وهبي: نقابات تكذب... وقررت التوقف عن استقبال إحدى النقابات    مستشفى ورزازات يفتح باب الحوار    عاملات الفواكه الحمراء المغربيات يؤسسن أول نقابة في هويلفا    الهند تعلن شن هجوم على مواقع في باكستان.. والأخيرة تعلن أنها سترد    أخنوش يترأس بالرباط اجتماعا لتنزيل خارطة طريق قطاع التشغيل    انطلاق عملية استقبال طلبات الدعم العمومي الخاص بالصحافة والنشر    زكية الدريوش: الحكومة تشتغل على تقليص الوسطاء والمضاربين ومراجعة قانون بيع السمك    تألق مغربي في ختام البطولة الإفريقية التاسعة للووشو بالقاهرة    وفد مغربي سعودي يستقبل وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في مطار الدار البيضاء    إنتر يقصي البارصا من أبطال أوروبا    أبرزها نزع ملكية 7 هكتارات لإحداث مشاريع متنوعة.. مجلس جماعة الدريوش يصادق بالإجماع على نقاط دورة ماي    شحنة ضخمة من الكوكايين تستنفر أمن ميناء طنجة المتوسط    وزارة الداخلية توقف خليفة قائد للاشتباه في تورطه بجرائم فساد    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تفتتح بباكو المعرض الرقمي "الزربية الرباطية، نسيج من الفنون"    إسبانيا تتمسك بتقليص ساعات العمل    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    أخنوش يراهن على "خارطة التجارة الخارجية" لخلق 76 ألف منصب شغل    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    رئيس الحكومة يترأس اجتماعا لتدارس خارطة طريق التجارة الخارجية 2025-2027    تقدم خطوتين فقط بعد جائحة كوفيد.. المغرب في المرتبة 120 عالميا في مؤشر التنمية البشرية لعام 2025    مراكش…تسجيل هزة أرضية بقوة 4.6    الرجاء الرياضي يحتج على التحكيم    فرنسا وأيرلندا تدينان خطة إسرائيل لاحتلال غزة    وزير خارجية فرنسا: "الوضع عالق" بين باريس والجزائر    مكونات المعارضة النيابية تنادي بتحرير الجماعات الترابية من "سلطة الوصاية"    نيروبي: افتتاح أشغال مؤتمر دولي لليونيسكو حول التراث الثقافي بإفريقيا بمشاركة المغرب    مداخل تنزيل مبادرة الحكم الذاتي المغربية بالصحراء    ارتفاع أسعار الذهب إلى أعلى مستوى    موسم طانطان ينطلق في 14 ماي.. احتفاء بتقاليد الرحل وبالثقافة الحسانية    "قفطان المغرب" يكرم التراث الصحراوي    وزير إسرائيلي: "غزة ستدمر بالكامل"    متى كانت الجزائر صوتا للشرعية البرلمانية العربية؟ بقلم // عبده حقي    افتتاح فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم بالحسيمة    بحث وطني يشمل 14 ألف أسرة لفهم تحولات العائلة المغربية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    وجهة غير متوقعة تُهدد انتقال سفيان أمرابط إلى الدوري السعودي    الفريق الاستقلالي يطالب بإحالة محمد أوزين على لجنة الأخلاقيات    غوارديولا يكشف اسم أقوى مدرب واجهه في مسيرته    هزة أرضية بقوة 4.6 درجات تضرب مراكش ونواحيها    استراتيجية حكومية لضمان تكاثر القطيع الحيواني تغني عن اللجوء للاستيراد    منطقة الغرب.. توقع إنتاج 691 ألف طن من الزراعات السكرية    جمهور فنربخشة يطلق صافرات استهجان ضد يوسف النصيري    زوربا اليوناني    العصبة تلزم فرق البطولة بحذف جميع إشهارات الشركات المتخصصة في نقل الأشخاص والوساطة في النقل    لقجع: الطلب العمومي الأخضر محور أساسي في استراتيجية التنمية المستدامة بالمملكة    الجنون الاستبدادي لقيس سعيّد: رئيس يقوّض أسس الديمقراطية التونسية    اتفاق مغربي-مصري لرفع وتيرة التبادل التجاري وتعزيز الصادرات الصناعية    الرباط تحتضن ملتقىً دولي حول آلة القانون بمشاركة فنانين وأكاديميين من المغرب والعراق ومصر    مايكروسوفت توقف تطبيق الاتصال عبر الإنترنت "سكايب"    تحذير من تناول الحليب الخام .. بكتيريات خطيرة تهدد الصحة!    