بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الخميس على وقع الأخضر    الادعاء الإسباني يدعو إلى إغلاق التحقيق في حق زوجة رئيس الوزراء    الحكومة تقر بفشل سياسية استيراد أضاحي العيد    تشجيعا لجهودهم.. تتويج منتجي أفضل المنتوجات المجالية بمعرض الفلاحة بمكناس    الوزير جازولي يدعو المستثمرين الألمان إلى اغتنام الفرص التي يتيحها المغرب    منصة "واتساب" تختبر خاصية لنقل الملفات دون الحاجة إلى اتصال بالإنترنت    الاتحاد الجزائري يعلن شرطه الوحيد لمواجهة نهضة بركان!    تراجع حركة المسافرين بمطار الحسيمة خلال شهر مارس الماضي    نظام الضمان الاجتماعي.. راتب الشيخوخة للمؤمن لهم اللي عندهومًهاد الشروط    المغرب: كنرفضو إقتحام المسجد الاقصى وقيام دولة فلسطينية هو اللي غادي يساهم فإحلال السلام    "اتصالات المغرب".. عدد الزبناء ديالها فات 77 مليون بزيادة وصلات ل2,7 فالمية    بعد خسارته ب 10 دون مقابل.. المنتخب الجزائري لكرة اليد يعلن انسحابه من البطولة العربية    واش هادشي غايأثر على شراكة اسبانيا والمغرب والبرتغال فمونديال 2030.. الحكومة فالصبليون دارت الوصاية على الاتحاد الإسباني بسبب الفساد وخايفين من خرق لقوانين الفيفا    البحرية الملكية تنقذ مرشحين للهجرة السرية    الزيادة العامة بالأجور تستثني الأطباء والأساتذة ومصدر حكومي يكشف الأسباب    مضامين "التربية الجنسية" في تدريب مؤطري المخيمات تثير الجدل بالمغرب    القمة الإسلامية للطفولة بالمغرب: سننقل معاناة أطفال فلسطين إلى العالم    المغرب يستنكر اقتحام باحات المسجد الأقصى    المعارضة: تهديد سانشيز بالاستقالة "مسرحية"    حاول الهجرة إلى إسبانيا.. أمواج البحر تلفظ جثة جديدة    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي : إصدار 2905 تراخيص إلى غاية 23 أبريل الجاري    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    ألباريس يبرز تميز علاقات اسبانيا مع المغرب    تشافي لن يرحل عن برشلونة قبل نهاية 2025    3 مقترحات أمام المغرب بخصوص موعد كأس إفريقيا 2025    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    "فدرالية اليسار" تنتقد "الإرهاب الفكري" المصاحب لنقاش تعديل مدونة الأسرة    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    استئنافية أكادير تصدر حكمها في قضية وفاة الشاب أمين شاريز    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    أبيدجان.. أخرباش تشيد بوجاهة واشتمالية قرار الأمم المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    تتويج المغربي إلياس حجري بلقب القارىء العالمي لتلاوة القرآن الكريم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



.. خدوج السلاسي: ضرورة توسيع التمثيلية السياسية للنساء في حد أدناه الثلث لأن المناصفة هي الأفق..

لا تقدم فعلي دون إشراك المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على اعتبار أنها شريك أساسي في تحقيق أهداف التنمية وتطوير المجتمع، بحيث قامت الدولة المغربية بعدة تدابير قصد تشجيع المرأة وإشراكها في عملية التغيير والتنمية الشاملة، وبناء مجتمع ديمقراطي فعلي، مما جعلها تحقق خلال العشريتين الأخيرتين مكاسب مهمة في مجالات سياسية واقتصادية وقانونية متعددة، إيمانا بأن تقدم المرأة هو أحد مرتكزات تعزيز الانتقال الديمقراطي وبناء الدولة الحديثة.
ولتشجيع التمثيلية النسائية اتخذ المغرب مجموعة من الإجراءات القانونية والمؤسساتية من أجل الرقي بوضعية المرأة داخل المجتمع في أفق تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات تفعيلا للمقتضيات الدستورية.
