بعد فراره لساعات.. سائق سيارة نقل العمال المتسبب في مقتل سيدة مسنة يسلم نفسه لأمن طنجة    الأقاليم الجنوبية.. الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو    بايرن ميونخ يحتفل بلقبه ال34 بفوزه على ضيفه بوروسيا مونشنغلادباخ (2-0)    الوكالة الفرنسية للتنمية تعلن تمويل استثمارات بقيمة 150 مليار بالصحراء المغربية    الاتحاد الاشتراكي بطنجة يعقد لقاءً تنظيمياً ويُفرز مكاتب فرعي المدينة وبني مكادة    جناح الصناعة التقليدية المغربية يفوز بجائزة أفضل رواق في معرض باريس    الأشبال: الهدف التأهل إلى المونديال    دروس من الصراع الهندي - الباكستاني..    الصين وروسيا تؤكدان التزامهما بحماية العدالة الدولية وتعزيز التعددية    ريال مدريد يعلن قائمته للكلاسيكو بحضور دياز ولخديم    المغرب – السعودية .. افتتاح النسخة الثانية من معرض "جسور" بمراكش    تقديم 8 متهمين في قضية طنين من مخدر الشيرا بالعرائش    نادي السد يتوج بلقب كأس قطر لكرة القدم عقب فوزه على الدحيل (4-3)    التعاون الفلاحي يتصدر إعلان نواكشوط    أرسنال يجهز الممر الشرفي لليفربول    بدء منافسات بطولة المغرب للشطرنج    مركز مغربي: الحكم الذاتي يتيح تنافس قادة "البوليساريو" مع نخب الصحراء    الأسهم تحفز تداولات بورصة البيضاء    الى صديقي يونس    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    زيارة استثنائية وإنسانية للزفزافي تنعش آمال الحل في ملف حراك الريف    زلزال تفوق قوته 5 درجات يضرب هذه الدولة    حريق مهول يلتهم وحدة صناعية للأغطية دون خسائر بشرية    الناظور غائبة.. المدن المغربية الكبرى تشارك في منتدى "حوار المدن العربية الأوروبية" بالرياض    البطولة.. الكوكب المراكشي على بعد نقطة من العودة إلى القسم الأول بتعادله مع رجاء بني ملال    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    سحابة كلور سامة في إسبانيا ترغم 160 ألف شخص على ملازمة منازلهم    إسبانيا تُطلق دراسة جديدة لمشروع النفق مع طنجة بميزانية 1.6 مليون أورو    بعد واقعة انهيار عمارة بفاس..التامني تسائل الداخلية عن نجاعة مشاريع تأهيل المباني الآيلة للسقوط    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يستعد للإعلان عن اعتراف رسمي بالدولة الفلسطينية خلال جولته الشرق أوسطية    العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان تستنكر حرمانها من وصل الإيداع القانوني    مهرجان مغربي في تاراغونا يبرز عمق العلاقات بين المغرب وإسبانيا    وساطة أمريكية تنهي التصعيد بين باكستان والهند    ديستانكت ومراد يرويان خيبة الحب بثلاث لغات    من الرباط إلى طنجة.. جولة كلاسيكية تحتفي بعبقرية موزارت    مهرجان "كان" يبرز مأساة غزة ويبعث برسائل احتجاجية    الأوروبيون يسعون لهدنة مع موسكو    تنظيم استثنائي لعيد الأضحى بالمجازر.. هل يتجه الناظور لتطبيق النموذج المعتمد وطنياً؟    