ارتفاع حالات الإصابة بالحصبة في أوروبا خلال شهر مارس الماضي    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كيف تُنقذ حياة شخص من أزمة قلبية؟.. أخصائي يوضّح    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



« تدريس التربية على المواطنة بالمدرسة الأوروبية : أي مقاربات لتحقيق الأهداف والرهانات؟

حظي موضوع التربية على المواطنة ولا يزال باهتمام بالغ من طرف دول الاتحاد الأوروبي، يتجلى ذلك في قيام « شبكة المعلومات حول التربية في أوروبا « EURYDICE» بإنجاز بحث شمل ثلاثين دولة أوروبية، استهدف تشخيص وضعية مادة « التربية على المواطنة « في المدارس الأوروبية، واقتراح مقاربات جديدة لتدرسيها في أفق بلوغ الأهداف المراد تحقيقها. وقد نُشرهذا البحث في كتاب طبع ببلجيكا (منشورات الاتحاد الأوروبي وتمويل اللجنة الأوروبية « الإدارة العامة للتربية والثقافة « ويضم حوالي تسعين صفحة) وهو متوفر باللغتين الإنجليزية والفرنسية، وقد وضع تقديمه Jan Figel/ جان فيجيل، مراقب مُكلف بالتربية، والتكوين، والثقافة والتعدد اللغوي بالاتحاد الأوروبي.
ونظرا لأهمية الكتاب، وجدة القضايا التي يطرحها، وتعميما للفائدة، ارتأينا ترجمة بعض المقاطع المفصلية منه « بتصرف «، حتى يتسنى للفاعلين التربويين الاطلاع على التجربة الأوروبية في مجال تدريس «التربية على المواطنة» والإفادة منها، بهدف إغناء التجربة المغربية في هذا المشروع الواعد.
أشارجان فيجيل في أثناء تقديمه للكتاب إلى أن تقوية الانسجام الاجتماعي والمشاركة الفعالة للمواطنين في الحياة الاجتماعية والسياسية، أصبحا أولوية مطلقة في جميع الدول الأوروبية، إذ قدمت اللجنة الأوروبية الدعم المطلق لهذا الهدف /الرهان، من أجل تنمية المواطنة الأوروبية، باعتبارها تحديا مطروحا ورهانا محوريا لعمل الاتحاد الأوروبي.
في هذا الإطار،تم إعداد برنامج متكامل، كان موضوع مشاورات واستشارات مع مختلف مكونات المجتمع المدني، من أجل دعم مشاريع ومحاولات تستهدف تحسيس الأوروبيين وتوعيتهم بحقوقهم وواجباتهم وإشراكهم في مسلسل الاندماج الأوروبي من خلال تقوية شعورالانتماء لديهم تجاه أوربا.
ولا شك أن تنمية حس المواطنة، تنطلق شرارته الأولى من المدرسة، إذ تتم تقويته لدى الأطفال منذ السنين الأولى، عبراعتماد مادة التربة على المواطنة في المناهج الدراسية، بما تتضمنه من موجهات تتعلق بحقوق المواطن وواجباته، واحترام القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، فضلا عن كونها طريقة لتكوين الأطفال والشباب وتهييئهم ليصبحوا مواطنين مسؤولين وفاعلين.
ومن ثم، تنهض التربية بدور أساس في ترسيخ مواطنة فاعلة ومسؤولة، وذلك باعتبار المدرسة فضاء ديموقراطيا بامتياز، تتجسد فيه كل مظاهرا لمواطنة تلقينا وسلوكا، عبرا كتساب المتعلمين الكفايات الأساسية والمعارف الضرورية والقيم المدنية التي تهيئهم للمشاركة في المجتمع والمساهمة في تطوره. دون إغفال دور باقي مكونات المجتمع الأخرى: (الأسرة، المجتمع المدني، الجماعات المحلية، الإعلام... )التي تساهم أيضا في إعداد الشباب للحياة العامة.
