رصيده الكروي وألقابه الكثيرة تتحدث عنه، فهو واحد من الحراس المتميزين الذين أنجبتهم الساحة الكروية الوطنية في العقدين الماضيين. فرض نفسه داخل فريقه الرجاء البيضاوي وقاده إلى اكتساح الألقاب وطنيا وقاريا، بل كان له دور حاسم في أكثر من لقب. مجرد وجوده في المرمى كان يبعث على الارتياح في نفوس زملائه، كيف لا وهو الحارس الذي عرف بتدخلاته الحاسمة وردود أفعاله القوية وكذا تصديه لضربات الجزاء. إنه الحارس العنكبوت مصطفى الشاذلي، الذي يعترف بكونه ولد ليكون حارسا للمرمى، لأنه وجد نفسه يدافع عن «حجرتين» بالحي، وفرض نفسه بين أترابه قبل أن يقتحم باب الممارسة على أعلى مستوى عبر بوابة الأولمبيك البيضاوي. طيلة شهر رمضان الأبرك هذا، سنسافر مع الحارس الدولي مصطفى الشاذلي في رحلة ممتعة نقف خلالها عند لحظات العز والتألق كما اعترضه احيانا بعض الانكسارات، التي يرويها اليوم بكثير من الحسرة. كانت مشاركتنا في كأس العالم 1998 جد مشرفة، حيث قدمنا أداء كبيرا في المباراة الأولى أمام النرويج، وأنهيناها بالتعادل بهدفين لمثلهما، ثم انهزمنا في المباراة الثانية أمام البرازيل بنجومها الكبار، وفي مقدمتهم رونالدو وبيبيطو وروبيرتو كارلوس وريفالدو وغيرهم، ثم الانتصار العريض في المباراة الثالثة أمام استكتلندا. حظي المنتخب الوطني بإعجاب كل المغاربة، وفي مقدمتهم الملك الراحل الحسن الثاني، الذي خصنا باستقبال كبير بالقصر الملكي. لقد حققنا أهم إنجاز في مسارنا الكروي، وأدخلنا الفرحة إلى قلوب الشعب المغربي داخل وخارج أرض الوطن. شعرنا خلال الاستقبال الملكي بتواضع جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، كان يكلمنا مثلما يكلم الأب ابنه، وقال لنا إنه فخور بالعرض الذي قدمناه في كأس العالم، وطلب منا مواصلة الجهد وأنه يدعمنا. حرصت خلال هذا الاستقبال على أن أكون قريبا من جلالة الملك في الصورة التذكارية الجماعية. سألنا جلالة الملك بالحرف «واش غيتهلاو فيكم هاد الناس؟»، بادرت إلى الجواب وقلت له «نعم سيدي لقد وعدونا بمنحة مهمة». ضحك الجميع وكانت لحظات جميلة. وبعدها بأيام قليلة استدعينا من جديد إلى القصر الملكي لحضور حفل عيد ميلاد ولي العهد أنذاك الأمير سيدي محمد. خصص لنا جلالة الملك منحة، بالإضافة إلى منحة الجامعة، وبلغ المجموع 400 ألف درهم لكل لاعب. كان المبلغ كبيرا في سنة 1998. استحضرت المسار الذي قطعته إلى أن بلغت المنتخب الوطني، وهو مسار طويل، ابتدأ بعشرة دراهم كتعويض عن النقل، ثم راتبا شهريا بقيمة 300 درهم، إلى أن بلغ هذا الرقم المهم. ما إن تسلمت الشيك حتى انتباني شعور بالخوف، وهو إحساس تملكني طيلة طريق العودة من الرباط إلى الدارالبيضاء. أقفلت سيارتي، التي كانت من نوع بيجو 205، وركزت على الطريق، التي شعرت أنها طويلة جدا. كنت أسير بسرعة، وكنت أشك في كل سيارة تحاول تجاوزي، معتقدا أنني قد أتعرض لعملية سرقة، ولم أشعر بالأمان إلا عندما وصلت إلى المنزل. كان الكل في انتظاري، أخرجت الشيك من جيبي، وقرأت المبلغ أمام الجميع كانت الفرحة كبيرة. كنت أتوفر على قدر من المال، جمعته من المنح والمستحقات التي كنت أتوصل بها عند كل إنجاز رفقة الرجاء، فقررت مع نفسي أن أنقل العائلة إلى مسكن أرقى. كان منزلنا صغير المساحة، لا يتعدى 60 متر