مهرجان مغربي يضيء سماء طاراغونا بمناسبة مرور 15 سنة على تأسيس قنصلية المملكة    الموت يفجع الفنان المغربي رشيد الوالي    وكالة الحوض المائي اللكوس تطلق حملة تحسيسية للتوعية بمخاطر السباحة في حقينات السدود    بالقرعة وطوابير الانتظار.. الجزائريون يتسابقون للحصول على الخراف المستوردة في ظل أزمة اقتصادية خانقة بالبلاد (فيديوهات)    الفيفا يرفع عدد منتخبات كأس العالم للسيدات إلى 48 بدءاً من 2031    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    القضاء الأمريكي يجمد تسريح موظفين    المغرب يدفع بصغار التجار نحو الرقمنة لتقليص الاقتصاد غير المهيكل    إيران وأمريكا تستأنفان المحادثات النووية يوم الأحد    تطور دينامية سوق الشغل في المغرب .. المكتسبات لا تخفي التفاوتات    افتتاح فعاليات المعرض الدولي السابع والعشرون للتكنولوجيا المتقدمة في بكين    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حوار مع الدكتور محمد الخطابي حول التنوع الثقافي بالمغرب ودسترة اللغة الأمازيغية الهوية الجامعة الموحِّدة لمن يقطنون المغرب هي «تامغريبيت»

الدكتور محمد الخطابي واحد من المهتمين باللغة الأمازيغية لكونه ينحدر من أصول أمازيغية بمنطقة درعة وبالضبط بورزازات من جهة،ولكونه مهتما ومتخصصا في التدريس الجامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير بالنقد والمعجم والبلاغة العربية وكل ما يتعلق بالخطاب الأدبي عموما،زيادة على تأطيره وإشرافه على عدة بحوث جامعية حول موضوع الشعر الأمازيغي ولغته وحول الثقافة الأمازيغية بصفة عامة إلى جانب إشرافه على بحوث جامعية ذات صلة بالأدب العربي الحديث (الشعر والنقد الأدبي) والبلاغة العربية والترجمة والثقافة المغربية (أمازيغية، عربية، حسانية).
هذا بالإضافة إلى نشاطه المتنوع خارج رحاب الكلية ومساهماته العديدة في ندوات ومحاضرات في لقاءات علمية استدعي إليها، فضلا عن أبحاثه العلمية من خلال ما نشره من مقالات وترجمات لأعمال نقدية ولغوية وأدبية وكتب نشرها أشهرها كتابه «لسانيات النص، مدخل إلى انسجام الخطاب» وترجمته لكتاب»السياسة اللغوية، خلفياتها ومقاصدها» وترجمة فصل من كتاب تيري إيجلتون «مدخل إلى نظرية الأدب»، كما نشرمقالات مختلفة وعديدة.
{ كيف يرى محمد خطابي التنوع الثقافي بالمغرب اليوم؟ ثم ما هي إيجابياته وسلبياته؟
لنبدأ بالجواب عن الشق الأول من سؤالك بواقع عاشته الأجيال التي مكنها حظها من ولوج إحدى الجامعتين (محمد الخامس أو محمد بن عبد الله) في عقود الستينات والسبعينات والثمانينات. يفد على الجامعتين طلبة المغرب من كل الجهات جنوبا وشمالا، شرقا وغربا؛ كل يحمل لكنته وثقافته، وعلى هذا النحو تمكنت تلك الأجيال من إدراك (مهما كان انطباعياً) مدلول كون المغرب مجتمعا متنوع اللغات والثقافات. صحيح أن اللكنات أمر مميز لإنجاز الدارجة المغربية بحسب المنطقة المنتمي إليها الطالب أو الطلبة وممارسة ذلك الإنجاز لا يمكن أن يلغى بجرة قلم. أما التنوع الثقافي فكانت ممارسته محدودة لأسباب تتصل بطبيعة الجامعة يومذاك وبالفضاءات المتاحة للتعبير عن التنوع وبالهموم التي سيطرت على الأجيال المذكورة وتطلعاتها. وفي هذا الصدد يمكن القول إن ممارسة التنوع الثقافي كان باهت الحضور إلى حدّ الانعدام بسبب هموم المرحلة وإيديولوجيتها وطبيعة الأطروحات السياسية والفكرية المهيمنة حينذاك.