أما فيما يخص تحديد المفهوم، ينبغي التذكير بأن التعريف المختزل لمقولة «المواطنة المسؤولة» المتبنى في إطارهذا البحث، يحتوي دلالات مختلفة حسب السياق الذي يستعمل فيه من جهة، وتبعا لخصوصيات اللغة الوطنية لمجموعة من الدول من جهة أخرى، إذ يشير في بعضها إلى العلاقات التشريعية والقانونية بين المواطن والدولة، وفي دول أخرى، يستمد المصطلح دلالته من الدور الاجتماعي للمواطنين في المجتمع الذي يعيشون بين أحضانه، ذلك أن أغلب المصادر التشريعية الوطنية، لا تحدد بكيفية دقيقة وواضحة مقولة «مواطنة مسؤولة» ، كما ترد بصيغ مختلفة في مختلف الوثائق الرسمية لدول عديدة، مثل : «المشاركة المدنية» (لتوانيا- رومانيا)، «وضعيات مدنية» أو «الوعي المدني» (بولونيا)، «حقوق وواجبات مدنية» (ألمانيا- لتوانيا- هولندا- المملكة المتحدة- سكوتلاندا...).
إجمالا، يمكن الإقرار بأن المواطنة المسؤولة تغطي مواد ذات علاقة «بالمعرفة وبالتمرين على الحقوق والمسؤوليات المدنية»، إذ توحد كل الدول بشكل متساو تصورها تجاه بعض القيم ذات الصلة بإعداد مواطن مسؤول، نذكر من بينها : الديموقراطية، الكرامة الإنسانية، الحرية، احترام حقوق الإنسان، التسامح، المساواة، احترام القانون، العدالة الاجتماعية، التضامن، المسؤولية، الاستقامة، التعاون، المشاركة، الانفتاح الروحي، الثقافي، الذهني والمادي، غيران بعض الدول تولي بشكل أو بآخر أهمية لإحدى هذه القيم أوجلها، في أفق بلورة فهم عام للمفهوم ووضعه على محك التطبيق.
لذلك، نصت توجيهات المجلس الأوروبي (2002) حول التربية على المواطنة الديمقراطية صراحة على أن جميع مستويات النظام التعليمي، ينبغي أن تساهم في اعتماد هذا المفهوم ضمن المقررات الدراسية سواء أباعتباره مادة دراسية مستقلة أم باعتباره موضوعا مستعرضا، والعمل على اختيار المقاربات متعددة التخصصات من أجل تيسير اكتساب المعارف، والوضعيات، والكفايات الأساسية للأفراد، حتى يعيش الجميع في تناغم تام، في مجتمع ديمقراطي متعدد الثقافات.
لكن، في إطار المنهاج، يمكن للتربية على المواطنة أن تكون منظمة بطرق مختلفة تبعا لمستوى التربية من جهة ولتنظيم البرنامج الدراسي في البلد المعني من جهة أخرى. إذ يمكن تعريفها أيضا باعتبارها «مادة مستقلة» إجبارية أو اختيارية، أو إدماجها في مادة أو مواد أخرى مثل التاريخ أوالجغرافيا، هناك إمكانية أخرى تنص على اقتراحها « باعتبارها موضوعا تربويا مستعرضا» بشكل يراعي حضور مبادئ التربية على المواطنة المسؤولة في جميع مواد البرنامج التعليمي، علما أن هذه المقاربات المختلفة لا يلغي بعضها الآخر.
إن التربية على المواطنة مسلسل معقد ومستمر، يبدأ منذ الطفولة المبكرة ويستمر مدى الحياة. في هذا الإطار يتيح التعليم الابتدائي تحسيسا أوليا بالقيم المدنية، ويشكل مرحلة أولى ذات أهمية قصوى ضمن مسار تكوين مواطن فعال ومسؤول في مجتمع ديمقراطي.
لقد مكن تحليل أهداف التربية على المواطنة المثبتة في الوثائق الرسمية، من ملاحظة تنوع كبير في صيغ التعبير عنها، وفي المصطلحات والمفاهيم المستعملة من أجل تقديمها في البرامج التعليمية، لذلك تم تجميعها في ثلاثة أصناف كبرى من الأهداف، حسب درجة الانخراط الفعال المنتظر من قبل المتعلمن.
أ- أهداف مخصصة لتنمية ثقافة سياسية لدى المتعلمين. (اكتساب معارف حول حقوق الإنسان، الديمقراطية، اشتغال التنظيمات السياسية والاجتماعية، معرفة التنوع الثقافي والتاريخي).