وقد حث الدستور المغربي لفاتح يوليوز2011 على تفعيل المقاربة التشاركية في الإعداد والتفعيل والتنفيذ والتقييم للسياسات العمومية، التي تعتبر شكلا متقدما للديمقراطية وتجسيدا للمواطنة الحقة، كما أنها واقع تفرضه ظروف تطور المجتمع وتنوع حاجياته وتعقدها في الألفية الثالثة، بحيث وبدون إشراك النساء في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، لا يمكن الحديث عن هذه المقاربة الساعية للرفع من التمثيلية النسائية في المغرب، علما أن القوانين المغربية والإجراءات والأحكام المعمول بها تؤكد على التزام المغرب بحماية الحقوق الإنسانية للنساء والنهوض بها، كأحد دعائم بناء دولة الحق والقانون وذلك من خلال التزامه بمبادئ وقيم حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.
كما جرم الدستور الجديد كل أشكال التمييز، وأرسى قواعد تعزيز المساواة بين الجنسين في سائر الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، كما أكد إلزامية اتخاذ التدابير القانونية التي من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج المؤسسات المنتخبة ومراكز القرار السياسي، كما أكدت مختلف القوانين الانتخابية على إدماج النساء في مختلف المجالس التمثيلية المنتخبة، عبر اعتماد إجراءات تحفيزية بغية تحقيق هذا الهدف حيث تم إقرار التمييز الإيجابي " الكوطا " على المستويين الوطني والمحلي.
وانطلاقا من الفصل السادس من دستور المملكة الذي ينص على أنه " تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية"، والفصل التاسع عشر منه، الذي يؤكد أن الرجل والمرأة يتمتعا على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها، تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء وتُحدث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز"، وهو حق كفل للمرأة منذ دستور 1962 الذي صدر بعد الاستقلال، غير أن واقع الحال أثبت بأن هذه المساواة تم اختزالها ميدانيا في حق التصويت، بينما ظلت تمثيلية المرأة محدودة وهزيلة، ذلك أن هذه الأخيرة لم تتمكن من ولوج المؤسسة البرلمانية إلا سنة 1993 من خلال نائبتين، في ما ظل حضورها ضمن مراكز القرار بمختلف الأحزاب ضعيفا ولم يتم تطبيق ما تمنحها القوانين المنظمة للفعل السياسي على المستوى الدولي والمتمثلة في مجموعة من الاتفاقيات الدولية للمرأة حقوقاً واضحة، لوجود عوائق أخرى تحول دون مشاركة قوية للمرأة المغربية، وهي عوائق ذات طابع ثقافي وبنيوي تسيء لصورة المرأة بصفة عامة والمرأة المغربية بصورة خاصة، أهمها التنشئة الاجتماعية، حيث تعتقد الغالبية أن قدرات المرأة بشكل عام هي أقل من قدرات الرجل خاصة في العمل السياسي واتخاذ القرارات المهمة، وأن الرجل أكثر عقلانية من المرأة فالقيم والعادات والتقاليد السائدة تمثل أحد العوامل التي تعيق دور المرأة في الحياة السياسية بالرغم من الاعتراف القانوني لها بهذا الحق، هذه العادات المنبثقة من الأسرة المغربية التي كانت ولا تزال الخلية الأساس للمجتمع والفاعل في إعادة الإنتاج والتنشئة الاجتماعية.
ورغم ما تحقق من مكتسبات على مستوى الحقوق الإنسانية للنساء سواء على مستوى دسترة المساواة، المناصفة وتكافؤ الفرص أو على مستوى التنصيص على مجموعة من إجراءات التمييز الإيجابي، والتي مكنت من الرفع من التمثيلية السياسية للنساء في المجالس المنتخبة السابقة (البرلمان، المجالس الجماعية ...) تظل رغم أهميتها بعيدة عن طموح الحركة النسائية...