ربما كانت سبل التعبير عن التنوع الثقافي اليوم وممارسته أوفر لأن ممكنات المغرب اليوم أفضل مما سبق على هذا الصعيد. هذا علاوة على أن التحولات الكبرى التي عاشها عالمنا ويعيشها تفسح المجال واسعا أمام التنوع وممارسته. المثال الأبرز على ذلك في المغرب أننا انتقلنا من مهرجان يحتفل ?بطريقته وعلى علاته- بمظهر من مظاهر التنوع الثقافي أعني «مهرجان الفنون الشعبية» في مراكش، قلت انتقلنا من مهرجان واحد يتيم إلى عشرات المهرجانات التي يكاد كل منها يختص بمظهر بعينه (أحواش؛ أحيدوس؛ اعبيدات الرما؛ العيطة؛ الطرب الغرناطي أو الأندلسي...) أو يزاوج بين عدة مظاهر أو ينفتح على فنون شعوب أخرى تنتمي إلى مختلف القارات؛ وقس على هذا. علامَ يدل هذا؟ يدل من ناحية على الإعلاء من شأن الثقافة المحلية من خلال مظهر من مظاهرها رداً على محاولة التنميط ومحاربة لها على المستوى الوطني، وعلى ظاهرة العولمة على مستوى دولي. ولا بأس من التنبيه إلى أن الاستجابة للثانية ليست طابعاً مميزاً للمغرب وحده وإنما هي ظاهرة عالمية. أحس الناس في مختلف بقاع الأرض بأن «طاحونة» العولمة سيل جارف لا مفر منه، ومن ثم لا بد من مواجهته فتكونت بذلك حركات ثقافية واجتماعية وبيئية للحد من قوة التيار الجارف. وفي اعتقادي أن كثرة المهرجانات في المغرب في العقد الماضي تدل في أحد وجوهها على تلك المواجهة. وهي في مظهر من مظاهرها مقاومة للذوبان والانمحاء أمام «موجة» العولمة المكتسحة.
من المفيد التنبيه إلى أن فرص إدراك التنوع الثقافي في المغرب متفاوتة من مجال جغرافي إلى آخر؛ وهذا الأمر خاضع للمصادفة في قسم كبير منه، ولبعض الملابسات التي يطول الحديث عنها، وربما سنحت فرصة أخرى للحديث المفصل عن ذلك. قبل إقفال القوس من المناسب التنبيه إلى خطورة حصر التنوع الثقافي في مدلول ضيق يسعى إلى قصره على مكون بعينه، وهذا ما حصل خلال حقب سابقة. وخطورة الحصر والقصر تكمن في رد الفعل الممكن حدوثه.
{ هذا يعني أن ظاهرة التنوع ليست مرتبطة بالمغرب وحده بل ظاهرة كونية تعيشها جميع الأقطار العالمية؟.
