الخط : إستمع للمقال المؤتمر التاسع لحزب العدالة والتنمية أنهى أشغاله بإعادة انتخاب القائد المغوار، عبد الإله بنكيران، لولاية ثانية. هنيئا له على هذه الولاية التي تمنحه قيادة حزب يُجمع عدد من الدستوريين والقانونيين، على أنه غير دستوري، كونه يقوم على مرجعية دينية صرفه، فيما دستور المملكة يمنع تأسيس الأحزاب على أسس دينية أو لغوية أو عرقية أو جهوية. والسؤال المُحيّر في هذا الباب هو لماذا لم يتم تفعيل هذا النص الدستوري الصريح؟ الإجابة نجدها عند نفس الدستوريين الذين يُقرون بصعوبة تفعليه، كون الدستور المغربي ينص أيضا على أن الإسلام هو دين الدولة. والتنصيص هنا على أن الإسلام دين الدولة، لا يجب بأية حال من الأحوال، برأي الكثير من الحقوقيين وحتى السياسيين، أن يحول دون تطبيق النص الدستوري الذي يمنع تأسيس الأحزاب على أسس دينية، على اعتبار أن حزب العدالة والتنمية، يعطي الانطباع أن منسوب الدين عند الآخرين ضعيف، بل ربما منعدم. وهناك من بين المتشددين من حزب العدالة، ممن لا يكفون عن التلويح بالثنائية التكفيرية القائلة، إما معي أو كافر. وقد تجلى ذلك في دعوة جماعة حماس الإخوانية والتي وصف فيها السيد بنكيران، الآراء الرافضة لتلك الدعوة ب "قلة الحياء". كلام ينطق بسفاهة تدعو إلى التقزز، بما تعنيه من خفة رأي وجهالة. Screenshot ممثل حماس كان سيأتي للبكاء على التطبيع مع التحامل كما تحامل ممثل العدلة والتنمية التركي، في بلدنا ووطننا وتحت التصفيقات الحارة للبيجيديين، على الخيارات السيادية لبلدنا. دعوة مثل هؤلاء المتحاملين بالفطرة عمن يخالفهم الموقف، من دون أن ينبههم بنكيران وجماعته، إلى عدم التطاول على الدولة المغربية في قلب المغرب، فهذا تنكر يائس وبئيس للمواقف المشرّفة للمغرب بشأن القضية الفلسطينية، وهو إلى جانب ذلك، تدخل سافر في قرارات سيادية لا تهم إلا المغرب، الذي يعتبر سادس دولة عربية تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعد مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان. والدولتان المعنيتان مباشرة بالصراع العربي الفلسطيني، هما مصر والأردن، بحكم حدودهما المشتركة مع كل من إسرائيل وفلسطين، تقيمان علاقات متينة مع إسرائيل منذ 46 سنة، بالنسبة لمصر (1979)، و31 سنة بالنسبة للأردن (1994). والمغرب الذي غلّب مصالحه الاستراتيجية، في التطبيع مع إسرائيل، لا يحتاج دروسا من ذوي الهلوسة الكلامية المسخرة لتزوير وعي المواطنين. وليتصفّح حزب العدالة والتنمية وكل الأحزاب المتحاملة على الخيارات الاستراتيجية للدولة المغربية، بعض أوراق التاريخ السياسي العربي الحديث، ليفهموا أن وراء التطبيع مع إسرائيل عقودا من المساعي المغربية لإقرار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وقد عقد المغفور له الحسن الثاني، ضمن هذا المسعى، لقاءات في سرية تامة مع قادة إسرائيليين من أمثال موشي ديان، الرجل الأول الذي فتح معه الملك نافذة المفاوضات، ومن بعده شيمون بيريز وإسحاق رابين... لقاءات باركتها بعد أن سربتها إسرائيل، معظم الدول العربية