وللحديث عن سبل تفعيل التمثيلية النسائية وتنزيل المساواة الفعلية بين النساء والرجال، تستضيف جريدة الاتحاد الاشتراكي الأستاذة خدوج السلاسي، الكاتبة الوطنية للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات.
o يعرف المجتمع المدني بشقيه الحقوقي والنسائي هذه الأيام حركة قوية فكيف تنظرين إلى هذه الحركة؟
n نحن جزء من هذا الحراك سواء على مستوى الحزب أو على مستوى المنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات، يكفي أن نتذكر الضجة المفتعلة التي أعقبت تصريح القيادة الحزبية خلال مؤتمرنا السابع بضرورة مواجهة كل أشكال التمييز والدعوة إلى فتح نقاش حول مجالات تمييزية مسكوت عنها. كما عبرت المنظمة الاشتراكية -تصريحا وكتابة- عن موقفها من مشروع القانون 14/79 المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز. ونحن في المنظمة -كما سبق وقلت- نتقاطع في ذلك مع الجمعيات النسائية والحقوقية في هذا المجال. فمشروع القانون هذا أفرغ الهيئة من مضمونها الدستوري المتقدم: هيئة تفتقد إلى الديباجة التأطيرية، إلى التعاريف المرجعية، هيئة غير متوازنة على مستوى السلط والتركيبة، محدودية الصلاحيات على مستوى الفعالية... لا تجسد في نظري الإرادة السياسية الحقيقية لتفعيل السعي نحو المناصفة. هو مشروع قانون يظل سجين التصور السياسي الحالي العاجز عن وضع نفسه خارج السياق الحزبي والإيديولوجي المأزوم، والحال أن الفلسفة في التشريع هو ذلك الامتداد المستقبلي الذي يضمنه النص بحمولته الإيجابية المتقدمة، المتجاوزة للأعطاب الحالية والموسعة للأفق الحقوقي والعاكسة لروح الدستور المتقدمة في مجال الحقوق والحريات.
أملنا هو أن يستحضر البرلمانيون والبرلمانيات كل هذا وغيره وهم بصدد مناقشة مشروع القانون على اعتبار أن القوانين الضامنة للعدالة المجتمعية وتكافؤ الفرص والاستقرار الاجتماعي يفترض أن تقارب بمنطق دستوري حقوقي توافقي لا بمنطق أغلبي عددي لأن منظومة القوانين والحقوق هي أهم وأبقى من الأزمنة الحكومية المؤقتة زمنيا والمشروطة إيديولوجيا.
o هل يشكل هذا النضال من أجل قانون هيئة المناصفة أولوية أساسية في السياق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي اليوم في نظرك؟
n إن هذا السؤال يشي بأن هنالك أولويات في السياقات المذكورة أهم، أولويات اقتصادية واجتماعية وسياسية يسهل أن تحظى بالدعم الشعبي قبل المؤسساتي. فلاشك أننا نعيش اليوم مناخا اجتماعيا اقتصاديا محتقنا تترجمه مجموعة من الاحتجاجات إما على قرارات انفرادية لا شعبية لها مساس كبير بحق المواطنين في العيش الكريم وهي تشكل القاعدة المطلبية لأهم المركزيات النقابية، أو نتيجة مشاريع قوانين غير تشاركية يراد لها، بعد تأخر وتماطل كبيرين، أن تمرر على عجل في ما تبقى من الزمن التشريعي ضدا على إمكانيات الدستور الوازنة، ضدا على الحراك النسائي الجمعوي والحزبي، وفي الاتجاه المعاكس للمكتسبات والانتظارات النسائية في بلدنا.