نعم وهذا ما نشير إليه لكن لكل قطر تنوعه الثقافي المتميز به، ولهذا لابد من التنبيه إلى أن مدلول التنوع الثقافي ليس واحداً في جميع بقاع الأرض. خذ مثلاً المجتمع الأمريكي، لا أحد يشك في تنوعه، ولكنه تنوع من طينة مغايرة تماماً. على أن فيه درساً مفيداً من زوايا عدة. والمؤكد أن تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية وإيديولوجيتها البراغماتية وطموحها الآني والمستقبلي صبغت تنوعها بصبغة لا نظير لها في العالم أجمع.وبحكم عوامل عديدة صاغت نموذجاً فريداً يحوّل التنوع إلى قوة ضاربة تفيد المجتمع برمته. ولا أدلّ على ذلك من أنها اليوم أكبر مختبر لإنتاج المعرفة والعلم... وقد مكنها من ذلك -علاوة على أمور أخرى- الاستقطابُ المنظّم والمطرد للكفاءات حيثما وُجدت؛ وبعد ذلك تتم عملية صهر جبارة في بوتقة أمريكية، دون إكراه الناس على التخلي عن ارتباطاتهم الثقافية وما جاورها. وليس معنى هذا أن أمريكا لم ولا تعرف نقاشاً يهم الجانب اللغوي على سبيل المثال؛ بل عرفت مثل هذا في ثمانينات القرن العشرين ولكن اشتغال الآلية الديمقراطية المؤسسية حسمت الأمر. وملخص الموضوع أن تكاثر المهاجرين من أمريكا الجنوبية الناطقين بالإسبانية خلق في بعض الولايات الجنوبية «وضعاً لغوياً جديداً» كان المزارعون أحاب الضيعات الفلاحية الضخمة أوّل المستجيبين له بإدراج اللغة الإسبانية إلى جانب الإنجليزية في كل الوثائق التي تعني العمال في الضيعات، بل تبنت بعض الولايات اللغة الإسبانية في خطابها الانتخابي (انتخاب الوالي في أمريكا طبعاً)...ووظفتها في جميع مظاهر الانتخابات. أدى هذا إلى نشوء حركة تزعمها مجموعة من المحافظين فشكلوا جمعية تدافع عن إدخال تعديل على الدستور الأمريكي ينص على أن «اللغة الإنجليزية وحدها هي اللغة الأمريكية»،وتشكلت في مقابل ذلك جمعية تناهض هذا التعديل.استدعى الكونكريس كلتا الجمعيتين لعرض دفوعهما، وكذلك كان.أما القرار فكان رفض التعديل لمسوغات عديدة.وامتثل الجميع للقرار.
وجوابا عن الشق الثاني من سؤالكم أقول لا يمكن في جميع الأحوال وصف التنوع الثقافي من حيث هو بالسلبي.التنوع الثقافي غنى وثراء يمكنان من التفاعل المستمر بين مختلف مظاهره؛ التنوع الثقافي أخذ وعطاء واعتراف بالمغاير والمختلف المشابه، الأمر هكذا على الرغم مما قد يُتوهم من تناقض في العبارة (ربما كانت تجربة ناس الغيوان مثالاً ناجحاً عما يمكن أن ينتجه التنوع الثقافي؛ وفي درعة (درى) السفلى مثال آخر يجسده «أحواش ن-ءيسمكان» وموطنه قرية توزونين في غرب طاطا؛ وهو توليف بين آلات موسيقية وإيقاعات أحواش سوس واكناوة والكدرة الحسانية والرقصة الفردية التي أصولها الأدغال الأفريقية جنوب الصحراء ورقصة أحواش الجماعية...كل ذلك في تركيبة شجية متناغمة ومنسجمة لا يدركها إلا القليلون). قد توحي بعض السياقات بأن التنوع الثقافي سلبي، ولكن الشاذ لا يقاس عليه كما يقال. ربما كان السؤال الذي ينبغي طرحه اليوم هو التالي: هل نوفر للتنوع الثقافي فضاءات ملائمة يمارَ س فيها؟ ويأتي على رأس الفضاءات المعنية التلفاز، ما حظ التنوع الثقافي فيه؟ بأي طريقة يقدَّم هذا التنوع؟ متى يحتفى به؟ الخ. المغرب بلد متنوع وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها أو إلغاؤها، لأن المغرب لا يمكن تصوره وجوداً خالياً من التنوع بمعناه الموضوعي. وهذه حقيقة يدركها كل مغربي مكنته الظروف طوعاً من (أو أرغمته كرها على) التنقل عبر الجغرافية الممتدة من طنجة إلى الداخلة ومن أكادير إلى فكيك، ومن الجديدة إلى وجدة، وهكذا دواليك.
س- حسب ما فهمته من كلامك ان التنوع والتعدد لا يلغي الوحدة بل يعضدها ويقويها.