ب- أهداف مخصصة لتنمية وضعيات /قيم ضرورية لتكوين مواطن مسؤول (تعلم ثقافة الاحترام، تعلم الاستماع ومعالجة الصراعات الشخصية، المساهمة في تعايش منسجم ومتناغم، بناء قيم تراعي تعدد وجهات النظر داخل المجتمع، تشكيل صورة إيجابية عن الذات، إلخ ...).
ج- أهداف مرتبطة بتقوية المشاركة الفعالة للمتعلمين عبر (إتاحة الفرصة لهم للمشاركة في حياة الجماعة المدرسية والمحلية، تنشيط قدراتهم للالتزام تجاه بعضهم البعض، إكسابهم الكفايات الأساسية للمشاركة بكيفية مسؤولة ونقدية في الحياة العامة، تقديم تجارب عملية حول الديموقراطية، تشجيع المبادرات الفردية، إلخ..)
في أغلب الأنظمة التربوية الأوروبية، تجد الأهداف المستعرضة والشعب الرسمية للتربية على المواطنة، مُسوغهما في تنمية الكفايات التي ينبغي اكتسابها من قبل المتعلمين في نهاية السنة أو السلك، حيث تكون مدمجة دائما في الأهداف البيداغوجية ومعلنة - على الأقل - في الوثائق الرسمية ، إذ ترتبط بالأهداف المحددة بالنسبة للمواد المنفصلة أوالمواضيع المستعرضة الملائمة ، كما يتم تدقيقها بالنظر إلى السن ونضج قدرات المتعلمين.
ولتحقيق هذه الأهداف، يطور كل بلد من بلدان الاتحاد الأوروبي نظامه التقويمي الذي ينحصر في ثلاثة أنماط: 1- تقويم المتعلمين.
2 - تقويم المدارس.
3- التقويم الخارجي.
كما يقيس التقويم المعتمد محتويات متعددة من العرض التربوي، ويتخذ أشكالا مختلفة : « فحص كيفية اشتغال النظام التربوي في شموليته، أنشطة التسيير وإدارة الجماعات ، الأعمال المنجزة من طرف المؤسسات المدرسية، امتحانات كتابية أو شفوية، أعمال تطبيقية، ملاحظة المتعلمين في الفصل، تحليل نتائجهم ...» ونتيجة لذلك، صار إعداد معايير ومؤشرات ملائمة للتقويم في مجال التربية على المواطنة أولوية مطلقة لدى أصحاب القرارالسياسي في أوروبا، إذ يجمع الكل على أهمية إعداد مقترحات جيدة، تمكن من تقويم الكفايات المستهدفة، بما يساهم في تحسين جودة تدريس التربية على المواطنة، مع مراعاة خصوصيات الدول وأنظمتها السياسية، لذلك، ينصب التقويم على المعارف، الوضعيات، سلوكات المتعلمين، الأجواء المحيطة، الثقافة المُواطِنة، كفايات المدرسين، إضافة إلى الانخراط الإيجابي للفاعلين التربويين المسؤولين عن تطويرالسياسات التربوية في هذا المجال. يضطلع المدرسون بدورأساس في تنفيذ السياسات التربوية المرتبطة بمادة التربية على المواطنة، ولاشك أن مختلف المقاربات الديداكتيكية - في اعتقاد المدرسين- تواجه تحدي كيفية تدريس هذا المكون ونمط تقويمه، سواء بالنظر إلى كونه مادة مستقلة أومدمجة في مواد أخرى، لكن رغم ذلك، يقرا لمدرسون بنجاعة تأطيرهم واستفادتهم من برنامج التكوين المستمرالخاص بمادة التربية على المواطنة تدريسا وتقويما .
أما على صعيد الدعم، تشيرتوصيات المجلس الأوربي 2002 حول التربية على المواطنة الديموقراطية إلى ضرورة الاهتمام بتطوير الموارد المنهجية ومراكز الإرشاد لجميع الفاعلين المتدخلين في تدريس التربية على المواطنة، لكن يلاحظ في أغلب الدول الأوربية، أن الدعم المخصص لمدرسي التربية على المواطنة غيرمثبت بشكل واضح، من طرف السلطات التربوية على الصعيد الوطني، الإقليمي أو المحلي،المراكز العمومية والخاصة للتطويرالمهني المستمر، مديرية المناهج، مراكز البحث في التربية والمنظمات غيرالحكومية. وتجدر الإشارة إلى أن الدعم المخصص من قبل الوزارة يمكن أن يشمل: تمويل وتنظيم أنشطة خاصة بالتكوين المستمر للمدرسين ورؤساء المؤسسات في شكل مظاهر ذات علاقة بالمواطنة، الدعم المالي للمؤسسات، نشر معلومات حول التربية على المواطنة في شكل دلائل أو كتب ورقية أو إلكترونية.