كما لا يمكن أن نتجاهل الأهمية البالغة التي تحظى بها اليوم قضيتنا الوطنية كقضية ذات أولوية قصوى تتمتع عندنا بكل مقومات الشرعية والمشروعية. إلا أن هاتين الأولويتين: الاجتماعية والاقتصادية من جهة، والوطنية السيادية من جهة ثانية غير منفصلتين إطلاقا عن النضال من أجل تجويد القوانين، وتحديدا من أجل هيئة فعلية للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، إلا إذا كانت هنالك رغبة خبيئة ونية مبيتة في تقديم القوانين الخاصة بالنساء كما لو كانت مقتضيات ترفية إضافية ومعزولة عن السياقين الاجتماعي والسياسي بالمجتمع المغربي والدولي: كيف ذلك؟ ليست هيئة المناصفة مجرد آلية لتحقيق التناصف في مجال التمثيلية السياسية والتعيين في مواقف القرار – وإن كان هذا وحده شديد الأهمية – ولكنها مؤسسة لمكافحة كل أشكال التمييز ضد النساء في كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية، سواء كان تمييزا مباشرا على أساس النوع أو غير مباشر على أساس الخلفيات الثقافية والتقديرية غير المعلنة في قطاعات الصحة والتعليم والسياحة ...إلخ بمعنى أن مكافحة كل أشكال التمييز ليس مطلبا فرديا فئويا نخبويا أو مجرد رغبة في الاستجابة لمزاج نسائي متقلب، بل إن القضاء على التمييز أو الحد منه هو الدعامة الأساسية للمجتمع المتماسك، المتصالح مع مكوناته رجالا ونساء، الموظف لكل إمكاناته البشرية.
وعطفا على ذلك فإن النضال من أجل استكمال البناء الديمقراطي، والعمل على فعالية ومصداقية المؤسسات – كشرط لا محيد عنه ليستقيم البناء – والنضال الجدي من أجل تأمين المكتسبات والرفع من سقف الحقوق الإنسانية عامة وحقوق النساء خاصة انسجاما مع الوثيقة الدستورية ومع التزاماتنا الدولية وكذا مع نضال وانتظارات المرأة المغربية، إن كل ذلك يقوي موقعنا الترافعي على المستوى الدولي من أجل قضيتنا الوطنية. فكلما كانت الأرضية الحقوقية صلبة والجبهة الاجتماعية موحدة كلما كان تصدينا للرياح الخارجية أقوى وأفضل. على هذا الأساس لابد أن نتعامل مع القوانين المتعلقة بحقوق النساء في بعدها الاجتماعي والشعبي من جهة والديمقراطي والمؤسساتي من جهة ثانية، عندئذ يتهاوى الادعاء بتراتبية الأولويات لصالح مقاربة نسقية شمولية ومندمجة، يتساند فيها الحقوقي والسياسي والاقتصادي ويدعم كل منها الآخر.
o ونحن على بعد أشهر قليلة من الانتخابات البرلمانية هل تعتقدين أن الحاجة مازالت قائمة للكوطا بعد دستور 2011؟
n إن قراءة الدستور سواء على المستوى العرضاني، أو التوقف تحديدا عند الفصلين 19 و164 المتعلقين على التوالي بالمساواة والسعي نحو المناصفة، تجعلني – كمناضلة حقوقية وسياسية- لا أرضى بأقل من المناصفة على أساس أنني أفهم السعي باعتباره تجسيدا وتفعيلا لإرادة سياسية حقوقية جريئة ومتقايسة مع إمكانات الوثيقة الدستورية، إلا أنه، ونظرا لمجموعة من الاعتبارات الواقعية والاجتماعية والثقافية من جهة واعتبارات تشريعية تنظيمية وحزبية من جهة ثانية، فإنني ألتقي مع مطلب الحراك النسائي وهو ضرورة توسيع التمثيلية النسائية بشكل وازن في الانتخابات التشريعية القادمة في حدود الثلث على الأقل وفي أفق المناصفة، لنكون بذلك قد شرعنا فعلا في السعي نحو المناصفة ،وإلا فإن النص الدستوري يظل بدون حياة. فهناك مجموعة من الآليات التي يمكن اعتمادها لبلوغ هذه النسبة من الكوطا وتوسيع التمثيلية النسائية في البرلمان، سواء برفع العدد في اللوائح الوطنية أو بوكالة النساء لمجموعة من اللوائح المحلية أو باعتماد اللوائح المتناوبة (امرأة – رجل – امرأة...إلخ) المهم هو العمل على أن يتحقق هدف التوسيع في حدود الثلث على الأقل وفي أفق المناصفة.
