لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع أن تمر الدورة العشرون من مهرجان موازين بهذا القدر من الجدل والتعثر، على الرغم من الزخم الجماهيري الذي رافق فعالياته. فعلى خلاف السنوات الماضية، حين كان المهرجان يواجه دعوات مقاطعة قوية، بدا هذه السنة وكأنه استعاد عافيته، بعدما امتلأت منصاته بجماهير غفيرة، سواء في الحفلات المجانية أو المؤدى عنها، بما في ذلك فئة (VIP) مرتفعة التكلفة. هذا التفاؤل سرعان ما تلاشى مع توالي مظاهر الفوضى وسوء التنظيم، مما أعاد إلى الواجهة تساؤلات عميقة حول أهداف المهرجان، ونوعية جمهوره، ومقاصده الثقافية. ورغم الأرقام القياسية على مستوى الحضور، إلا أن صوراً ومقاطع فيديو تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت مشاهد غير لائقة وتصرفات اعتُبرت غير حضارية، ما أثار جدلاً حول ذوق الجمهور ومدى تحقيق المهرجان لهدفه المتمثل في الارتقاء بالوعي الفني والثقافي. عثرات التنظيم كانت واضحة أيضاً أبرزها ما حدث في سهرة صابر الرباعي، بسبب التأخر في الإعلان عن مشاركته في هذه الدورة، وبالتالي ضعف الإقبال على تذاكر حفلته، ما جعله يعتلي المنصة أمام قاعة شبه فارغة، قبل أن يتدخل المنظمون لفتح الباب مجاناً أمام الجمهور لملء القاعة. زد على ذلك الارتباك الذي حصل في منصة سلا خلال حفل "كرافاطا"، الذي تأخر صعوده للمنصة ساعتين بسبب عدم التزام الفنان الذي يسبقه بالمدة الزمنية المخصصة له، ما أثّر على سير السهرة ككل، وخلّف استياء لدى المشاهدين. بالإضافة إلى ذلك، تحوّلت الندوات الصحفية للفنانين إلى منبر للكلاشات المتبادلة، حيث صرّح مغني الراب المغربي "المورفين" بأن زميله "لكناوي" لا يمثل الراب المغربي، واعتبر مستواه الفني لا يلبي حاجيات الجمهور. وهي التصريحات التي اعتبرتها بعض الجماهير مهينة وتحط من قيمة "لكناوي"، وخلّفت ردود أفعال عنيفة من طرفه، في شكل تهديدات واتهامات مباشرة، قد تتطور مستقبلاً إن لم يُوضع لها حد. الفنانون العالميون بدورهم لم يسلموا من لعنة هذه الدورة، حيث تجاهلت نانسي عجرم العلم الوطني المغربي، ما صنّفه العديد على أنه تصرف غير لائق. كما أعاد السؤال حول جدوى تقديم العلم الوطني للمغنين على المنصات أصلاً: هل العلم الوطني يحتاج لمن يرفعه؟ بل إن الفنان هو الذي في حاجة إلى شرف حمل هذا العلم الذي سالت لأجله دماء، وزُهِقت أرواح طاهرة. تعطّل مكيفات التبريد في المسرح الوطني محمد الخامس حوّل القاعة إلى حمام تقليدي كبير دون مياه، وتم تعويضها بمراوح بسيطة، في حفل كاظم الساهر، الذي كان استهزاؤه وسخريته من الواقعة واضحة للعيان، خصوصاً في ظل موجة الحر التي تعرفها العاصمة. زد على ذلك غياب مقاعد أشخاص أدّوا ثمن تذاكر (VIP)، ليجدوا أنفسهم في كراسي للأعراس بين صفوف المقاعد، حسب تصريحات المعنيين. الحفل الختامي، الذي يُفترض أن يكون مسك الختام وتتويجاً للدورة، شكّل أكبر علامة استفهام. فبعد تخصيص طائرة خاصة لنقل شيرين عبد الوهاب، وطلبها مبلغاً مالياً ضخماً، رفضت الصعود للمنصة إلا بعد حصولها على كامل مستحقاتها المالية، بل وحتى عند اعتلائها منصة النهضة، لم تُغنِّ بصوتها مباشرة، وإنما بتقنية التسجيل (Play Back)، وهو ما أثار انزعاج الجمهور، واعتُبر إهانة في حق المهرجان، وعدم احترام للمنظمين والجمهور. أما "طوطو" وحشده لفئات عريضة من الجماهير، فبقدر ما يعتبره البعض من معجبيه ثورة في المجال الفني، إلا أن فئة أخرى من الجماهير تعتبره ابتذالاً، ولا يرقى لمستوى الفن الذي يهذب الذوق ويغذي الروح. لكن، في جميع الحالات، يُعدّ مؤشراً على تغيير نسبة الذوق الجماعي وتعديل معايير الجودة الفنية. فرغم سوابقه في مهرجانات أخرى، باعتلائه للمنصات وهو يدخّن المخدرات، بل ودفاعه عن ذلك في ندوة صحفية على هامش المهرجان، وتضمّن أغانيه لكلمات نابية أحياناً، إلا أنه يحتفظ بقاعدة جماهيرية مهمة، تجعلنا نطرح السؤال حول أسباب تحوّل الذوق الفني الجماعي.