عندما غادر ليليان تيرام الملاعب منذ سنة ونصف كان يحمل معه تاريخا حافلا بالانجازات الرياضية ذات مستوى رفيع يحلم به أي رياضي في كرة القدم : كأس العالم رفقة المنتخب الفرنسي سنة 1998 وكاس أوربا سنة 2000، بالإضافة الى مشاركته القياسية مع المنتخب الفرنسي 142 مرة ولعبه لأكبر الفرق الاوربية من موناكو، بارما، طورينو وبرشلونة، وهي ألقاب ومسار يفتح له كل الأبواب وتجعله كباقي رفاقه أمثال زيد الدين زيدان محل كل الإغراء والاستقطاب أهمها اقتراح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تعينه وزيرا بحكومته مكلف بالاحياء سنة 2008 «لم يكن أمامي من حل إلا رفض هذا الطلب، منذ لقائي الأول به سنة 2005 بعد أحداث الأحياء وقضية «الكارشير» وصلت إلى أن تصورنا للعالم متناقض ومتعارض خاصة عندما قال لي أن السود والعرب هم من يفتعل المشاكل بالأحياء. السيد ساركوزي له أحكام نابعة من تربيته. جاء بعد ذلك خطاب دكار سنة 2007 الذي يتبنى أن الافريقي لم «يدخل بعد الى التاريخ» والذي يكرر كلمة بكلمة الخطاب العنصري للقرنيين 18 عشر و19 عشر. وكذلك هذه الرغبة في وضع قانون حول الانعكاسات الايجابية للاستعمار، وفي الأخير هذا النقاش اليوم حول الهوية الوطنية.» هذه كلها حجج ساقها ليليان تيرام لرفضه عرض ساركوزي ليكون وزيرا في حكومته في تصريحه الى أحد الاسبوعيات الباريسة. هذا الشاب القادم من الجزر الفرنسية ما وراء البحار الكوادولوب، والذي هاجر رفق والدته وإخوته نحو فرنسا في سن 9 من أجل تحسين وضعه المعيشي قبل أن يحقق مسارا متألقا في مجال الكرة، هو فريد في مواقفه ولا يشبه باقي الرياضيين الذي يلهث أغلبهم وراء الشهرة والمال والتقرب من السياسيين، بل أخذ مسارا مختلفا حيث قرر استغلال شهرته لمواجهة مختلف أشكال الميز التي مازال يعيشها المجتمع الفرنسي ضد السود والعرب القادمين من أحياء المدن، ولم يتردد في مواجهة نيكولا ساركوزي وحكومته عبر الاعلام، واتهمهم بنشر أفكار لوبين عندما أطلق تصريحاته المحتقرة لأبناء الإحياء. هذا اللاعب الذي بقي في ذاكرة الفرنسيين والعالم عندما سجل إصابتين في نصف النهاية لكأس العالم سنة 1998 وهو لا عب متميز يضع نظارتين طبيتين تجعلك تعتقد أنك أمام مثقف، وليس لا عب كرة، وقد أطلق عليه المؤرخ الفرنسي باتريك فاي لقبا يلخص حياته «المثقف الذي مارس كرة القدم». هكذا رسم ليليان تيرام لنفسه طريق المثقف والمناضل من أجل الحقوق وأسس «مؤسسة التربية ضد العنصرية» خاصة أنه عانى من التصرفات العنصرية داخل الملاعب التي كانت تطلق ضده من خلال ترديد صيحات القردة، كلما لمس الكرة «هذه التصرفات مازالت بالملاعب لأن بعض العلماء نظروا لهذه العلاقة والترابط بين السود والقردة» هذه التصورات السلبية مازال يحتفظ بها اللاشعور الجماعي . واذا كان من السهل إحياء العنصرية، لأنها نتيجة تاريخ ، للأسف، لم يتم تدميره بعد. ونهاية الاستعمار واستقلال الشعوب تعود الى 50 سنة فقط بالاضافة الى معركته ضد العنصرية فقد دخل مجال التاليف من خلال كتابه «نجومي السوداء من ليسي الى باروك اوباما» الذي يرصد «النجوم السود» في مختلف المجالات والتي جعلته يبني نفسه ويكون له موقف. هذه النجوم التي يمتد تاريخها من أول إنسان وجد بإفريقيا «ليسي» الى انتخاب باراك اوباما كاول رئيس أسود للولايات المتحدةالامريكية. ليليان تيرام له دائما مواقف تثير الجدل، فقد قام في 6 من شتنبر 2006 باستضافة المطرودين من سكوات كاشون إلى المقابلة بين فرنسا وإيطاليا بالملعب الكبير سطاد دوفرانس. حول موقفه السلبي من النقاش من أجل الهوية الجاري حاليا بفرنسا بطلب من الرئيس الفرنسي، يقول تيرام «هذا النقاش غير نافع، والمشكل أن سوء النية هي التي توجد وراء الأسئلة المطروحة.» ويضيف حول هذا النقاش «نحن نواجه سياسة لتقسيم تقوم بإحياء العنصرية الكامنة بالمجتمع الفرنسي التي تنتج الخوف وتكسر التضامن وتقوي أحكام القيمة. نيكولا ساركوزي يضع الناس في خانات «نحن » و«هم» و «الفرنسيون الأصليون » ، و«الاقليات» اعتقادا منه أن الأغلية سوف تسير في اتجاهه. إنه لأمر مؤسف. الحكومة اختارت السهولة بخلقها لمسؤولين عن مشاكل فرنسا هم المهاجرون والمسلمون حتى تجنب السكان التفكير في المشاكل الحقيقية التي هي البطالة، الأزمة الاقتصادية وغياب العدالة الاجتماعية.» وحول أسباب إصداره كتاب يضم عددا من بورتريهات شخصيات سوداء في العديد من المجالات، يقول تيرام «عندما تطرح سؤالا على الناس حول شخصية سوداء مهمة في المجال العملي، الشعري، أو الفلسفة، فإنهم قادرون على الايجابة، والخطأ ليس منهم فقط، لأن المدرسة لا تدرس ذلك. من خلال هذه الشخصيات اكتسبت ثقة في النفس، وأصبحت ما هو أنا عليه اليوم، وتاريخ السود لا يمكن أن نلخصه في العبودية، وأي شاب عندما يسمع الحديث عن السود في المدرسة يكون حول العبودية، وقد كانت حالتي أنا الاخر.» ليليان تيرام من خلال هذا الكتاب يريد التوجه الى الشباب بعدم الانغلاق في جبة الضحية والتعرف على شخصيات سوداء مهمة. الكتاب يضم عددا مهما من الشخصيات السوداء سواء المعاصرة او القديمة، ابتداء من الفرعون طهاركا الى الملاكم الاستثنائي محمد علي، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات المهمة مثل مارتين لوثر كينك، روزا باركس، فريديريك دوكلاس، إيمي سيزار، طوباك شاكور وصولا إلى انتخاب أول رئيس أسود بالولايات المتحدةالامريكية باراك أوباما.