جملة تردد صداها عدة مرات على مسامعي، فخلت الأمر مجرد مزحة ثقيلة، حقيقة معاشة أم أنها ستيروتيب، لا يتورع القاطنون في المهجرمنذ مدة على إلقائه على القادم الجديد. أتذكر أن الحاج عمر صاحب المقهى المحاذي للخزانة البلدية، الذي بادرني عندما تركت مذكرتي وقلمي مع هاتفي النقال على مائدة في التيراس. «احذر، العرب يجرون بسرعة»، قالها بلغة فرنسية. أجبته مبتسما:»أنا أيضا عربي، أنا أيضا أجري بسرعة». لم أعرف أن إجابتي كانت على شفتي، كمن ضاق ذرعا بتحذيراتهم من العرب مع أن أصلهم عرب. لم أطل في حديثي مع رب المقهى الجزائري الأصل، بل اتجهت صوب عبد الرزاق المغربي المكلف بتحضير طلبات الزبناء. طلبت منه قهوة الصباح وعدت لطاولتي، وأطرقت أتكلم مع نفسي وأتساءل ما سبب هذا الحذر المبالغ فيه في نظري. وأنا في مناجاة تأبى إصدار الأحكام على الآخرين، دون معرفة أو تجربة سابقة، جاءني المكي النادل بقهوتي، شكرته ونفضت عن فكري العرب والحذر منهم لأرتب ملاحظاتي حول بحثي عن المهاجرين السريين الهاربين من اسبانيا وايطاليا المستقرين بفرنسا. وفيما أنا منشغل في التدوين وقف أمامي رجل ذو ملامح مغاربية. طلب مني سيجارة، أجبته نافيا لأنني لا أدخن. لكني عرضت عليه الجلوس معي لتناول مشروب. هذه المرة ناديت على المكي لأخذ طلبية جليسي. طلب فنجان شاي، وشكرني وأردف قائلا: «عرفت أنك عربي، فتشجعت للتحدث معك». ليس من عادتي رفض محادثة الآخرين. قلت له بأنني أنا كذلك أرغب في التحدث مع أي كان في هذه اللحظة، خصوصا حول العرب المقيمين هنا بالمهجر. أخبرني محمد، وهذا الإسم الذي قدم به نفسه، أنه مغربي ينحدر من مدينة وجدة. أمضى عشر سنوات بالديار الإسبانية. عمل في البناء والترصيص، لكنه هرب من تبعيات الأزمة الإقتصادية وقلة فرص الشغل هناك. «أتواجد بمارسيليا منذ بضعة أيام، جئت باحثا عن عمل بعد أن قضيت سبعة أشهر دون دخل قار»، قالها لي وإبتسامة شاحبة تعلومحياه. استرسل في الحديث ، بطلب مني عن حياته في المغرب. حيث كان يكسب جيدا ويعيش، حسب قوله، عيشة بدون مشاكل. لم أشأ أن أتطرق معه في تفاصيل أخرى حتى لا أحرجه. ومن خلال تبادل أطراف الحديث، عرف أني حديث العهد بالمهجر. اكتملت دهشتي عندما حذرني محمد هو الاخر من العرب قبل أن يشكرني ويبارح المقهى. أطرقت أفكر برهة. والسؤال الذي يشغل بالي هو لماذا الحذر من العرب؟ كان اليوم يوم السبت، قلت مع نفسي غدا يوم الأحد موعد مباراة كرة القدم المصغرة. أتوق للعب المستديرة. منذ قدومي إلى فرنسا، أي منذ حوالي شهرين لم أداعب معشوقة الشعوب, لا كما قال البعض لا سامحهم الله أفيون الشعوب. كان صلاح الجزائري هو المنظم، هو الذي يتصل بكل واحد منا على حدة، لتحديد مكان اللقاء قبل التوجه في مجموعات إلى الملعب. صلاح لم يكن يخفي تذمره من بعض العرب. كان يقول:»إنهم لايكتفون بعدم احترام المواعيد, بل ما إن يحضرون حتى يملؤون المكان بصخبهم وضوضائهم.» أعقب قوله أن سبب المشاكل هم العرب. هكذا كان ذلك، كثرة الكلام البذيء والخشونة في اللعب. أضف إلى ذلك الضحك على الخصم والتقليل منه. خلت نفسي ألعب مع أطفال مشاغبين قليلي التربية. كان صلاح دائما يردد: «عبد الرحيم لاتكترث، إنهم هكذا، هؤلاء هم العرب». «ابتعد عن العرب، إذا أردت أن تنجح في هذه المدينة، صدقني لن يأتيك منهم سوى صداع الرأس». وجدت أن هو وأنا عربيان ومنذ لقائنا لم نصطدم معا ولا مرة واحدة. الشيء الذي لم أستطع فهمه هو التناقض البادي للعيان، فهم يقولون لك ابتعد واحذر من العرب فيما يتواجدون طول الوقت مع بعضهم البعض. * (صحفي وباحث جامعي مقيم بفرنسا)