مربع بحي دار الأمان، التي انتقلنا إليها من سيدي عثمان. لم يكن هذا المنزل يسعنا بشكل مريح، فقد كان يتشكل من غرفتين وصالون. وعائلة من ستة أبناء وأب وأم ينبغي أن تتوفر على منزل أكبر. في الأيام الأخيرة من سنة 1998 وبعدما أوصلت خطيبتي إلى مقر سكنها بعين السبع، قررت أن أقوم بجولة في أحياء عين السبع، فلفتت نظري فيلات للبيع بشارع الشفشاوني. أعجبتني إحداها، خاصة أن مساحتها هي 320 مترا مربعا (200 متر مربع مبناة و120 عبارة عن حديقة). سألت عن الثمن فقال لي صاحبها إنه لن يبيعها بأقل من 106 ملايين سنتيم. علم أني لاعب بالمنتخب الوطني، وكان إنجاز كأس العالم مازال حاضرا في الأذهان، فقرر أن يخفض السعر إلى 98 مليون سنتيم. قلت له سأعود عندك لوضع الترتيبات النهائية لعملية البيع. في اليوم الموالي حملت والدي ولم أخبرهما بأي شيء. بعد الوصول سألتهما رأيهما، فكان الجواب موحدا. لا مقارنة بين المنزل الذي نعيش فيه بدار الأمان، الحي الشعبي، مع هذا المنزل، الذي كما يقال بلغتنا العامية «يجريو فيه الخيل». سألني والدي من أين سنأتي بالمال الكافي لشراء منزل من هذا الحجم، فقلت له إن الله سيدبر الأمر. حملتهما في اليوم التالي، وقصدنا صاحب المنزل، الذي طالب 130 ألف درهم «نوار». وافقت على الأمر وسلمته شيكا بالقيمة المطلوبة وأنهينا ترتيبات البيع عند الموثق. شعر والدي بفرحة كبيرة، والعائلة بأكملها، لأنه كان حدثا مهما. لم تكف الأموال التي كانت بحوزتي لكل المصاريف، فبادر والدي من شدة فرحه إلى سحب ما في حسابه الخاص، من أجل تغطية واجبات التسجيل والتحفيظ. وبعد توصلي ببعض المستحقات الأخرى من الرجاء قمت بإصلاح المنزل وجهزته، ثم انتقلت إليه الأسرة. اتخذت هذه الخطوة، رغم أني كنت مقبلا على الزواج، لأني فضلت أن أرد الجميل لوالدي، وأسدد لهم بعضا من واجبهما علي. وكما يقال «فإن ما يصرف من أجل الوالدين يخلفه الله»، جاء الفرج بعد أقل من سنة. فقد فزنا بلقب عصبة أبطال إفريقيا سنة 1999 بعد التغلب على الترجي التونسي، والتأهل إلى أول كأس عالمية للأندية. حصلت بعد الفوز على الترجي على أكبر منحة في تاريخ البطولة الوطنية، وبلغت 300 ألف درهم، ثم تلاها مبلغ 200 ألف درهم منحة توقيع للرجاء، تقديرا للجهود التي أقدمها داخل القلعة الخضراء. قررت أن أشتري سكنا خاصا، وأستقل عن العائلة، خاصة وأني مقبل على حياة جديدة، فقصدت أحمد المرنيسي، الرئيس السابق للمغرب الفاسي، واتفقت معه على شقة تبلغ مساحتها 136 متر مربع بإقامة الموحدين. استقبلني بحفاوة، وقال لي إنه شرف له أن أكون من ضمن ساكني إقامته. كانت القيمة الحقيقية للشقة هي 650 ألف درهم، لكنه خفض المبلغ بخمسة مليين سنتيم. بعد أن اشتريت منزلي الجديد قررت الزواج. خصص لي رئيس الرجاء أنذاك، أحمد عمور منحة خاصة، هدية وتقديرا للمجهودات التي قدمتها للرجاء. وبكل صراحة فأحمد عمور بالنسبة إلي يعد ثاني أفضل رئيس للرجاء في عهده الجديد. استدعاني إلى مكتبه لما علم عن طريق العسكي أني مقبل على الزواج، تمنى لي التوقيف في حياتي الجديدة، وسلمني شيكا بقيمة 200 ألف درهم، 150 ألف من أجل تأثيث المنزل وخمسين ألف درهم من أجل تغطية مصاريف الزفاف، الذي شرفتني فيه إدارة الرجاء كاملة بالحضور، باستثناء الرئيس عمور لكثرة انشغالاته.