وارتباطا بدعم الوزارات الوصية، اقترحت جمعية «مدرسي التاريخ والمواطنة» بفلندا استشارات مرتبطة بالمنهاج والعدة البيداغوجية لمدرسي التربية على المواطنة، فضلا عن تنظيم تكوينات لأعضائها. وفي ألمانيا، قدمت الخدمة نفسها من طرف «الوكالة الفدرالية للتربية على المواطنة «، كما أطلقت ألمانيا في إطار مشروع القيادة المسمى «تعلم الديموقراطية وممارستها» برنامجا تكوينيا في مجال التربية على المواطنة، هدفه الأساس نقل معارف وكفايات للمدرسين والأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين والعاملين بالمدارس.
** خلاصات :
تبوأت في السنوات الأخيرة، مسألة تقوية الانسجام الاجتماعي والمشاركة الفعالة للمواطنين في الحياة الاجتماعية والسياسية منزلة كبرى في مجموع الدول الأوروبية، حيث أضحت التربية على المواطنة وسيلة لرفع تحديات القرن الواحد والعشرين. ولعل هذا ما يبررأهمية البحث الذي أنجزته «شبكة المعلومات حول التربية في أوروبا « EURYDICE ،حيث تم تحقيق مجموعة من النتائج/ الأعمال الكبرى، نعرضها على الشكل الآتي :
- مفهوم المواطنة المسؤولة في السياسات التربوية: تبين بعد إنجازهذا البحث، كثرة الدول الأوروبية التي تدمج
- مفهوم «المواطنة المسؤولة» ضمن بعض القيم المدنية مثل الديموقراطية، المساواة، المشاركة، التضامن، التسامح، الاختلاف والعدالة الاجتماعية، فضلا عن معرفة الحقوق والواجبات وممارستها.
التربية على المواطنة في المدارس: أهداف موحدة ومقاربات مختلفة:
تم الاتفاق في معظم الدول الأوروبية على ضرورة إدماج التربية على المواطنة بطريقة أو بأخرى في المقررات الدراسية الرسمية، غير أن الطريقة التي نظم بها هذا الإدماج، اختلفت من بلد إلى آخر، إذ اتضح أنه ليست هناك مقاربة موحدة، منتشرة في الدول الأوربية، لكن رغم ذلك، فإن أي مقاربة لمادة التربية على المواطنة، لا يمكن أن تحيد عن ثلاثة توجيهات كبرى : اعتبارها مادة مستقلة (إجبارية دائما)، أوإدماجها في مواد تقليدية (مثل التاريخ، العلوم الاجتماعية، الجغرافيا، الفلسفة) أو تناولها باعتبارها موضوعا مستعرضا.
ثقافة المدرسة وممارسات المواطنة المسؤولة : تتخذ ثقافة المدرسة مرجعا لها نظام المعايير والضوابط، والممارسات اليومية، والمقتضيات التنظيمية الخاصة بكل مدرسة ، كما تؤثر هذه الثقافة في طريقة تفكير كل من المتعلمين، والمدرسين، وغير المدرسين، والآباء، وباقي الفاعلين المنتمين إلى الجماعة المدرسية، مع مراعاة الثقافة الخاصة لكل مدرسة، والتي يمكن أن تتأثر- في مستوى معين- بالقوانين والتوجيهات الوطنية الرسمية، ورغم طابع الخصوصية المميزلكل مدرسة، فإن أغلب الدول الأوروبية تدرك أهمية توفيرجو إيجابي للمدرسة، وتؤكد على تأثيرهذا الأخير في العلاقات بين مجموع أعضاء الجماعة المدرسية، كما تدعم شعار «المدرسة الديمقراطية» حيث تنتصرا لقيم الديموقراطية، عبرإشراك جميع الفاعلين المعنيين وتحديدا : (المدرسون، الآباء، والمتعلمون.) في تسيير المؤسسة، وفي اتخاذ القرارات المناسبة، إضافة إلى أن هناك خاصية مهمة للمدرسة الديمقراطية، تتمثل في ترقية المشاركة الإيجابية والمسؤولة للمتعلمين تجاه الحياة اليومية المدرسية، والحرص على تطبيق مقاربة ديمقراطية لممارسة المواطنة في الحياة المدرسية، بحيث يستطيع المتعلمون التعبير عن مواقف وسلوكات مدنية وحضارية مميزة. وتظل الطريقة المثلى لتحقيق هذا الهدف هي تمكينهم من الخلق والإبداع وإشراكهم في الهيئات الاستشارية والتقريرية لمؤسساتهم التربوية.