بما فيها مصر والسعودية، وأيضا منظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة في زعيمها الراحل ياسر عرفات. ولم تبق سوى سوريا والعراق وليبيا، التي أدانت المبادرة، دون أن يؤثر ذلك في شيء على إصرار الحسن الثاني، على مواصلة الطريق لإقناع العرب والإسرائيليين، بأهمية التفاوض من أجل تسوية مشاكلهم. أما الجزائر، فكانت مصابة إصابات بليغة بعقدة اللسان، بل كانت طوال أربعة عقود، في غيبوبة تامة عن المخاض السياسي العربي. ولعلم باعة الدجل والكذب لأغراض انتخابوية حضيضية، أن الحسن الثاني حذر في أحد لقاءاته مع شيمون بيريز، إسرائيل من مغبة استخدام السلاح النووي ضد العرب لأنه، كما ورد في مذكرات الراحل عبد اللطيف الفيلالي، "المغرب والعالم العربي"، الذي حضر اللقاء:" إذا فجرتم قنبلة ذرية في حرب جديدة محتملة ضد العرب، فإن اشعاعاتها النووية ستكون مدمرة لشعب إسرائيل. ولن يكون بمقدوركم التحكم لا في السماء ولا في الهواء، وستذهبون أنفسكم ضحية الإشعاعات الذرية". هكذا كان الحسن الثاني يفاوض من أجل نصرة القضية الفلسطينية، وبمثل هذا الحماس، سعى إلى تأسيس لجنة القدس التي تشكلت بقرار إسلامي برئاسة الملك الحسن الثاني عام 1975، ومقرها بالرباط، وأنشأ لها بقرار إسلامي أيضا، وكالة بيت مال المقدس التي انطلق نشاطها رسميا سنة 1998. وأيضا بمثل هذا المسعى المخلص للقضايا العربية والإسلامية، استدعى الحسن الثاني، غداة إحراق المسجد الأقصى، قمة إسلامية عاجلة بالرباط سنة 1969، فيما اكتسبت منظمة التحرير الفلسطينية شرعيتها كممثل وحيد للشعب الفلسطيني، في قمة الرباط سنة 1974. وبعد ذلك بسنوات صادق القادة العرب على أول مخطط عربي للسلام مع إسرائيل في قمة فاس عام 1982. وجاء وارث سره، الملك محمد السادس، ليضع القضية الفلسطينية في مرتبة الوحدة الترابية للمملكة، وهو موقف مبدئي ثابت للمغرب، لا يخضع للمزايدات السياسوية الرخيصة، أو للحملات الانتخابية الضيقة. أما الجارة الجزائر التي لا تطبّع، فتقوم بتصدير الغاز لإسرائيل منذ 2014 باتفاق سري، وفق ما نقلته مجلة "ميديا بارت" الفرنسية، المشهود لها بمصداقيتها وبدقة معلوماتها، والتي أكدت أن الجزائر "أقدمت منذ 2014 على إبرام اتفاق تجاري مع إسرائيل بوساطة مصرية، بشرط أن يبقى سرا ". وبناء على البعض القليل من هذه الحقائق التاريخية، أخلُص إلى أن حزب العدالة والتنمية بات اليوم أمام اختيارين لا ثالث لهما، إما الكف عن المتاجرة بالدين لسرقة السلطة، والكف عن المبايعة الخفية لجماعة الإخوان، أو الدخول في قطيعة مع المغاربة الذين سيتولون بأنفسهم، المطالبة، في مظاهرات حاشدة، بتفعيل النص الدستوري الصريح، الذي يمنع تأسيس الأحزاب على أسس دينية. ولا حاجة لتذكير حزب العدالة والتنمية بدرس الشقيقة الأردن، حيث جماعة الإخوان بدأت حزبا صغيرا محتشما، يُقيس حرارة الناس، ثم تدحرج وتفاقم مثل الكرة الثلجية، ليصبح أكثر تأثيرا وخطورة، وليأتي في نهاية المطاف، على كل ما هو مضيئ في المسيرة السياسية للأردن. حذار ثم حذار.. وقد أعذر من أنذر وأنصف من حذّر.