للمرة الثانية في أقل من ثلاثة أشهر ينعقد ما يسمى مجلس الأمن الأعلى في الجزائر برئاسة شكلية للرئيس عبد المجيد تبون وفي ظل هيمنة كاملة للقيادات العسكرية على أشغال وحضور هذا الاجتماع الاستثنائي، الذي كان آخر حلقاته لقاء نهاية يناير الماضي بعد أكثر من ثلاثين عاما من الغياب. هذا الاجتماع الذي عرف حضور قائد الأركان السعيد شنقريحة وينعقد في ظل غياب رمطان لعمامرة الذي تمت الإطاحة به في التعديل الحكومي الأخير الذي شهدته البلاد، وسبق لبعض المراقبين وصفه بمجلس الحرب، خصص حسب بلاغ رسمي للرئاسة الجزائرية لتقييم الوضع العام في البلاد. وما يزيد من غرابة انعقاد هذا اللقاء في الظرفية الحالية هو شح المعطيات التي أدلت بها الرئاسة في بلاغها المقتضب في الوقت الذي كان الرأي العام الجزائري ينتظر الإدلاء ببيانات كافية عن انشغالات هذا الاجتماع الذي يعتبر الأرفع من نوعه في تاريخ تدبير الشأن العام الجزائري. لكن الغريب في بلاغ الرئاسة هو هذا العنوان الأغرب لانعقاد هذا الاجتماع: "تقييم الوضع العام في البلاد". هل سيناقش اجتماع مجلس الأمن أو الحرب الجزائري قضية ارتفاع الأسعار وانعدام بعض السلع التموينية أم سينكبّ على دراسة القضايا الاستراتجية الخاصة بأمن البلاد وعلاقاتها الدولية؟ لكن الواضح أن هذا الاجتماع الذي يفترض أن يهتم بالقضايا الأمنية الكبرى لن يخرج عن دائرة طرح القضايا الاجتماعية اليومية. الوضع العام في البلاد مرتبط في الجزائر بأسعار البطاطس ومدى وفرة الحليب للمواطنين واستيراد ما يكفي من السيارات لتلبية طلب السوق الداخلي. وهذه الأجندة أكبر دليل على أن البلاد لم تعد تخفي أو حتى تحاول إخفاء هيمنة الفاعل العسكري في السلطة وفي اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية الكبرى للبلاد. في الماضي كان حضور الجيش خفيا يكتفي بالوقوف وراء الستار لإدارة اللعبة المصنوعة في المشهد السياسي، من خلال اختيار الرئيس وتوجيه الإملاءات والتعليمات التي ينبغي له أن ينفذها، إضافة إلى التحكم في المشهد الحزبي والمدني، واختراق المؤسسة التشريعية التي يمثلها البرلمان، وتوجيه عملها واختياراتها التشريعية. كل ذلك كان يتم بشكل سلس وبعيدا عن إثارة الأنظار. لكن انتظام هذا الاجتماع الذي يسمى مجلس الأمن دليل على أن العسكر لم يعودوا يخفون هيمنتهم وسيطرتهم على دوائر القرار. لقد أصبح هذا الحضور أغلبيا وعلنيا، بل ودستوريا أيضا من خلال هذا اللقاء الذي سيصبح على ما يبدو اجتماعا دوريا. وأكبر دليل على هذه الهيمنة الرسمية والعلنية هو هذا التكتم الذي تبديه رئاسة الجمهورية الجزائرية فيما يتعلق بالقضايا والملفات التي يطرحها ويعالجها هذا الاجتماع. من المفروض أن تقدم الرئاسة بيانا يتضمن بعض التفاصيل حول ما تمت مناقشته والقرارات والتوجهات العامة التي يسير فيها. ولا يوجد بيان رسمي في الدنيا يقدم ملخص اجتماع بهذه الأهمية في جملة واحدة مفادها "الوضع العام في البلاد". إن مجلس الحرب أو الأمن الجزائري أضحى مع هذا الانتظام أكثر أهمية من المجلس الحكومي الذي يضم الوزراء تحت إشراف رئيس البلاد، وأكثر تأثيرا من لجان البرلمان الجزائري ودوراته التشريعية. وهو بمثابة تطبيع رسمي مع هيمنة العسكر على مقاليد السلطة في البلاد، واحتكارهم للقرار الاستراتيجي في شتى المجالات بدءً من ملف البطاطا والحليب مرورا بالقضايا الاجتماعية والحقوقية وصولا إلى العلاقات الدولية وقضايا التسلح. ومن المتوقع أن ترتفع وتيرة انعقاد هذا الاجتماع في المستقبل القريب كإعلان رسمي عن موت صلاحيات الرئيس في الجزائر، خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقرر في نهاية العام 2024، والتي تستدعي من المؤسسة العسكرية البحث بجدية عن تثبيت دور الرئيس الدمية إلى الأبد.