي "الطوندونس" بكل سفيه معتل؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.