o ولكن هنالك من يعتقد ومن منطلق الفصل 19 ذاته أن المبدأ هو المساواة وأن التباري على الدوائر بين الرجال والنساء هو المنطق الأعدل والأكثر دستورية فما رأيك؟
n أولا دعني أذكرك أن الكوطا إجراء بيداغوجي مؤقت يتم اللجوء إليه في مجموعة من دول العالم بغرض الرفع من التمثيلية السياسية للنساء قصد التغلب على مختلف الإكراهات الثقافية والاجتماعية والحزبية أيضا، لم تتطور نسبة التمثيلية في بلدنا إلا بعد أن انتزعت الحركة النسائية بشقيها الجمعوي والسياسي الحق في اللائحة الوطنية. فقد تكون الكوطا في البدء إجراء غير ديمقراطي، إنما يراد منها الاقتراب من وضع أكثر ديمقراطية باعتبارها تمييزا إيجابيا. ثم دعني أذكرك أيضا أن اعتماد نظام الكوطا في بلدنا ليس استثناء ولا تطاولا ولا مطلبا محليا محدودا، فنحن جزء من العالم، نحتويه ويحتوينا فكرا ومثاقفة وتواصلا، تربطنا به مجموعة من المواثيق والاتفاقيات والعلاقات الدبلوماسية وننتمي إلى مجموعة من المحافل الدولية، كما أننا ننهل بنوع من العقلانية والمرونة من مفاهيم كونية لنؤكد انتماءنا إلى المجتمع الدولي والإنسانية عامة، لذا أرى أن مساءلة الكوطا أو الاعتراض عليها محليا يفتقد إلى كل من المنطق والبراغماتية.
فالكوطا أو المحاصصة كأداة قانونية، الغرض منها التشجيع على ضمان تمثيلية سياسية نسائية قوية، والمغرب وضع نفسه في هذا السياق منذ مدة إذ صدرت عندنا مجموعة من الدراسات: 2002-2009-2012-2016 وذلك قصد التعريف بالجوانب التشريعية والقانونية لنظام الكوطا وأنواعها الدستورية والإرادية. فآليات تعزيز التمثيلية النسائية مطلب ملح للمنظمات المدنية والحقوقية والنسائية، تزايد الاهتمام بها في السنوات الأخيرة في العالم نتيجة توفر مجموعة من الشروط على رأسها اهتمام المنتظم الدولي بالموضوع، تنامي الوعي بمدى جدوى المشاركة السياسية للنساء وارتباطها –سببيا- بالإشكالات الكبرى للتنمية والعدالة الاجتماعية، فكانت الدعوة –عالميا- لاعتماد التدابير الضرورية قصد التمكين السياسي للمرأة.
إن مشاركة المرأة في العمل السياسي ليس بدعة، بل إنه تصحيح لوضع غير طبيعي وغير منطقي، إنها شرط ضروري لإعادة توزيع المسؤوليات وتقاسم السلطة في مجتمعات أنصافها نساء، فالأمر يتعلق بتحقيق العدالة وإرساء الديمقراطية وهو مؤشر شديد الدلالة على أخذ المطالب النسائية مأخذ الجد في مجالات التشريع والسياسات العمومية، أضف إلى ذلك أن الرفع من هذه التمثيلية يعتبر مؤشر الهدف الثالث من الأهداف الإنمائية للألفية وذلك حول "تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة" كما أكد برنامج عمل بيجين ومنذ سنة 1995 أن نسبة النساء في المجالس النيابية لا يجب أن تقل عن 30%. ويعود الفضل فعلا لنظام الكوطا في العالم فيما يتعلق بالتزايد المتسارع المسجل في مجال التمثيلية السياسية للنساء: ارتفعت النسبة من 6.11% سنة 1995 إلى 18.4% سنة 2008، في حين لم يتجاوز معدل الارتفاع نسبة 1% ما بين سنتي 1975 و1995. ونحن رغم كل الجهود لم نبلغ بعد هذا المعدل العالمي.
