بدعوة من «مركز روافد للأبحاث والفنون والإعلام» بخنيفرة، أقيم حفل توقيع ديوان «للمليكة يضحك الغمام»، للشاعرة نعيمة قصباوي، في حضور لا فت ومتميز، ومخلل بعدد من الشعراء والإعلاميين والجمعويين والتربويين والمهتمين بالشأن الثقافي، وتميزت الأمسية بمشاركة القاص حميد ركاطة، الشاعر م. إدريس أشهبون، والأديبة الجامعية مليكة معطاوي، بينما قامت الشاعرة ذ. مالكة حبرشيد بتسيير الحفل باقتدار ينبض بسمو الشعر، كما لم تدع فرصة الاختتام تمر دون البوح بعلو القصيدة على قارعة االإبداع ووجع الكتابة. الشاعرة ذة. مالكة حبرشيد انطلقت من مخاطبة الحضور بعبارات «مساء الشعر المستحم بصدق البوح وأسفار التمني، مساء الحرف المتزمل بأتون الوجد والشجن، وهو يمنحنا أجنحة التحليق في أرجاء الزمان والمكان، احتفاء بشهقات القصيدة وخارطة الحنين والأمل»، قبل تقديمها للشاعرة المحتفى بها ك «قلم تعطّرت صاحبته بوجع الشعراء وحب الجلنار كزهرة تحمل رائحة الأرض والإنسان»، ومن هنا عمدت الشاعرة مالكة إلى السفر بفضاء الحفل إلى عالم من التعابير الرقيقة والجميلة بأرواح شعرية. ومن خلال قراءته، تناول القاص والناقد ذ. حميد ركاطة ديوان الشاعرة نعيمة قصباوي، عبر ثلاث زوايا، بدء من جنسه وغلافه وعنوانه، إلى ميثاقه ومقدمته، إلى مستواه الدلالي الذي تناول من خلاله مجموعة من التيمات الموزعة بطبيعة العلاقة بالأقارب، الوجع والغياب، الألم والاحتراق والرحيل، خطاب الحلم والروح، خطاب الذات كفضاء للتخييل، الاحتفاء بالمكان، في حين لم يفت القاص ركاطة تشخيص الرموز على المستوى الفني بحديثه عن بعض الجوانب البلاغية في الديوان، من قبيل «الاستعارات والمجازات والتشبيهات، وما لها من دور حاسم في توصيل المعنى وترسيخه»، وما تضمنه من حوار، وتنويع للضمائر، ومن بياضات ونقط الحذف، ليختم ورقته بملاحظة حول دواعي إهمال الأشعار لموسيقى العروض واعتمادها على ألوان من الموسيقى الداخلية التي لا ضابط لها، مفسرا ذلك بخصائص»قصيدة النثر» وتقيد الشاعرة بما يحرك العواطف والأحاسيس. أما الشاعر ذ. م. إدريس أشهبون فشارك بورقة نقدية حول دينامية الأنساق المتعددة في ديوان «للمليكة يضحك الغمام» من خلال ثلاثة مستويات، انطلاقا من النسق اللغوي/الصوتي/الجمالي، إلى أثر التفاعل عبر النسق الثقافي/ الرمزي، وأثر التهجين من خلال النسق النفسي/ الفلسفي، قبل غوصه في تشريح رموز الديوان ودلالة حروفه وكلماته وأصواته وصرخاته الحزينة، كما رأى فيه اللغة البسيطة الموشومة بانزياحية التركيب إلى درجة أن القارئ عليه الاجتهاد في التأويل وفك الغموض، والبحث العميق عن الدلالات التي تخلق القلق، بينما لم يفت الشاعر ذ. أشهبون قراءة الديوان من زاوية النسق الثقافي الرمزي وتعدد الأجناس الأدبية فيه، وتعلق الشاعرة بمدينتها التي وصفتها بإلهة الحب ومكان العشق والحلم. ومن جهتها، اختارت الشاعرة الجامعية دة. مليكة معطاوي، المشاركة بشهادة جميلة في حق الشاعرة ذة. نعيمة قصباوي، واصفة إياها ب «الإلهام الصامت الذي يكون أعمق من الكلام»، مستعرضة لقاءها الأول بصديقتها الشاعرة في دروب مكناس وهي تغازل قصيدة، حيث «منذ ذلك التاريخ لم تبرح ذاكرتي ووجداني، لقد أدمنتها وشربت من ماء صداقتها حد الارتواء»، ل «نسكن معا مدارج القصيدة»، ومتحدثتة أكثر عن قيمة رفيقة روحها ك «إنسانة رقيقة وشفافة وراقية، إنسانة بلا ادعاء، تعيش وتشتغل في الظل، تنزوي بصمتها وحساسيتها ضد الارتواء، لكن في حضرتها يظهر جليا كل ذلك الجمال المخبأ في أدغال الحياة، ليس لها رنين لكن لها صدى يخترق الوجدان ولا يبرحه أبدا»، ومن خلال ذلك قرأت في ذات الصديقة قلق المتخيل ومداعبة القصيدة من الألم إلى الأمل بلا صخب. وعلى معزوفات قيثارة الفنان ياسين حجام، سافرت الشاعرة نعيمة قصباوي بالحضور، الممتد في القاعة، على بساط من قصائدها، فقرأت من «ما كل شيء بعد أمي يحزنُ عين الشمس الحوراء» إلى «رعشة الأطلس» المدسوسة «في دمي وجدائلها البكر مسجاة على البيادر»، و»يا نار كوني رعودا و شهقة لعل الآتي لا يجيئُ وتعْلق الرغبة في نتوء الهاوية»، كما قرأت «لطيفك القادم هذا المساء أفرشُ انتظاري يكفي أن تطل عليّ من نافذة أغمضت دفتيها قبل متمِّ البوح لتتراقص قطعانُ الشوق رشيقةَ الخطى نتذكر البحرَ والمجدافَ وفلكَ النجاة الهاربَ من بارجةٍ أحكمتْ قبضةَ التيهْ»، وغيرها من الحروف التي ألهبت به مشاعر الجميع وخاطبت بها كل ما هو جميل في أعماقهم.