تقويم مكتسبات المتعلمين في مادة التربية على المواطنة: يتجلى ذلك في مدى ممارسة المتعلمين للسلوكات المدنية داخل المؤسسات. ولعل هذا ما يفسر صعوبة تقويم مكتسبات المتعلمين، لكن مع الإشارة إلى أن تقويم المعارف المرتبطة بالتربية على المواطنة يبدو سهلا نسبيا، مقارنة بتقويم سلوكات المتعلمين، لذلك شرعت بعض الدول الأوروبية في إنجاز أبحاث تدخلية، وأطلقت مؤخرا برامج قيادة وطرائق جديدة لتقويم هذين المؤشرين الدالين:
« المعارف والسلوكات».
المدرسون دعامات أساسية لإنجاح مشروع التربية على المواطنة :
أظهرت نتائج البحث أن تكوين المدرسين في مادة التربية على المواطنة وتدابير الدعم المقدمة، يمثلان تحديا رفيعا بالنسبة للمدرسين في أغلب الدول التي تدرّس مادة التربية على المواطنة في السلك الابتدائي، في حين توكل هذه المهمة في الثانوي إلى مدرسين متخصصين في العلوم الاجتماعية، التاريخ، الفلسفة والأخلاق، لكن السؤال المطروح هو: كيف يمكن تأمين تكوين المدرسين في مختلف الدول الأوروبية، سيما وأن عددا كبيرا منها، تعتبرهذا التكوين جزءا من التكوين المستمر، في حين تعتبره دول أخرى عنصرا إلزاميا ضمن رزنامة التكوين الأساس؟. كما أن الدعم المقدم لمدرسي التربية على المواطنة في أغلب الدول الأوروبية غير محدد بشكل قطعي وواضح، إذ يتخذ شكل أنشطة خاصة للتكوين المستمر أو مساعدة مالية لمشاريع خاصة، أو خبرة خارجية أومعلومات عامة حول التربية على المواطنة (كتب- مطبوعات- دعامات إلكترونية- موجهات).
واستحضارا لكل هذه الصعوبات والتحديات، فحصت هذه الدراسة التي قامت بها «شبكة المعلومات حول التربية في أوربا» «EURYDICE» الطريقة التي نُظمت بها التربية على المواطنة في مستويات الابتدائي والثانوي العام خلال السنة المرجعية 2005 / 2004 ، في أفق توحيد المقاربات وتحديد الأهداف لتحقيق الرهانات المطروحة على دول الاتحاد الأوروبي.
لذلك، يظهرجليا أن البحث الذي قامت به «شبكة المعلومات حول التربية في أوروبا» حول التربية على المواطنة في المدارس الأوروبية، قد حقق مكاسب مهمة في السنوات الأخيرة، إذ غيرت أغلب الدول برامجها بهدف إدماج هذه المادة في النظام التربوي وبلورة رؤية واضحة تجاهها، في حين سعت دول أخرى إلى القيام بالمجهود نفسه في السنوات اللاحقة، مما أدى إلى مراكمة تأثيرات إيجابية - على صعيد تدريس التربية على المواطنة- ساهمت في تشجيع الأطفال والشباب على أن يصبحوا مواطنين فعالين ومسؤولين.
نستنتج في النهاية، أن المقاربات المتبعة في الدول الأوروبية، تختلف بجلاء من بلد لآخر، لذلك بات من الضروري متابعة الأبحاث التدخلية ومراكمة الإيجابيات الملحوظة، من أجل معرفة أفضل لطرائق تدريس التربية على المواطنة، وفحص نتائجها، وطريقة تقويمها. ولعل هذه الإشكاليات والتحديات، ستظل الرهان المركزي للدول الأوروبية في المستقبل المنظور.
* مفتش التعليم الثانوي التأهيلي المديرية الإقليمية : الناظور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.