o هل معنى هذا أن نظام الكوطا يظل الإمكانية الوحيدة للرفع من التمثيلية السياسية للنساء، وربما كما تقولين، في انتظار تحقق المناصفة دستوريا وسياسيا؟
n الكوطا هي إحدى الآليات الأساسية للتمييز الإيجابي التي أعطت فعلا ثمارها في مجال مساعدة المرأة على تجاوز الإكراهات وتقليص الهوة بين الجنسين في المجال السياسي وهي –بالمناسبة أنواع- هناك كوطا دستورية للبرلمانات الوطنية، كما يمكن أن تكون "كوطا" في شكل بند تنظيمي للحصص في القانون الانتخابي للبرلمانات الوطنية دون أن يكون اعتمادها مقرونا بجزاءات مترتبة عن عدم الأخذ بها، وتأخذ بعض النظم الديمقراطية ب"الكوطا" كحصة دستورية أو تشريعية على المستويات دون الوطنية (كالثلث المعتمد مؤخرا على مستوى الانتخابات الجهوية). كما قد يتعلق الأمر ب"كوطا" دستورية أو قانونية أو إرادوية تعتمدها الأحزاب السياسية للرفع من عدد المرشحات في الانتخابات. الحصة الدستورية هي تلك التي ينص عليها الدستور صراحة، أما الحصة القانونية فهي تلك التي ينص عليها قانون الانتخابات أو قانون الأحزاب السياسية. وتتمتع الكوطا الدستورية والقانونية بحجية أقوى لأنها تستند إلى نصوص تشريعية ملزمة، وهي تتجاوز الوعود والمواثيق الأخلاقية وتقترن بجزاءات منصوص عليها في حالة عدم الالتزام بتطبيقها، تتراوح الجزاءات في الأنظمة الديمقراطية المعتمدة لهذا النوع من الكوطا بين استبعاد المرشحين، الحرمان من الدعم العمومي، استبعاد الحزب السياسي من مجال المنافسة الانتخابية، يأخذ بها 46 بلدا سنة 2008، بحيث بلغ متوسط التمثيلية السياسية للمرأة في الدول المعتمدة لهذا النوع من الاجراءات 21.9% مقارنة ب 15.3% في بقية البلدان.
أما ما يسمى بالحصة الطوعية أو الإرادوية فهي تلك التي تتبناها الأحزاب السياسية بشكل إرادي لضمان ترشيح النساء في قوائم الحزب، صحيح إنها غير ملزمة ولكن اعتمادها الطوعي يدل بشكل قوي على نضج وديمقراطية وحداثية الحزب ومدى اقتناعه بالعدالة الاجتماعية ومبدأ تكافؤ الفرص.
بالإضافة إلى هذه الآليات لابد من التركيز على الدور الرئيسي للأحزاب السياسية فإليها يرجع الفضل الأكبر في تشجيع النساء وتمثيلهن في الواجهات المنتخبة.
ولعل تجربة مجموعة من الدول الديمقراطية التي تخصص فيها الأحزاب حصة داخلية للنساء لأكبر دليل على ذلك: في ألمانيا يخصص حزب الخضر البديل نسبة 50%، وحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي حصة 33.3%، والحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني 40%، وعلى الرغم من هذه الأمثلة الناطقة، والتي لم تجد بعد طريقها إلى أحزابنا، فإن الاستجابة لهذا النوع من الحصة الداخلية مازالت ضعيفة جدا.
