في تحوّل استراتيجي يبرز طموحاته المتجددة في العمق الإفريقي، يواصل المغرب ترسيخ مكانته كفاعل محوري في قضايا الأمن والدفاع بالقارة، من خلال مشاركة وازنة ومؤثرة في المحافل العسكرية الإفريقية، كان آخرها مشاركة الجنرال عبد الكريم نجار، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية، في مؤتمر رؤساء أركان الدفاع الأفارقة المنعقد بالعاصمة الكينية نيروبي. هذه المشاركة ليست مجرد حضور بروتوكولي في مؤتمر إقليمي، بل تُعبّر عن رؤية مغربية واضحة المعالم تسعى إلى دعم التعاون جنوب-جنوب، ومواجهة التهديدات الأمنية المتنامية في إفريقيا، في وقت باتت فيه القارة عرضة لمخاطر عابرة للحدود، مثل الإرهاب، الجريمة المنظمة، والاتجار غير المشروع بالأسلحة والبشر. على هامش المؤتمر، عقد الجنرال المغربي سلسلة من اللقاءات الثنائية المثمرة مع مسؤولين عسكريين كينيين، في خطوة تعكس حرص الرباط على تطوير شراكات استراتيجية حقيقية مع دول شرق إفريقيا، وعلى رأسها كينيا، التي تُعدّ قوة إقليمية مؤثرة في منطقة القرن الإفريقي. وقد ناقش الطرفان سبل تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي، وتكثيف التنسيق الميداني في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وحماية الحدود، والتكوين العسكري المتبادل، ما يُبرهن على تطور نوعي في العلاقات الثنائية بين البلدين، المبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. لم يعد الدور المغربي في إفريقيا يقتصر على البُعد الاقتصادي أو الثقافي، بل بات يشمل، بشكل متزايد، مجالات الدفاع والأمن والاستقرار، وهو ما يُترجم عمليًا في مشاركات القوات المسلحة الملكية المغربية في مهام حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وفي مبادرات تكوين الكوادر العسكرية بعدد من الدول الإفريقية الشقيقة. كما يُقدّم المغرب من خلال دبلوماسيته الأمنية النشطة نموذجًا متكاملًا للتعاون القاري، يجمع بين التنمية المستدامة، والدعم الإنساني، ومكافحة الأخطار المشتركة، بما في ذلك التصدي للميليشيات المسلحة والشبكات الإجرامية العابر للحدود. المغرب لا يتحرك في إفريقيا بقرارات ظرفية، بل وفق رؤية استراتيجية متكاملة، ترتكز على تعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال شراكات متوازنة، تراعي خصوصيات كل دولة، وتُولي أهمية قصوى لآليات التعاون الجماعي في التصدي للأزمات الأمنية المتصاعدة في القارة. هذا التوجه ينسجم مع ما أكده الملك محمد السادس في عدة مناسبات، حول كون إفريقيا ليست مجرد مجال جغرافي للتعاون، بل فضاء مشترك للمصير، وفرصة لتكامل حقيقي بين شعوبها. في ظل التحديات الأمنية التي تعصف بالقارة، يبدو أن المغرب يرسّخ دوره كركيزة للأمن الجماعي في إفريقيا، من خلال مقاربات واقعية تجمع بين الصرامة في مواجهة التهديدات، والمرونة في بناء تحالفات ذكية مع مختلف الفاعلين الإقليميين. ومع كل مشاركة دبلوماسية أو عسكرية مغربية في القارة، تتعمق القناعة بأن الرباط لم تعد فقط شريكًا، بل فاعلًا أساسيًا في صياغة توازنات جديدة، قوامها الأمن والتنمية والتضامن الإفريقي.