ج - نعم هذا ما نرومه وما هو موجود حقيقة والدليل على ذلك هو أن المتنقل في هذه الجغرافية لا يمكن إلا أن يفتخر بهويته المغربية وبانتمائه إلى وطن تختلف مناطقه طبيعة وثقافة ولغة. بل إن الخبير حين يتأمل المتنوع ويمحصه يجد تقاطعات لا تخطئها عينه أو أذنه في كثير من الأحيان وفي كثير من الأماكن. وهذه حقيقة تحتاج إلى كلام كثير لا يسمح به المقام. سأكتفي بمثال واحد يأسر العين أعني «الزربية»، ولقد تعمدت ذكر هذا المثال إشادةً بالقدرة الإبداعية عند المرأة المغربية. تكاد تكون مادة الصنع واحدة الصوف الذي يخضع لعمليات متعددة حتى يصبح خيطاً قابلاً للنسج. قارن بين الزربية في مناطق أذكر منها أيت واوزكيت في إقليم ورزازات، وابزو في سهل تادلة، والخميسات أو تيفلت أو أزرو في الأطلس المتوسط، والزربية المصطلح عليها الرباطية... هل هي نوع واحد؟ كلا. ما الذي يجعلها مختلفة؟ تلك مسألة أخرى. وما دمنا نتحدث عن «الزربية» أدعو إلى المقارنة بين الواوزكيتية على وجه التخصيص والأناضولية، وربما فاجأت نتائج المقارنة من يقوم بها.
{ ماهي آفاق اللغة الأمازيغية بعد دسترتها؟ وهل تكفيها الدسترة لكي تلعب دورا كبيرا كلغة تواصل وإنتاج وأدب أم أنها تحتاج إلى أشياء أخرى؟
الآفاق المحتملة أمام اللغة الأمازيغية بعد دسترتها متعددة يصعب التنبؤ بها. ومع ذلك لا بأس من الانطلاق من التنبيه إلى جانبين على الأقل في المسألة: أولهما الجانب الحقوقي، وثانيهما الجانب العلمي. من زاوية حقوقية محض تبنى المغرب مفهوم «حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالمياً» ونحن نعلم أن «الحقوق اللغوية والثقافية» ركن من أركان تلك الحقوق؛ وهذا يعني أن الاعتراف بحق اللغة الأمازيغية في الوجود حق لا يمكن إنكاره. وفي اعتقادي أن من يطالب بالتنصيص على اللغة الأمازيغية في الدستور لغة رسمية ينطلق من تجربة «إدماجها في المدرسة» وما آلت إليه،على الرغم من أن المآل أو على الأقل قسط مهم منه لا يمكن أن يفسره عدم التنصيص عليها في الدستور. يكمن بعض التفسير في الطبيعة الارتجالية التي تم بها الإدماج، وبعضه بظرفيته، وبعضه بسعته، وبعضه بآلياته...