كما يمكن أن يكون لطبيعة النظم الانتخابية دور كبير في توسيع التمثيلية النسائية، لذا فإن مطالبنا كنساء لا تنحصر في رفع النسبة إلى الثلث على الأقل بل إن مطلب إصلاح النظام الانتخابي في بلدنا مدخل أساسي للرفع من المشاركة السياسية للنساء، إذ تبين عبر العالم أن نظام التمثيل النسبي يسمح بالمزيد من النساء مقارنة مع نظام التمثيل الأغلبي البسيط لأنها تضع دوائر متعددة الأعضاء، تناسبا مع النسبة المئوية للأصوات التي حصلت عليها الأحزاب، الشيء الذي يتطلب تنويع كل من البرامج والمرشحين. وهنا ألاحظ أن أحزابنا تعطل قدراتها الداخلية، ولا تشتغل على ذواتها في مجال التنافس على اعتماد أكبر حصة داخلية ممكنة للنساء، فهي تظل رهينة انتظار الحصص الدستورية والقانونية الملزمة. لابد من الإشارة في هذا المجال إلى أن أغلبية البلدان التي وصلت فيها تمثيلية النساء إلى 30% على الأقل تعتمد هذا النوع من الكوطا أو ذاك. لذا لابد أن تقتنع الأحزاب برفع عدد المرشحات، فالنساء كن عاملا قويا في فوزها بالانتخابات ووصولها إلى مراكز القرار. ولاشك أن الأحزاب التي أدركت ذلك واعترفت به والتي تولي أهمية بالغة للنساء والشباب هي واقعيا وبراغماتيا أقدر من غيرها على الفوز في الانتخابات، إنها تمثل بشكل أفضل تركيبة المجتمع الذي تنتمي إليه. وهذا هو مجال المنافسة الحقيقية داخل حلبة الصراع من أجل الديمقراطية.
الآن ونحن لم نعتمد بعد العديد من أنماط الكوطا التي ذكرت يقع التركيز اليوم على اللائحة الوطنية المعتمدة في الانتخابات التشريعية لضمان التمثيلية السياسية للنساء إلا أن هنالك من يعتبرها ريعا فما رأيك في ذلك؟ وكيف تنظرين إلى تطلع البرلمانيات للترشح فيها مجددا؟
على الرغم من أن كلمة ريع تغذي عندي توجها اشتراكيا يساريا عميقا، إلا أنني لا أعتبر اللائحة الوطنية ريعا، فهي إحدى الإمكانيات الناجعة التي مكنتنا من تحقيق النسبة التمثيلية الحالية في البرلمان، ولقد ناضلت من أجلها نساء المجتمع المدني والأحزاب السياسية، من بينهن وعلى رأسهن الرفيقات في الاتحاد الاشتراكي، واضعات جانبا الانتماءات الحزبية العقدية، محققات نوعا من الإجماع النضالي حول الرفع من التمثيلية السياسية للنساء، التي ظلت ولعقود شبه منعدمة. وعلى الرغم من الأعطاب والتداعيات السلبية التي رافقت هذه الآلية من خلال مقاربات ذاتية عائلية وزبونية في الكثير من الحالات، فإن اللائحة الوطنية، بالنظر إلى الغاية منها، وفي غياب التنزيل لمقتضيات دستور 2011 وتوفر هيئة فعلية وفاعلة في مجال المناصفة فإنها تظل محتفظة بكامل حجيتها وصلاحيتها. المطلوب منا اليوم -وفي ظل الشروط التي ذكرت-، هو أن نعمل على تصحيح أعطاب ما هو كائن ونناضل من أجل ما نريد أن يكون، ثم لا ننسى أن اللائحة الوطنية مكنت من الكشف عن العديد من الكفاءات النسائية العالية في المجال التشريعي التي استطاعت أن تساهم في تبديد الوهم الجمعي والنرجسية الحزبية القاضية بدونية المرأة وعدم كفاءاتها في المجال السياسي النيابي، والأمثلة كثيرة وفي أكثر من حزب، الشيء الذي ينتفي معه مفهوم الريع كعائد بدون مقابل.
