يمكن، في سياق الاعتراض على التقرير، الدفع بأن التقدير الأمريكي للوضع السياسي المغربي، لا يعطي لواشنطن الحق في أن تملي تصوراتها على بلاد ذات سيادة. والأمر فيه الكثير من الصحة، والمشروعية لا تنقص طرحا من هذا القبيل. غير أن الكل يعرف أن التقدير الأمريكي لقضايا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يمر بدون مستتبعات. قبل العدل والإحسان كان لأمريكا رأيها في العدالة والتنمية، وقد تتبعنا، قبيل سنوات الربيع الفبرايري، كيف أن أخبار العلاقة بين أمريكا والحزب، كانت تملأ الصفحات الإعلامية، بل إن تقديرات السفارة الأمريكية حول النتائج الانتخابية لحزب بنكيران كانت تهز الحقل السياسي المغربي، ولم تمر بدون نقاشات وسجالات، شارك فيها هذا العبد الضعيف لربه. مختبر التحليل الأمريكي مرت منه معادلة العدالة والتنمية نفسها. وقد سمعت من مسؤول رفيع في الدولة المغربية تحليلا معززا بمعطيات وأخبار، عن وجود إرادة أمريكية منذ 2002، في أن يكون حضور العدالة والتنمية يتجاوز الحضور السياسي البرلماني وقتها، وكانت «وصفة» التطبيع مع الدولة والتواجد ضمن قمرة القيادة الحكومية واردا، بل «منصوح به»، في سياق ما كان يروج له ضمن إشراك الاعتدال السياسي الإسلامي، في ما بعد شتنبر 2001. التجربة كان لها المآل الذي ندريه، وقد وردت في سياق مشروع واسع، عبر عنه، في 2005، مارتن انديك، في تقرير له لوزارة الخارجية الأمريكية. وقد وردت نفس القناعات الاسترتيجيةالأمريكية في إدماج الإسلام السياسي (بتعبيراته الإخوانية) في المشاركة السياسية والنظام الحكومي العربي الإسلامي، في لقاء «المنتدى الإسلامي الأمريكي» الذي انعقد في أبريل 2004 بالدوحة بقطر. وكان من بين المشاركين فيه، ريشارد هولبروك، الذي اشتهر في ملف الكوسوفو، جيمس استاينبيرغ، من مجلس الأمن القومي الأمريكي من بين شخصيات سياسية أمريكية أخرى. بالنسبة للمغرب، أول تاريخ يعود إلى الأذهان، هو تاريخ لقاء 17 أبريل 2005 بمراكش، والذي ضم شخصيات أوروبية وأمريكية ومن التيارات الإسلامية. ومن الصدف التي كانت وقتها لافتة أن «التجديد»، وحدها، نقلت وقائع هذا اللقاء في عددها الصادر يوم الأربعاء 27 أبريل من نفس السنة تحت عنوان مثير«هل بدأ الحوار الأوروأمريكي مع الحركات الإسلامية في مراكش». الوقائع التي جاءت من بعد، سواء في وثائق ويكيليكس، أو في الإعلام الغربي، تؤكد أن العدالة والتنمية، ضمن المشروع المشار إليه، كان في صلب المختبر الأمريكي، وعلاقات أمريكا والمغرب. هذا الاستطراد الطويل، كان ضروريا لنقرب فكرة التقدير السياسي الأمريكي وما يكون له من وقائع، لكن الذي هو رئيس في القضية، هو أن قراءة المغرب السياسية لا يمكنها أن تغفل هذا المعطى بدون أن تكون منصاعة له، خارج أجندة المغرب السياسية وخارج زمنه السياسي. يجمع الكثير من الباحثين أن قراءة العدل والإحسان تتميز بأنها «محلية»، أي أن امتداداتها الفوق وطنية لا ترقى إلى ما تعرفه حركات الامتداد الإخواني، وأنها محكومة بالشروط المحلية في تفاعلها مع المحيط السياسي لها. وهي نقطة لا يمكن أن تغفلها الدولة أو المكونات السياسية الوطنية. ولا يمكن أن نغفل أن دفاعها بالمصطلح اللاهوتي عن استقلالية الحقل السياسي الوطني لا يلغيها من المخاطبين الرئيسيين للدولة المغربية. ولا شيء يضر المغرب، في دينامية الإصلاح التي يقودها الملك من أجل ترشيد التاريخ ، أن يتسع الحقل للمزيد من القوى الحقيقية في البلاد للعمل، بما يقتضيه ذلك، أيضا، من اتساع اللباس ،، للمزيد من المساحة والإصلاحات. ولا يمكن أن تقفز الجماعة بدورها اليوم عن مشترك سياسي يتأسس ويتطور منذ عهد الدفاع عن الاستقلال.. وعقد المطالبة بالاستقلال الذي أعاد تعريف العقد السياسي والاجتماعي والعقدي المغربي.