{ فأين تكمن الإشكالية إذن؟
أعتقد أن المعضلة الرئيسية في المغرب، لاسيما حين يتعلق الأمر بالقضايا المصيرية، اعتماد أحد «الاختيارين» إما «كم حاجة قضيناها بتركها» وإما «البناء على التخفيف» بلغة الفقهاء. وبكلا الاختيارين لا تحل مشكلة بل تزداد المشكلات تعقيداً وتشابكاً، وحينذاك ينتبه المعنيون بالاختيارين أو بأحدهما إلى أن أوان الحل العقلاني قد فات فيلجأ إلى الارتجال الذي لا يزيد الأمور إلا تعقيداً. أما اختيار الترك فيحيل الحل على المستقبل ويلقي على كاهل الأجيال اللاحقة مشكلات لم تسهم في صنعها ولا تعلم ملابساتها إلا من خلال الروايات (رواية هذا الطرف أو ذاك) في أحسن الأحوال. ربما كان النقاش الذي ينبغي أن يكون اليوم في المغرب بخصوص دسترة اللغة الأمازيغية هو الآتي: ما طبيعة المجتمع الذي سينجم عن دسترة الأمازيغية؟ ما تحملاته الاجتماعية؟ ما المؤسسات التي ستضمن إعمال ما يترتب عن الدسترة؟ ما الآليات الكائنة والمتطلبة لإنجاح العملية حتى لا يتكرر سيناريو إدماجها في المدرسة؟ في الارتباط بالجهوية هل سيتم اعتماد لغة واحدة (ليست مجسدة حتى اليوم إذ إنها ما زالت في طور التهيئة) أم أن كل جهة أو مجموعة جهات سوف تعتمد تنويعة بعينها؟ وربما دفعت الأسئلة الأخيرة إلى فتح المجال واسعاً أمام التمييز بين الذاتي والموضوعي في أسباب فشل الإدماج المرتجَل.
الجانب العلمي في المسألة يتعلق بتوفير وصف (أو أوصاف بالمعنى اللساني) للغة الأمازيغية. هل هو متوافر اليوم؟ وإن لم يكن متوافراً فما الأفق الزمني المنظور لتوافره؟ المعجم (معجم الأمازيغية) هل هو متوافر اليوم؟ وإن كان متوافراً فهل يضم اللغة الأمازيغية بتنويعاتها المختلفة أم أن الأمر مازال في حاجة إلى مجهودات حقيقة تدافع عما تراكم حتى الآن وتقوّمه وتغنيه. ما الأشواط التي قطعتها عملية التأهيل (تأهيل اللغة الأمازيغية)؟ ما الصعوبات التي صادفتها وكذا العقبات الموضوعية؟ ما سبل تجاوزها؟
{ ( أقاطعه) بمعنى أن ما بذل إلى حد الآن لم يف بالغرض في وصف اللغة ودراستها وتجميع مفرداتها ودراسة أنساقها؟
بل بالعكس من ذلك فإنا لا ننكر الجهود الحثيثة التي بذلها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في سبيل الإجابة عن هذه الأسئلة، ولكن المهمة معقدة وصعبة التحقيق في ظرف وجيز. وإذا أضفنا إلى هذا كله ملابسات متنوعة المصادر والغايات انتهينا إلى أن الورش ليس بالسهولة التي تكاد تصل أحيانا إلى السذاجة، تُتصوَّر بها الأمور. القرار السياسي لازم ولكنه شرط غير كاف بلغة المناطقة. وعلى من يتصور أن القرار السياسي كاف تأمل مسافات الفراغ التي يملأها «الاجتهاد» و«الالتباس» و«التحايل» بين القوانين وامتداداتها في الواقع المغربي.
وهل تكفيها الدسترة لكي تلعب دورا كبيرا كلغة تواصل وإنتاج وأدب أم أنها تحتاج إلى أشياء أخرى؟
من اللازم التنبيه إلى أن الأمازيغية تؤدي الأدوار التي تؤديها كل لغة تواصلاً وإنتاجاً وأدباً. ولما كان الحديث عن التواصل بالأمازيغية من نافلة القول فينبغي أن نوضح أن الإنتاج بهذه اللغة قد عاش تحولا كبيرا في السنين القليلة الماضية في بعض الأنواع من قبيل المسرح والسينما والأدب كماً ونوعاً. ولا يخفى على المتتبع أن هناك مهرجانات تعقد للاحتفاء بهذا الإنتاج ويتوج بجوائز رمزية وتقديرية تشجيعاً للجودة. ولا مناص كذلك من القول إن في هذا الإنتاج ما هو غث وما هو سمين، كما هي حال الإنتاج الإبداعي في المغرب مهما كانت لغته ووسائله التعبيرية. ومن ثم نخلص إلى أن الأدوار والوظائف الأساسية التي تؤديها كل لغة تؤديها الأمازيغية ولا يتوقف ذلك على دسترتها ولا ينتظره.