اليوم –وفي تقديري- يجب أن نركز اهتمامنا على هدف واحد مشترك بين جميع الفعاليات الجمعوية والسياسية والنيابية وهو توسيع التمثيلية النسائية في البرلمان المقبل بنسبة لا تقل عن الثلث كحد أدنى في أفق المناصفة. إنها المعركة التي يجب أن تتضافر حولها كل الطاقات، لكي لا نترك مجالا – كنساء- للتدافعات الحزبية والإيديولوجية على حساب القضية النسائية المشتركة وذلك تطويرا وإنضاجا لما سبقت إليه الرفيقات المناضلات في هذا المجال. حري بنا ألا نفتح بابا للصراع (نساء – نساء) صراع لا يستفيد منه إلا الرجال خصوم توسيع التمثيلية النسائية. في اعتقادي يتعين أن نترافع خارجيا من أجل الثلث على الأقل، وأن نترافع داخل أحزابنا رفقة المنتصرين لذات القضية من الرفاق المناضلين لتكون الغاية من التنافس بين الأحزاب هي مدى الانتصار للحداثة والديمقراطية من خلال الدفع بتوسيع التمثيلية السياسية للنساء ضدا على المتوارث من أعراف، ضدا على آلام تقاسم السلطة، كآلام لابد من تحملها لعلاج أمراض التمييز والتغييب والحيف الذي عانت منه النساء طويلا، والذي اعترض طريق البناء المؤسساتي الديمقراطي الحقيقي. إن توسيع تمثيلية النساء هي الجواب الفعلي على سؤال الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتقاسم المسؤولية في التشريع وتدبير السياسات العمومية.
أما في ما يتعلق بالشق الثاني من سؤالك حول معاودة الترشح في اللائحة الوطنية فأنا لست ميالة إلى تضييق مجال الترافع وإلى الانخراط في حلبة صراع (نساء – نساء)، وإن كان هذا الأمر لا يمنعني من الإدلاء بوجهة نظر شخصية: إن المناضلات اللواتي ترشحن في اللائحة الوطنية واستفدن من هذا التمييز الإيجابي المستحق وخبرن العمل التشريعي وتملكن بعض الإشعاع وشملهن ضوء الإعلام، هن في الواقع أقدر من غيرهن على الترشح في الدوائر المحلية، أولا للأسباب التي ذكرت، ثانيا للسماح لغيرهن بمراكمة ذات أسباب الفوز بناء على منطقية التناوب وعدالة تكافؤ الفرص (ولا مجال للمقارنة بين الرجال الفائزين عن الدوائر المحلية) فالحزب الذي يدعي بأن كل قوته تكمن في الوجوه التي شملها الضوء الإشعاعي والإعلامي هو حزب ضئيل الكفاءات وفقير المخزون. يعود الفضل للبرلمانيات الناجحات والمتميزات – حتى على بعض الرجال أنفسهم- في كونهن ساعدن على تغيير الصورة النمطية للمرأة ويفترض أن يلعبن أدوارا بيداغوجية في إبراز الكفاءات النسائية الخبيئة والمعطلة، عندئذ ستصبح اللائحة الوطنية آلية للتمييز الإيجابي على أكثر من واجهة.
إلا أنه –كما أسلفت- لا يجب أن ندخل في منعطف يتيه بنا عن المطلب المركزي المتعلق بتوسيع التمثيلية السياسية للنساء من جهة في حد أدناه الثلث لأن المناصفة هي الأفق، ومن جهة أخرى نطالب بنوع من اليقظة للحرص على ضرورة الاحتكام إلى موضوعية المعايير ووضوحها، وضرورة الانتباه إلى التمثيلية الجهوية في اللوائح الوطنية، وإلى ضرورة اعتماد آليات ديمقراطية مؤسساتية وشفافة للترشيح والترتيب. فأخطر ما يمكن أن يربك النضال من أجل قضايا النساء هو أن تنقلب النساء على النساء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.