{ هل يمكن القول إن التنوع الثقافي بقدر ما هو إثراء للخصوصية الثقافية بكل جهة على حدة، بقدر ما هو كذلك من عوامل الوحدة أي المغرب المتعدد والموحد في آن، نريد وجهة نظرك في ذلك؟
ربما وجب التنبيه إلى أن الأنماط والأنواع الثقافية تتداخل وتتفاعل، وبالتالي يستحيل من الزاوية الموضوعية تسطير حدود صارمة بين الجهات تمكن من تحديد مبتدأ نوع ثقافي ومنتهاه. الأمور ليست بهذه البساطة والسهولة. ولكي أبرهن على ما أقول خذ رقصة الكدرة الحسانية؛ قد يُتصور أنها لا تتجاوز الرقعة الجغرافية الممتدة من لكويرة جنوباً إلى اكليميم شمالاً. أما واقع الحال فيقول إن هذه الرقصة تمتد شرقاَ حتى امحاميد الغزلان (زاكورة) وشمالاً حتى أكادير عاصمة سوس، هل يعلم الناس أن الرقصة نفسها توجد بقوة في سبت الكردان؟ وحتى حدود الثمانينات كانت الرقصة نفسها تمارس في ورزازات المدينة). خذ مثالا آخر ما نصطلح عليه «الميزان الهواري»، قد يظن أنه منحصر في هوارة، والواقع يقول إن له امتداداً في الجنوب الشرقي (زاكورة) وبالذات في تامكروت الزاوية الناصرية. ولقد وقع في تامكروت المزج بين الميزان الهواري وأحواش في توليفة عجيبة تمتع الأذن والعين معاً. وهكذا ينبغي الاحتياط من التعميم، وكذا من التخصيص والحصر والقصر غير المبني على ما يوجد في واقع الناس وفي جغرافيتهم.
كثيرة هي المواقع الأثرية التي أدرجتها اليونيسكو في التراث العالمي، وأظن أن التنوع الثقافي في المغرب يحتاج إلى أن يدرجه المغاربة أو على الأصح بعضهم في تراث المغرب الثقافي. وحين نتحدث هنا عن التراث لا نعني شيئاً جامداً وإنما نقصد به معطى دينامياً يعيش تحولاً مستمراً على عكس ما قد نظن. لو ظل محنطاً كما كان منذ قرون لكان مآله الزوال. المثال الذي قد أسوقه برهاناً على ذلك الإخراج الجديد الذي تقوم به بعض المجموعات الغنائية لأغان كاد النسيان يطويها فنفخت فيها روحاً جديدة (ناس الغيوان، أوسمان، جيل جيلالة، إيزنزارن...). أكتفي بمثال واحد للتصريح بعد التلميح: ألم يستفد الملحون من دفعة قوية بعد أن غنت فرقة جيل جيلالة قصيدة «الشمعة»؟ ولأن الأمثلة على هذا أكثر من أن تحصى نكتفي بهذا القدر حتى يدل المذكور على غيره.
{ فأين يمكن تحديد المشكل إذن ؟.
لا أظن أن المشكلة تكمن في التنوع الثقافي، وإنما تكمن في عدم إدراكه، وعدم إدراكه يفوّت على المرء متعاً لا حد لها ولا حصر. المغرب متنوع ثقافياً، ومن لم يرض بذلك فليبحث له عن مكان آخر يستظل بظله. وأنا واثق أن هذا المكان غير موجود في الأرض على الأقل؛ أما في السماء فممكن الوجود. المغرب أرض الله الواسعة مادة ومعنى تستحق أن يفتخر كل مغربي بالانتماء إليها؛ ولذا فإن الهوية الجامعة الموحِّدة لمن يقطنونها هي «تامغريبيت».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.